محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 7601 - 2023 / 5 / 4 - 21:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مخطوطة يوحنا النقيوسي (تاريخ إيجبت والعالم) ..... وإشكالية تبادل التاريخ بين مصر وإيجبت
لم يقتصر جهد اليهود على غرس اسمهم في شعب وادي النيل، أو غرس أحداث من تاريخهم العشائري في تاريخ الإمبراطورية العظمى على وادي النيل عندما قاموا بغرس اسم هذه الإمبراطورية في كتبهم المقدسة؛ أي عملية استبدال اسم باسم (إيجبت –مصرايم)، أو دمج الاسمين معاً "جبتو مصرايم" في الجبتانا... إنما قاموا باستبدال تاريخ هذه الإمبراطورية بتاريخ عشيرة عربية كانت رفيقة لبني إسرائيل في السبي البابلي !! ...إن الحملة الأكبر التي قام بها اليهود عقب إتمام مشروع الترجمة السبعونية كانت تأليف عشرات الكتب بهذا النمط التبادلي، باعتبار أن إمبراطورية شعب وادي النيل كانت شريكة لهم في التاريخ العشائري وكان الجبتيون شركاء ورفقاء لهم في السبي البابلي ! والغريب أن يقنعوا الجبتيين أنفسهم بأنهم كانوا فعلاً رفاقهم في هذا السبي !!
ونتناول في هذه الإضاءة كتاب" تاريخ إيجبت والعالم قام بتأليفه أحد الكهنة اليهود، وذلك حوالي القرن السابع ميلادي، وتم اعتماد توقيع الأسقف الجبتي يوحنا النقيوسي على غلافه، هذا الكتاب دون فيه كهنة اليهود باسم الأسقف الكثير من المعلومات عن بلاده وتاريخها وجغرافيتها، لكننا سنتناول فصلاً واحداً منه فقط لنثبت للقارئ أن يوحنا النقيوسي كان مجرد اسم فقط على غلاف الكتاب ولم يكن هو المؤلف الحقيقي له.
والنسخة الوحيدة التي وصلتنا من هذا الكتاب مكتوبة باللغة الإثيوبية القديمة (الأمهرية) وهي مُترجمة عن العربية التي هي في حكم المفقودة حالياً، هذه النسخة العربية يختلف الرأي بشأنها حول اللغة التي ترجمت منها، فهناك آراء تقول أن لغة المخطوطة الأصلية هي اليونانية وآراء أخرى على الأرجح أنها القبطية، لكن الدكتور عمر صابر أثبت بعد تحليل دقيق للنص العربي أن النسخة العربية كانت أصلية في التأليف ولم تكن مُترجمة عن غيرها من اللغات. وقد تُرجم الكتاب لأول مرة إلى الفرنسية على يد هرمان زوتنبرغ ونشر عام 1883م في باريس بعنوان؛
"Chronique de Jean, Évêque de Nikiou, Texte éthiopien publié et traduit, Paris, 1883"
وعن هذه النسخة الفرنسية قام روبرت تشارلز بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية مع شروحات وتعليقات على النص المترجم عام 1916 بعنوان:
"The chronicle of John (c. 690 A.D.) : coptic bishop of Nikiu : being a history of Egypt before and during the Arab conquest. Translated from Hermann Zotenberg s edition of the Ethiopic version, with an introduction, critical and linguistic notes, and an index of names, London 1916"
وقام الأستاذ كامل صالح نخلة بترجمة مختارات عن الترجمة الفرنسية، ثم قام الدكتور عمر صابر عبد الجليل بترجمة نص مخطوطة يوحنا النقيوسي من النص الحبشي مباشرة إلى اللغة العربية وجاءت بعنوان: "تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - رؤية قبطية للفتح الإسلامي"
الدكتور عمر صابر عبد الجليل أستاذ اللغويات بجامعة القاهرة والذي تفضل بترجمة مخطوطة يوحنا النقيوسي إلى العربية وبذل فيها مجهوداً خرافياً. وأثناء قراءتي للكتاب وقعت عيني على تعليق له في أحد الهوامش السفلية، يرى فيه أن يوحنا النقيوسي قد وقع سهواً في خطأ تأريخي حيث أنه خلط بين تاريخ اكتساح نبوخذ نصر لمنطقة الجزيرة العربية حين خرّب القرى والمدن وخرّب مصرايم جنوب غرب الجزيرة العربية واقتاد بني إسرائيل إلى السبي البابلي، وبين قمبيز الذي غزا إيجبت في تاريخ لاحق، حيث أن قمبيز هو شخصية مختلفة تماماً عن نبوخذ نصر وجاء بعده بسبعين عاماً، وقمبيز احتل إيجبت وحكمها ثلاث سنوات فقط، وهو فارسي (إيراني) بينما نبوخذ نصر بابلي (عراقي). والدكتور عمر صابر يستغرب من خلط يوحنا بين نبوخذ نصر الذي اقتحم جنوب غرب الجزيرة العربية واقتحم أورشليم ومصرايم وممالك اليهود وبين قمبيز الذي اقتحم إيجبت، فجعل يسرد حكايات اليهود وأورشليم ومصرايم والقرى التي خربها نبوخذ نصر وكأنها (الأحداث والأماكن الجغرافية مع استبدال المسميات) موزعة على مدن وأقاليم إيجبت وأنها تمت بفعل قمبيز في منف وأشمونين وأتريب وفيوم وصا ..إلخ!
واعتبر الدكتور عمر ذلك مجرد خطأ في السرد وقع فيه رجل دين حاول أن يكتب تاريخ.. لكن الحقيقة أن الدكتور عمر هو الذي اختلط عليه الأمر، لأن الكتاب لم يؤلفه يوحنا النيقوسي ولم يقع في خطأ وخلط، بل إن هذا الكتاب تم تأليفه عمداً على نمط ثقافي سياسي محدد سلفاً ليكون تراثاً لنا ! حتى وإن كان مؤلف الكتاب قد وقع في خلط، فهو يبرئ ساحته حينما يقول أنه قرأ ذلك في كتاب (روح الرب) وهو ذات الكتاب الذي قرأ فيه سم نهر (جيحون) ( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي– ص 63 ) وقرأ اسمه (نهر مصر العظيم) وقد حاول المؤلف أن يقنعنا بأنه نهر النيل، بينما الحقيقة أنه هو النهر الجاري في وادي مصريم جنوب غرب الجزيرة العربية).. وقد شرح (المؤلف) الأحداث التي وقعت على ضفاف نهر جيحون وكأنها وقعت على ضفاف النيل أو أحد فروعه، وكذلك اعتمد بصورة شبه أساسية على كتاب (تاريخ اليهود) كمصدرٍ له ( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي– ص 57 ) . أي أنه نقل جرائم نبوخذ نصر إلى قمبيز، ونقل حكايات سبي العرب سكان مصرايم إلى الجبتيين ولبّسها، فكان (المؤلف) يتساقط دمعاً حزناً على (أجداده) القبط الذين شردهم قمبيز في بابل ! بينما الحقيقة أنهم عرب آراميين شردهم نبوخذ نصر، ونقل وقائع أحداث وأسماء جغرافية، ولم يقع يوحنا في خطأ وخلط بل إن (المؤلف) نقل بكل أمانة من كتابي (روح الرب وتاريخ اليهود) وأضاف حُبكته الفنية.
وكتاب تاريخ اليهود هذا ألّفه يوسف الحكيم، ويوسف الحكيم هذا هو المؤرخ اليهودي يوسيفوس في عُرف المؤرخين اليونانيين، والذي كان مقيماً في مكتبة الإسكندرية، ما يعني لدينا أن يوسيفوس هذا كان هو رئيس عصابة المؤرخين الذي اخترعوا التاريخ الخرافي لإيجبت وشعوب الشرق بالكامل ونقل عنه كل المؤرخين اليونايين الذين نعتبرهم الآن أقدم المراجع التي تحدثت عن بلادنا خلال الحقبة البطلمية ! ..
ولو تساءلنا عن كتاب روح الرب أيضاً سنعرف أنه مدونة تاريخية يهودية تم تسطيرها بإحكام شديد تزامناً مع الترجمة السبعونية للتوراة للتحدث عن مصرايم بلسان إيجبت، وهو نموذج مثالي لتزوير التاريخ في عصره، فاليهود كانوا أذكياء للغاية، فلم يكتفوا بتزوير كتب الدين وإنما زوروا كذلك كتب التاريخ ليقرأ أبناء شعب الوادي ويحفظون حتى الثمالة، وكل ما في الأمر أن (المؤلف) حاول أن يطوي تاريخ إيجبت في تاريخ مصرايم بلاد العرب الآراميين واليهود، لأن (المؤلف) يريد أن يطوي تاريخ بتاريخ وحضارة بحضارة وقومية بقومية أخرى، خاصة بعدما صار التعرف على هوية مصرايم التي تذكرها التوراة جغرافيا وتاريخياً أمراً صعباً، فهو لم يتبع الأسلوب العلمي الرصين في التحقيق التاريخي، وإنما اتبع أسلوب حكائي أدبي مع خليط من الأساطير الخيالية والخرافات يمكنها حمل ثقافة شعبية تجد طريقها بسهولة إلى قلوب العامة، وتفلت من أصابع العلماء والمتخصين، ويؤكد ذلك ما جاء من أساطير في مخطوطة يوحنا النقيوسي ، وأسلوبه الأدبي الحكائي وليس العلمي.. وهو ذاته أسلوب الجبتانا، وإن كان يميل إلى الطابع التاريخي أكثر. وهو ذاته ما حدث مع الصحابة العرب إذ دسّ إليهم اليهود الكثير من الخرافات والأكاذيب التي كانت كفيلة بضرب الإسلام في مقتل، مثل حكايات بيت المقدس وأن الأرض المباركة المقدسة هي أرض الشام..إلخ، لكن إلى الآن لم يُكتَشف أي كتاب خطَته أنامل يهودية وحمل توقيع لأحد المشايخ، برغم أن هناك الكثير من نقاط التعجب والاستغراب منتشرة بكثرة في ثنايا التراث العربي الإسلامي...
يُتبع ...
(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت )
(رابط الكتاب على نيل وفرات):
https://tinyurl.com/25juux8h
(رابط الكتاب على أمازون) :
https://cutt.us/sxMIp
( رابط الكتاب على جوجل بلاي ):
https://cutt.us/KFw7C
#مصر_الأخرى_في_اليمن):
https://cutt.us/YZbAA
#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟