أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين يونس - استقر الأمن فى البلدة الصغيرة















المزيد.....

استقر الأمن فى البلدة الصغيرة


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7691 - 2023 / 8 / 2 - 13:08
المحور: الادب والفن
    


يوم عرف اهل بلدتنا الزراعة .. اجتمع تاسوع النترو* الحاكم بكامل هيئته ليناقش هذا الحدث الهام .
دار بينهم حوار طويل استمر الى ساعات متآخرة من الليل وتقرر فى نهايته وهذا ما انقله من المحضر الرسمى للاجتماعات .
(( إن الرعية قد جاوزت حدودها – وأن اكتشافها هذا سيجعلها تستغنى عن طعامنا الذى نقدمه لها والذى ثبت فاعليته خلال اجيال طويلة – وبالتالى فاننا سنفقد تدريجيا سيطرتنا عليها – ولما كان الاقدمون قد قالوا ان الوقاية خير من العلاج – وقالوا – اكسر للرعية ضلع ينبت لهم الف ضلع – ولما كان من الواجب علاج مثل هذه القضايا بحزم لذلك فلقد قررنا نحن مجلس التاسوع الحاكم بانه قد حق على الرعية العقاب))
وكان العقاب وهذا ما انقله لكم من الملاحق المكمله لمحضر الاجتماع هو :
اولا – يتم اهلاك كل ما عرف الناس من انواع الزراعة بما فى ذلك .. البذورو الزهور و أشجار الزينة .
ثانيا – استبدالها بثلاثة مزروعات (نتروية ) يتم اختيارها بشكـــل يتناسب مع الطبيعة الفانية للرعية.
ثالثا – يحظر زراعة اى انواع أخرى مستقبلا فيما عدا ما سيصدر به لوائح خاصة .
رابعا – من يخالف هذه التعليمات يعرض نفسه لأقسى انواع العقاب التي قد تصل للإفناء الفورى .
خامسا- يحظر النشر فيمــا عـــدا تحديد انواع المزروعات بالبند الثالث وشرح طرق استعمالها .
فى اليوم التالى استيقظ اهل بلدتنا ليجدوا ان مخازنهم ومزارعهم واراضيهم و شوارعهم قد تم استبدال كل ما فيها من محاصيل وحبوب و أشجار بالمزروعات الجديدة .
وقفنا نقلب بين ايدينا تلك الحبوب والثمرات الزرقاء والرمادية وننظر الى الاعواد الرفيعة المزروعة فى شوارعنا ونتعجب .
ثم قرأوا علينا في النشرات الرسمية – ولم نكن نعلم ما حدث – اللوائح التى تحدد نوع وطريقة إنبات واستعمال هذه المزروعات .
كانت الزرقاء الصغيرة واسمها (مفتاح الفرج ) حبوب ذات مرارة ومزازة محببة وكانت اللوائح تنصح باستعمالها فى الافطار والغداء والعشاء.. و بين الوجبات عند الشعور بالملل .
اما الرمادية واسمها (عكازات الأمل ) فلقد كان لها عصير حلو و ينصحون بالاحتراس فى استعمالها الا فى العشاء و مع حالة ضيق الرزق .
اما الاعواد الرفيعة واسمها (ام الرضا) فقد كان من الواجب امتصاصها... وهم يقولون انها اعظم ما قدمته النترو للرعية عبر العصور ..وستكون السبب الرئيسى فى اشاعة السعادة بيننا .
واجتمع أهل بلدتنا وقرروا ان يقدموا احتجاجا على ما حدث .
ثم ... اجتمع اهل بلدتنا وقرروا ان يقدموا التماسا برفع الظلم .
ثم ... اجتمع اهل بلدتنا وقرروا ان يقدموا للنترو القرابين عسى ان يعفو عنهم التاسوع المقدس الحاكم.
واقيمت الصلوات فى كل مكان .. تمجد (النترو ) وتدعو لها.. وقدموا لها كل ما يستطيعون من قرابين ... براميل من العرق .. وزجاجات من الدم ... حتى الاطفال حديتي الولادة ذبحوهم على عتباتهم الكريمة .
ولكن .. ولكن للاسف لم يستجب التاسوع الا ببيان صغير يقول فيه (( لقد وهبنا الناس افضل ماعندنا .. وعليهم الا يكونوا جاحدين إن الحرص علي تناول محاصيلنا سيصب في مصلحتهم ..فهي افضل من تلك المزروعات الدنيئة التى استنبطوها )) .
ولما اصبح من الواضح احتقار النترو للرعية .. وعدم استجابتها لنا .. اضرب اهل بلدتنا عن الطعام .. بل لقد جمعوا المزروعات النتراوية فى الميادين العامة واحرقوها ..
فتصاعد دخان ازرق كثيف غطى مدينتنا بغلالة داكنة وملأ الشوارع والمنازل والمدارس .. والمصانع .. والحقول .واستنشق اهل بلدتنا الدخان لأيام وليال طوال .. ثم بدأوا يبتسمون و يضحكون – ثم يضحكون ويضحكون ويضحكون ..
كنت تجدهم فى الشوارع والمنازل والحوارى .. يرقصون ويقومون باعمال غريبة يرفعون سراويلهم لأعلى او يلبسون قمصانهم بالمقلوب .. او يضرب بعضهم بعضا على القفا .. او يتكلمون بلهجة اقرب الى الاطفال والمجاذيب .
وتصور الناس انهم قد اصبحوا سعداء .. وان الحياه اصبحت اكثر جمالا .. والفضل فى ذلك لحبوب التاسوع المفرفشة .
لذا قام اهل بلدتنا بعمل مسيرة رائعة فى اتجاه معابد النترو.. سحبوا احتجاجاتهم .. والتماساتهم .. وقدموا بدلا منها شكرهم وتأييدهم للتاسوع لتفضله بإتلاف حقولهم وتحويل طعامهم الى هذا الأكل المريح .
واسرعوا الى الطعام النتراوى الوفير يملئون به بطونهم فى سعادة غامرة .. وساد السلام بلدتنا .. اصبحت ساكنة .. هامسة .. صامتة .. هادئة اما فى الليل فكانت تنتشر حلقات السمر والقمار والرقص واصبح الناس لا هم لهم الا اللعب ومزاولة متعهم الحسية بشراهة .. واصبح من الواضح ان الالهة قد سيطرت سيطرة كاملة على الموقف ..
فأعلن.. ممثل التاسوع الخبر بفخر فى برقية مختصرة ((استقر الأمن فى البلدة الصغيرة )) .
بمرور عشر سنوات حدثت تغييرات مزعجة وخطيرة .. لقد اصبحت الغالبية منا لها وجوه صفراء وقطع سلام البلدة ، سعال متواصل صادر من كل بيت واصبح الناس يبصقون دما وانتفخت بعض البطون والجلود .. ومات اطفال كثيرون .. ونساء كثيرات وتراكمت الجثث فى الحوارى متعفنة واصبح لبلدتنا رائحة كريهه تزكم الانوف.
و عندما تعالت الصلوات و الأدعية من كل بيت تطلب الرحمة ورد البلاء .. لم تستجب النترو كعادتها إلا ببيان صغير جاء فيه ..
(( ولما كان التاسوع رحيم برعيته ولما كانت الناس غير قادرة على حل مشاكلها كما هو حالها دائما .. فاننا ننصح بتناول مزيد من جرعات مفتاح الفرج )) .
وزادت الامور سوءا ولم تختف العلل وماتت الضحكات والبسمات على الشفاه وتصور البعض ان لا امل .
إلا ان بعض شباب البلدة .. وهذا يدعو للعجب كانوا لازالوا يتحركون .. ولم تصب وجوههم الذبول بل احتفظت بحمرتها .. وكانت عيونهم لا زالت تبرق بالفهم.
هذه الظاهرة كانت ملفتة للنظر .. ما الذى جعل هؤلاء اصحاء .. وبعد الدراسة والتدقيق اتضح ان هؤلاء العفاريت قد علموا بما تحتوية محاضر اجتماعات التاسوع والوثائق المكملة لها وعرفوا ما يدبر لهم لذلك لم يستنشقوا الغبار الأزرق ..و لم يتناولوا ابدا الطعام النترواى ..
وانقسم اهل بلدتنا قسمين .. فريق يقول .. ان التاسوع نترو حانية وطيبة ولو كان سبب شقاؤنا طعامها لأبطلته واستبدلته بطعام آخر .
وقليلون قالوا لا بل لابد من تناول طعام آخر بدلا من طعامها .
وانا ايها السادة واحد منهم .. احاول ان اصنع طعاما لنا بدلا من طعام التاسوع المتحكم .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و عاودني عصاب الحرب .
- لمن يرصدون غيابي
- سقطت يوم سقط الجنيه
- فليأكل ((أموت )) قلبي وأفني.
- قد تكون هذه وصيتي.
- وليمة لأعشاب البحر .
- المصريون و متلازمة ستوكهلم
- لحسن الحظ الكلاب و القطط متوفرة
- منظومة الإنكماش و العصيان المدني
- وباء إنقلابات العسكر
- مصطفي صفوان و تطوير اللغة
- و أصبح شهبندر التجار من الضباط .
- ذكريات مسن في الثمانين(2 )
- ذكريات مسن في الثمانين
- كراتين الأحسان في إستاد القاهرة .
- إنت من الأشرار يا علي
- كفاية إنجازات إلهي يسعدكم
- نعم .. إسرائيل هي العدو
- إنتبهوا الإنقراض السادس قادم
- أحزان (مارس ) سبعين سنة عساكر


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين يونس - استقر الأمن فى البلدة الصغيرة