أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - الأديب الذري الجائل -أديب القرية نموذجًا-















المزيد.....

الأديب الذري الجائل -أديب القرية نموذجًا-


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 7529 - 2023 / 2 / 21 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


يحدثنا مارك أوجيه في كتابه اللا أمكنة عن اللا مكان وكيف فرضت حداثتنا المفرطة علينا نوعًا خاصًا من الفردية واللامكان، وبالنظر إلى مفردات العصر وما أحدثته التكنولوجيا الرقمية من تقارب ينفي فكرة المسافات والحدود إلى حدّ كبير، نجد كثيرًا من الباحثين في الشأن الثقافي وغيره، يرصدون صراعًا -يبدو أبديًّا- بين الهامش والمركز، وصارت إشكاليات هذا الصراع تُلقي بظلالها على الحركة الثقافية بشكل عام، وتفرز أحيانًا وتنتج مبدعين عظام أسسوا بقوة لأن يكون هذا الصراع عظيم الإنتاجية والإبداع، وهو في حقيقته صراع مستمر باستمرار الحياة نفسها، وبالتالي مستمر باستمرار الإبداع نفسه إذ أعتبر الإبداع موازيًا لمعنى الحياة نفسها عند المبدع سواء في المركز المشهور أو في الهامش المنحصر الضيق.


الأديب الذري الجائل:
في سياق بحث مشترك مع الدكتور صامولي شيلكه حول بيئة المبدع السكندري، تناقشنا حول مفهوم الأديب الذري، وكيف أنتجت لنا البيئات الأدبية نوعًا جديدًا من الأدباء الجوالين، والذين منحهم اللا مكان ميزة الانتقال بحرية بين بيئات وجيوب ثقافية تبدو في ظاهرها وتوجهها مختلفة ومتباينة، بل تتصارع فيما بينها على رأس مال رمزي يعتبره الأديب ذخيرته العظمى في رحلته الأدبية والحياتية في الغالب. هذا الأديب ليس جوالاً بالمعنى الدارج لكلمة جوال، ولكنه تطور جديد لهذا الأديب الذي يفهم جيدًا طبيعة الصراع الحادث بين الجيوب الثقافية والاتجاهات الفكرية المختلفة في الأدب والفن بشكل عام، وهو نوع متمكن في اتجاه ما، وله انتماء فكري واضح الملامح لكنه لا يمنع نفسه من تلك الانتقالات التي تمنحه حق التواجد بشكل أو بآخر بين مختلف البيئات المحافظة والطليعية، بل وتصل به أحيانًا إلى أقصى الجيوب الثقافية انعزالاً بين تلك المجموعات والاتجاهات.

يشكل هذا الأديب الذرى في حركته اللا مكانية تلك إلكترونًا داخل ذرة، يظل يدور في مداره الذري ذلك، ومع كثرة الدوران تتولد طاقة طاردة لهذا الإلكترون خارج حدود تلك الذرة، فيطير خارجها، وتبدأ حركته تلك أمام احتمالين؛ أولهما أن يلتحم بمجال ذري آخر فيبدأ في الانجذاب والدوران إلى المجال الذري الجديد الذي يمثل بيئة جديدة أو جيبًا ثقافيًا يختلف عن الجيب الثقافي المنتمي إليه، لكنه دوران مشروط بطبيعته التكونية في الذرة الأولى/ بيئته وجيبه الثقافي، وهو ما يضعه أمام خيارات ثلاثة؛ إما الاستمرار في تكوينه وسماته الأولى، وإما ملاحظة الاختلافات بين البيئة التي خرج منها بفعل دورانه القوي وطاقاته التي امتلكها ناتج ذلك وبين البيئة الجديدة، فيبدأ في تقريب المساحات الاختلافية بينهما في داخله، وهذا يبدو جليًا في تلك النصوص التي ينتجها هذا النوع من الأدباء الجائلين الذريين، ويبقى اختيار ثالث أن ينحاز إلى قيمه الذرية الأولى والتي تشكل أسس بنائه الفكري داخل مجموعته او جيبه الثقافي، ويبدأ في صراع جديد، والحقيقة أنه أحيانًا يحتاج هذا الصراع إما لتطوير ذاته كما قلنا أو للتعرف والتثبت من قيمه الأولى التي تكون عليها وبنى داخله الأدبي خلالها.
ونعود إلى الاحتمال الآخر حين ينفلت هذا الأديب إلى اللا مكان خارج ذرته/ مجموعته، فربما يبقى في هذا اللا مكان وهو ما يجعله يجرب العديد والعديد من الأفكار الحرة تمامًا التي تأخذه نحو تجريب، ربما يمارسه آخرون في بيئات أخرى بسهولة، لكنه هنا يجد هذا التجريب هو كل حياته، وهو ما يشكل خطورة أدبية إذ يقع البعض من هؤلاء في أسر هذا التجريب الحر، فتظل كل تجاربهم الاأدبية والفنية تجارب تجريبية، دون أن ترسي لقواعد ثابتة تصلح أن تكوّن اتجاهًا جديدًا ومستقلا، وربما يكتفي بتجربة أو أكثر في التجريب خارج حدود ذرته، ثم ما يلبث أن يعود إلى سماته التكوينية الأولى مكتفيًا بما قدمه في تلك المساحة التجريبية.

الجيوب الثقافية:

ينتج هذا الحراك الذي يحدثه الأديب الذري الجوال ومضافًا إليه الصراعات الطبيعية بين الهامش والمركز، أو الطليعي والمحافظ ما يمكن تعريفه بـ “الجيوب الثقافية”، وهي في غالبها جيوب منغلقة ومحددة وانتقائية، تنبني في تكوينها كناتج من نواتج هذا الصراع، وتظل تحدد مساحتها ما بين الضيق والاتساع طبقًا لملابسات وأفكار ورؤى متفقٌ عليها ضمنيًّا بين المنسحقين في هذه الجيوب، والذين جمعهم قدر إبداعي واحد أو نمط إبداع. وهذا التجمع في كثير منه لا ينبني على أسباب فكرية وفقط، بل يتعدى ذلك فيكون للسبب الاجتماعي والنفسي دورًا مهمًا في تكوين وتأسيس هذا الجيب الثقافي، بل ويكون للتوجه السياسي أيضًا دور في تكوينه لا يمكن أن نغفله ما دمنا نبحث في خريطة الإبداع والثقافة، وعن هذا الدور السياسي لا يُغفل الموقف السياسي في مصر بعد تأميم قناة السويس1956م، وكيف سعت الدولة الرسمية الناصرية لتكوين مؤسساتها وضم كيانات تحت عباءتها لضمان السيطرة على الحقل الثقافي بعد أزمة 56 وما قبلها من أزمة كان على النظام أن يواجهها مع نخب المثقفين من الشيوعيين والليبراليين وحتى الإخوان المسلمين، والتي انتهت بسجن العديد من هؤلاء الفرقاء إزاء مواقفهم من السياسة، وهو ما حدا بالبعض إلى ما يشبه التقوقع أو الانتحار الإرادي –معنويًا وسياسيًا وثقافيًا- حينها، وهذا التقوقع ليس إلا تلك الجيوب الثقافية التي نتحدث عنها الآن أو تطور آني لها.

خطورة الجيوب الثقافية:
لا يمكن اعتبار تلك الجيوب الثقافية بريئة على طول الخط، ذلك أنها تفرض في كثير من الأحيان نوعًا مما أسميه “حرب الدوائر المغلقة”، والتي تنتهي في غالبها باستهلاك طاقة الإبداع لدى هؤلاء الذين وقعوا في أسر جيبهم الثقافي، حتى أنها –تلك الحروب- تضع المبدع في منطقة واحدة يظل فيها للأبد ما لم ينتبه لحقيقة وضعه، أو طالما لم يجتهد للفكاك من تلك الدائرة وحدود ذلك الجيب.

ولا تكمن الخطورة في ذلك وحده، إنما هي بالأساس ما ترسخه في ذهنية هؤلاء “المجيبون” –نسبة إلى الجيوب الثقافية- بأنهم بصدد حربًا و مؤامرة شخصية ضدّ ذاتهم المبدعة، فيدور ويدور في قاموس تلك المؤامرة وفي فلك تلك الظنون جلُ ما ينتجه المبدع، ولا يرى إلا ما يتم إبداعه طبقًا لحدود الكادر الخاص بجيبه الثقافي، في حين إن انتبه لما ضيع العشرات منهم طاقاتهم –بل وعمرهم- في خوض صراعات وهمية مبنية على المؤامرة الكونية ضده، وسيدرك أنه من الأولى أن يوجه كل طاقة الغضب التي تشكلت داخله تلك نحو تطوير نفسه وتطويره منتوجه ونصه بديلاً عن توجيهها بالسُباب والشتم في خلق الله ممن لم يقبل محدودية تجربتهم أو صنفها برأي نقدي محايد، ووضعها في حدود جيبها وهامشها الضيق.

من أشهر الأمثلة لهذه الجيوب مبدع القرية:
يأتي نموذج المبدع الذي يأتي من هامش الريف إلى مركز المدينة مثالاً واضحًا لهؤلاء الذين ضيعوا طاقتهم في أثر نظرية التآمر الشخصي ضدهم، ويظلون أسرى مفردات دائرتهم وهامشهم الذي تقوقعوا فيه، وهنا نُشير للإنصاف أن من هؤلاء مبدعين كان يمكنهم أن يحفروا اسمهم بحروف من نور في عالم الإبداع، إلا أنهم ومع وقوعهم في أسر جيبهم الثقافي ظلوا يدورون في نفس الدائرة، ونفس الأفق الضيق حتى وإن كانوا غزيري الإنتاجية، لكن طُبع منتوجهم بطابع واحد وأثر واحد، ظانين كل الظن أنهم يقدمون الجديد مع كل نص يقدمونه، وهم في حقية الأمر لم يبرحوا من مكانهم خطوة واحدة، وهنا نشير أنه ليس من عيب أن يحمل المبدع القادم من الريف قريته في داخله وداخل إنتاجه، لكن أن يظل في أسر أفق القرية التي فارقها سعيًا وراء الخروج من هامشيتها، فيجد نفسه –دون وعي- أسيرًا لها في قلب مركز المدينة، ويبدأ في تشكيل دائرة جديدة من أقرانه الذين حملوا قراهم إلى المدن دون أن يسمحوا للمدينة بانفتاحاتها أن تُضيف إلى أفكارهم أو حتى قاموسهم الأدبي.

ويأخذ هؤلاء نزعة واحدة تكاد تجدها في الجميع وهي تحويلهم لكل انتقاد أدبي ونقدي رصين لهم إلى اعتباره هجومًا شخصيًّا، فينزلقون إلى حروب وهمية تحفز نارها نظرية المؤامرة -التي أكلتهم- وتجدهم في كل وادٍ يهيمون بادعاءاتهم تلك ويروجون لأوهامهم إلى الحد الذي يجعل اختلافك النقدي معهم وملاحظاتك على تجربتهم وقاموسهم المحدود بمثابة هجوم شخصي، وهي أخطر آفات هذا الصنف من أسرى الجيوب الثقافية.

اقتراح لحل الأزمة:

أقترح أن نُدرس في جامعاتنا بأقسامها المتخصصة وورشنا الكتابية موضوعًا حول تلك الجيوب الثقافية، وكيف تأكل المبدع أو بذرة الإبداع في بعض الأحيان، وأن نفكر في آلية تعليمية لحماية الأجيال القادمة من هذا التهميش اللامبدع اللامنتج في الحقيقة غير المعارك الكلامية والسُباب الشخصي لا النقد الأدبي أو الرؤى الثقافية المختلفة، وأن يصل المعنى أن يحمل المبدع بيئته في داخله لا يعني التقوقع على مفرداته الشخصية ومفردات بيئته المحدودة، وأن المبدع الحقيقي بوتقة تصهر عالمه بعوالم أخرى خارج حدوده وأفقه اكتسبها بالحياة المُعاشة أو المقروءة والتي لا تشبه تفاصيل حياته الشخصية أو بيئته، وأن ذلك الانصهار لا يعني طمس هويته بأي صورة.

وأظننا في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة صراع الهامش والمركز ثقافيًّا، ربما كانت نظريات حول السلطة ورأس المال الرمزي للأديب مدخلاً جيدًا لتحليل هذا الصراع –الأبدي- لكن العجيب هو امتداد ظلال بعض تلك النظريات إلى داخل الهامش ذاته، فيمكن من خلالها تحليل تلك العلاقات التي تكونت بين كيانات الهامش، إذ صار بعض الهامش متنًا وقبع الآخر في هامش جديد أنتج ما أسميناه الجيوب الثقافية البعيدة والتي تكونت داخل جيوب ثقافية بالأساس، وهي هشة لا تحتمل تلك الصراعات في غالبها، فتتقوقع للأبد أو تختفي تحت وطأة الإحباطات التي لا يحتملها مؤسسو تلك الجيوب، وربما تتداخل وتتقاطع عوامل من خارج المشهد، فتدفع نحو اختفائها السريع.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاهرة إنشراح التي هزمت ناصر
- المخبرون
- نوح
- بين أفخاذهن
- عربي 96
- الجنة
- رسالة إلى وزارة الأوقاف المصرية والأزهر.
- مصلوب
- عرفتُ
- حضرة الHR
- الصحاب يا رب.. نص بالعامية المصرية
- النصوص
- طابور النمل... (نص بالعامية المصرية)
- ATM
- عيد ميلادكِ
- لو أنني في النيل سمكة!
- رجل غارق في الحزن في الجنة ست ساعات
- عيد الأب الوحيد
- في الحزن، الناس سواسية كأسنان المشط
- مقهى الآلهة


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - الأديب الذري الجائل -أديب القرية نموذجًا-