أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - الفضائل الزائفة














المزيد.....

الفضائل الزائفة


حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)


الحوار المتمدن-العدد: 7538 - 2023 / 3 / 2 - 10:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُحكى أن زوجًا دخل على زوجته فوجدها تبكى، فسألها عن سبب بكائها فأجابت بأن العصافير التى فوق الشجرة تنظر إليها حينما تكون بدون حجاب وهذا قد يكون فيه معصية لله، فرح الزوج بورع زوجته وتقواها، وقبّلها بين عينيها. وفي الصباح أحضر فأسًا وقطع الشجرة من جذورها، ثم حدث بعد مرور أيام قليلة على هذه الواقعة أن شعر الزوج بإعياء أثناء العمل، فعاد إلى بيته مبكرًا على غير العادة، فوجد زوجته نائمة فى أحضان عشيقها !!
كانت صدمة الزوج بالغة، ترك منزله هائمًا على وجهه لا يلوى على شىء، حتى حط به الترحال بمدينة بعيدة، لفت انتباهه أن بعض أهالى تلك المدينة يتحلقون بالقرب من قصر الملك، ويتهامسون فى وجل واضطراب، وحين سألهم عن سر هذا التجمهر والاضطراب، قالوا إن خزائن الملك قد سُرِقَت. فى تلك الأثناء مرّ رجلٌ يسير على أطراف أصابعه فسأل عنه: من هذا؟

أجابوه: إنه شيخ المدينة.. رجل شديد الورع، يمشى على أطراف أصابعه خشية أن يدعس نملة، فيعصى الله !!
فصاح الرجل: لقد وجدته.. لقد وجدته..
وحين استفسروا منه عن قصده، أجابهم: لقد عرفت من سرق خزائن الملك.. أرسلونى إلى الملك.
حين مَثُلَ الرجل بين يدى الملك، قال: يا مولاى: إن الشيخ هو من سرق خزائنك وإن كُنت مُدعيًا أو كاذبًا.. فاقطع رأسى.
أمر الملك الجنود بإحضار الشيخ والتحقيق معه، فأسفر التحقيق عن اعتراف الشيخ بالسرقة.

توجه الملك بالسؤال إلى الرجل قائلًا: كيف عرفت أنه السارق؟

أجاب الرجل: إن المبالغة في أمر ما تكشف عن زيف صاحبه. فالشىء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. ومن يتعفف تعفف العاهرات، يرتكب الموبقات. ومن يُقسم ليل نهار بأغلظ الأيمان، اعلم أنه كذَّاب أشر. الإنسان الصادق ليس في حاجة إلى مزيد من القَسَم. وحينما يكون الاحتياط مبالغًا فيه، وحين يكون الكلام عن الفضيلة شديد المبالغة؛ فاعلم أنه تغطية لجرمٍ!!
انتهت القصة.
تكشف هذه القصة زيف بعض المظاهر الخادعة للفضيلة. فكما يقول الفيلسوف الألمانى «امَانويل كانط» فى كتابه «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» إن المعيار الوحيد لأخلاقية الأفعال هو ألا تكون دوافعُها مستندة إلى مصلحة أو منفعة، بل يجب أن يكون الدافع إليها مطابقًا لفكرة الواجب. فالمعيار الوحيد عند كانط لأخلاقية الأفعال أن تكون دوافع أفعالنا مستمدة من شعورنا بالواجب.
ويرى كانط ضرورة التمييز بين الأفعال التى يقوم بها المرء استنادًا إلى الشعور بالواجب، وتلك التى يفعلها نتيجة لحرص أنانى دافعه المصلحة. فمثال ذلك أنه مما يتفق مع الواجب أن يكون الإنسان كريمًا فى تعامله مع من يحتاج مساعدة، فإذا رأينا أحد الأغنياء يقوم بمساعدة كثير من الفقراء والمحتاجين، ومنحهم عطايا مالية وعينية، فإن هذا الكرم الظاهر لا يكفى على الإطلاق لكى يجعلنا نذهب إلى الاعتقاد بإن ذلك الرجل الغنى قد صدر فى مسلكه هذا عن إيمان بالواجب وبمبادئ الكرم، بخاصةٍ إذا عرفنا أن مصلحته قد اقتضت ذلك، نظرًا لأنه أحد المرشحين لانتخابات مجلس النواب، مثلًا!!
ولا يستطيع الإنسان فى هذا المقام أن يفترض أن هذا الرجل الغنى كان يحمل في نفسه ميلًا مباشرًا نحو الفقراء والمحتاجين، بحيث دفعته تلك العاطفة التى يحس بها نحوهم إلى إغداق العطايا عليهم. إذن لم يصدر هذا السلوك الكريم عن واجب، ولا عن ميل مباشر؛ بل كان الباعث عليه المصلحة الذاتية وحدها. إنه كرم مخادع، وفضيلة زائفة.
قس على ذلك الأفعال التى يأتى بها كثير من الناس بغية تحقيق مآرب شخصية، كأن يقوم التاجر بتأدية فريضة الحج متظاهرًا بأنه يؤدى ما يمليه عليه الواجب الدينى، فى حين أنه أراد أن يكتسب لقب «الحاج فلان» في تعامله مع عملائه. وكذلك من يبالغ التظاهر بالتعفف عن المكاسب والمنافع والأغراض مصرحًا ليل نهار، بأنه لا يروم شيئًا، ولا يسعى إلى شيء. فى حين أن كل أفعاله تكشف عن خلاف ما يزعم. إن تعففه أقرب ما يكون إلى زهد العاهرات وتعففهن، إنه فضيلة زائفة.
ونجد كذلك من يتظاهر بأنه يضحى بما يملك من جهد وطاقة من أجل خدمة الناس والسهر على تحقيق مصالحهم، فى حين أنه يؤسس مصالح ومآرب شخصية له ولمن يسير في ركبه. أو ذلك الذى يبالغ فى إظهار حبه وتعاطفه مع شخص ما (رجل أو امرأة) ويبالغ في الكشف عن عواطفه الحميمة تجاه ذلك الشخص، فى حين أنه يرى فى كل البشر مجرد وسائل لتحقيق أغراضه، ويستخدم عاطفة الحب الزائف وسيلة لاستمرارهم فى خدمته وتحقيق مآربه، سواء أكانت هذه المآرب مكاسب مادية أم متع حسية.
الأمثلة كثيرة وشرحها يطول. يبقى أن نمتلك وعيًا حقيقيًا لتمييز الفضائل الحقيقية عن تلك الزائفة.



#حسين_علي (هاشتاغ)       Hussein_Ali_Hassan#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حضارة اللفظ
- الجرى وراء السراب
- أزمة علم الطبيعة «2–2»
- أزمة علم الطبيعة «1 – 2»
- الدين والعلم والعقل العربي
- إسلام بلا مسلمين‏..‏ ومسلمون بلا إسلام
- الجشع البشري
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «4»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «3»
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (2)
- طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (1)
- الخرافة.. والعلم
- ليس بالكتل الخرسانية وحدها تـُبنى الأوطان
- هل لدينا فلاسفة؟
- وجوه .. وأقنعة
- الصورة الذهنية والواقع الفعلي
- الدين المعاملة
- فلسفة التغافل
- زكى نجيب محمود وتجديد الفكر العربى
- قد تكون مظلومًا.. لكن هل حقًا تشعر بذلك؟


المزيد.....




- شاهد.. أسراب من -حشرات الحب- تغزو كوريا الجنوبية بأعداد كبير ...
- النووي الإيراني: هل يستأنف الحوار بين طهران والعواصم الغربية ...
- بعد المواجهة مع إيران.. اجتماع أمني إسرائيلي يدرس مستقبل حرب ...
- القوات الروسية تسيطر على أول قرية في منطقة دنيبروبيتروفسك في ...
- غوتيريس يشدد على -إصلاح وإطلاق محرك التنمية- بمواجهة -عالم ي ...
- الأرجنتين: وضع حرج لأكبر مركز صحي للأطفال في البلاد بسبب سيا ...
- جرعة مخدرة تحت إشراف طبي في بلجيكا.. وفي العراق الأطباء مسته ...
- المقاومة تدمر آليتين عسكريتين إسرائيليتين شرقي خان يونس
- حفل زفاف بيزوس.. ظهور وجوه بارزة من قائمة أثرياء العالم
- ولي عهد دبي يُعلن نجاح أول رحلة تجريبية للتاكسي الجوي


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - الفضائل الزائفة