أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية الظل.. إسماعيل كاداريه















المزيد.....

رواية الظل.. إسماعيل كاداريه


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7656 - 2023 / 6 / 28 - 22:48
المحور: الادب والفن
    


تضم أعمال إسماعيل كاداريه أكثر من أربعين رواية. من بين هذه الروايات، سيتمكن القارئ من العثور على نجاحات رائعة، والتي تبرر الشهرة الدولية للمؤلف، مثل: جنرال الجيش الميت، أو أبريل المكسور أو الحفلة الموسيقية.

من خلال استخلاص دروس عالمية من الواقع الألباني، يصور كاداري عمومًا عبثية وظلام أو فظاظة الأنظمة المتعاقبة في ألبانيا، وإقطاعيتها القديمة، فضلاً عن جنون شيوعيتها. لسوء الحظ، لا يمكن لمثل هذا المؤلف الغزير تجنب الأوقات الضعيفة، والنصوص الأقل كثافة، وأنصاف النجاحات. من هنا فإني آذن لنفسي بأن أقول: إن رواية الظل The Shadow لا تقع ضمن أفضل ما كتب كاداريه.

تدور الرواية حول سؤال مركزي، وهو إمكانية الرغبة الجنسية في ظل الديكتاتورية، تضخيم لصدى أفكار وردت في بعض الأساطير (أورفيوس، بالطبع، ودورنتين). تقدم الرواية نفسها على أنها اعتراف "مخرج فاشل"، فنان بلا فن، مسافر دون سبب، وبعبثية (وبشكل متكرر) أرسلته ألبانيا الشيوعية إلى باريس للتفاوض بشأن اتفاقيات تعاون ثقافي. هذا الإمتياز غير المسبوق، في الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى ألبانيا على أنها "كوريا الشمالية" الأوروبية، على الراوي واجب الاستمتاع به، وهو يعرف ذلك.
بالنسبة لجميع أصدقائه في الوطن، تمثل هذه الرحلة الباريسية نافذة في زنزانتهم، وشعاعا من الضوء ينير ظلامهم. من وجهة نظري، وبصراحة شديدة، يشبّه كاداري وضعه بوضع أورفيوس بالمقلوب. إذا كان على أورفيوس الذي يحمل القيثارة أن يخترق العالم السفلي، ويفتن الشياطين بموسيقاه للفوز بالحق في استعادة يوريديس، يجب على المخرج، من جانبه، مغادرة العالم السفلي والعثور، في عالم الأحياء، على يوريديس ليفوز بها - وليخسرها ​لا محالة. لكن ظلّا يحل عليه ويمنعه من إنجاز مهمته.

سبع مرات، سيعود المخرج إلى فرنسا، سبع مرات، سيحاول اختبار رغبته الجنسية، فحولته، في امرأتين، متحررتين، وجذابتين، لا ترفضانه، بل على العكس تمامًا. إن توفّرهما على طول الرواية يزيد من معاناة الراوي. باريسيتان جميلتان، برجوازيتان وساقطتان، تقدمان نفسيهما عدة مرات للألباني المضطرب نفسيا، ارضاء لرغبته الجنسية، ومع هذا فإنه لم ينجح في فعل شيء، فهو لا يستطيع أن يحبهما جسديًا، ولا حتى أن يشتهيهما. مجمد من الداخل، ضحية توعكات غريبة - الانهيار الداخلي، الناجح جدًا أدبيا، عندما يكون بطل الرواية على الجسر، في الفصل الأول، ذكرني بمؤلَّف ريلكه: مذاكرات مالتا لاوريدس بريجا - لا يستطيع المخرج تبديد ظل الأشياء التي لم تقل والتي تعذبه. في باريس، مدينة الرغبات، التي تجسد في المخيال الجمعي الأوروبي، الجمال الذي يثير الشهوات الحسية، يدرك المخرج عدم قدرته على الحب والرغبة والمتعة. الظل الذي يخيم عليه، يعيقه ويشله ويجمده. في كل رحلة من رحلاته الباريسية، التي يخشى أن تكون الأخيرة قبل "القبر" الذي تشكله له الحياة في ألبانيا، تفشل استراتيجيته في الوصول إلى نهاية الإغواء(علاقة جنسية كاملة).

لا ينبغي أن تكون مركزية باريس هذه مفاجئة - لدرجة أن الرواية تبدو أحيانًا فرنسية أكثر منها ألبانية. تلعب فرنسا بالفعل دورًا خاصًا جدًا في تاريخ أعمال إسماعيل كاداري. تصدر مؤلفاته دوما عن دار نشر فيارد الفرنسية، كما أنه يعيش متنقلا بين تيرانا وباريس. كتب رواية الظل بعيدًا عن باريس، بينما كان أنور خوجة، الديكتاتور الألباني، لا يزال على قيد الحياة. نشرت رواية الظل، بالفرنسية أولاً، ثم بالألبانية. تلعب باريس دورًا مركزيًا، مطابقا لأسطورتها: مدينة الحب والنساء والشهوة. إنها الكون الأكثر تعارضًا مع الواقع المحزن للحياة الألبانية. من الواضح أن الروائي يلعب على هذه المعارضة الثنائية.

ما هي طبيعة الظل؟ إنها مكونة من عدة طبقات، أقل سياسية وأكثر إنسانية حيث يصبح انسداد الراوي أكثر وضوحًا. من الواضح أن الظل هو قبل كل شيء ظل الديكتاتور، المصاب بجنون العظمة، الذي أصبح أعمى، وما زالت نزواته تتمتع بقوة القانون. تم إرسال المخرج لتمثيل ألبانيا في مهرجان كان السينمائي لسبب وحيد هو أن أحد أطباء الديكتاتور الفرنسيين سأله، مندهشا: لماذا لم تشارك ألبانيا؟ يثير النظام الشيوعي دائمًا، في نهاية المطاف، على الرغم من كل احتجاجاته العلمية والموضوعية والفلسفية، الذاتية الغريزية الثابتة لقائده. أنور خوجة، مثل كل الطغاة، خطير ومقلق، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته. إن نظام الشيوعية الراديكالية -والاكتفاء الذاتي في ألبانيا- الذي انفصل في زمانه عن الإتحاد السوفيتي والصين عندما بدتا له منحرفتين عن خط الماركسية الأنقى، قادر على أي شيء. يعرف المخرج ذلك ويقلقه أحيانًا. كاداري لا يظهر الكثير من واقع النظام هذا، إنه يحدثنا عن ظلّ، عن توتر، عن قلق يبني مشاعر الراوي.

الظل هو أيضًا ضغط الأصدقاء، أولئك الأقارب الذين يتوقعون منه تقديم تقرير مفصل عن مغامراته النسائية. لا يخوض المخرج المغامرات النسائية لنفسه، فهو يذكرنا كثيرا، أنه يخوضها بالوكالة. الراوي هو الوحيد في وضع يمكنه من إشباع رغبات حسية وذوق - محفوفان بالمخاطر - غرائبي. وهكذا يشارك تجاربه مع أصدقائه العالقين في البلاد والذين يحلمون بالمرأة الباريسية التي يتعذر الوصول إليها. من خلال إخبارهم بتفاصيل مغامراته، فإنه يقدم لهم، في موجة جميلة من الكرم، أحد انعكاسات تجربته، وميضا من الضوء الإيروتيكي الذي لولاه لكانوا محرومين منه. كما أنه يخوض المغامرات النسائية باسم صديق الطفولة السابق، رفيق الإغواء خلال سنوات موسكو، الذي يعيش الآن في بلدة ريفية، والذي يمثل بالنسبة للمخرج شبيهه المقلق، الذي يعود بشكل دوري، إلى ذاكرته. كيف يهتم بإغواء امرأة أجنبية، بينما يذبل صديقه، شبيهه، "ظله" في بلدية نموذجية في أعماق جبال البلقان؟ ومن المفارقات أن الراوي يجب عليه التصرف، وهو محروم من "ظله" الذي يتمتع بالفحولة.

تضاف طبقة ثالثة من الظلال إلى الطبقتين السابقتين وتتعلق، بشكل أكثر صرامة، باقتصاد الشهوة. تزيد الشهوة في مواجهتها للقيود. تتناسب الشهوة أيضًا مع العقبات التي تواجهها. لذلك سيكون من المنطقي تمامًا للفرد الذي يواجه مجتمعًا مغلقًا ويتحرر، لبضع لحظات، من ضغطه، أن يجد وسيلة لإشباع شهواته، في الاستهلاك المحموم للحظة ممزقة من ظلام الزمن. ومع ذلك، يفشل الراوي في أن يشتهي. ربما لأن هاتين المرأتين الباريسيتين، تعرضان نفسيهما عليه بسهولة كبيرة، ربما لأن هذه الشهوة ليست شهوة ذاتية، بل هي تحوّل لرغبة جماعية، بقيت في الوطن الأم، ربما أيضا لأن التوتر والقلق بسبب عذاب العجز الجنسي أصعب من أن يعترف به ممثل الرجولة التقليدية الفخور هذا.

كاداريه واضح: الرجل الميت، أرفيوس، لا يمكنه أن يأخذ يوريديس حية (المني الذي لا يستطيع الراوي قذفه).

هل من الممكن أن نكون أشخاصا أسوياء عندما تثقل كاهلنا الدوغمائية وجنون عظمة الديكتاتورية الشاملة، وضغط الجماعة الذكورية التي تريد تحقيق ذاتها من خلال عيش هوسها الجنسي مع نساء البلاد البعيدة؟ أفكار رائعة، لا يبدو لي كاداري كان مقنعًا في تناوله لها في روايته. هناك حبكة متكررة إلى حد ما، وشخصيات أنثوية مخيبة للآمال إلى حد ما، أساطير، وميثولوجيا تتردد بين أورفيوس والشيطان، ويوريديس ومارجريت، الإضطراب الثنائي للمخرج، بين الحياة والموت، باريس وألبانيا، الإغواء والامتناع عن ممارسة الجنس، الضمير الحي والميت. كل هذا، يخلق بالفعل وضعًا رومانسيًا إشكاليًا، لكن تنفيذه على الورق، أتى سيئا بعض الشيء. هذه الدوامة المؤلمة حول امرأتين، بالكاد تم رسمهما، ينطبق التعبير العسكري "مكانك راوح" على تعامل البطل معهما، بمعنى، هناك حركة لكن لا يوجد هناك تقدم. امرأتان مبذولتان دائمًا، وبالتالي تصعب الرغبة فيهما. وهذا يبرر عدم ارتياح الشخصية الرئيسية، وعدم انعكاس رغباتها العميقة على أرض الواقع.
هناك تكريم لباريس، لحياة مرغوبة ومتحررة، على عكس الوجود القمعي والجنائزي في ظل الديكتاتورية. كل فصل يغطي بالضبط الإقامة الباريسية للراوي. كأنها رواية لكاتب فرنسي. الظل "الألباني" الذي يثقل كاهل النص والذي تسعى لتبديده مدينة النور بصعوبة كبيرة، لا يظهر بشكل فني رصين في رواية كاداريه هذه. لكنه يعلن عن نفسه بسطوع في نصوص أخرى له، أكثر متانة، وأكثر إحكامًا وفاعلية.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية خمسة مارس.. ألفريد دي فينيي
- رواية الدم الأسود .. لويس جييو
- رواية ملاذ.. ويليام فوكنر
- قصيدتان وشهادة
- شذرات من روايتي لؤلؤة راشيل
- رواية -في معركة مريبة-.. جون شتاينبك
- بلا وصاية.. من مجموعتي القصصية
- أشلي أو الإهتمام.. من مجموعتي القصصية
- البروفيسور ميللر.. من مجموعتي القصصية
- عن قذارة الوسط الأدبي
- الناس إلى أشباهِهِم أَمْيَل
- المهرج
- خاطرة عن النقد والتميز
- حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.
- آدم وإيف.. من مجموعتي القصصية
- تُوم.. من مجموعتي القصصية
- لؤلؤة راشيل 9
- لؤلؤة راشيل 8
- إليها
- لؤلؤة راشيل 7


المزيد.....




- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية الظل.. إسماعيل كاداريه