القروض الشخصية الإستهلاكية ... من أسباب الفقر في العراق

محمد رياض حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7562 - 2023 / 3 / 26 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في معظم الدول ذات الانظمة النقدية الرصينة، يوجد في بنوكها المركزية دائرة متخصصة بمتابعة وتقييم أداء البنوك الحكومية منها والاهلية التجارية الخاصة ، بأي مسمى ، التي رُخّص لها العمل في أُطر وقوانين أنظمتها النقدية والمالية الأشمل . وأهم معيار لبقائها مدى حاجة البلاد الفعلية لخدماتها لتنمية إقتصاد البلد ولمواطنيها. من بين الخدمات التي تقدمها لمواطني البلد ... القروض بمختلف أغراضها .
ـــــــ في العراق ... تعتبر القوى العاملة ، من صغار الموظفين في القطاع الحكومي ،وعدد غير معروف من الشغيلة في القطاع الخاص و الشركات الأجنبية ، والكسبة والمواطنين ذوي الأجر الأدنى . هذه الفئات من الأُجراء الاكثر عرضة للعوز المالي ، ليس فقط في قصور دخولهم عن تصاعد غلاء المعيشة ( التضخم ) ، وإنما معاناتهم من الحاجة المالية لمواجهة المرض أو العجز وأي طارئ أخر. الحاجة الآنية الملحة تُلجئ هذه الفئات إلى ألاقتراض من المصارف .. تلك القروض تُسمى ( القروض الشخصية ) وتقدمها البنوك مقابل ضمانات الإيفاء التي يقدمها المُقترض. معظم هذه القروض تُعتبر ( قروض إستهلاكية) . هذا النوع من القروض يوجّه ، في الغالب ، لإغراض غير إنتاجية ( إستهلاكية) . بمعنى أن المقترض قد لا يفي بتسديدها للجهات المُقرضة ( البنوك) مع فائدتها فتُصادر ضمانات إقراضها.
ــــــــ تدني المستوى الأدنى لمتوسطي الأجور (ذوي الدخل الفردي) الذي لا يتيح ادخارا ماليا يعوّل عليه الفرد للإنفاق على إنشاء أسرة والتوسع بمتطلباتها أو لمواجهة الطارئ من الأمراض أو العجز ، يدفع هذه الطبقة من ذوي الدخل الأدنى إلى اللجوء للبنوك التجارية للحصول على قرض شخصي بفائدة مركبة وبضمانات مؤكدة تضمن للبنك استيفاء مبلغ القرض وفوائده من المُقترض.
ــــــــ عدم التكافؤ بين المستوى العام لتكاليف المعيشة الذي يتصاعد بالتزامن مع التضخم، وبين متوسط المستوى العام للأجور (الدخل الفردي) الذي يتأثر سلبا بتناقص القوة الشرائية للعملة ، يجعل الفرد عرضة للحاجة للاقتراض.
ــــــــ معظم القروض الشخصية .... قروض استهلاكية يلجأ إليها الأفراد لحاجة آنية قد لا يكون بميسورهم الإيفاء بها عند استحقاقها ، مما يتسبب بتدني المستوى المعيشي لذوي الدخل الأدنى ولأسرهم بخسارة الأصول التي قدموها كضمانات للقروض . أسهم ذلك بتصاعد نسب الفقر في العراق.
ـــــــــ تقدم بعض البنوك القروض الشخصية لبعض الأفراد من ذوي الدخل الإدنى بضمان أجورهم من جهة عملهم . البنوك تمنح القرض تدقق بمدى القدرة على تحصيل أقساط القرض. هذا ما يعيب هذه القروض التي لم تراعَ فيها سوى مصلحة وضمان البنك لحقوقه. في الدول المتقدمة تتدخل الحكومات لإعانة المقترضين غير القادرين على الإيفاء بسداد قروضهم بالطلب إلى البنوك بإمهالهم مدة ليكونوا قادرين على الإيفاء بسداد قروضهم.
ـــــــ حقوق البنك أولا: شروط القروض الشخصية وضعت بما يتناسب مع ضمان البنك لإستيفاء مبلغ القرض وفوائده . فالبنك لا يقرض أيَّ شخص إلّا بضمانات . عقد القرض يمنح البنك التصرف بضمانات القرض عند الإستحقاق ، وطالما وقعت صفقات مجحفة تُخسر المقترض تلك الضمانات وعادة ما تكون عقار ( بيت سكني) .
ــــــ الـبنوك عندما تقدم القرض تبدأ بحسم الفوائد من المال المُقترض أولا ، والتي تم الاتفاق على نسبتـــــــها . أي أن مبلغ القرض الذي يقدم للمقترض ليس المبلغ المتــــــفق عليه، بل هو أقل من ذلك. فالفـــــــوائد تحسم مرة واحدة عند بداية سريان مدة القرض، ولا توزع على مدة القرض. وعادة ما تكون هذه القروض قصيرة الأجل، ولا تتعدى السنوات الثلاث أو الأربع على أقصى مدى، مما يجعل هذه القروض مرهقة، لأن ذلك يرفع مبلغ القسط الشهري المقتطع من دخل المقترض، و يتم خصم ما يقرب من ربع أو ثلث الراتب مقابل القرض. مما يجعل المقترض يعيش في فترة تقشف مدة سنوات الإيفاء بالقرض.
ـــــــ بعض البنوك تتغاضى عن التحرّي عن إمكانيات سداد المقترض للقرض ، ولا عن سجله الائتماني، ولا يبحث البنك عن صحة حاجة المقترض الفعلية ، ولا يعمل على متابعة وملاحقة إنفاق أموال القرض، وقد لا تكون هناك حاجة فعلية أو ضرورة ملحة للحصول على هذا القرض، وهذا فخ يقع فيه المقترض، حيث إن إغراء توفر السيولة وإمكانية الحصول عليها بسهولة وحاجته الملحة تشجعه للحصول على القرض ، ومن ثم صرفها، ولا يكترث البنك في أي إسراف أو إهدار للمال المقترض طالما كان البنك مقتدرا على تحصيله .
ـــــــ البديل... الادخار: كل شخص عرضة للحاجة الآنية والمستقبلية ، فالحكمة في توفير مبلغ من المال . ومن الواجب أن تعمل البنوك على تنمية الادخار والتشجيع عليه، ويجب أن يكون لدى الأفراد الوعي والتبصر والاقتصاد في الإنفاق وعدم الإسراف في الإنفاق . ويمكن لكل عامل / موظف من استقطاع جزء صغير من دخله كإدخار إستثماري في المصارف الحكومية ، ذلك إن الإدخار في المصارف والبنوك الخاصة والأهلية العاملة في العراق شبه معدوم لعدم ثقة المواطن بنزاهتها . تسبب ذلك بتحول الأدخار إلى تجميد الأموال ، نقدا ، في البيوت مما أضعف هذا التوجه النشاط المصرقي الأستثماري . يمكن أيضا تنمية هذه المدخرات البسيطة لتكون نواة إستثمار كبير للإشخاص المبادرين بالإستفادة من خدمات المصارف الموثوثة .
ـــــــ أظهرت دراسة مقارنة بشأن قطاع المصارف الحكومية والأهلية في منطقة الشرق الأوسط ، ان العراق يحتل المركز الأول في عدد المصارف ( البنوك) على مستوى العالم ، ولاسيما الاهلية منها وتلك التي تحمل صفة مصارف إسلامية.وبينت الدراسة التي أعدتها أن عدد المصارف في العراق بلغ ( 81 ) مصرفا منها ( 8 ) حكوميا، و( 24 ) تجاريا ، و ( 29 ) إسلاميا، إضافة الى ( 21 ) فرع لمصرف اجنبي. وتعد هذه النسبة هي الأعلى على مستوى العالم مقارنة بعدد من دول المنطقة حيث بلغ عدد المصارف في تركيا (43)، ومصر (41)، والسعودية (31)، وايران (30)، والأردن (26)، والجزائر (20).. فيما بلغ عدد المصارف المسجلة في دولة عظمى مثل بريطانيا (54) مصرفا فقط (المصدر : وكالة الصحافة المستقلة 31 آب 2020.)
ــــــــــ هل أن إقتصاد العراق بحاجة إلى كل هذا العدد من البنوك والمصارف؟
ــــــــــ ألم تُثبت الوقائع أن معظم البنوك المرخصة ( فسادا) ساهمت بنهب المال العام المقدر بمئآت المليارات منذ 2003 ؟.
ــــــــــ هل لدى البنك المركزي العراقي دراسة استقصائية لحوكمة هذا العدد من البنود في حقيقة عملها ، ومتابعة حقيقة تقديمها الخدمات للمجتمع ولتنمية الاقتصاد العراقي قبل وبعد ترخيصها للعمل في البلاد؟.
ـــــــــ لعلّ من أسباب توالي تصاعد نسب الفقر في العراق .. الفساد المالي المتمثل بنطام نقدي مسيّس تسيطر عليه أحزاب وشخصيات سياسية وفصائل مسلحة.
ــــــــ لم تتوقف وزارة التخطيط الإتحادية عن الإعلان " أن نسبة الفقر في في العراق بلغت 25 بالمئة من إجمالي السكان في العام 2022، وأن هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعامي 2019 و2020، حيث كانت النسبة لا تتجاوز 20 بالمئة. (المصدر : وكالة الأنباء العراقية الرسمية 8 كانون الثاني 2023)

#محمد_رياض_حمزة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات