متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والعشرون، بتاريخ 27 أيار/مايو 2023

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7624 - 2023 / 5 / 27 - 14:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يحتوي العدد الواحد والعشرون من نشرة "مُتابعات" فقرة عن بعض ما حدث يوم 27 أيار/مايو، وأخرى عن صناديق المُضاربة التي تصطاد فُرص شراء ديون البلدان الفقيرة المُهَدّدة بالعجز عن سداد الدّيون، بأسعار رخيصة (تقل كثيرا عن قيمتها ) بهدف تحقيق أرباح ضخمة من مُقاضاة الدّول الفقيرة في المحاكم الأمريكية والأوروبية، وفقرة تُمثل لمحة عن الوضع غير المُشْرِق بالمغرب (وهو ليس البلد العربي الوحيد) وتداخل السلطة والثروة بشكل مفضوح، وفقرة قصيرة عن مكانة اقتصاد آسيا، وأخرى عن الجانب غير المُضيء في الدّول الرأسمالية المتطورة، حيث تتعمّق الفَجْوَة الطّبقية، وينتشر الفقر والبطالة والتّشرّد، وتليها مباشرةً فقرة تتعلق بنفس الموضوع، من خلال مُلخّص وتعليق لأحى مقالات مجلة "نيو ليفت ريفيو" (Review New Left ) الأمريكية بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2023، ويتعلق موضوع الفقرة الأخيرة بمعركة الدّول الغنية وشركاتها من أجل السيطرة على المعادن الثمينة والنادرة، ومنها "الّليثيوم" الضروري لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية والحواسيب والهواتف المحمولة وغيرها...

بعض الوقائع التاريخية التي حدثت يوم 27 أيار/مايو
يصادف تاريخ السابع والعشرين من أيار ذكرى اكتشاف الرّحّالة البرتغالي "فاسكو دا غاما" الطريق البحرية التي تصل أوروبا (وأمريكا) بآسيا، عبر رأس الرجاء الصالح (جنوب إفريقيا)، وبلوغه الهند عبر هذه الطريق سنة 1498، وفق ما بَلَغَنا بواسطة التّاريخ الرّسمي... أمّا الجانب الذي يَهُمُّنا كعرب فيتمثل في تراجع تأثير الحضارة العربية في العالم، بالتزامن مع بدايات عصر "النّهضة" الأوروبية، حملات "كريستوف كولومب" و "فاسكو دا غاما" التي تزامنت مع هزيمة الحكم العربي بالأندلس، ومع القضاء على دور العرب كوسيط تجاري وحضاري بين آسيا وأوروبا، ما أدّى إلى التراكم الرأسمالي بأوروبا وليس بالمشرق العربي.
في السابع والعشرين من أيار 1332 وُلِد عبد الرحمان ابن خلدون، أحد أهم المَوْسُوعِيِّين العرب، وفي نفس اليوم سنة 1873 توفي أحد رواد النهضة الفكرية العربية "رفاعة رفعت الطهطاوي"...
يصادف يوم السابع والعشرين من أيار، كذلك ذكرى هزيمة "جمهورية" الريف، سنة 1926، التي تأسست سنة 1921 بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتحالف الجيشان الإسباني والفرنسي ضد الجمهورية...
في ألمانيا، تم إعدام زعيم ثورة الفلاحين "توماس مونتسير" ( Thomas Müntzer )، بتهمة "الخُروج على السلطة الإقطاعية"، في السابع والعشرين من أيار/مايو 1525، بعد بضعة أيام من هزيمة الثورة...

المُستفيدون من دُيُون البلدان الفقيرة
"الصناديق الانتهازية" هي صناديق مضاربة أو مُؤَسّسات مالية، غالبًا ما يكون مقرها في ملاذات ضريبية، تنتهز فُرصة معاناة بعض الدّول من صعوبات مالية أو الدّول تتخلف عن السداد لتعيد شراء سندات ديونها بأسعار منخفضة، نظرًا للمخاطر التي تحيط بهذه الدّيون التي يتم بيعها وشراؤها في ما يسمى بالسوق الثانوية، حيث يُحاول الدّائنون التّخلّص من هذه الدّيون المحفوفة بالمخاطر، بأقل من سعرها الحقيقي. تنتظر هذه الصناديق تدخل صندوق النقد الدولي "لإعادة هيكلة الاقتصاد" وعندما تتحسن الحالة المالية لهذه البلدان، تتقدّم الصناديق الإنتهازية بشكوى إلى المحاكم الأمريكية أو "الغربية" (وليس في الدّول التي تستهدفها الشكوى)، وتُطالب بمبالغ كبيرة (أصل الدّين والفائدة والغرامات وتكلفة القضية...)، لذا فإن الصناديق الإنتهازية تشتري ديون الدول التي تواجه صعوبات بأسعار منخفضة للغاية، بجزء بسيط من قيمتها الأصلية، ثم تطالب بسداد 100% من القيمة الأصلية وفوائدها، بالإضافة إلى الغرامات والفوائد الناتجة عن التّأخير، وبذلك تمثل الأرباح المحققة في المتوسط من ثلاثة إلى عشرين ضعفًا لاستثماراتها، أو ما يعادل عوائد تتراوح من 300% إلى 2000% على حساب مواطني هذه البلدان...
المغرب
تتوقع الحكومة أن لا تتجاوز نسبة النمو 1,5% سنة 2023، وأن يبلغ عجز الميزانية 4,5% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب وثيقة وزارة المالية، ولتغطية العجز، أصدرت الحكومة في بداية آذار/مارس 2023 سندات اقتراض في السوق المالي الدولي (في بوسطن ونيويورك ولندن) بقيمة 2,5 مليار دولار، لأَجَل خمس وعشر سنوات، لسَدّ تفاقم عجز الميزان التجاري الذي ارتفع إلى 17,8% ( أو حوالي 4,38 مليار دولارا) على أساس سنوي، بنهاية شهر شباط/فبراير 2023، وارتفاع التضخم لمستويات قياسية من 1,4% بنهاية سنة 2021 إلى 6,6% خلال سنة 2022، وبلغ معدل التضخم السنوي بنسبة 8,9%، في كانون الثاني/يناير 2023، وهو الأعلى منذ حوالي ثلاثة عقود...
تأثّر المواطنون كثيرًا بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع نسبة التضخم إلى 8,2% خلال شهر آذار/مارس 2023 وانخفض قليلاً إلى 7,8% خلال شهر نيسان/ابريل 2023، وفقا لبيانات المندوبية السامية للتخطيط المسؤولة عن إصدار الإحصاءات، غير أن التفاصيل تُظْهِرُ ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 16,3%، ما يَضُرُّ كثيرًا بالفئات ذات الدّخل المنخفض التي تُخصص أكثر من ثُلُثِ الدّخل لشراء الغذاء...
وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، في بداية نيسان/ابريل 2023، على خط ائتمان طلبته حكومة المغرب بقيمة خمسة مليارات دولارا على مدى عامَيْنِ، "لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي ولسَدّ تفاقم عجز الميزان التجاري" فيما يُعاني المواطنون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وسبق أن حصل الغرب منذ سنة 2012، على أربع قُروض ( في صيغة خطوط ائتمان) متتالية مع صندوق النقد بلغت قيمة كل منها نحو 3 مليارات دولار...
كان عدمُ الجمع بين الثروة والسلطة أحدَ شعارات انتفاضة الـ20 شباط/فبراير 2011 إلا أنَّ ثروةَ الملك محمد السادس قد تضاعفَت في غضون أربع سنوات فقط، بينما تبلغ ميزانية بلاط الملك المُعْلَنَة بقانون المالية 12 مليون يورو، وتفوق ميزانية البلاط الإسباني بعشرينَ مرة، وفق اوراق باناما التي نشرت بعض البيانات عن ثروة ملك المغرب الذي سَجّل بعض ممتلكاته باسم بعض خَدَمِهِ، وعلى سبيل المثال يمتلك أمين سِرّه (الكاتب الخاص للملك) شركَتين في مَلاذاتٍ ضريبيّة، وقصر في باريس ومركب بحري سياحي، كما قَدّرت مجلة "فوربس" الأمريكية ( تشرين الثاني/نوفمبر 2015) ثروةَ ملكِ المغرب بخمسةِ ملياراتِ دولار، أي زادت ثروته ب 2,5 مرة ما كانت عليهِ في شباط/فبراير 2011، وأصبحت الأُسْرة المالكة تجمع السلطة والمال بشكل مفضوح، حيث تحولت إلى "مجموعة مالية" وإلى شركة مقاولات في مجالات عديدة، منها الطاقة المتجددة"، بالشراكة مع احتكارات أجنبية...
أما عن احتكار السُّلْطة فالملك يُعَيِّن كل المُشرفين على شركات الإنتاج (الفوسفاط مثلا) ويعيّن القضاة وغيرهم من كبار الموظفين، وهو الذي يُدير الحكومة، ويعين ويُقيل رئيسها ووزراءها، ما يؤدّي إلى تضارب المصالح، مصالح رجل الأعمال من جهة، ومصالح المواطنين في الجهة المُقابلة، ولما تضخّمت مصالح الأُسْرة المالكة وانخفض دخل المواطنين، انطلقت حركة مقاطعة الشركات المُقَرّبة من الملك، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، ربيع سنة 2018، وأهمّها شركة مياه معدنية وشركة إنتاج وتسويق الحليب ومشتقاته وشركة إفريقيا لمحطات بيع البنزين، وانتشرت خلال تلك الحملة شعارات الاحتجاج على غلاء المعيشة، وعلى اقتصاد الرّيع والهوة الطبقية العميقة وما إلى ذلك من شعارات تُشير إلى الملك وحاشيته التي تُدِير الشركات الثلاثة التي استهدَفَتْها المُقاطعة.
يُدير هذه الشركات مُقَرّبون من الملك، مثل عزيز أخنوش، وهو ملياردير، صاحب ثاني أكبر ثروة بعد المَلِك، يرأس الحكومة المغربية حاليا، سنة 2023 (كان وزيرًا للفلاحة والصيد البحري، خلال حملة المُقاطعة)، وأُسْرة بن صالح، باذخة الثراء، وفؤاد عالي الهمة، صديق الملك محمد السادس،
قَدّرت مجلة فوربس ثروة رئيس الحكومة عزيز أخنوش سنة 2018، بمليارَيْ يورو، ويمتلك حصصًا وازنة في عدد من الشركات ذات النشاط المتنوع، منها قطاعات النفط والغاز والمواد الكيماوية والسياحة والعقارات والإعلام والإتصالات، ولما احتاج الملك إلى خدماته نَصَّبَهُ على رأس حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي أنشأه إدريس البصري، وزير داخلية الحسن الثاني، قبل حوالي أربعة عقود، وبذلك أحاط الملك نفسه بحاشية تُماثله عبر الجَمْع بين المال والعمل السياسي، ولذلك استهدفت المُقاطعة الشعبية هذه الحاشية وإنتاج شركاتها...
تُسيطر أُسْرة الملك على مجموعة "المدى" المالية الضّخمة، التي تمتلك مؤسسات مالية (مصارف وتأمينات) وفي قطاعات العقارات والطاقة والإتصالات، وتمتلك شركة "مناجم" التي تنقلت مقرها إلى سويسرا، لتيْسير تهريب عائدات نهب الذّهب والفضة والنّحاس والكوبالت ومعادن أخرى من المغرب ومن بلدان إفريقية أخرى ( السودان وموريتانيا والكونغو والغابون...)، بدعم وتواطؤ أوروبيّيْن، وشراكات فرنسية وصهيونية، وتجاوزت الشراكة مع الكيان الصهيوني المجال الإقتصادي البحت، لتشمل مجال التّجسّس، وفق تقرير "فوربيدن ستوريز" ( Fordidden Stories ) الذي نشره، منتصف تموز/يوليو 2021، ائتلاف وسائل إعلام ومنظمات حقوقية (مثل منظمة العفو الدّولية) وكشف التقرير عن عملية واسعة للتجسس (عبر شركة إن إس أُو الصهيونية وبرنامجها بيغاسوس ) على عشرة آلاف هاتف شخصي بالمغرب، (صحافيين ومناضلين في مجالات مختلفة) وهواتف مسؤولين حكوميين ونواب برلمانيين أوروبيين، ثم كشف القضاء البلجيكي، بنهاية سنة 2022، عن تورط أجهزة الدّولة المغربية في عمليات فساد وتقديم رشاوى لنواب بالبرلمان الأوروبي ومسؤولين بالإتحاد الأوروبي – الشريك التجاري الأول للمغرب- وصدرت عن البرلمان الأوروبي لائحة ( 16 شباط/فبراير 2023) تُدين السلطات المغربية، مباشرة بعد زيارة المسؤول الدبلوماسية الأوروبية "جوزيف بوريل" إلى المغرب...
كانت وسائل الإعلام الأوروبية تتستّر على وضع الحُرّيات وعلى الفقر في المغرب، التلميذ النّجيب لصندوق النقد الدولي، وبعد تواتر الفضائح، أدان البرلمان الأوروبي نظام المغرب الذي اكتشف النّوّاب انتهاكه لحرية التعبير وحقوق النّساء واعتقاله الصحفيين، وصدر نقدٌ وِدِّي عن وزارة الخارجية الأمريكية) بسبب "إساءات وانتهاكات للحريات المدنية والحقوق السياسية"، وتكمن أهمية الإدانة (الخفيفة) الأوروبية في قيمة الإستثمارات والشراكات الإقتصادية، والدّعم السياسي لنظام المغرب، منذ 1975، بشأن الصحراء الغربية (مستعمرة إسبانية سابقة) ذات الساحل الثري بالأسماك وباطن الأرض الثري بالفوسفات والمعان الأخرى...
آسيا
بلغ معدل النمو الاقتصادي للصين 2,3% سنة 2020 و 8,4% سنة 2021 و 3% سنة 2022، بينما كان سلبيا في أوروبا ومعظم الدّول الرأسمالية المتطورة، ويتوقع معهد بنك التنمية الآسيوي نموّ الإقتصاد الصيني بنسبة 5% سنة 2023 ، و 4,5% سنة 2024. ومن المتوقع أن يدفع الاقتصاد الصيني النمو الإقليمي من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات، حيث أن درجة تكامل اقتصادات منطقة جنوب وشرق آسيا تعادل مثيلتها في أوروبا، ومن هنا تأتي أهمية التبادل التجاري والإقليمي بين دول هذه المنطقة، والتي تقدر نسبتها بنحو 50% من التجارة الخارجية لهذه البلدان، إذْ تم تنفيذ ثُلُث (1/3) تجارة دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مع الصين، وفق بيانات سنة 2021.
أدت قيود سنة 2020 إلى انخفاض في الطلب، وبالتالي انخفاض في الأنشطة الاقتصادية، ما أَثَّر سلبًا على المنتجين المحليين وكذلك على مُوَرِّدِيهِم الوطنيين والأجانب، كما أدى إلى زيادة البطالة وانخفاض الدخل والنمو.
تطور اقتصاد آسيا، بشكل عام، على عكس إفريقيا وأمريكا الجنوبية، من اقتصاد يعتمد على العمالة الكثيفة وغير الماهرة إلى اقتصاد ابتكاري يتطلب مهارات جديدة وعمال من ذوي الخبرات لتحقيق "نمو مستدام وأخضر"، من خلال رقمنة إجراءات التجارة والنقل وكذلك زيادة الاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة، ولعبت الصين دورًا رياديا في قيادة اقتصادات آسيا نحو مزيد من التكامل في مرحلة جديدة من التقسيم الدولي للعمل ضمن مبادرة "الحزام والطّريق"، وضمن مشروعها لعالم رأسمالي متعدد الأقطاب ...

من "حَسَنات السّوق الحُرّة"
بعد الإنهيار الرسمي للإتحاد السوفييتي، نشرت الصحيفة الأمريكية اليومية في 22 كانون الثاني/يناير 1992، صورًا لمئات الأشخاص الذين يصطفون بطابور لشراء الخبز في موسكو، وورد في تحليل الصحيفة إن نقص الغذاء في روسيا دليل على عجز النظام الشيوعي عن تلبية احتياجات مواطنيه، وتعتبر صحيفة نيويورك تايمز إن الخصخصة وتحرير السوق هما العلاج، فهما ينظمان السوق دون تدخل الدولة، وبذلك تعيد الصحيفة ترديد أسطورة "اليد الخفية" التي ابتدعها آدام سميث (1723 – 1790)...
بعد أكثر من عقدين، نشرت وكالة بلومبرغ (التي يمتلكها الملياردير الذي يحمل نفس الاسم، العمدة السابق لنيويورك) صورًا لمئات من الأمريكيين في طابور أمام مبنى بنك الطعام الذي يوزع المنتجات الغذائية على أفقر الأمريكيين، بعد التحقق من وضعهم ومراقبتهم اللّصيقة من قِبَلِ مكاتب الخدمات الاجتماعية، وعمومًا، يعاني عشرات الملايين من الناس من الجوع سنة 2023 بالولايات المتحدة، فهل كان ذلك "رمز للخلل الوظيفي وعدم الكفاءة الاقتصادية المعوقة" للنظام الرأسمالي، وفق العبارات التي استخدمتها صحيفة "نيويورك تايمز "، سنة 1992، بشأن روسيا روسيا؟
عندما يحدث نقص في البلدان الأخرى، يعتبر نقص الغذاء دليلاً على حدوث خلل، وعندما يحدث نفس الشيء في الولايات المتحدة، يُتَّهَمُ الفُقراء والمُسَرّحون من العمل بالكسل وبعدم التّكَيُّف، فليس النظام أو النموذج الاقتصادي الرأسمالي هو موضع التساؤل أو الإتهام، وإنما الأفراد، فيما تعتبر تحليلات أخرى إن هذا الوضع ليس نتيجة خلل هيكلي وإنما نتيجة صعوبات مؤقتة (البطالة والفقر وفقدان السكن والجوع وما إلى ذلك) أما الإستنتاج فهو واحد: وجب إجبار هؤلاء الأفراد على التّأقلم والتّكَيُّف مع المُستجدّات المهنية والإقتصادية والإجتماعية الخ.
نشرت وكالة بلومبرغ يومي 7 و 23 أيار/مايو 2023 تحقيقًا مُصَوّرًا، يتضمّنُ طوابير انتظار طويلة أمام أحد بُنُوك الطعام التي تمتد لنحو ثلاثمائة متر في المتوسط، وتدعم هذه الصور تقارير بنوك الطعام عن الإرتفاع القياسي لطلبات الطعام، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقدر مكتب الإحصاء الإتحادي الأمريكي ، أن ما يقرب من خمسة وعشرين مليون شخص قد عانوا من الجوع خلال شهر نيسان/ابريل 2023، في بلد يبلغ الناتج المحلي الإجمالي به بأكثر من 25 تريليون دولار، وأفاد تقرير لشبكة سي إن إن (17 أيار/مايو 2023) أن برنامج المعونة الغذائية غير كاف وغير فعال، حيث يعاني الأمريكيون العاديون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن السياسات الظالمة للحكومة التي تُقر خفض الضرائب على الثروات، فيما يُقرر الإحتياطي الإتحادي زيادة سعر الفائدة، بذريعة مكافحة التضخم، وأدّت هذه السياسات إلى زيادة معدّلات البطالة، وما ينتج عنها من تداعيات سلبية للغاية، منها فقدان المأوى والتشرد، وزادت وفيات المشردين بشكل مطرد، وفقًا لمجموعة "إحصاء وفيات المشردين" من 6345 سنة 2018 إلى 7877 سنة 2020 (لم أعثر على إحصائيات سنَتَيْ 2021 و 2022) وزادت وفيات المشردين بنسبة 77% في السنوات الخمس حتى العام 2020، وفقًا لمسح أجرته صحيفة "غارديان" (07 شباط/فبراير 2022)، تأسيسًا على البيانات المحلية لعشرين منطقة حضرية بالولايات المتحدة.
تنعكس السوق الحرة، التي ذكرتها صحيفة نيويورك تايمز في 22 كانون الثاني/يناير 1992، بالولايات المتحدة، معقل السوق الحرة، في ارتفاع أعداد المُشردين وفي طول الطوابير أمام بنوك الطعام في المناطق الحضرية.

قراءات – رأس المال، عدو الحُرّيّة والمُساواة
بيتر ثيل، رأسمالي محافظ للغاية، وأحد أباطرة وادي السيليكون، بولاية كاليفورنيا، حيث توجد أكبر شركات التكنولوجيا الحديثة والإتصالات، وهو ألماني المولد والأصل، قضى جزءًا من حياته في جنوب إفريقيا العنصرية، قبل الإنتقال إلى الولايات المتحدة، وهو حاصل على إجازة في الفلسفة ودكتوراه في القانون، ويجسد الأيديولوجية الجديدة للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا الذين يدَّعون تحرير الرأسماليين من "الاستغلال الذي يعانون منه على أيدي العمال". تبلغ ثروة بيتر ثيل الذي يدّعي مُعاداة مؤسسات الدّولة- وهو مُعجب برونالد ريغن - وبحسب مجلة فوربس نحو 4,2 ف مليارات دولار، ومعظمها من شركته - Palantir - المتخصصة في التحكم الشامل والتي زادت قيمتها السوقية بفضل استثمارات وكالة المخابرات المركزية، وفقًا لمجلة New Left Review بتاريخ 26 نيسان/ أبريل 2023
بيتر تيل هو أيضًا مدرس وباحث في جامعة ستانفورد، أكثر جامعات النخبة رجعيةً، وشارك في تأسيس "مجلة ستانفورد" مع العديد من المليارديرات، بتمويل من مراكز البحث ومجموعات الضّغط والمنظمات المحافظة واليمينية المتطرفة التي تناضل مثله من أجل عودة نظام حُكْم المَلَكِيّة المُطْلَقَة، وتناضل ضد التعددية الثقافية وضد مبدأ المساواة بشكل عام ومساواة الأغنياء والفقراء (قانونًا وليس واقعًا) والمساواة بين المرأة والرجل، وضد أي شيء يُعْتَبَرُ ذي علاقة بالتقدمية أو اليسار، وفق الرّؤْيَة الأمريكية.
أنشأ PeterThiel صندوقه الاستثماري الخاص في كاليفورنيا سنة 1998 تحت اسم Thiel Capital Management ، بمبلغ مليون دولار، وأسس خلال سنة 1999 مؤسة المعاملات المالية الإلكترونية - PayPal - مع مجموعة من الأصدقاء الأثرياء المُغرقين في الرّجعية، من بينهم Max Levchin (من أصل أوكراني) مصمم التشفير الذي ابتكر الخوارزمية الأساسية لنظام الدفع عبر الإنترنت، وأعلن مؤسسو هذه الشركة دوافعهم العقائدية: "كان هدف PayPal هو إنشاء عملة عالمية جديدة، خالية من أي سيطرة حكومية، والتي وقد تؤَشِّرُ هذه العملة الجديدة إلى نهاية السيادة النقدية"، ويستثمر "بيتر ثيل" مع إيلون ماسك في شركة تيسلا للسيارات الكهربائية وفي تويتر وفي فيسبوك مع مارك زوكربيرغ، كما يستثمر في آيربينبي ولينكدين والعديد من الشركات الأخرى مع المليارديرات الذين يمجدون الاحتكارات.
أسس بيتر ثيل شركة - "Palantir" - سنة 2003، وهي شركة متخصصة في المراقبة الجماعية وتحليل البيانات، وتلقى على الفور تمويلًا من صندوق الاستثمار In-Q-Tel التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكان بيتر ثيل قد كتب، أثناء تأسيس شركة ( Palantir) سنة 2003، في The Straussian Moment : "بدلاً من الأمم المتحدة والمناقشات البرلمانية التي لا نهاية لها وغير الحاسمة، يجب أن نعتبر برنامج التنسيق السري لأجهزة الاستخبارات العالمية (Echelon )، الطريق نحو السلام العالمي الحقيقي"، ويُعْتَبَرُ Echelon أكثر آليات مراقبة الكواكب تطفُّلاً تم ابتكارها في تاريخ البشرية.
كشف بيتر ثيل، بين سنتَيْ 2004 و 2014، بنشاط عن رؤيته للعالم في العديد من المؤتمرات والمُنْتَدَيات، وكتب مقالات لصحيفة وول ستريت جورنال ونشر دراسات كشفت عن أفكاره الأكثر رجعية، ومنها ادّعاؤه أن الأغنياء ضحايا ابتزاز العُمّال والكسالى، فهم يتعرضون باستمرار لمضايقات الفقراء، واعتبر ذلك أحد مؤشّرات التدهور والانحدار الثقافي المُستمر (بحسب قوله) منذ سنة 1945، أي سنة هزيمة النازية، في ألمانيا، بلده الأم، قبل العيش في جنوب إفريقيا العنصرية، ثم في الولايات المتحدة.
يعتقد بيتر ثيل أن الديمقراطية والحقوق الممنوحة للمرأة والفقراء من أسباب "التدهور الثقافي"، وكتب بهذا الصّدد: "كانت عشرينيات القرن العشرين هي العقد الأخير في التاريخ الأمريكي الذي يمكن للمرء أن يكون فيه متفائلًا بشأن السياسة، ومنذ سنة 1920، أدت الزيادة الحادة في المُستفيدين من الرعاية الاجتماعية وتوسيع الحق في التصويت إلى النساء، إلى تحويل مفهوم "الديمقراطية الرأسمالية" إلى تناقض لفظي، لأن الرأسمالية لا تتطلب بالضرورة، الديمقراطية، بحسب رأيه، ويقترح العودة إلى النظام الملكي المُطْلَق، لأن "كل الاختراعات العظيمة في التاريخ أنتجتها شركات تعمل كملكيات أو احتكارات مطلقة ..."
انطلقت شُهرة وثروة شركة بلانتير سنة 2011 بفضل شائعة مفادها أن الشركة "ساعدت في اكتشاف مخبأ أسامة بن لادن وفي اغتياله" ومنذ ذلك الحين، تضاعفت العقود، وسعت الشرطة الألمانية إلى الحصول على خدماتها، والتعاون مع الشركة بخصوص برامج المراقبة وبخصوص التعاون الفني لتشغيلها من قِبَل خُبراء الشركة. بلغت قيمة بلانتير 17,6 مليون دولار بنهاية سنة 2022. أما صاحبها بيتر ثيل فيُقدّم نفسه على أنه مُدَمِّرٌ للدولة، لكن ثروته تأتي من تعاونه مع أجهزة أمن واستخبارات الدّول، ومُساعدتها على التجسس على المواطنين.
معظم البيانات من مجلة – نيو ليفت ريفيو" (Review New Left ) بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2023

معارك في الكواليس
كانت الولايات المتحدة أكبر منتج لليثيوم في العالم حتى سنة 1995، وبدأت شركة النفط الأمريكية العملاقة "إكسون" دورًا رئيسيًا في إنتاج بطاريات الليثيوم منذ سبعينيات القرن العشرين، لكن التوقيت كان غير مناسب، واضطرت شركة "إكسون" إلى التّخلِّي عن هذه الصناعة بسبب نقص الطّلب آنذاك.
لم تكن الصين آنذاك (قبل الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية) مُنافسًا للولايات المتحدة أو أي من الدّول الرأسمالية المتطورة، لكن بعد عُقُود، أصبحت الصين تهيمن على السوق العالمية لصناعة بطاريات الليثيوم، وتدعم الدّولة هذه الصناعة بذريعة "تشجيع الطاقات البديلة" كما تدعم الولايات المتحدة هذه الصناعة من خلال "قانون الحد من التضخم" لدفع قطاع الصناعة، والتّوظيف، وأقرّ الإتحاد الأوروبي "مبادرة تطوير إنتاج البطاريات والمركبات الكهربائية" بهدف اللّحاق بالصين، شَرْطَ تَوَفُّر المواد الخام.
تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 3% من احتياطيات الليثيوم في العالم ولا تُنتِجُ سوى 2% من حجم المعروض السنوي، معظمها من منجم "سيلفر بيك" في نيفادا، التي تُسمِّها وسائل الإعلام الأمريكية "وادي السيليكون لليثيوم"، وتعتمد الولايات المتحدة حاليًا بشكل أساسي على مناجم تشيلي والأرجنتين، وبالخصوص على الصين، لتلبية احتياجاتها من الليثيوم، حيث في العام الماضي ، استخدمت الولايات المتحدة سنة 2022، نحو ثلاثة آلاف طنًّا من الليثيوم، أو ما يعادل 2,2% من الإستهلاك العالمي البالغ 134 ألف طنًّا، وارتفع (الإستهلاك العالمي) بنسبة 41% عن سنة 2021، خاصة في آسيا (الصين وكوريا الجنوبية واليابان )، وخفّضت الصين أسعار بطاريات الليثيوم في السوق الدّاخلية، بنسبة 50% خلال عام واحد لتشجيع استخدام السيارات الكهربائية...
قرّرت شركة "إكسون" للمحروقات الاستثمار في استغلال النحاس والنِّيكل، وبالأخص الليثيوم، وهو مَعْدن استراتيجي، تتوقع هذه الشركة ارتفاع الطلب عليه في إطار تشجيع الطاقات الجديدة، ويترافق استثمار شركة "إكسون" مع محاولة حكومة الولايات المتحدة تدارك تأخُّرها عن الصّين، ولذلك أقرّت وزارة الطاقة الأمريكية دَعْمًا بقيمة 1,6 مليار دولارا، ل 12 مشروعًا لإنتاج الليثيوم، وأهمها حقل "ثاكر باس"، واستحوذت شركة "إكسون موبيل" من شركة الاستكشاف ( Galvanic Energy ) على نحو خمسين ألف هكتار من الأراضي المُحيطة بمنجم الليثيوم في "سماكوفر" ( Smackover )، بجنوب أركنساس، مقابل 100 مليون دولار، وتقدر احتياطيات هذا المنجم بنحو 4 ملايين طن من كربونات الليثيوم التي يمكن استخدامها في بطاريات 50 مليون سيارة، وتتوقع "إكسون موبيل" الحصول على إيرادات بقيمة 55,7 مليار دولارا بفضل ارتفاع أسعار المحروقات المرتبط بتعافي الطلب العالمي والعقوبات المفروضة على روسيا
لا تزال شركة "إكسون موبيل" ( إحدى أقدم شركات النفط في العالم ) عملاقًا في مجال إنتاج المحروقات (النفط واللغاز)، وفي مجال التّكرير، وتُقدّر قيمتها في الأسواق المالية بنحو 430 مليار دولارا، وأنتجت، سنة 2022، ما لا يقل عن 2,36 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل 20% في المائة من إنتاج النفط الأمريكي، وتُشير دراساتها إلى استقرار الطلب على النفط ونمُو الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 30%، لكن تتوقع انخفاض الطلب بداية من سنة 2025، ولذلك قررت تنويع أنشطتها بشكل تدريجي والإستحواذ على حقول تنتج الطاقات الجديدة، مثل الليثيوم، كما تتوقع الدّراسات الأمريكية ، ارتفاع حصة السيارات الهجينة والكهربائية من 1,6% سنة 2021، إلى 42% من السّوق العالمية سنة 2050، وتمثل الولايات المتحدة نحو 10% من السوق العالمية، ولذلك قررت شركة إكسون موبيل الإستحواذ على مناجم الليثيوم

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات