أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تناقض رأس المال الإحتكاري مع واقع الشعوب - نموذج فرنسا















المزيد.....


تناقض رأس المال الإحتكاري مع واقع الشعوب - نموذج فرنسا


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7661 - 2023 / 7 / 3 - 20:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ت

ليس غريبًا ولا صدفة أن تكون الشركات العابرة للقارات، ذات المنشأ الأمريكي، هي الأقوى، حيث تتجاوز القيمة السوقية ( قيمة أسهم الشركات المتداولة في سوق المال) لخمس شركات أميركية التريليون دولار ( آبل وألفابت المالكة لغوغل، ومايكروسوفت كورب، وشركة أمازون، وشركة إنفيديا المتخصصة في صناعة الرقائق) لأن الإمبريالية الأمريكية تُمثل قاطرة النظام الرأسمالي العالمي، وارتفعت "القيمة السّوقية" ( أي قيمة أسهم الشركة في سوق المال) لأسهم شركة "آبل" حاجز الثلاث تريليونات دولار، للمرة الثانية، بنسبة 46% بين 03 كانون الثاني وحزيران/يونيو 2023، أي خلال ستة أشهر، بفضل ارتفاع قيمة مبيعات جهاز" آيفون"، مع الإشارة أن جميع هذه الشركات لا تنتج سلعًا أساسية بل خدمات أو سلعًا لا تُغَذِّي ولا تُداوي ولا توفر مأوى، بل تُعتَبَرُ من الكماليات.
في مجال آخر، تحوّل مصرف "مكويري"، ذي المَنْشَأ الأسترالي (وأستراليا مُستعمَرة استيطانية أوروبية، تمامًا كالولايات المتحدة حيث تمت إبادة السكان الأصليين والإستيلاء على أرضهم وثرواتهم ووطنهم، ومكويري إسم أحد الضباط البريطانيين الذين ساهموا في بناء هذه المُسْتَوْطَنَة)، من مصرف متواضع، قبل ستة عُقُود، إلى إدارة أُصُول بقيمة تقارب 600 مليار دولارا ، وإدارة تداول السلع وأصبح المصرف مستشارًا في مجال الإستحواذ واندماج الشركات، مع تنمية نشاطه في مجالات "انتهازية" عديدة، منها شراء الأُصُول التي تتم خصخصتها وبيعها بأقل من سعرها الحقيقي، وبذلك تمكّن مصرف "مكويري" منذ العقد الأخير من القرن العشرين (بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وانتشار النيوليبرالية) من الإستثمار في، أوالإستحواذ على البنية التحتية المُهِمّة والأساسية، والمرافق العامة التي باعتها الحكومات بذريعة "فَشَلِها في تلبية احتياجات السكان"، بعد أن أهملتها الحكومات ضمن استراتيجية تصفية القطاع العام وبيعه للشركات الخاصة بأسعار رمزية، وبذلك أصبح مصرف "مكويري" يمتلك شبكة ضخمة من خطوط أنابيب النحاس والفولاذ لنقل الغاز والمياه أو شبكات الإتصال لمحلات العديد من الدّول ولمنازل بريطانيا أو إسبانيا أو الولايات المتحدة، كما أصبح مصرف"مكويري" يحتكر الإستثمار في شركات المياه التي خصخصتها الحكومات، كما جرى في بريطانيا، منذ ثمانينيات القرن العشرين، حيث أصبحت المياه مُلوثة، بسبب إلقاء مياه الصرف الصحي في الأنهار والمياه الساحلية، وتشكل خطرًا على صحة المواطنين، فكان مصرف مكويري يُحَقِّقُ - طيلة أكثر من أربعة عقود- عوائد مرتفعة، بنحو 48 مليار دولارا، تجتذب مستثمرين جدد ومُشترين جدد لأسهمه وعدم إنفاق جزء منها لصيانة شبكات المياه...
توسّع نشاط المصرف وشمل العديد من الخدمات مثل الإستشارات الضريبية وإدارة المطارات والمواني والجسور ومخازن البطاريات والطائرات ومواقف السيارات ومزارع توليد الطاقة من الشمس والرياح، وشبكات الألياف ومراكز البيانات، والمستشفيات والمراكز التي تستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة (المًصابين بإعاقة)، ويتلقى المصرف دعمًا من حكومات العالم لإدارة مصادر ومرافق الطاقة المتجددة، بما فيها أسواق الهيدروجين والطاقة الحيوية واحتجاز الكربون...
اغتنم مصرف مكويري خصخصة جسر شيكاغو سكاي واي سنة 2004 ليستثمر ويتلقى رسوما مقابل المرور عليه، وكانت تلك أكبر صفقة تخصيص للبنية التحتية في تاريخ الولايات المتحدة والمرة الأولى التي تُسند فيها الرسوم الضريبية في إلى القطاع الخاص، وكانت فُرصة للمصرف لكي يجمع أموالا من كبار المستثمرين بهدف إنشاء صناديق للبنية التحتية، يُديرها المصرف مقابل الحصول على رسوم الإدارة والأداء...
بالنسبة للمواطنين ( "مُستهلكين"، في لغة الشركات الإحتكارية )، كلما ارتفعت عوائد المُستثمرين، وترتفع تكلفة إدارة الشركات أو الخدمات التي تمت خصخصتها، وهي أموال يُسدّدها المواطن (المُسْتَهْلِك) بالتوازي مع تدهور الخدمات، وعلى سبيل المثال، أصبحت مياه الشُّرب في بريطانيا عَكِرَة بعد استحواذ مصرف "مكويري" على شركة "ساوث إيست ووتر"، سنة 2003، مقابل 386 مليون جنيها استرلينيا، وتراكمت ديون الشركة بسرعة من 87 مليون إلى 458 مليون جنيها استرلينيا، ثم باع المصرف حصته بعد ثلاث سنوات لشركة تابعة لمجموعة الإنشاء والأشغال العامة الفرنسية "بويغ" (التي تمتلك وسائل إعلام والعديد من شركات الإتصال والخدمات) مقابل 665 مليون جنيه استرليني، وفي الأثناء، ارتفعت قيمة فواتير الزبائن بنسب تراوحت بمعدّل 11%، وعددهم حوالي 15 مليون آنذاك، وتكررت عملية استحواذ مصرف "مكويري" على شركات كانت تابعة للقطاع العام، ومنها مع شركة مياه بريطانية أخرى، بسعر رخيص، سنة 2021، لأن الشركة كانت متهمة بتفريغ مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر بين سنتَيء 2010 و2015، وتشير معظم البيانات إلى نهب أُصُول الشركات المُخصْخَصَة وعدم استثمار القطاع الخاص في صيانة البنية التحتية وفي تحسين جودة الخدمات مثل توزيع المياه والكهرباء، غير إن قيمة أُصُول مصرف "مكويري" في قطاعات البنية التحتية في العالم تتجاوز 200 مليار دولارا، ومكّنته الحكومة البريطانية من الإستحواذ على مصرف الاستثمار الأخضر التابع للحكومة البريطانية بقيمة 2,3 مليار جنيه استرليني سنة 2017، ليدّعي المصرف إنه أحد كبار المستثمرين الدّوليين في الطاقة المتجددة، منها مزارع الرياح والطاقة الشمسية، وتم:ن بذلك من الحصول على تمويل عمومي بقيمة 23,7 مليار دولارا سنة 2021...
أما الحكومات فإنها ما انفَكّت تزيد من الإنفاق على التّسلّح، كشكل من أشكال إعادة هيكلة قطاع الصناعة، بواسطة دعم الصناعات الحربية في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفي أوروبا عمومًا حيث انخفضت حصة الصناعة (في أوروبا) من 25% سنة 1991 إلى 19% من الناتج الأوروبي الإجمالي سنة 2022، لكن حصة الصناعة لم تنخفض على مستوى عالمي، بل تم نَقْل القطاعات المُلَوِّثَة والتي تتطلب عمالة كثيفة إلى بلدان فقيرة تتوفر بها العمالة الرخيصة والبنية التحتية التي أنجزتها الحكومات بقروض من البنك العالمي،وتتوفر بها الموانئ والمطارات والمواد الأولية، ما سمح لمنظمة التجارة العالمية ( خصوصا بعد انضمام الصين سنة 2001) بفرْضِ قواعد "التبادل الحُر" وإعادة تشكيل شبكات التوريد على مستوى عالمي، وساهمت السلع الرخيصة، المُصَنَّعَة في الصين أو الهند في انخفاض مستويات الأسعار في "الغرب"، ومحافظة الشركات الأمريكية والأوروبية على مستوى منخفض للأُجُور رغم ارتفاع معدّلات الإنتاجية إلى مستويات قياسية، بفضل تركيز الدّول الرأسمالية المتطورة على الإستثمار في البحث العلمي والتقنيات المتقدّمة، لكن الصين تمكّنت من تطوير التكنولوجيات المتقدّمة والصناعات "الخضراء" كصناعة البطاريات وتوليد الطاقة من الشمس والرياح...
يندرج ارتفاع الإنفاق الحربي ( التّسلّح) ضمن الصراع بين القوى الإمبريالية على تقاسم النّفوذ والموارد، كما يندرج ضمن الإستثمار في البحث والتّطْوير في مجال الفضاء والإتصالات (التّجسّس الصناعي المَدَنِي والعسكري) وكانت الولايات المتحدة قد أَمَرت أعضاء حلف شمال الأطلسي، منذ سنة 2013 على زيادة الإنفاق الحربي، قبل سنوات من حرب أوكرانيا التي شكّلت تعِلّة لزيادة هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا، ولتسريع الزيادات الكبيرة في الإنفاق العسكري، على حساب الإنفاق على صحة السكّان وتعليم أبنائهم والإنفاق على الضروريات مثل خلق الوظائف والمسكن اللائق وتطوير النقل العمومي... وكانت الحصيلة ارتفاع الإنفاق الحربي الدّولي، سنة 2022، إلى أكثر من تريليوني دولار ومن المتوقع أن يرتفع بشكل أسرع سنة 2023، وتترافق زيادة الإنفاق الحربي مع تغييرات هامة في هيكلة الإقتصاد العالمي وفي تهديد البلدان التي تحاول التزام الحياد، كما أدّى اضطراب حركة المبادلات التجارية (منذ سنة 2020) بفعل التهديدات العسكرية وبفعل الحظْر الذي تفرضه الولايات المتحدة على العديد من دول العالم، وأهمها الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، فضلا عن ممارستها أساليب قطّاع الطرق في اليمن وسوريا وليبيا ولبنان وغيرها، وأدّت هذه "البَلْطَجَة" الأمريكية إلى اختلال شبكات التوريد وارتفاع أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة، فتضررت الشعوب الفقيرة، وكذلك فقراء البلدان الرأسمالية المتطورة
في ضفة الفقراء
في الولايات المتحدة يتضرر الفقراء بصفة دورية من العواصف الموسمية بالجنوب الشرقي للبلاد، وأدّى الإستغلال الرأسمالي للموارد والغابات والمياه إلى ارتفاع درجات الحرارة (خصوصا في تكساس ولويزيانا ) وعدد الحرائق، وآخرها موجة الحر التي أدّت إلى وفاة ما لا يقل عن 13 شخصا بعد تدهور جودة الهواء جراء حرائق الغابات في أمريكا الشمالية، وفق السلطات المحلية التي أعلنت نَقْل العديد من المواطنين إلى المستشفى، وانقطعت الكهرباء عن آلاف المباني والمساكن في ولاية لويزيانا، وفي المكسيك توفي 104 أشخاص بين 12 و25 حزيران/يونيو 2023، بسبب موجة حر شديد بشمال البلاد والعاصمة، وفق اكومة المكسيك.
في أوروبا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات في منطقة اليورو (20 دولة تنتمي إلى الإتحاد الأوروبي) بنسبة 12,5% على أساس سنوي، بنهاية أيار/مايو وبنسبة 11,7% بنهاية حزيران/يونيو 2023، وبلغ معدّل البطالة الرسمي 6,5% من الباحثين عن العمل المُعتَرَفِ بهم، بحسب بيانات نشرها مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، يوم 01 تموز/يوليو 2023.
في بريطانيا التي خرجت من الإتحاد الأوروبي، نشر معهد دراسات التنمية بجامعة "ساسكس"، يوم الثلاثاء 27 حزيران/يونيو 2023، دراسة أظهرت "إن الجوعَ أصبح الوضع الطبيعي الجديد" لملايين الأشخاص في بريطانيا، حيث يعاني 14% من سكّان بريطانيا من "الفقر الغذائي بسبب صعوبة الحصول على الغذاء الذي ارتفع سعره، مع تدنِّي دخْل فئات عديدة من السكّان " التي اضطرت إلى ارتياد بنوك الطعام التي تقدم وجبات غذائية مجانية للمحتاجين، وارتفع عدد بنوك الطعام في بريطانيا من أقل من مائة بنك سنة 2012 إلى أكثر من ألفَيْنِ سنة 2021، فضلاً عن الجمعيات الخيرية التي تأسست لسد تقصير الدولة، لكنها لا تستطيع تقديم حلول مستدامة لمعالجة انتشار الجوع المتزايد"
النموذج الفرنسي، بين الواقع والبروبغندا
في فرنسا، تعالج السلطات القائمة، منذ عدة سنوات مشاكل المجتمع والإحتجاجات السلمية بالعُنف وبتجاهل البرلمان الذي تُسيطر عليه أغلبية يمينية موالية للحكومة، وأطلقت الحكومة جهاز الشرطة لحل المشاكل السياسية والإجتماعية بالقمع، ما زاد من عدد وخطورة الحوادث، وبعضها قاتل، وآخر هذه الحوادث، قتل عناصر الشرطة لشاب لا يتجاوز عمره 17 سنة، وكان رد فعل المواطنين، وخصوصًا شباب المناطق الحَضَرِية وأبناء المهاجرين سريعا وعامّا في جميع أنحاء البلاد واستمر لخمسة أيام عند تحرير الخبر ( 01 تموز/يوليو 2023)، في مدن مثل ستراسبورغ وليون ومرسيليا وتولوز وليل، فضلا عن باريس وضواحيها، حيث قتل الشاب "نائل" برصاص الشرطة يوم الثلاثاء 27 حزيران/يونيو 2023، في ضاحية "نانتير"، وفق الصّوَر التي رصدَتْها إحدى آلات التصوير التي نصبتها الدولة بالمكان لمراقبة المواطنين، وبدل معالجة مشاغل السكان من بطالة وفقر ونقص – أو غياب - خدمات القطاع العام، نشرت الحكومة 45 ألف شرطي وعربات عسكرية وحواجز في الساحات والشوارع، وهذه ليست المرة التي يُقتل فيها شاب (أو حتى كهل) سواء كان من أبناء المهاجرين أو من أبناء السكان الأصليين، ويتمتع عناصر الشرطة بدعم الحكومة وبتواطؤ القضاء، ما جعل هذا الإغتيال يُذْكِي قضايا مُزْمِنَة يُثيرها الفقراء والأُجَراء وأصحاب الدخل المنخفض، زيادة على عنف جهاز الدّولة، وفروعه في مجال الأمن والقضاء والتعليم والوظيفة العمومية، وعنصريته، وأعلن وزير الداخلية يوم 30 حزيران 2023 الإحتفاظ بأكثر من ألف ومائة شخص رهن الإعتقال...
نجحت الدّولة الفرنسية وأجهزتها الأمنية والإعلامية والقضائية في إخماد الإحتجاجات العُمّالية والشّعبية، دون تقديم أي تنازل، منذ حوالي عقدَيْن، وخصوصًا خلال السنوات الخَمْس الأخيرة ( 2018 – 2023) من "السترات الصفراء، إلى رفض تغيير قوانين العمل والتقاعد، وأصبح إطلاق النار من قِبَل عناصر الشرطة والقَتْل والإصابة بعاهات أو بجروح خطيرة، أمرًا شبه مُعتاد، ويتجاوز أبناء المهاجرين ليشمل السّكّان الأصليين من أصل أوروبي، وتندرج انتفاضة الأسبوع الأخير من حزيران ضمن احتجاج سكّان أحياء الفُقراء وأبناء المهاجرين على اغتيال عناصر الشرطة للشاب نائل مرزوق (يُصر الإعلام الفرنسي بيمينه ويساره على تسميته "ناهل" ) من أُصُول جزائرية، ولا يتجاوز عمره 17 سنة، يوم الثلاثاء 27 حزيران/يونيو 2023، بضاحية "نانتير" (غربي باريس) بذريعة محاولته دهس شرطي، غير إن تسجيل شريط المراقبة أظْهَر أن السيارة التي يقودها نائل كانت متوقفة وإن الشرطي أطلق رصاصة في الرّأس (بنِيّة القتل)، من نافذة السيارة التي كان الشاب نائل يستخدمها في عمله (توصيل ) ليُساعد أُسْرَتَهُ على تحمّل أعباء الحياة، وجابهت الحكومة الفرنسية الإحتجاجات بالقمع والإعتقالات المُكثّفة لمئات الأشخاص، ممن شاركوا أو لم يُشاركوا في التظاهرات التي جندت الحكومة 45 ألف شرطي مُسلّح وطائرات مروحية وعربات مُدرّعة، لقَمْعِها في باريس ومُحيطها وفي المُدُن الكبرى، وبالمغالطات وبالكذب، يُساعدها في ذلك الإعلام سواء المملوك للشركات الإحتكارية، أو لأجهزة الدولة (القطاع العام الذي لا يختلف عن إعلام القطاع الخاص)، ولم تحضر وسائل الإعلام جنازة الشاب المُغْتال، ولم تنقل مطالب المحتجين (العدالة ومحاكمة القتلة من عناصر الشرطة...) بل ركّزت على بعض مظاهر الغضب من محاولات حرق بعض فُرُوع المصارف وبعض محلات البلديات التي أَقَرّت حَظْر التّجوال، وأُلْغِيت بعض الإحتفالات والتظاهرات الفَنِّيّة، وإغلاق خطوط النقل الحَضَرِي واعتقال حوالي خمسة آلاف شخص خلال خمسة أيام، في جميع أنحاء فرنسا، نصفهم من القاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 17 سنة، بينما قُتِلَ متظاهر برصاص الشرطة، في مناخ متوتّر منذ 2017، خصوصًا بعد تجاوز الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته البرلمان لتمرير النظام الجديد للتقاعد، عبر استخدم صلاحيات دستورية استثنائية جديرة بالأنظمة الدّكتاتورية، وتجدر الإشارة إلى العديد من القوانين الزّجرية الفرنسية التي تنسف أُسُسَ المجتمع الدّيمقراطي، مثل الصلاحايات الواسعة التي منحها القانون للمنظومة الأمنية الفرنسية (التفتيش والإعتقال والإحتجاز المؤقت الذي قد يستمر أكثر من ثلاثة أيام...)، فضلاً عن الحصانة وعدم الملاحقة، وسبق أن ندّدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بهذه الصلاحيات الواسعة لقوات الأمن الفرنسية، و"باستخدام العنف والقوة المفرطة التي تصل حَدّ القتل خارج نطاق القانون، والعنصرية والتمييز داخل أجهزة إنفاذ القانون بفرنسا"، حيث ترتفع نسبة الدّعم والمساندة لأطروحات وممارسات اليمين المتطرف...
يُعاني المهاجرون وأبناؤهم وأحفادهم (وهم مواطنون فرنسيون) من الميز الذي فَرَضَ عليهم الفَقْر بالوراثة، وتتالت انتفاضات جيل الأبناء والأحفاد المولودين بفرنسا، ولا يعرفون وطنًا غيره، منذ نهاية سنة 1981 حيث نظموا مسيرة تحت عنوان "من أجل العدالة والمُساواة" جابت فرنسا من جنوبها إلى شمالها، ورغم الوعود، بقي أبناء المهاجرين العرب والأفارقة يُشكّلون البروليتاريا المُهَمّشة، والفئات الهَشّة، ذات الدخل المنخفض، والتي تعيش في مَعَازل، تفتقر للوظائف ولوسائل النقل العمومي وللنشاط الثقافي، مع الحرمان من العمل والسّكن اللائقَيْن ومن العيش بكرامة، والمُعَطّلين عن العمل والعاملين بدوام جُزْئي وبرواتب مُتدنّيَة، وهي الظروف التي جعلت الشاب المُغْتال "نائل مرزوق" يعمل – بشكل غير نظامي - ليُساعد أُسْرَتَهُ ويتم اغتياله بتعلّة كاذبة، أثناء عمله، في مناخ متوتر، بعد الإحتجاجات الشعبية التي بدأت منذ بداية سنة 2023، ضد "إصلاح" نظام التقاعد، كما إن فرنسا تتميز بغياب إعلام جِدِّي، وبتحول وسائل الإعلام إلى أداة إضافية تخدم الرأسمالية النيوليبرالية وتُؤَجِّجُ العنصرية واحتقار فئات الفقراء وتقسيمهم على أُسُس "اثنية" و "ثقافية"، لكي لا يتوحّدوا ضدّ الطبقة الرأسمالية التي تستغلهم وتضطهِدُهم جميعًا...
ارتفعت ثروات الأُسَر التي تمتلك شركات عابرة للقارات، مثل بويغ ( أكبر شركة إنشاء + إعلام سمعي وبصري) وبولوريه ( بنية تحتية ومجالات أخرى) و"لاغاردير" و "داسُّو" (سلاح وإعلام)، بقدْر ارتفاع عدد الفقراء الذي قدّر المعهد الوطني للإحصاء عددهم بخمسة ملايين نسمة، سنة 2020، أو حوالي 8% من سكان البلاد الذين يعيشون تحت خط الفقر ( 940 يورو شهريا للفرد) ويُقدّر "مرصد عدم المساواة" نسبتهم بأكثر من ذلك، مع الإشارة إلى اتساع الهوة بين نسبة 10% من السكان الأكثر ثراء ونسبة 10% الأشدّ فقرا، وحصة كل من الفئتَيْن من "الثروة" أي من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن مؤشرات عديدة لارتفاع حجم ونسبة الفقر، بما في ذلك لدى العاملين بعقود هشّة وبدوام جزئي وبرواتب متدنّية، وهي الفئات التي تَضُمُّ المهاجرين وأبناءهم، ومؤشر ارتفاع عدد الذين يتردّدون على "بُنُوك الطّعام" الخ.
هذه بعض النماذج من التناقض الصارخ بين فئتَيْن من الشعب في البلدان الرأسمالية المتطورة، حيث يوجد أثرياء وفُقراء، عُمال وأرباب عمل، مُستغِلُّون ومُستغَلُّون مُضطَهِدُون ومُضْطَهَدُون، ومن مصلحتنا بناء جبهة عالمية ضد الإستعمار والإستغلال والإضطهاد، لكن وضعنا سيء في كل بلد على حِدَة وعلى مستوى عالمي، وفي الأثناء تزدهر المصارف والشركات العابرة للقارات، فيما انخفضت القيمة الحقيقية للرواتب والمعاشات، ويُعاني الفقراء مُشتّتين بلا تنظيم وبلا هدف واضح...
في العالم قدّرت منظمة الأمم المتحدة عدد الفقراء في العالم، سنة 2021، بنحو 1,3 مليار شخصًا، نصفهم تقريبًا من الأطفال والشباب، وعللت المنظمة ارتفاع عدد الفُقراء بتزايد التفاوتات الطبقية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفُقراء، حيث سجلت ثروة الشركات العابرة للقارات والأثرياء ارتفاعًا قياسيا، سنة 2021، بالتوازي مع كفاح ملايين العُمّال من أجل حقوقهم ومن أجل تحسين الرواتب وظروف العمل، وكفاح الملايين من أجل البقاء على قيد الحياة، وأقرت منظمة الأمم المتحدة إن ارتفاع عدد الفقراء مرتبط بالتهميش والإقصاء وانتهاك الحقوق الأساسية وغياب المساواة في الحقوق والواجبات...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والعشرون، بتاريخ الأول ...
- الإستعمار -الأخضر- - الجزء الثاني
- الإستعمار -الأخضر- - الجزء الأول
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والعشرون، بتاريخ الرابع ...
- أرباحهم مُضِرّة بصحّتنا
- الرأسمالية نقيض الدّيمقراطية
- أي ديمقراطية في المجتمع الرأسمالي؟
- خبر وتعليق
- الصين والولايات المتحدة وروسيا والعرب
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرّابع والعشرون، بتاريخ الساب ...
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والعشرون، بتاريخ العاشر ...
- ملامح الحركة النقابية بالولايات المتحدة
- قراءات - عرض كتاب
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والعشرون، بتاريخ الثالث ...
- تجارة المخدرات – من المستفيد؟
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والعشرون، بتاريخ 27 أيا ...
- النسخة الأمريكية من الديمقراطية - الجزء الأول والثاني
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد العَشَرون – 20 أيّار/مايو 202 ...
- الولايات المتحدة: المُنْحَدَر؟
- الولايات المتحدة- انهيار بطيء


المزيد.....




- مصدر لـCNN: مدير CIA يعود إلى القاهرة بعد عقد اجتماعات مع مس ...
- إسرائيل تهاجم وزيرا إسبانيا حذر من الإبادة الجماعية في فلسطي ...
- تكريما لهما.. موكب أمام منزلي محاربين قديمين في الحرب الوطني ...
- بريطانيا تقرر طرد الملحق العسكر الروسي رداً على -الأنشطة الخ ...
- في يوم تحتفل فيه فرنسا بيوم النصر.. الجزائر تطالب بالعدالة ع ...
- معارك في شرق رفح تزامناً مع إعادة فتح إسرائيل معبر كرم أبو س ...
- لماذا لجأت إدارة بايدن لخيار تعليق شحنات أسلحة لإسرائيل؟
- بوتين يشيد بقدرة الاتحاد الأوراسي على مجابهة العقوبات الغربي ...
- كشف من خلاله تفاصيل مهمة.. قناة عبرية تنشر تسجيلا صوتيا لرئي ...
- معلمة الرئيس الروسي تحكي عن بوتين خلال سنوات دراسته


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تناقض رأس المال الإحتكاري مع واقع الشعوب - نموذج فرنسا