أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - كَمِجْدارٍ جَامِدٍ يُنَاوِرُ آلْحَيَاةَ














المزيد.....

كَمِجْدارٍ جَامِدٍ يُنَاوِرُ آلْحَيَاةَ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7669 - 2023 / 7 / 11 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


تَرَكتُهُ يفعلُ ما يشاءُ، وكيف أبدي رأيي في شأن من شؤونه المتغيرة إلى حد التناقض، وهو لم يترك لي فرصة أقولُ فيها ما يجول بخاطري تجاه سلوكاته المباغتة، فقد تغير الشخص الذي كان عضده بقبضتي.راح في المنحدر الحاد يتحرك كخذروف أهوك كبهلوان خرج عن حدوده المرسومة، كبقايا طيران طائرة ورق تَحوم بلا هداية في كل آتجاه ليرتطم آرتعادُها بسقوف المنحدرات .. دْرررَمْ .. دْرررَمْ .. مغبرةً مترَبةً كانت تتواثر خطواته تتبعه طيلة المسار السحيق الذي أودى به مباشرة إلى حيث كان يروم البلوغَ .. كان واقفا ثابتا كسارية فاردا ذراعيه على آمتدادهما رغم الظهر المنحني إلى الأمام والرأس الذي يجدُ عَنتا في التحكم في حركاته المرتعشة .. لم يكن ينظر إلَيَّ .. لم يكن يهتم لوجودي أو يأبه لوقوفي أمامه لاهثا مرهقا متأففا تأخذ بمنابت شعري رأسي يُمنايَ تجرها تحك أظافرها قشور السطح .. آه .. يمَّاااا راااسي .. كنت أصرخ وعَرَقٌ ساخن يتصبب غزيرا من جبهتي .. لم يكن يصغي .. هذا ما بدا لي .. لم يك يبالي أو لم يشأ أن تلقط أذناه شكواي .. اِقتربَ من بِرْكات الماء المتناثرة عبر صُفّاح الوادي (خي صفاحن) الغزيرة الزلال، وشرع دون مواربة يزيل حوائجه بفوضى عارمة ..

_ عَاينْ عاينْ غير بلاتي إيليدْ أمَّنْ.. (٢)

قلتُ ناصحا .. لم يعاين .. لم ينتظر .. لم يسعفني .. لم يستمع .. وبقوة خرقاء نزع ما يشبه قميصا كاكيا وبنطالا قصيرا .. ثم .. هاااا هو عارٍ تماما كسماء تكللها غيوم سوداء من أجنحة غرابيب سود (بَاقَّرَنْ)، كرؤوس جبال ترتع فيها قطعان ماعز سمراء، كعمود فزاعة حقول، كمجدار جامد يناور آلحياة .. لقد تغير تماما سِيعْـلِـي .. لم أفهم كيف نَما عُمرهُ بهاته التحولات العجيبة .. لقد غَزا الشَّعَرُ الأسود الكثيفُ بدنَه غير مقتصر على مُقدمة الجبين وآستدارة اللحية وآنحناءة القَذَال مغطيا بهجومه الفاحم بقايا الطفولة في عمره القصير حتى غَدا أغَمَّ أشعثَ تغرق سحنته البريئة في لجج عتمات رجولة مستعجلة .. أردتُ تفحص آثار جروح أو ألوان دماء جامدة أو سائلة في خريطة بدنه العجيني فلم أفعل .. هل كان حياءً؟ هل كان آمتعاضا؟هل فُجاءة الموقف هي التي دفعتني لغض بصري إغلاق عينيّ أم هي حرارة آلأشعة الهابطة على الرؤوس أم هو خليط كل ذلك أو شيء آخر ؟؟ رحتُ أبررُ لنفسي ردَّ فعلها الهارب مُهَـوِّنا عليها صعوبة المشهد على حواسها المرهفة .. انحنى كما تفعل الدواب إذْ تهم بعب الماء تشربه .. مَدَّ رأسه أولا أو إنّ هامته سبقته إلى صفحة البركة .. كَوَّمَ ظهره على بطنه .. حركة أخرى قَدَّمَ فيها القدم الأولى تبعتْها الثانية، وإذا به يملأ الوادي الفارغ كَركرةً بعد أنِ آنزلقت خطواته غير المحترسة دافعةً بكامل الجسم داخل البحيرة الصغيرة .. أسرعتُ أتفقدُ آلأمرَ .. لا .. لم تكن هناك دماء ولا أثر رضوض أو خدوش .. فقط تلك التشوهات الخَلْقية التي عايَنْتُها أول مرة .. آه .. يا سِيعْلِي .. يا صبيا كان غَضَّ آلإهَابِ .. كم أسرارا يختزن هذا الجسد .. كيف تجتمع طراوة الطفولة بوهن الأعمار بآلتباس آلأقدار في حيز واحد ضيق كامد حسير ..؟؟.. وتلك البقع وتغير الجلد هناك .. والشعر .. آه.. كل هذا الزَّوان .. كل تلك الحبوب القاتمة والطفيليات الشائكة تحاصر عمره الغض .. لم يعد طفلا سيعْلي .. لقد نَمَا بالرغم منه .. أتُراه يُحسُّ بما حدث ويحدث .. كيف كان كيف غدا كيف أمْسى ..آرااااسي .. كنتُ أصيحُ صامتا .. هَههَـاااا يضحك دائما .. يضرب الماء بالماء تخوض رجلاه في وحل القاع .. يغمس الوجهَ والرأس فتطفو كويراااات صغيرة تبقبق بقبقةً تتحرك من أسفل إلى فوق، ويبدو أن اللعبة قد سلَّتْهُ فراح يكررها أكثر من مرة ..آآآخْ خْ خْ .. يتوغل أكثر .. يكرعُ الأمواه الملوثة يبصقها يشربها .. آآآحْ حْ حْ .. يفتح العينين بعد أن مسح ما علق بهما وبالبدن المبلل من خشاش وطحلب كاب وأطيان عالقة متشابكة .. لم أشـأ أفسدَ عليه لحظته الهانئة، فتركته لخلوته يفعل فيها ما يشاء .. مشيتُ بضع خطوات بمحاذاة الوادي أبحث عن مكان مناسب أخلو فيه بنفسي، ولما لم أجد ما يرضيني ويبعدني عن أعين الطرقات الضيقة المنتشرة عبر الشعاب، رحتُ أحثُّ السيرَ متذكرا وجود عين زلال صغيرة (ييشتْ نتلعينتْ) قُبَيْلَ وصولنا بحيرة (تامْدا) وحفرة بير الماء، ولما كانت ظلال السرو وارفة الخضرة والبرودة تنتشر هناك عبر الضفتيْن، فإني آستغلتها فرصة قضيت فيها ما قضيتُ في حِضن خمائل شُجَيْرات طاقا (٣) وألِيلِي (٤) دون حرج أو ضجر أو قرف .. صببتُ الماء على وجهي وأطرافي .. رششتُ رششتُ وقلت .. آآآه .. ارتحتُ قليلا وأنا أرتشفُ الباردَ من الأمواه مباشرة من تالعينتْ بعد أنْ فركْتُها من الخشاش الطافح والأتربة اللاصقة بتلافيف صُفاحها الأزرق الأملس الداكن .. ولم أشأ أن أتوقف رغم خشخشة ألَمٍ تتزايد حدتها مع توالي الجرعات تَنْخُسُ حَنْجرتي الملتهبة .. وظللت كذلك مستلقيا بجانب ظلها الغامر حتى .. سمعتُه .. صُراخا مدويا منبعثا من هناك حيث تركته يغتسل .. آه .. سيعْلِي .. نهضتُ مسرعا أتوغل داخل الوادي أخترق آلأفنان المتداخلة أعْفسُ في البرك الضحلة أنزلق في آلأطيان اللازبة أتعثر أسقط أنهض أكمل المسير ...

☆إشارات :
١_مِـجْـدَار : ما يُنصب في حقول الزرع لطرد الوحوش والطيور، جمع : مجادير /فَـزّاعة / Épouvantail
٢_عَاينْ عاينْ غير بلاتي إيليدْ أمَّنْ : انتظرْ تريثْ على مهلك لا تتعجل لا تفعل مثل هذا
٣_شجرة طاقا الأبهل Juniperus sabina من جنس العرعر والفصيلة السروية، يبلغ آرتفاعها بين متر واحد و أربعة أمتار، وهي شجرة صغيرة دائمة الخضرة تزهر في فصل الصيف لديها أغصان صلبة متراصة مغطاة بأوراق دقيقة شائكة لا تسقط في الخريف تشبه بشكلها أوراق نبتة السرو
٤_آلِيلِي : شجرة الدَّفْلَى



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اِيزُورَانْ نُوشَالْ
- هَبَاااااء
- مَقْبَرَةُ بَنَعْمَانْ
- آسِيمُوحَنْد آسِيمُوحَاااانْدْ
- أمُودُو يُكْمِلُ آلطَّريقَ دُودُ سِكَّةِ آلْحَديد
- غُودَانْ غُودَانْ غُودااااانْ
- رُبَّمَا لَمْ يَحِنْ بَعْدُ أَوَانُ مِيلَادِي
- المُخَلَّعُ البسيط في قصيدة: -سمَا الخطيبانِ في آلمعالِي- لح ...
- تِيخِينْ نْلَعْبَااادْ
- العيد وآلناس
- عِيدْ آمَقْرَانْ
- لِيغَارَاا لِيغَارَااا
- غَدَّا الْعِيدْ وَنْذَبْحُو عِيشَا وَسْعِيدْ
- هَلْ ثَمَّةَ أَمَلٌ لِسِنْدِبَاد
- كُلُّهُمْ ذَهَبُوا
- قَهْوَةُ فِينِيق
- قُبْلَةُ آلْآبَالِيسِ
- تَابْحِيرْتْ نْإيمُوسْكانْ(بستان آلعفاريت)
- غُولَااااكْسْ أيها آلْمُمْتَحَنُون
- اِسْمُهَا آلحَياة


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - كَمِجْدارٍ جَامِدٍ يُنَاوِرُ آلْحَيَاةَ