نبيلة الوزاني
الحوار المتمدن-العدد: 7808 - 2023 / 11 / 27 - 20:35
المحور:
الادب والفن
يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة :
(إن الشعوب المغلوبة على أمرها تميل إلى تقليد الأمم الغالبة عليها) .
وأقول:
إنَّ هذا القول لم يأْتِ من فراغ بل كان نتيجة لاستقراء التاريخ وقوانينه
وهكذا نجد عبر جميع المراحل التي مرت بها البشرية
أن الأمم كانت دائما تميل إلى تقليد غيرها ممن كانت لها الغلبة عليها
وهذه الغلبة تكون أحيانا بالفكر والعلم وأحيانا كثيرة بقوة السلاح .
فانظر حينما بسط الرومان سلطانهم وغلبوا مَن دونهم
سادت أنماط وطرق معاييشهم بين الأمم التي استعمروها
فقلّدوهم في أزيائهم وأعيادهم وموائدهم وتعلموا لغتهم بل واستعاروا آلهتهم
وانظر كيف أن العرب عمود الإسلام وسنامه
نشروا لغتهم وأدبهم في الأمصار المفتوحة
وقس على ذلك أيام الدولة العثمانية وصولا إلى أيامنا هذه.
والتقليد لا يكون درجة واحدة بل يتخذ أشكالا عديدة
تختلف باختلاف نفسية الفرد عامة والأمة خاصة
ويختلف كذلك باختلاف الطبقات الإجتماعية داخل البلد الواحد
بل قد يختلف هذا التقليد داخل النسيج الإجتماعي الواحد.
كما أن التقليد يتخذ أنواعا عديدة ويتلون بأكثر من لون من تقليد فكري
فقط لا يصل حد الممارسة إلى تقليد يذوب فيه الكائن الإنساني
فيخرج من جلده ويستعير جلدا آخر.
والناقد لأمور الحياة ومجرياتها يجد أن أكثر الناس إغراقا
في التقليد هم في غالب الأحيان من الطبقة الغنية
والذين يتاح لهم أكثر من غيرهم سبل التعرف على ثقافة الآخرين
فيتخذونها نموذجا يتبنونه ويحذون حذوه من مهدهم إلى لحدهم
فتجدهم يتكلمون لسانا غير لسانهم ويتصرفون تصرفات ليست من محيطهم .
أما الطبقات الأخرى فهي تأخذ من الغير ما استطاعت أن تصل إليه حواسها
فلا يتأثرون إلا بما يتلاءم وإمكانياتهم وظروفهم التي تقيدها قوانين وأحكام مختلفة .
والتقليد كغيره من الأمور الأخرى يندرج تحت مسألة ناقشها المفكرون والفلاسفة
منذ قرون ألا وهي علاقة الفكر بالواقع
وما الذي يؤثر في صاحبه هل الفكر هو الذي
يؤثر في الواقع ويحركه أم أن الواقع هو الذي يحرّك الفكر .
#نبيلة_الوزاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟