أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - المرء عدو ما يجهل














المزيد.....

المرء عدو ما يجهل


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7668 - 2023 / 7 / 10 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


ورد قول عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وهو: "كلموا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله." ولعل القول العامي الذي هو بمثابة إعادة إنتاج للمعنى الذي طرقه علي بن أبي طالب، أكثر وضوحا:" خذه على قد عقله".

السبب الأول في زهد غالبية الناس في قصيدة النثر -من وجهة نظري- هو أنها كثيرا ما تكون نخبوية، تستعصي على فهم من لم يتعود على قراءتها والتعامل معها.
لا زالت الذائقة الشعرية لغالبية العرب ذائقة كلاسيكية، فهي لا تستمتع الا بالصورة الواضحة المباشرة والصريحة. هذه هي البلاغة التي تستهويهم. لأنها تفصح عن كل شيء، بخلاف الكثير من قصائد النثر التي تومىء إلى الأشياء ولا تصرح بها. وهي بهذا تدفع بالقارىء إلى ملء الفراغ الذي تركه الشاعر عن عمد، لأسباب عدة منها: أن تكون القصيدة مفتحوحة على التأويل. ولأن المتلقين ليسوا في أغلبهم شعراء، كما أنهم لا يتمتعون بخيال خصب، فإنهم يعجزون عن ملء هذا الفراغ. من هنا فإن اسماعهم تلفظ هذه القصائد ولا تستسيغها، بسبب عدم فهمهم لها على الأقل، وينتهي بهم الأمر إلى الطعن في النص وصاحبه. فيصدق فيهم بيت المتنبي:

وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحاً
وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ

وللتمثيل على ما أقول، سأعرض تجارب عشتها في هذا الباب:
كنت قد وقفت على أحد شعراء الهايكو وقد كتب:

مصيبة
في بيت الفقير
أم

أعجبتني هذه الومضة، وكثيرا ما استشهدت بها، ظنا مني أن من يسمعها سيفهمها، ولكن هيهات. ذلك أنني استشهدت بها ذات يوم في مجلس ضم متذوقين للأدب، فعجبت من سوء فهمهم لها. لقد فهموها على هذا النحو:
زيادة على الوضع المادي المزري للفقير، فإن أمه أتت للاقامة في بيته، فكيف سينفق عليها إذن؟! وهذه مصيبة أخرى.

لقد فهمها القوم على هذا النحو. وهذا فهم سطحي، ظاهري، بل أشد ظاهرية من المذهب الظاهري نفسه.

والصواب، هو أن الشاعر أراد أن يقول:

وقت وقوع الفقير في مصيبة، لن يجد سوى أمه تزوره في بيته لتهون عليه مصابه.

عندما شرحت لهم ما عناه الشاعر، صعقوا، وأكدوا لي أن هذا المعنى لم يخطر على بالهم أبدا.

مثال آخر:

وقفت على قصيدة نثرية، لشاعر أو ربما شاعرة، لم أعد أذكر. يقول فيها بما معناه: إن شخصا ركب المترو وطلب أن يساعده الناس، وعندما لم يهب أحد لمساعدته، ما كان من هذا الشخص الا أن نزل من المترو، ومضى يمشي على السكة الحديدية، ونزل في المحطة التالية.

اعجبتني هذه القصيدة، فقرأتها على احد المهتمين بالأدب، فأعرب عن استنكاره، وقال لا يوجد أي شعر في هذا النص، كل ما سمعته هو شيء أقرب إلى أن يكون مشهدا يحدث كل يوم، لا غير: هناك متسول طلب المساعدة، فلم يساعده أحد، فما كان منه سوى أن انتقل الى محطة المترو التالية طالبا المساعدة لعله يحظى بها.

وهذا فهم غريب وعجيب، بل - وعفوا على هذا اللفظ- أحمق. هل يعقل أن يطلب الشاعر معنى كهذا، ثم يسميه قصيدة؟! لا شك أن هذا حمق وجنون.

فمالذي أراد الشاعر قوله يا ترى؟ أراد الشاعر أن يقول لنا: عندما حرم المتسول المساعدة في المحطة الأولى، مضى قانطا، يائسا، طالبا الانتحار، فمشى على السكة الحديدية، فدهسه المترو، فمات وانتقل إلى المحطة التالية، ألا وهي الآخرة.

أقول هذا لأني كنت قد نشرت البارحة قصيدة، تعتمد على ما اعتمدت عليه قصيدتا الشاعرين السابقين، ألا وهو الايماء، من هنا فإن أحد معارفي لم يتوصل مطلقا إلى المعنى الذي نشدته.

هذا هو نص القصيدة النثرية:

للإستمرار في التقدم:

للإستمرار في التقدم، طلب رؤية علامة كبيرة في السماء

لم ير أي شيء

جلس ونظر للأسفل

فرأى

هناك
بالقرب من قدمه
عشبةً خضراءَ
صغيرةً وَرَقِيقَة
تنمو
بين
حجرين

محل الشاهد هو آخر القصيدة، الذي معناه، أن يواصل الإنسان سعيه وسيره صوب هدفه مهما كانت الظروف صعبة، فها هي ذي النبتة الخضراء، التي رغم صغرها ورقتها، ورغم انها محاصرة بين حجرين، اي في ظروف قاسية، الا انها لا تزال تكافح من أجل النمو والاستمرار، رافضة الاستسلام. وان الأرض ملاى بالاشارات التي من شأنها أن تمنحنا العبرة والقدوة الحسنة، ... إلخ.

وأخيرا"خذ الناس على قد عقلها" حكمة ينبغي تطبيقها بغية السلامة من الناس فقط، ولا ينبغي اعتبارها صالحة لكل زمان ومكان وفي كل الأحوال. فالناس مراتب ودرجات، وعلى الشاعر أن يراعي هذا والا أصبحت كتاباته سطحية وتافهة، بسبب سعيه لإرضاء العوام.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدتان نثريتان
- الشعر عديم الفائدة
- عن رواية فرس الشيطان
- عن كتاب حوارات نورمبرغ
- جَعَلْتَنِي
- رواية الظل.. إسماعيل كاداريه
- رواية خمسة مارس.. ألفريد دي فينيي
- رواية الدم الأسود .. لويس جييو
- رواية ملاذ.. ويليام فوكنر
- قصيدتان وشهادة
- شذرات من روايتي لؤلؤة راشيل
- رواية -في معركة مريبة-.. جون شتاينبك
- بلا وصاية.. من مجموعتي القصصية
- أشلي أو الإهتمام.. من مجموعتي القصصية
- البروفيسور ميللر.. من مجموعتي القصصية
- عن قذارة الوسط الأدبي
- الناس إلى أشباهِهِم أَمْيَل
- المهرج
- خاطرة عن النقد والتميز
- حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - المرء عدو ما يجهل