|
أنا
مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 7542 - 2023 / 3 / 6 - 14:42
المحور:
الادب والفن
يا ربِّ، أنا لم أقلْ للناسِ إنِّي إله، فاعبدوني... أنا فقط سمعتُ شكواهم، ونجواهم، واطَّلعتُ على السرّ والعلن، لا غيرَ وسكتّ... يا ربِّ، أنا لم أخبر الناسَ عن جنتي، ولا خوّفتُ العالمين بنار الجحيم، أنا قلتُ لهم، إنّ الصغار إذا كبروا عرفوا، ومتى عرفوا حملوا كلّ الهمّ، وربما ناموا وحلموا، فعرفوا الطريق إلى حيثُ انتهيت... يا ربّ، أنا لم أفرض صيامًا على الناس، ولا قلتُ لهم إنّ للصائمين جبر الدعاء، لكني قدمتُ لهم جسدي، وروحي على الإفطار مسيحّا طازَجًا، فأكلوا وشبعوا، وحمدوا، ثُم دعوا على الظالمين، ورَجُونِي... صدقني أنا ما استجبت... أنا يا ربّ لم أقلْ للناس إنّي خلقتُ العالم، واسترحت، فالناسُ ليس في إمكانها أن تُدرك حجم مسؤولية خلق عالم واسع، إلى الدرجة التي تجعل الاستراحة استحقاقًا ربوبيًّا، وامتياز للنزاهة عن كل هذا الخلق... يا ربّ، أنا صامتٌ، أنا ساكنٌ، أنا لا أحركُ ألواحًا تكتونية للانتقام من بعض المعذبين، وبعض العجائز، والصغار الذين فقدوا آباءهم في أيّ حرب، أنا لم أوحِ لأيّ أرضٍ أنْ تُخرج أثقالها، ولا أنْ تُحدِّثَ الناسَ بأخبارها... أنا ملك فن الاستماع في الحوارات، وواهبُ الدمعات للتضامن... يا ربّ صدقني، اجتهدتُ في فهم دوري في الوجود، كمخلوقٍ مرةً، (له ما له وعليه ما عليه)، لم أرسل الريح ولا الصافنات تقطفُ رؤوسَ اليانعين الحالمين بالتغيير، وضغط المسافات بين شريحة الإنتاج والاستهلاك، ولا مكّنتُ الرابحين في المعارك... أنا محايدٌ تمامًا، كما ينبغي لإله أن يكونَ أهلاً للحياد، وما اشتكيت... يا ربِّ أنا لم أغرق العالم ولو عصوني، وآمنتُ بالفرصِ الجديدة، وحملَ بذور الحياة جوًا في المطارات، ولا عيَّنت نفسي على خزائن الأرض، ولا قُلتُ للخائنين ائتوني بأخٍ لكم، لكني رفعتُ أمي على عرش الحياة ثُم سجدتُ... أنا ما عبرتُ البحر، لكني سقيتُ الماء لامرأةٍ جميلة، وعلى إثرها في درب الحبيب مشيّت، وألزمت نفسي بالطواف عمرًا حول كعبتها حتى فنيّت... يا رب صدقني، أنا قدمتُ للجائعين تفاحي ولا نهيت، وعلمتُ وردي للعصاة، فتابوا، وخلقتُ من روح الكتابة ألف ألف آدم، ومنحت حواء من روحي واستويت... يا ربِّ، أنا لم أقل للناس إني إله، فاعبدوني... أنا الذي لا يشنُّ الناسُ حروبهم على اسمي، ولا أملك أوسمة الشجاعة حتى أقدمها للعائدين من الميدان مثخنين بالجروح وبالقروح، لكن خمري لذةٌ للشاربين، الذين قدموا أرواحهم على مذبح المباديء في الزمن العجيب... يا ربِّ، أنا لستُ إلهًا يغفر الخطايا، ولا سرابًا يحسبه الناس نيلاً، ولا واعدتُ موسى، ولا جئتُ من أقصى المدينة أسعى، وقلتُ للناس اعبدوني، ولا دعوت الناس إلى ديني الجديد، ولا حطمت أصنام الحياة، لكني آمنتُ بفضيلةِ الخروج.
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديب الذري الجائل -أديب القرية نموذجًا-
-
قاهرة إنشراح التي هزمت ناصر
-
المخبرون
-
نوح
-
بين أفخاذهن
-
عربي 96
-
الجنة
-
رسالة إلى وزارة الأوقاف المصرية والأزهر.
-
مصلوب
-
عرفتُ
-
حضرة الHR
-
الصحاب يا رب.. نص بالعامية المصرية
-
النصوص
-
طابور النمل... (نص بالعامية المصرية)
-
ATM
-
عيد ميلادكِ
-
لو أنني في النيل سمكة!
-
رجل غارق في الحزن في الجنة ست ساعات
-
عيد الأب الوحيد
-
في الحزن، الناس سواسية كأسنان المشط
المزيد.....
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|