أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عندما يبكي الرجال!














المزيد.....

عندما يبكي الرجال!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 7647 - 2023 / 6 / 19 - 16:24
المحور: الادب والفن
    


تزخر كتب التاريخ بالعديد من قصص الفداء والتضحية من أجل الوطن، كل منها تمثل حالة فريدة من نوعها، ساهمت في صياغة القيم الإنسانية والأخلاقية لدى العديد من الناس، وغرست في نفوسهم مبدأ الاستعداد لخوض الحرب وقبول نتائجها، والرضا بما يمكن أن تخلّفه من مآسٍ!
ومن بين هذه القصص، قصة أسرة كردية مؤلفة من زوجين وابنتهما الوحيدة (داريا) المتفوقة دراسياً والمحبوبة في وسطها الاجتماعي؛ فهي جميلة وتتمتع بجاذبية، ولطالما كان والدها يبدي حرصه الشديد عليها من عدم الانجرار وراء إغواءات المعجبين بها إلى أن تكمل دراستها، وغالباً ما كان يمازحها بين الحين والآخر، متوعّداً بابتسام: «سأقتلك بهاتين اليدين» إذا ما زاغت عيناك عن طريق الصواب.
وعلى الرغم من كل هذه المزايا، فضّلت (داريا) الاهتمام بقضية شعبها على أي شيء آخر، بعد أن ترسّخت لديها قناعة المقاومة؛ نتيجة الظلم والاضطهاد وسياسة الإبادة التي يتعرض لها الشعب الكردي.
وفي ليلة ظلماء غادرت بيتها سراً، تاركةً وراءها أسرتها التي تحبها ومدرستها، والتحقت بصفوف المقاتلين في الجبال دفاعاً عن هذه القضية.
وبفضل مواهبها ومهاراتها، صارت قائدة في إحدى الوحدات العسكرية، بعد سنوات من انخراطها في الكفاح المسلح.
وخلال هذه الفترة، لم تغِب عن تفكير والدها الذي غلبه الشوق ولم يعد قادراً على تحمّل فراقها، وهي الأثيرة إلى قلبه، فقرر الالتحاق بدوره، بصفوف المقاتلين ليتمكن من رؤيتها.
خضع الأب لدورات تدريبية عديدة، وأصبح جاهزاً للقتال كبقية الرفاق. وذات يوم، جاءتهم أوامر من القيادة بخوض معركة مع العدو.
وتشاء الصدف- لدى وصوله إلى ساحة القتال - أن تكون ابنته هي من تقود المعركة. وأسوة ببقية المقاتلين طفقت تناديه بلقب (رفيق)، بعد أن تخلّت عن عواطفها العائلية كما تخلّى هو الآخر عنها، وفق التعليمات الحزبية بسبب ظروف الحرب.
خاض المعركة بكل جسارة، وقلبه يُعتصر خوفاً على ابنته، فعاطفة الأبوة لم تندثر لديه كلياً.
ولدى هجوم العدو بطائراته وجنوده، أصيبت (داريا) بقذيفة، خلعت كتفها من مكانه، وكان خلفها والدها يرقبها بذعر. هرع إليها محاولاً نجدتها، وخلع إزاره ليلفّ به كتفها والدموع تنهمر من عينيه، مختلطةً مع دماء ابنته التي تنزف بغزارة وقد أدركت أنها قاب قوسين أو أدنى من الشهادة. فخاطبته قائلةً: «رفيقي.. جرحي عميق وخطير، وكيلا أقع في الأسر، أريد أن تقوم بواجبك، أطلبها منك كأمر عسكري».
أيّ أمر عظيم هذا! أيّ موقفٍ رهيبٍ ومفجعٍ وُضِع فيه الأب! إنه يُبكي حتى الذئاب في جحورها!
تجمّد الأب في مكانه، تتناهبه مشاعر متناقضة، شعر أنه موكلٌ بمهمة تنوء عن حملها الجبال. وأحسَّ بأن حزن الدنيا كله قد تكثّف في لحظةٍ واحدة وانهمر عليه. ألقى على ابنته نظرة استفهامٍ معذّبة، والهلع يتدفق من عينيه! وجعل يبلع ريقه في حيرةٍ وارتباك، فقد كان عليه اتخاذ القرار خلال ومضة متناهية الصغر؛ فجنود العدو يقتربون بسرعة.
لم يكن أمامه خيار آخر. وجّه بندقيته إليها وأغمض عينيه وهو يتذكر عندما كان يمازحها قبل انضمامها إلى صفوف المقاتلين بعبارة «سأقتلك بهاتين اليدين»، ونفّذ "وعيده" بقتلها دون أن يقول لها (سأقتلك).

ذكّرتني هذه القصة المؤثرة (الأب وابنته) للكاتب الكردي حسني مته، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب آلان عبد الله، بقصص وحكايا مماثلة عن أب يقتل ابنته أو أخ يقتل أخته، ولكن بدافع الشرف!
كم الفارق شاسعٌ بين الدافعين؟!
أب يقتل ابنته إنقاذاً لها من الوقوع بالأسر، دفاعاً عن شرفها لأنها ستتعرّض لويلات التعذيب والإذلال وربما الاغتصاب. وآخر يقتل ابنته دفاعاً عن "شرفه" بسبب علاقة عاطفية!
إنها تراجيديا العصر بلا منازع.
أختتم وأقول: لا أعتقد بأنني شعرتُ يوماً بتأثرٍ أشدّ من تأثري لدى قراءة هذه القصة المؤثرة والمعبّرة. إن هذا النوع من الأدب هو ما نحتاج إليه، وعلى الكتّاب في مختلف صنوف الإبداع، أن يتوخّوا في نصوصهم إيصال الفكرة التي من شأنها رفع ذائقة المتلقّي ودغدغة مشاعره الإنسانية النبيلة التي يسعى إلى تكليسها، كل ما يحيط بنا من مظاهر الانحطاط والتخلف. وإن اقتضى الأمر، فليصفعنا صفعاً ليوقظنا من سُباتنا الطويل.. الطويل.
فهل نحن فاعلون؟



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يعني غياب ممثلي الإدارة الذاتية عن اجتماع هيئة التفاوض ...
- الرجل الغامض
- الاعتقال السياسي.. بواعثه ومراميه - لا يُعتقل الفكرُ الحرُّ ...
- ماذا بعد إعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟
- عازف البُزُق
- قراءة في مبادرة الإدارة الذاتية لحلّ الأزمة السورية
- في ذكرى عيد الجلاء، دعوة للاحتفال أيضاً بذكرى استقلال سوريا ...
- لماذا نحن متفائلون؟
- في ذكرى ميلاد عبد الله أوجلان.. قصة حقيقية لعاشِقَين ساهم ال ...
- ملامح هبّة شعبية عارمة لن تُبقي ولن تُذر
- ليست نبوءة لكنها قراءة واقعية
- قراءة عاجلة أوّلية لخبر الصلح الإيراني السعودي
- «عمّو بس طالعني وبشتغل عندك خدامة»
- سبب ارتفاع سعر الصرف في العراق
- الأسباب التي دعت الشعوب الأوربية لتبنّي العلمانية
- إذا لم نتفق الآن على مواجهة المحتل التركي، فمتى؟!
- المفتاح
- الانتحار يتحوّل إلى ظاهرة في سورية
- طرق إسعاد الشعب السوري
- متى ستفهم يا ولدي؟!


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عندما يبكي الرجال!