أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 7















المزيد.....


كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 7


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 7764 - 2023 / 10 / 14 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع


*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

هرمجدون؟ تتيح لك حروب القرن 21 اختيار الحقيقة حسب ذوقك
(هرمجدون – هو مكان المعركة الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر)**

ايليا تيتوف
كاتب صحفي روسي

12 أكتوبر 2023



يقتصر الحديث حول أكبر حدث في الأسبوع الماضي على مجموعة ضئيلة من الحقائق.
في صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت حماس عملية طوفان الأقصى: انطلق مقاتلوا حماس من قطاع غزة، واحتلوا منطقة واسعة وقتلوا العديد من الأشخاص. ردًا على ذلك، أطلقت إسرائيل عملية السيوف الحديدية: وصل جنود الجيش الإسرائيلي، وبدأوا في استعادة المناطق التي خسروها وقتلوا أيضًا العديد من المهاجمين. ظهرت المجموعات المهاجمة هنا وهناك، وتم أسر مدنيين وضباط في الجيش الإسرائيلي، وسادت الفوضى والارتباك في صفوف قيادته لفترة طويلة.
ويواجهنا المزيد من النقاش بالحاجة إلى تسمية أرقام دقيقة، الأمر الذي يعتمد بدوره على التعاطف مع هذا الطرف أو ذاك . وكتبت الصحافة الموالية لإسرائيل عن آلاف "البلطجية" الذين تدفقوا من جميع شقوق الجدران المحيطة بغزة، إلى جانب عشرات الآلاف من الصواريخ. على العكس من ذلك، نشر العالم الإسلامي، من خلال مصادره، وجهات نظر حول قلة عدد المقاتلين البواسل، وكذلك حول ذنب إسرائيل تحديداً فيما حدث في 7 أكتوبر.

تتيح لك حروب القرن 21 إختيار الحقيقة التي تناسب ذوقك، لذلك حتى مرضى انفصام الشخصية على تويتر، مقتنعون ب"خطة بوتين الماكرة لتحويل انتباه الجميع عن أوكرانيا بمساعدة تصعيد الوضع في الشرق الأوسط" لها أتباعها.

ليس هذا ما يهمنا، بل ما يجري في عدة اتجاهات حول غزة (ومدينة سديروت التي دارت فيها الاشتباكات طوال الأيام الأولى للهجوم من غزة، لم تكن سوى اتجاه واحد، وإن كانت الأكثر أهمية) مثالاً على الصراع العسكري الأكبر حجماً نوعا ما، حيث يستخدم كلا الجانبين الخبرة النظرية التي اكتسبها الجيش الروسي خلال الحرب في أوكرانيا. الفلسطينيون يستعيرون أفضل الممارسات من جيشنا. نتذكر كيف أنه في الأشهر الأولى من القتال في شرق أوكرانيا، وفي ظروف النقص الحاد في الطائرات المسيرة الهجومية (أخبرنا العشرات من خبراء التلفزيون عن عدم جدوى الطائرات المسيرة في الحرب الحديثة طوال العقد الأول من القرن 21)، قام الجيش الروسي بتحويل طائرة كوادكوبتر إلى طائرة بدون طيار وسلاح رهيب. نعم، قام مقاتلو داعش في سوريا والمتمردون اليمنيون أيضًا بتحركات في هذا الاتجاه، لكن براعة الجندي الروسي، إلى جانب ابتكارهه واستعداده ، جعلت مؤشر الإضاءة أحد الملاحظات الرئيسية للحرب في شرق أوكرانيا. والحقيقة هي أنه بمساعدة جهاز بسيط يتم توصيل قنبلة يدوية بالكوادكوبتر ، ويتم توصيل دوائر التحكم لهذا الجهازش بالمكان الموجود في هيكله حيث يجب تعليق المصباح المضيء. منذ عدة أشهر، كان جميع الأشخاص المهتمين يشاهدون مئات وآلاف مقاطع الفيديو التي تظهر فيها الأضواء السفلية فوق الدبابات والعربات المدرعة وأنظمة إطلاق الصواريخ الأوكرانية، والآن تأتي نفس مقاطع الفيديو من فلسطين. لقد أصبح تدمير دبابة ميركافا القتالية الهائلة التي تبلغ قيمتها 8 ملايين دولار بطائرة مسيرة رخيصة وقنبلة يدوية واحدة من أكثر مقاطع الفيديو انتشارًا في هذه الحرب. أما مقاطع الفيديو الأخرى المنتشرة على نطاق واسع فهي أقل متعة في الاقتباس وإعادة سردها: عمليات قتل المدنيين التي تم تصويرها بعناية وجنون من قبل المقاتلين في شوارع المدن الإسرائيلية، والتي سارع الكثيرون إلى عزوها إلى الطبيعة الوحشية للمحاربين الفلسطينيين، ومزاجهم المحموم وافتقارهم إلى الحضارة!، ولكن هنا يبدو أن هناك سبب آخر. وهنا يلعب الدور الأكثر أهمية من خلال نزع القدسية نفسها - حيث يُظهر للعالم أجمع، بما في ذلك المواطنين الإسرائيليين، حقيقة أن إسرائيل، التي أمضت الكثير من الوقت في تحويل نفسها من كيبوتز وقاعدة عسكرية إلى دولة عادية مناسبة للعيش من قبل أي انسان ، تعود إلى حالة الحصار. حقيقة أنه لأول مرة منذ نصف قرن في سلسلة من الحروب المماثلة، كانت المبادرة إلى جانب العرب، لاحظها العديد من المراقبين، فضلاً عن حقيقة أن الهجوم، الذي تم توقيته ليتزامن بالضبط مع الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، حمل رسالة دينية.

لكن هناك نقطة مثيرة للاهتمام نادراً ما تُذكر: في محاولاتهم لتحدي مفهوم إسرائيل كدولة (أي مؤسسة قادرة على توفير حياة طبيعية لمواطنيها وحمايتهم)، هاجم الفلسطينيون فكرة إسرائيل – الدولة المعاصرة بشكل عام.

في العديد من جوانب النشاط المميزة في عصرنا، كانت الدولة اليهودية قدوة للكثيرين. التقنيات العالية في الاستخبارات، والجيش المتطور، وعسكرة المجتمع والأسلحة المتقدمة من أفضل الموردين الغربيين ومن تطويرهم الخاص، الذي تم ضخه بالمال والأفراد من المجمع الصناعي العسكري الامريكي – كل هذا تبين أنه وقف عاجزا ضد موجة المد المهاجمة من المدينة المحاصرة على الحدود المصرية. نعم، لفترة فقط – لكن العالم كله شهد هذه الأيام الضعف والارتباك الإسرائيلي. هل تذكرون عندما قلت إن أساليب عمل جيشنا يستعيرها الجانبين؟ لذلك، حسب بعض الصور، من الواضح أن إسرائيل استعارت في مكان ما من الجيش الروسي أساليب حربية معينة، والتي كلفتنا عدة "حقن" حساسة في الأشهر الأولى من الحرب، قبل أن تتكيف أساليب السيطرة وتفاصيل العقيدة الحربية مع حقائق الصراع الخطير والطويل الأمد.
وعلى وجه الخصوص، انتشرت على الشبكة العنكبوتية صور مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع المعروضة بالقرب من الحدود مع لبنان. نعم، من الواضح أنه كان من المفترض أن يتم وضعها في حقل مفتوح، في شكل معين ومع ذخيرة موضوعة بدقة في مكان قريب، من أجل البروباغاندا - كي يقولوا للبنانيون من حزب الله: إياكم والتدخل فيما يحدث.
لكن تبين أن الرسالة مختلفة تمامًا: سيكون وجود اثنين من المقاتلين العرب بطائرات بدون طيار FPV كافيًا لإحراق هذا المتحف المفتوح بالكامل على الأرض، وإهانة القادة العسكريين، الذين اعتادوا على قيادة المناورات فقط أثناء التدريبات، أمام العالم أجمع. ومن حسن حظهم أن الطائرات الفلسطينية بدون طيار لا تصل إلى الحدود الشمالية لإسرائيل.

من بين جميع الإجراءات المطلوبة خلال فترات الصراع العربي - الإسرائيلي، إلى جانب النكات حول الهجوم يوم السبت (والآن، ومن المثير للاهتمام، أن كل شيء بدأ ليس فقط في يوم السبت، ولكن مباشرة بعد نهاية عطلة عيد العرش) وتحليلات لبعض الإهانات المتبادلة المنسية منذ زمن طويل، وما يبرز بشكل خاص هو التحليل الدقيق لرد الفعل الدولي.

لسنوات عديدة، كانت القضية الفلسطينية هي المعرض الرئيسي للطموح السياسي في العالم الإسلامي.

هل تتذكرون، قبل بضع سنوات، كيف حاولت تركيا معالجة الوضع بالخطابات الصاخبة، حيث قدمت نفسها على أنها المدافع الرئيسي عن الحقوق الفلسطينية؟ قبل ذلك، وحتى في عهد أوباما، حاولت الولايات المتحدة الاضطلاع بمثل هذا الدور، وكانت تطالب أيضًا بالقيادة في هذا الإتحاد غير الرسمي للدول. ولا يستحق هنا الحديث عن تعابير صغيرة عن هذه الطموحات، مثل التصريحات الأكثر تواضعا والأقدم للقطريين والسعوديين والأردنيين والآخرين. المهم أن كل شيء تغير اليوم. القضية الفلسطينية، التي حاول المتنافسون كسب نقاط سياسية بشأنها عند القيام بدور حاسم في عملية السلام ، أصبحت مرتبكة للغاية بحلول عام 2023.
لقد أصبحت إسرائيل عنصراً أساسياً في تحقيق الطموح الخارجي الرئيسي لتركيا، وهو فتح النافذة على آسيا الوسطى. ولم تكن النجاحات العسكرية التي حققتها أذربيجان مرتبطة بمسيرات البيرقدار المبالغ فيها، بل بتزويد البلاد بالمعدات الإسرائيلية ومجموعة من المساعدات الأخرى من الدولة اليهودية. وكان لتل أبيب مصلحتها الخاصة في هذا الأمر، وهو تصعيد الوضع في شمال غرب إيران، حيث يشكل الأذربيجانيون غالبية السكان. كان الخريف الماضي معلمًا مهمًا في هذا الاهتمام، ولكن بعد ذلك، في أعمال الشغب والمسيرات التي اجتاحت إيران، كانت مشاركة الأذربيجانيين أقل نشاطًا بكثير مما كانت تأمله القوى الخارجية. سنتحدث عن مصلحة إيران بعد قليل: من المهم أن نفهم أن إطار دوافع الدولة والسلطات الإدارية، والذي يظهر حتماً عند الحديث عن البلدان العادية، لا ينطبق هنا - فالايرانيون يتصرفون إلى حد كبير خارج الحدود الإقليمية على حساب مشروع شيعي خارق. تحدث أندريه شكولنيكوف عن هذا الأسبوع الماضي على Den-TV. أما بالنسبة لبقية العالم العربي فإن تقاعسها عن التحرك ـ ما لم نأخذ في الاعتبار بطبيعة الحال التعبير عن الإدانة القوية لإسرائيل والتحية الحارة للشعب الفلسطيني ـ يرجع أيضاً إلى الموقف غير المستقر الذي يتخذه اللاعبون الرئيسيون. نعم، المملكة العربية السعودية - التي، بالمناسبة، على عكس الآخرين، فعلت الكثير لدعم الفلسطينيين حقًا - تحاول أن تأخذ مكانًا في المحيط القاري الصيني، لكن الأمير محمد بن سلمان يحاول تجنب أي خطوات جذرية، بما في ذلك القطيعة الحادة مع السادة في واشنطن. وقد ظهر ذلك من خلال الزيارة التي قام بها بيل بيرنز إلى الرياض في فصل الربيع، والرحلة الأخيرة إلى هناك التي قام بها بريت ماكغورك وباربرا ليف، اللذان يترأسان قسم الشرق الأوسط في أجهزة البيت الأبيض ووزارة الخارجية، على التوالي. نعم، تحاول الإمارات أن تلعب دور الوسيط العالمي ومفترق طرق العالم، لكن من الواضح أن مواردها الذاتية لا تكفي لتنفيذ طموحاتها الجادة.
وتلعب قطر لعبتها الكبيرة الخاصة بها (على الرغم من أن حجم هذه اللعبة هل يخصها، اوكما تمليه عليها لندن- هو سؤال كبير)، لكن احتياجات الدوحة تعني ضمناً الرغبة في خلق مشاكل لإسرائيل في جانب واحد فقط – تجارة الغاز. . وتتاجر الدولة العبرية الآن مع جيرانها مصر والأردن بالغاز المنتج في حقلي كاريش وليفياثان اللذين تم تطويرهما مؤخرا، وكذلك في حقل تمير، الذي يعمل منذ فترة طويلة. يمكن الحديث بجدية عن مصالح قطر في منع ذلك في حالة واحدة – إذا تمكنت خطط هذه الدولة الصغيرة ولكن الطموحة لتدمير سوريا من أجل بناء خط للغاز إلى الشمال الغربي من أن تتحقق، فإن الخطر المحتمل من مثل هذه المنافسة سيجبر الدوحة للاستثمار بشكل جدي في "التشكيل العسكري الفلسطيني" (اي دعم حماس)**.

وبمجرد أن تبين أن ما يحدث عمليا يتجاوز إطلاق للصواريخ، بدأ الحكماء من الصحف التحليلية المهمة، وهم يفركون جباههم، يقولون إن كل هذا كان بمثابة نهاية لمسيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ربما كان ذلك صحيحا. لكن أي أزمة من هذا النوع، بالإضافة إلى الضغوط الهائلة التي تفرضها على سلطة الدولة، تحمل في طياتها فرصة سانحة لتعزيز هذه السلطة ذاتها.

لنعد إلى المقارنة مع أحداث 11 سبتمبر المذكورة في بداية النص: في نوفمبر 2000، بدا أن الانتصار غير الحاسم لجورج بوش الابن كان سببًا لاعتباره رئيسًا غير شرعي (ثم قام الصحفيون الذين يتقاضون رواتب من هيلاري كلينتون بتعيين دونالد ترامب، الذي لم تقم أي طائرات بمهاجمة أبراجه). لكن الكارثة العامة ورد الفعل القاسي عليها في شكل إشعال النار في الشرق الأوسط بأكمله زود بوش باحتياطي من الاعتراف الشعبي لدرجة أنه تمكن، في صمت، من إضفاء الشرعية على الكثير من الأشياء الرائعة!، من المراقبة الشاملة من خلال قانون "باتريوت" وحتي الإعتياد على تمرير المراسيم التي لا تحظى بشعبية في الكونغرس من خلال مراسيم الطوارئ الرئاسية.

نتنياهو – ثعبان زلق، وإذا كان هناك من يستطيع استغلال هذه الفرصة السانحة لتعزيز سلطته، فهو نتنياهو. في السيناريو الذي لا يظل فيه نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل فحسب، بل يزيل أيضًا إلى الأبد
الأسئلة حول حقه في تولي هذا المنصب، فسيتم تدمير غزة. ليس فقط ككيان سياسي أو مفارقة قانونية، بل كمدينة بسكانها، كوحدة جغرافية. ما إذا كانت إسرائيل الحديثة لديها الإرادة والقوة للقيام بذلك (خاصة بالنظر إلى ما رأيناه في الأيام الأولى من الهجوم) – هو سؤال كبير.

لكن بالنسبة لنتنياهو، هذه مسألة حياة أو موت. في الربيع الماضي، في أعقاب الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي الذي كان "بيبي" يحاول تنفيذه، انتشر على نطاق واسع وصف "مفترق الطريق" من مكتب رئيس الوزراء – إما إلى السجن أو إلى الأعلى. بعد أن أصبح نتنياهو في مأزق ومحشورا في الزاوية وتطارده الصحافة الإسرائيلية بلا هوادة، أدرك في الربيع والصيف أن الطريقة التقليدية لزيادة شعبيته - أي إعلان نفسه زعيماً للأمة أثناء هجوم آخر من العرب، لم تكن ناجحة. حينها لم تكن الهجمات مؤثرة كما هي الآن. باختصار، من السابق لأوانه دفن "بيبي" – فمصيره، إذا قرر التوجه نحو حل جذري لقضية غزة، يجب أن يتحدد في العام المقبل، عندما يبدأ البيت الأبيض، في بحث حاد عن انتصارات في السياسة الخارجية فيشعل النار في الشرق الأوسط.

ظلت التصورات الأمريكية للمشاكل الإسرائيلية خارج نطاق مناقشات السياسة الخارجية لعقود من الزمن. إن عبارة "الدولة الحادية والخمسين" ، والتي تم تطبيقها في أوقات مختلفة على بريطانيا وتايوان وبنما وأوكرانيا، تنطبق على إسرائيل بشكل لا مثيل له. ويؤثر السياسيون الإسرائيليون على القرارات التي يتم اتخاذها داخل الولايات المتحدة، ويسافر المسؤولون الأميركيون إلى إسرائيل كما لو كانت وطنهم، وتنتج مصانع المواهب بشكل ثابت متخصصين لكلا الطرفين، وتقتبس وسائل الإعلام على كلا الجانبين بنشاط من روايات بعضها البعض. لقد كان الأمر على هذا النحو لفترة طويلة جدًا، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت الأمور تتغير.
في كثير من الأحيان، عند وصف الاشتباكات في الأراضي المقدسة، ذكر مؤلفو برنامج "الأحداث" رد فعل الجماهير في الغرب. في مكان ما – على سبيل المثال، في مدينة غوتنبرغ المليئة بالمسلمين – اندلعت مظاهرات لدعم فلسطين، وفي مكان ما – كما هو الحال في بعض المدن الألمانية على سبيل المثال - نظمت مسيرات تضامن مع إسرائيل. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في وجهة النظر الأمريكية هو أنه في كثير من الأحيان في نفس الساحات - كما كان الحال يوم 8 أكتوبر في "تايمز سكوير" في نيويورك - يتجمع أنصار وجهات النظر المتعارضة بشأن الآفاق الفلسطينية.

ينبغي فهم شيئين. أولاً، لا تشكل نيويورك، حيث يعيش عدد من اليهود يعادل ثلث سكان إسرائيل، مؤشراً على اتجاه أميركي عام. وثانيًا، الدولة اليهودية والواجب المقدس الذي يقع على عاتق أمريكا لحمايتها (لست ساخرًا، استمعوا إلى خطابات المحافظين الجدد في أواخر العقد الأول من القرن 21) تختفي تدريجيًا من جدول الأعمال مع مرور الوقت الطبيعي. إن نفس المحافظين الجدد الذين صرخوا مثل الصقور من مواقعهم في واشنطن قبل عشرة أعوام فقط، أصبحوا شيئاً من الماضي، ليس لأن سياساتهم فقدت أهميتها بالنسبة للواقع ـ فمتى كان الأميركيون يهتمون بمثل هذه التفاهات؟ إنها مسألة الديموغرافيا اي التركيبة السكانية.
وفي المسيرات الداعمة لفلسطين، فإن الشباب الملونين هم الأكثر نشاطاً، في حين يحضر الأحداث التي تقام باسم إسرائيل ــ لا، ليس اليهود المسنين، كما قد يتصور المرء، بل جيل طفرة المواليد (الجيل الذي ولد في الخمسينيات والستينيات الذي يفتقد أوقات العظمة الإمبراطورية للمدينة الواقعة على التل). ويشكل هؤلاء المنتمون إلى جيل الطفرة السكانية نصيب الأسد من ناخبي الحزب الجمهوري – المستعدين للقتال (أو بالأحرى إرسال الشباب إلى حتفهم) من أجل إسرائيل حتى آخر قطرة دم، وقد أصبحوا الداعم الاجتماعي الرئيسي للنظام الذي أثار الاحتجاجات وفوضى الشرق الأوسط فيما سمي الربيع العربي.
وعلى العكس من ذلك، يعتبر الشباب والتقدميون إسرائيل دولة فصل عنصري ويطالبون البيت الأبيض بالتعويض الكامل والتوبة عن دعمه السابق لتل أبيب (على الرغم من أن واشنطن نفسها تعتبر القدس عاصمة إسرائيل). هناك آخرون لا يعيرون إنتباها لدول الصحارى البعيدة، وبالمسؤوليات المقدسة للولايات المتحدة، وبالفلسطينيين المضطهدين بسبب الفصل العنصري – أصبحت الانعزالية مطلبًا عامًا أوسع نطاقًا كل عام، لكن لا أحد من الأعلى يتجاوب مع هذا الطلب.
وحتى ترامب، الذي كان الأمل الأفضل لإعادة تركيز السياسة الأمريكية إلى داخل الولايات المتحدة، يتذكره الناس بحبه الصادق وغير المتبادل في كثير من الأحيان للدولة العبرية. إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، الذي أثار غضب العالم الإسلامي برمته، "اتفاقيات ابراهام"، التي تهدف إلى التطبيع بين الدولة اليهودية والدول الرئيسية في هذا العالم الإسلامي ذاته (أي دمجها في الشبكة الأفريقية - الآسيوية الخاضع للنفوذ السياسي لواشنطن)، وتخصيص مبالغ ضخمة من المال والتأكيدات المستمرة على الإخلاص – هكذا كان ترامب خلال فترة رئاسته. المهم الآن ليس حتى أن ترامب، الذي عبر عن الإجماع الحزبي في واشنطن لهؤلاء ابناء جيل الطفرة نفسها، لا يزال بإمكانه العودة إلى البيت الأبيض وإعادة عصر الولايات المتحدة التي "تلعق" إسرائيل، ولكن تبين أن جو بايدن هو الوريث الرئيسي لترامب على الجبهة الخارجية. ولم تتحقق توقعات بايدن الذي كان نائب الرئيس السابق أوباما بمواصلة خط الرئيس الأسود فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين – وكأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، التي تركت لإرادة الطيار الآلي، واصلت نهج ترامب، وإن كان بكفاءة أقل بكثير.

ولكن كان هناك اتجاه واحد فيما يتعلق بالشرق الأوسط استعاره بايدن من أوباما - وهو الاتجاه الذي يرتبط على نطاق واسع بالهجوم على إسرائيل من غزة. وهذا الاتجاه هو العلاقات مع إيران. إن استمرار بايدن في اتفاق أوباما مع إيران ليس مفاجئا: فقد قاد أبرز مسؤولي إدارته، بيل بيرنز وجيك سوليفان، الاتفاق النووي الإيراني أثناء خدمتهما في وزارة الخارجية خلال فترة ولاية أوباما الثانية.
لقد تمكنا مؤخرًا من التوصل إلى اتفاق تضمن تبادل المعتقلين، ورفع عدد من العقوبات البسيطة، وإغلاق أعين الأمريكيين فعلياً عن بعض تجارة النفط وتزويد إيران بالأسلحة – عادة ما تُنسى نتائج الاتفاقيات الخجولة الأولى بين طهران وواشنطن. لكن الجميع يتذكر أن الأميركيين فكوا تجميد 6 مليارات دولار مملوكة لإيران وموجودة في بنوك كوريا الجنوبية.

وفقًا لهؤلاء الوطنيين الأمريكيين المسنين الداعمين لإسرائيل، الذين أصبح ترامب يجسد صوتهم، تم دفع ثمن الهجوم على الدولة اليهودية من غزة من هذه الأموال. لا يستحق أن نأخذ على محمل الجد حالة انفصام الشخصية التي يعاني منها هؤلاء العجائز الذين عالجوا كوفيد مؤخرًا باستخدام عقار "الإيفرمكتين" المضاد للديدان Ivermectin – وهذا أمر مثير للاهتمام فقط في سياق الكيفية التي بدأ بها الصقور الأمريكيون بعناية في البحث عن سبب للحرب لإيران.
الأكثر إثارة للاهتمام من هذه الدراسات كان مقالاً في صحيفة "وول ستريت جورنال": يدعي أن الايرانيين الخسيسين خططوا للهجوم – وهو أمر مخيف – قبل أسابيع!

وانضمت إيران، التي مارست لعبتها المتعددة الأبعاد، إلى الدفاع عن فلسطين. فالأمر لا يتعلق فقط بمسرح حرب جديد لاختبار أسلحتها، ولا يتعلق الأمر فقط بترسيخ نفسها كعنصر أساسي في دائرة النفوذ السياسي الإسلامي. لا، الأمر يتعلق أيضاً بالضربة التي توجهها الأحداث في جنوب (إسرائيل) للخطط الأميركية. هل تذكرون "بريت وباربرا" - الرجال من واشنطن الذين سافروا إلى الرياض؟ فقد ذهبوا إلى هناك بهدف المصالحة بين (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية. إن إيثار ترامب المتمثل في ممارسة الأعمال التجارية نيابة عن شخص آخر وباسم مصالح الآخرين لم يكن يهدف فقط إلى بدء عملية إعادة السعودية إلى مجال النفوذ الغربي، ولكن أيضًا إلى السعي لتحقيق النصر على الجبهة الخارجية قبل سنة انتخابية صعبة. الأخبار المفيدة لإسرائيل يمكن تكرارها في أميركا لفترة طويلة جداً، مما يسبب البهجة وزيادة لعاب الناخبين الجمهوريين الذين يعشقون «الولاية الـ51»، مما يجبرهم على الابتعاد عن «حزب الفيل». يتم التعبير عن موقف إيران في عدد من المواد المثيرة للاهتمام من صحيفة طهران تايمز - هناك، بالإضافة إلى الرثاء المعتاد حول الصهاينة الخسيسين الذين تعهدوا بتدمير المسجد الأقصى من أجل بناء معبدهم، هناك بيان مفاده أن ما يحدث هو مجرد البداية، وأن "النبضة" التي أطلقها مقاتلو حماس يوم السبت الماضي، تهدف إلى جعل القضاء على الدولة الإسرائيلية أقرب من أي وقت مضى.
تبدو المادة الموجودة أعلى الصفحة الرئيسية لصحيفتهم الرئيسية باللغة الإنجليزية بمثابة ضربة قوية من جانب إيران – حيث يتجه التسلسل الزمني للصراع إلى هناك تحت عنوان "الصدمة والرعب مستمران"، والذي يشير إلى اسم العقيدة الأمريكية لغزو العراق 2003.
ولحسن الحظ، فإن هذا لا يمثل أية أهمية بالنسبة لروسيا. طار جميع المؤيدين المتحمسين لإسرائيل بعيدًا عن الفضاء الإعلامي الروسي إلى الرمال الساخنة للأراضي المقدسة - قلة لا يتذكرون قول رئيسة "ياندكس"، التي غادرت روسيا إلى إسرائيل في عام 2022، حول رفضها العيش في بلد في حالة حرب مع جيرانه.

دعونا نترك الصراصير للصراصير: فالرحالة المحترفون، الذين لا يفكرون في أي شيء أكثر قيمة من حياتهم، هربوا من إسرائيل بنفس السرعة التي فروا بها من روسيا قبل سنة – جازاهم الله. ومن المميز أن بعضهم ما زالوا يثرثرون بشيء ما، لكن هذه الثرثرة كانت هادئة ومتواضعة مقارنة بالإدانة الصاخبة التي صدرت منهم العام الماضي. لكن المكان المقدس لايبقى فارغًا أبدًا – فقد بدأ "غجر" المعلومات الماكرة في صب الماء الوسخ في آذان الجمهور ، مما أدى إلى تشويه سمعة المهن التي كانت تستحق في السابق لقب "المراسل الحربي والمحلل السياسي" بجشعهم وعدم مسؤوليتهم في الإعلام. بدأوا يثيرون الجمهور بتفاصيل ساخنة عن جرائم قتل المدنيين وتدمير المباني السكنية، وتبادلوا الرؤى والتخطيطات، وربطوا كل ما كان يحدث بمخططات انفصامية تبدو وكأنها خيال غير علمي لأي شخص لم يدرس القضية لأكثر من خمس دقائق.

وفي الوقت نفسه، يجب أن نشيد بالمحللين باللغة الروسية، الذين لاحظوا سياقات مثيرة للاهتمام تربط بالفعل (أو يمكنها في المستقبل أن تربط) الأحداث في فلسطين بالحرب في شرق أوكرانيا. من بينها، لوحظ في كثير من الأحيان تحول في تركيز الغرب نحو إسرائيل، وهو أمر أكثر قيمة بالنسبة له: العرض الأخير للمهارة العسكرية الذي يؤديه المقاتلون العرب أو إمكانية استمرار سياسة إسرائيل المتعددة الاتجاهات مع رفض إرسال الأسلحة إلى الجيش الأوكراني في حالة رحيل نتنياهو - احتوت جميع التحليلات المعقولة تقريبًا على ذرة من الاهتمام البراغماتي لروسيا بالأحداث على حساب النهج العالمي الذي غالبًا ما كان يستخدم سابقًا والذي يعتمد على "القيم الإنسانية العالمية وعبارات من كتيبات التدريب الغربية.

ومع ذلك، فهناك ما لا يحظى باهتمام كاف - مثل الضربة التي تم توجيهها لآفاق الدولة اليهودية ذاتها. إن عملية نزع القدسية التي يمارسها مقاتلو حماس بحراب بنادقهم لابد وأن تظهر مدى ضعف إسرائيل في مواجهة الأعداء الخارجيين. ويتعين علينا أن نتذكر ذلك لأن سوريا لديها مطالب إقليمية مهمة ضد إسرائيل – الجولان.

وقد بدأت هذه الثغرة الأمنية تتكشف بالفعل على مرأى من الجميع - لا الإجراءات القاسية اللاحقة لحكومة نتنياهو، ولا إدانة المجتمع الدولي لحماس، ولا إضاءة المباني في العواصم الغربية بألوان العلم الإسرائيلي، ولا حاملة الطائرات جيرالد فورد التي وصلت إلى شواطئ غزة - كل ما سبق لن يخفي هذا الأمر.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 6
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 5
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 4
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 3 – ...
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 2
- كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 1
- لغز الرياض المحير في اليمن - هل السلام مع الحوثيين ممكن بدون ...
- كيف تخسر أمريكا ممالك الخليج؟
- كيف يتم حماية روسيا من الضربة التي دمرت الاتحاد السوفياتي
- في الذكرى ال30 لقصف البيت الابيض في موسكو 1993
- الحرب العالمية الثالثة قادمة - النخب الغربية تشن حرباً دون إ ...
- سلوفاكيا – هل سيتمكن حزب روبرت فيكو -الموالي لروسيا- من الوف ...
- روسيا - خريطة الأحزاب في ضوء الانتخابات الأخيرة
- انتخابات سلوفاكيا - الاختيار بين الليبرالية والفطرة السليمة
- حول قمة دول آسيا الوسطى مع الولايات المتحدة
- جيوبوليتيكا مأساة ناغورنو كاراباخ
- ألكسندر دوغين - نحو القطيعة مع حضارة الموت
- باكو ويريفان مثل موسكو - كلها وطني
- فضيحة البرلمان الكندي – خطأ سياسي ام تكريس للخطيئة
- ألكسندر دوغين يعلق على مقال رئيس البرلمان الروسي


المزيد.....




- خلال مقابلة مع شبكة CNN.. بايدن يكشف سبب اتخاذ قرار تعليق إر ...
- -سي إن إن-: بايدن يعترف بأن قنابل أمريكية الصنع قتلت مدنيين ...
- ماذا يرى الإنسان خلال الأسابيع الأخيرة قبل الموت؟
- الفيضانات تستمر في حصد الأرواح في كينيا
- سيناتورة أمريكية تطرح إقالة مايك جونسون من منصبه بسبب الخيان ...
- ماتفيينكو تدعو لمنع المحاولات لتزوير التاريخ
- -سفينة الخير- التركية القطرية تنطلق نحو غزة (صورة + فيديو)
- أصوات الجمهوريين تنقذ جونسون من تصويت لإقالته من رئاسة مجلس ...
- فرنسا والنازية.. انتصار بدماء الأفارقة
- مسؤولون إسرائيليون يعربون عن خشيتهم من تبعات تعليق شحنة الأس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا – طوفان الأقصى 7