أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - بلا وصاية.. من مجموعتي القصصية














المزيد.....

بلا وصاية.. من مجموعتي القصصية


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 7631 - 2023 / 6 / 3 - 20:25
المحور: الادب والفن
    


أبطأ الليل في المغادرة. ينتظر الفجر تولي زمام الأمور بفارغ الصبر. ضباب شديد يربط بينهما، صنعت منه المصابيح الأمامية للسيارات هالات صفراء، لامعة، حزينة، عيونا مغمورة في الدموع. كان الرصيف يلمع تحت خطواتي، ويعكس رغما عنه الضوء الذي يسقط عليه بشدة من أضواء النيون الباهتة. في بعض الأحيان، تبدو طوبة أعلى قليلا من غيرها، لا ريب أن نهاية الليل ستضع حدا لاستعلائها. حلت الساعة الثامنة. يوم جديد.
أنا في مزاج سيء.
مفوض شرطة.
فُتِحَ الباب الزجاجي أمامي. الحرارة المتدفقة عليّ جعلت سترتي عديمة الفائدة تماما.
"مرحبا سيدي المفوض."
أجبته إجابة بالكاد مهذبة، للحفاظ على كنيتي: الدب الخشن.
ممرات، سلالم، أبواب، ثم مكتب ينتظرني. مكتبي.
إنه أحد أيام الشتاء المتشابهة. بارد، متجهم.
كان مزاجي سيئا.
كنت أهذي ...

خاطبني مفتش:
"سيدي المفوض، هناك شاب ينتظرك منذ ساعتين. أجده غريبا نوعا ما. يود إخبارك بشيء. قال إنه مهم جدا.
- كل الناس الذين يريدون التحدث معي غريبون. دائما هكذا.
- هل أسمح له بالدخول؟
- نعم ، أسرع! "

شاب أسمر، طويل، ملتح. ينسدل شعره على كتفيه. أنيق، ووسيم. لا أدري لم راودني شعور بأن ما سيخبرني به مهم فعلا؟ انبعث من ذلك الشاب شيء جعلني أشعر بعدم الإرتياح.
جلس وابتسم لي.
"سيدي المفوض، القضية التي أتت بي إلى هنا حساسة للغاية."
كلهم يقولون ذلك، لكني أميل إلى تصديق الشاب.
"جئت من أجل ... استنكار. ليس من عادتي أن أفعل هذا. لكن ... حسنا ... استنكار.
- استنكار؟
- نعم هذا هو الصحيح."
صَمَتَ. ربما انتظر مني أن أطرح عليه سؤالا. أو اثنين. فجأة، أحسست أنه هو الذي بدأ يشعر بعدم الإرتياح.
"وأي نوع من الإستنكار هذا؟
- إنه شيء شاسع، يصعب اختصاره.
- أيضا؟
- إنه أمر خطير. قتل ... سرقة ... إغتصاب ... ينتمي إلى هذا النوع من الأشياء.
- هذا فقط. لا شيء آخر؟
- بل أشياء كثيرة ... مثل الأكاذيب، أتفهمني؟ "
فهمت. اقتنعت بأنه صادق. من الواضح أنني سأتعامل مع جريمة كبيرة.
"أعتقد أن لديك أدلة.
- لا يمكن إنكارها.
- هذا المجرم .. هذا الرجل .. هل يسهل العثور عليه؟ هل هو محمي؟ كيف تعرفت عليه؟ أين يمكن العثور عليه؟
- هذا أبي."
إجابة واحدة لمجموعة كاملة من الأسئلة. لكنها كافية بالنسبة لي.
إستقر الصمت لبضع لحظات بيننا. لاحظت -لأول مرة- حزنا غير محدود في عيني هذا الرجل. تنفس بصعوبة شديدة واستأنف:
"أصبح والدي طفلا. لقد كان لديه الكثير من الخبرة في الماضي، وعلى الرغم من كونه طيبا في الأساس، إلا أنه لا يخلق سوى التعاسة من حوله. لقد استغرق الأمر وقتا طويلا لأدرك ذلك. ذات يوم، قبل وقت طويل جدا، تحدثت معه حول هذا الموضوع، ومنذ ذلك الحين، اختفى ... وجدته هنا بالصدفة، أمس. إنه الآن غضوب وشرير. أخشى أن يرتكب حماقة.
- أين هو؟
- في "الثامن عشر". إنه متشرد ".
متشرد! هذه لفظة قديمة. أصبحنا الآن نقول: "بلا مأوى". لكنني أوافق على استخدام لفظة متشرد.

أصبح النهار أقل شحوبا في الخارج، لكنه بارد. ومع ذلك، أخذت السماء لونا ورديا، باهتا بعض الشيء. أوقفت السيارة، نزلت. رافقني الشاب. سرنا لمدة ساعة في هذا الحي الذي أحبه. أعرف كل أزقته وزواياه، وخاصة الأماكن التي انطوت فيها الأجراس على نفسها.
وأخيرا وجدناه في زقاق. إنه هنا. تراجعت عند رؤيتي له. كان جالسا على كومة من الخرق، وعلى الرغم من هذا أحسست بقوة هائلة تنبع منه.
ألفيته قذرا، بائسا، كريه الرائحة، أكثر من المتشردين الذين اعتدت على رؤيتهم.
قال الشاب: عليك أن تسلم نفسك للعدالة، عدالة البشر يا أبي.
وقف الشيخ، بدى رائعا رغم وضعه المزري. كأن الرعد يتدحرج في عينيه. استحال لون السماء أحمر.
"أنت محق يا بني، أنا أستحق أسوأ من الموت."
تبعني ووجهه مغمور بالدموع، تاركا ابنه وراءنا.

إستقلت من وظيفتي بعد هذه الحادثة، فبعد إلقاء القبض على الله الآب، لم يعد لدي ما أفعله في الشرطة.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشلي أو الإهتمام.. من مجموعتي القصصية
- البروفيسور ميللر.. من مجموعتي القصصية
- عن قذارة الوسط الأدبي
- الناس إلى أشباهِهِم أَمْيَل
- المهرج
- خاطرة عن النقد والتميز
- حسين سرمك حسن: حين تلتحم الرؤيا بالرؤية.
- آدم وإيف.. من مجموعتي القصصية
- تُوم.. من مجموعتي القصصية
- لؤلؤة راشيل 9
- لؤلؤة راشيل 8
- إليها
- لؤلؤة راشيل 7
- لؤلؤة راشيل 6
- لؤلؤة راشيل 5
- لؤلؤة راشيل 4
- روايتي لؤلؤة راشيل (3)
- رواية لؤلؤة راشيل 2
- روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
- إلى والدي


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - بلا وصاية.. من مجموعتي القصصية