أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد العظيم طه - نرفانا الليل الأزرق















المزيد.....



نرفانا الليل الأزرق


أحمد عبد العظيم طه

الحوار المتمدن-العدد: 7535 - 2023 / 2 / 27 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


ديوان شعر








إهداء:
إلى التي كانت ولازالت وستبقى ساجية في دمي كعذراءٍ تظهر أزلية مثل نور سماواتٍ وأرض تلك التي غادرتني بهيكلها المُسوّى في أروع تكوين وتركت روحها تهيم بين أنامل الله ووجهي
حبيبتي المُقدسة

2001


























الليل الأزرق
















وحينما يأتي غروبك ،
فإن ساعات الليل تُصغي إليكَ أيضًا ،
وعندما تجتازها فإن ذلك لا يكون نهاية كدّك .
وكلُ الناس تنظر بواسطتك .
أنتَ صانعٌ مُجرّب ...
وراعٍ شُجاع يسوقُ ماشيته .

حور سوتي
أنشودة الشمس







• القادمون ليسوا غرباء

هاهُمْ يأتونَ بلا أقدامٍ واضحة
أجسامُهُم الليلية
مُغيمَةٌ بشكلٍ واضح
أذرُعهم المُثقْبة
تُطلق النار على أشباح السنوات البائدة
هاهُمْ يُزيلون الصدأ
عن ( الكرافانات ) المنسية
ويُقيمون سمرهُم القديم
على شرف الرجوع

ثم يَهيمونَ حول مائدة الفراغ
يقطعون لحم الذكريات فائتة المفعول
بسباباتهم المُتحفزة
ويأكلون في توتر

يشربون نخبًا من ( العلقم )
يُتبعونه نخبًا من ( فودكا الفرح الشرقية )
يُتبعونه كأسًا مُترعة
من ( منزول اللا شيء )
مُنشدين في انتشاءٍ مريرٍ للخائفين
بأنشدةِ التوعُّد إذا ...

- هل أنتَ خائفٌ يا صاح ؟

هاهُمْ .. يُحاولونَ من جديد
استئناس رمال الوهم المُستشّرية
في رئة الأرضِ
ويُحاولون رسم خطوط العرض المُتهتكة
وخطوط الطول المُستحدبة
.. لا فائدة .. لا جدوى
– ما جدوى الروح بلا صلصالٍ يعرفُها –
.........................................................
يُشيرون لِحِمْلِ ( الجِيِبْ ) الناعسة
مُرددين بلهجةٍ مُنظمةٍ
" تلزمُنا ثيابَكُمْ الواسعةُ عليّكُمْ " ...
يُفاجئهُمْ ..
هذا الصوتُ المُخنّدقُ في تجسُدات الاستكانةِ اللا مُتناهيةِ
- ألازِلْتُمْ تُرزقونْ ؟ ...
..........................................................

هاهُمْ
يستديرونَ مُغادرينْ
نورَهُمْ المُتذبذب يتضافرُ
رغم لطشات الشتاء النافرةُ الصُدورْ
حانقين على المجيء
راحلين دون فجر ...


• سوناتا الهيكل العصبي

أستقِلُّ نفسي
وأرحلُ نحو البحر المُزّمِنُ
في رقبةِ الأرض

أخْلَعُ جسمي
وأغوص

لابد من استخراج كلَّ حباتِ الرملِ
المُتشحةُ .. بدمع المحار
لأُرَمِّمَ الشاطئ المشروخ
والصحراء المُتصدعة
........................................

انتهزتُ الفرصة وتذاكيتُ
فتعرفتُ على إحدى الأسماكِ
الصائمة
مُعرّفًا نفسي في اعتداد
أنا حبةُ رملٍ برية


• النبش في مقبرة الرؤيا

ورأيتُ " فاوست "
لابسًا أبيض في أبيض
طائفًا حول الحرملك تارةً
وتارةً حول ...
بأُبهةِ الروح
والمكوث

– في الخلفية –

كان " دوساد " يسكُبُ شمعًا مُنصهرًا
على ثدي امرأةٍ ثكلى
مشيرًا لها أن تهدأ
ثم يرتدي القُفاز الحريري
مُستعدًا لخلعِ أسنان الجياع المُتسوسة
بفعل الحشرات الطائرة
............................................

عندما تقلبتُ على جنبي الأيسر
رأيتُ الكونت " فلاد "
يستدرجُ كلَّ الرفاق القُدامى
إلى القبو
شاهرًا أنيابهُ المهترئة
ويزأرُ بالديمومة
............................................

ظهر أخيرًا بوضوح السيد " بروتاجورس "
تصحبه جوقة من المُنشدين الرعويين
فاعتلى مِنْبَرَهُ المَطْلِيّ
بالدُهنِ والعسل
وسكب على رأسي ريقهُ اللزج
حتى التصقتُ بالأرض
ولم ينشف
..........................................

من بعيد
كانت تَلُوُحُ بعض الطيورِ الجيفاريةِ
فوق مساحاتٍ
مُبرّقَشةٍ بالخواء
وتُدندِنْ
لحنًا قديمًا
.........................................

يا سيدنا فَسِّر ليَ الرؤيا
قال سيدنا في توجسٍ
ألَمْ تتعلم الأسماءَ كُلُها أيها الصبي المُتغرّب ...
فلتُعِدْ إذن كتابة القصيدة


• إتيان

طرَقَتْ برفقٍ على جسدي المُسْجَى
بين الأَسِرَّةِ اللا مُترادِفة

لمّ أستجب للطرّقِ أو أنني نسيتُ
رُحْتُ في سُباتِي
مُفْترِشًا حرارةَ من سَبَقوا
على سجاجيدِ التعبِ المُوشاةِ بأحبارٍ مؤرقةٍ
مُلْتحِفًا بدوراني حول نفسي
– هي لصةٌ –
دَخَلَتْنِي مُتسللةً
ثم تَدَرّجَتْ في الارتباك
حتى أنها أَسْقَطَتْ من صندوق بريدي
بعض الأشياء على وجهها

كُنْتُ أراها من ظُلْمَةِ روحي
تُحاولُ جاهدةً ألّا تفعلُ ما يُقلقُني
حتى تبحثُ عن أشيائي
لأطول مُدةٍ
– خَرَجَتْ بعد أن سَحَبَتْ كُلُّ رسائلي النورسيةُ –
لَمْ تأخُذَ شيئًا ذا قيمة .. بيّدَ أنها
جَعَلَتْ الحرارةُ تتقلّصُ تحتي
وأَوّقَفَتْ دوراني .. لفترة ..


• عفوًا .. لا يوجد اليوم

- من بالباب ؟

أَفْزَعَتْ هذا الجرسُ النائِمْ
في رِئَةِ الدائِرَةِ المقطوعة عَمْدًا

أنا ..

أَفْرَغَتْ الكَلِمَةُ المَنْحُولةُ لِتُشْعِلَهُ /
فَتَحَ الشُرَّاعَةُ .. صَفَعَتْهُ الكَلِمَةُ

لَمْ يَعْرِفْ تَحْدِيدًا ما هو بَرّنامَجَها القادِمْ
بَعْدَ الفَتْح

احتضنتْهُ وفَتَحَتْ أزرارَ عُيُونَهُ
حتى تَتَعَرَّىَ مآقيها أمامَهُ بلا حياءٍ

- شاي ؟
- أُريدُ حليبًا مخفوقًا .. الساقي لا يفعله مثلك ...

صباحًا لمّا جاءتْ بائِعَةُ اللبنْ مَلَأَ
ثلاثًا من أوانيها ورَحَلَتْ
لَمْ تُخَلِّ غير الضامِرُ فوقَ رُخَامَةِ مَطْبَخَهُ
وعلى شِفَاهِ الفناجيلْ ...

لَسَعَتْهُ زَفْرَتَهَا المُنْفَرِجَةُ
ماذا يُقَدِّمْ ؟

- أَعْرِفُ .. أَعْرِفُ .. هل أنتظِرُ غلايتك قليلاً ؟
- رُبما طويلاً

شَطَبَتْ وجهها الممسوح هدوءً
بِجَرَّةِ ثورةٍ ودَخَلَتْ إلى
غُرّفَةِ البُكاءِ الأبيضْ /
خَرَجَتْ تَتَطَوّحُ
من فرّطِ اللهَبِ المُتَخَثّرِ
في ساقِ الرغبةِ

تزّأرُ في مُقْتٍ مُمّتَزِجٍ بالْوَلَهِ المُتَعَقْدِ

كانت آثارُ بُكائَهُمَا السابِقْ
مُشَوَّهَةٌ بالندى الطازِجْ
والستائِرُ مُحْمَرّةِ الوجناتِ
ولَمْ تَعُدْ لشحوبِها الأبيض بَعْدْ

- أنتَ لا تكتفي إذن
- نحنُ نشتركُ في طِباعٍ عديدةٍ يا عزيزتي

جاوزَتْهُ بأخيِلَتِها الحمراء ذات الأعلام المُنكْسةِ
.. شُعْلَتَها المُقَدْسةَ مازالتْ تَتَلَوّىَ فتُحَوّلَهَا إلى
بوّتَقَةٍ تمشي على الأرض

دَاعَبَهَا قليلاً فخَمَدَتْ قليلاً .. وخَرَجَتْ
..................................................

الجرسُ يستيّقِظُ دوّمًا لها
لا يحتاجُ إلى إرّهابٍ
والبابُ السَلِسُ المُتَفَسّخُ يَفْتَحُ
إذّ تَتَنَهّدْ

دَخَلَتْ وحِذَائُها النافِرُ
يَتَكَبّرُ على الأشّياءِ .. حتى هو

أَغْشَتْهُ طَلْعَتِهَا فانْسَكَبَتْ عَيّنَاهُ
ونِصْفُ رُوُحَهُ على الأرض المُتَأَفِّفَةِ
- هلّ مِنْ شَيّءٍ ... ؟
- شايّ .


• ( بيننا ارتباطـٌ شَرّطِيٌّ )

في عرض الطريق المُلبد
بأعمدةِ الموت المُسترسلةُ في الإنارةِ
وحين كنتُ كعادتي في الجِنازَاتِ
الكبيرة
أرتَدِي الزِيُّ المُوَحْدُ للموتِ
الصمتْ ..
رِبَاطِ العُنُقِ المُضَفّرِ بعنايةٍ

وأمشي خلفَ النَعْشِ المُبَرّقَشِ
بآياتِ الخيانةِ
أمشي في غايةِ الموت
رأيّتُها المَرّةَ أيضًا ..

دائِمًا ما كُنتُ أراها في الجِنازَاتِ الكبيرة
على الرصيف الأيسر
تجلسُ .. فوق رُوُحُهَا المَصْرُوُرَةَ
وتَمُدُ يَدَهَا بلا أمل

نادَتْنِي أَعْيُنُهَا المَعْرُوقَةَ من فرّطِ النومِ
والانتظارِ
كعادتي ذَهَبْتْ

مَدَتْ يَدًا قديمةً
تَحْمِلُ أَظَافِرُهَا المُنْهَكَةُ
قليلاً من وجهِ الليلْ
فَوَضَعْتُ في يَدِهَا بَعْضِي
- لا يكفي

لأوّلِ مَرّةٍ تُسْمِعُنِي صَوّتُهَا الغَافِي
تَحْتَ خُيُوطِ الخَرَسِ السَمِيكَةَ

مأخُوذًا ..
مَنَحْتُهَا بَعْضِي الآخَرْ
- لن يكفي .. " قالتْهَا مُتَحَسِّرَةً "
أَقْسَمْتُ لهَا بأنني قد نَفِذْتُ
قالَتْ .. " رُوُحُكَ "
رَدَدّتُ .. " ميتٌ أنا وسَقَطْتُ "
" كاذِبْ " .. قالتْهَا ودَسّتْ يَدَهَا بأنْفِي
بَحَثَتْ

لا شيّءَ سوى النَفَسِ الفاسِدْ
وتراكُماتٍ من الرِضَاءْ


• ( حداثة النهايات القديمة )

" صفعة " ثم ..
- إنهض

" بصقة " ثم ..
- تحدث

وحين استحلبتُ جسارتي العجفاء
وفككتُ ضحكةً محشورةً
بأنشوطةِ أحبال الصوت البائِدِ
تَنَاثَرَتْ
على قميصِهِ الظامِيِ
لُغَةُ الحَرّفَيّنِ بلونٍ قانٍ

ظَلَلّتُ مُنْتَصِبًا .. بينما
احْتَضَنَتْ جسدي بلاطاتٍ موّصُوُمَةٌ
بعارِ الكُعُوبِ المُلْتَصِقَةِ
..................................................

" ركلات " ثم ..
- ها

" سبة " ثم ..
- ألا تريد ...

توكأتُ على روحي مُحاولاً
ألّا أَتْبَعَ جسدي المُدبب
واستجمعتُ شَتاتَ بيّتٍ قديمٍ
مُتشِحًا بصبابتي غَنْيّتُ
" وقف الخلقُ ينظرونَ جميعًا ..
حتى ماتوا وأعْيُنَهُمْ مُسْمَلَةٌ "
............................................

" طَرّقَةٌ " ثم ..
- هكذا ؟

" لا شيء " ثم ..
- فلّيَكُنْ

لَمْ ألّبَثُ أن تهاوَيّتُ فوقَ جسدي
المُدبب
فتمزقَ السِلّكُ الشائِكُ الذي ..
كان يرتديني

لَمْ أُضَيّعَ الوقتَ
وأَفْضَيّتُ في رَحِمِ الأرض بسِرِّي
عساهُ يَتَكَوّنُ
فيُوّلَدُ بَعْدَ الأرْبَعِيِنْ جَهْرًا
غَيّرُ مُبْتَسَرُ العُنُقْ
.............................................

" أشياءٌ كثيرةٌ " ثم ..
لا أسْمَعُ شَيّئًا
يكتنِفُنِيِ هذا الهُلام الضبابّيُ المُبْهَمِ
و ..............................................

أَحْسَسّتُ بشيءٍ يَعْبُرُ رأسي
ويَنْفَذُ
من جبهتي في سُرّعةٍ
مُتَجِهًا صَوّبَ
رَحِمِ الأرض ...


• ( قبل الزمن التاسع )

على آخر درجات السُلّمِ
هذا المُتَواصِلْ بين فِرَاشِيِ
وسماوات الحُلّمُ الأشّهَبْ
كانت تقفُ

تسترِقُ السَمّعَ إلى ثُقْبٍ أسود
كان يُرَتّبُ طالِعَنَا ويُغَمْغِمْ
" يوم السبت ..
يستويان على رائِحةِ التعب الملموس ...
يوم الأحد ..
تُوَسْوِسُ لهُمَا المَعْرِفَةُ
يأكُلانْ
يعْرِفَانْ
يهْوِيَانْ
إلى الحقيقةِ المُسَبَّعَةِ " ...

لَمَّا نَزَلَتْ
وجَدَتْنِي مُنْزَوِيًا في بِئْرِ السُلَّمْ
سأَلَتْنِي مُلّتاعةٌ
" هل يُمْكِن أن نبْقىَ في هذا الجُبّ ؟ .. "
قُلتُ لها
" لا أعتقد "
وأَضَفْتُ
" إن الماشين على دَرّبِ النِخَاسَةَ
كثيرونَ جدًا
وعَزِيزَنَا المَزْعُومْ
يَتَلَهَّفُ انتظارًا
لذا .. لن يُجْدِي البقاء .. حتمًا
سَيَكْتَرِثُ لنَا بالسيَّارةِ "
......................................
........................................

- أَشّعُرُ بالرَغْبَةِ في التَقَاعُسْ
قالتْهَا وارّتَمَيّنَا
فوقَ رائِحَةِ
السبتْ


• صوتُ خطواتٍ بالخارجْ

كنتُ أُرَنّمُ بعضَ سُطُورِ الصَمّتِ
بصدري
وأنا أتأهّبُ للنَوّمِ
وأُأَوِّلُ يومًا مكسورًا
من تاريخي المَدْفُوُنِ حديثًا
وأُناوِئُ رائِحة البَرّد السِرّيّة

- في الواقِعِ .. لَمْ يَحْضِرَ مَبْعُوُثـًا واحِدْ
مِمَّنْ كُنْتُ أُهَيِئُ " رُوُحِيِ ذاتَ الفاصِلَةِ المَنْقُوُطَةِ "
لِلُقْيَاهُمْ ..

لَمْ يَحْضِرَ مَبْعُوُثـًا واحِدًا
يُدْفِئُ تلك الرائِحة السِرّيّة للبَرّدِ
بجسّمِ الوقتِ المُتَلَيِّلِ ذا الكَتْمَةَ
أوّ يُطْفِئَ لَهَبَ سيجارتُهُ المُسْتَوّرَدَةَ مِنَ النَارِ بصدْري ..
المُتَحَرّقِ لِلْنَارِ بِشِدَةٍ

لا أعْرِفُ كمّ مرّ من الوقتِ
قبْلَ سماعِيِ لوقْعِ الخُطُوَاتِ المُترَاتِبِ حَوّلَ الخَارِجِ
أَنْصَتُّ وكَفَفْتُ قليلاً عن ترنيم
سطور الصمتِ .. فزادَ الخَطْو
وزَادَ استيعابي لدَرَجَاتِ الأزّرَقِ
في وجهي المُسْوَدِ المَأكُولِ بِرِقّةٍ

خجلانًا .. وَبّخَتُ شرُودِي المُتَّجِهِ إلى سوءِ الظَنِ
بأرّبَعَةِ حوافِر
– وَضَحَ الخَطْو –
فَشَرَعْتُ أُجَهْزُ أَجْوِبَةَ الحَفْلِ المُتَوَقْع

"
- مَنْ ..
- لا أدري
- مَنْ ..
- لا أدري
- .............
- أدري .. ولكن أمْهِلْني دقيقةً
- مِنْ فَضْلِكَ حتى أَتَذَكّر
..................................................
- عَفْوًا .. لا أدري "

ظَلّتْ رأسي المُنْشَقّةُ في مُنْتَصَفِ الجَبْهَةِ
تَطْرَحُ أَوّ تَطْفَحُ – لا أدري – سَيّلاً مِنْ شَجَرِ الكافورِ
العملاقِ المُنْبِتُ تُوتًا لا أدري
أَمّ عُنَبًا لا أدري

كانَ الجَوُّ مُشّبَعًا جَهْلاً خَالِصًا
" وأَنَا مُسْتَاءٌ وعِنْدِيَ لَوّعَةٌ لكِنَّ مِثْلِيِ لا يَدْرِيِ المَفَرُّ "
– ثَقُلَ الخَطْوُ وأَمْسَىَ وَقْعَهُ فَوّقَ الأَحْشَاءِ الرَاكِدَةِ تمامًا –
وشَعُرّتُ بضَغْطَةِ ذاكَ الحَفْرُ المُتَلَبِّسَنِيِ
تَفُوُرُ بِقُوَّةٍ
والنَسّجُ الخَشِنُ المُتَثَعْبِنُ في لَفّيِ يُضَاعِفُ
مِنْ تَسْريبِ الرَمْلِ الخَارِقِ نحْوَ الجِلْدِ المُتَدَاعِيِ بِقُوَّةٍ
– فَكّرّتُ بأنِيِ حَسِبْتُ كثيرًا أنَّ الضَغْطَ مُجَرَّدَ مُزّحَة
وبَكَيِّتُ إلى الدَاخِلِ نَهْرًا
يُنّعِيِ حَنْجَرَتِيِ العَطْلانَة –
.................................................
...................................................

خَفَّ الضَغْطُ الساحِق دَرجة ..
ثم قليلاً
ثم انزاحَ حين اكتملَ مُحيطُ النَبْشِ
– رأسُ المِصْبَاحُ المُتَغَبّشِ تِمْثالٌ نِصفِيٌ لِرُعْبِيِ –
.....................................................

- هَيَّا تَعالَىَ وارّتَفِعْ ... " قالتْهَا أَيَادٍ غَبْرَاءٍ إنْسِيّةٍ "

ماذا جرى .. أين رفيف الأجنحة
والصوتُ المصقول الزاعِق
والرَوّنَقُ المَشْحونُ نورًا أيَّنَ ذا ....
– كان الحَدَثُ يفوقُ بشدةٍ شَطْحَةَ أَخْيِّلَةِ المَوّتَىَ –

ماذا يَحْدُثُ
خَمَشَتْنِي أَظَافِرُ صَبَّارةٍ
وتَغَلْغَلَ حَجَرٌ في ظهري
حين طُرِحْتُ على الأرض المُعْشَوّشَبَةِ
بأقدامٍ ستةٍ
– ضوّءُ المِصْباحُ المُتَغَبّشِ تمثالٌ مُكتَمِلٌ لرعْبِيِ –

وأنا أستنبطُ شَفْرةَ حِسٍ واحدٍ يَمْنَحُنِيِ
نِصْفُ رِبَاطَةَ جَأشِ الصُمّ
وأُبَرِّرَ أَنْفَاسِيِ السَاكِتَةُ لِنَفْسِيِ
" – لَمْ يَلّبَثَ إلّا ليومٍ واحدٍ .. "

كانَ الصَوّتُ المُتَحَشْرِجُ ليسَ غريبًا جدًا
والقائِلُ ليسَ غريبًا جدًا

مِنْ ثُقْبِ الكِتَانِ المُتَهَلْهِلِ عن وجهي .. أبصرتُ الجَمْعُ
المُتَحَفِّزِ
ذاكَ الحانوتِيّ الصديق
ومعه حفّارٌ صديق
وثالثٌ لا أعْرِفُهُ
– أذّكُرُ أَنَّ حفّارِي الصديق عِنْدَما أَوّسَدَنِي قاعِيِ
رَبَّتَ على كتِفي وقال :
" كُلُنَا لَهَا يا وَلَدْ " –

حَدَدّتُ إقامَةُ خَفَقَاتِيِ المَرّجُوَّةُ
...........................................
............................................

"- خمسونَ كفاية .. فالجُثَةُ لا تَحْمِلُ أخْتَامًا أَوّ حتى تواريخِ الصُنّعِ .. "
ثالثَهُمْ قالَ عِبارَتَهُ من قَعْرِ العَدَسَاتِ المَقْتُولةِ
بشِرُوخِ الحِكْمَةِ .. فامتَزَجَتْ طقْطَقَةُ الباقِينْ ..

ماذا يَحْدُثُ
- الليّلُ مَغَارةَ أَفْكَارِيِ النَابِيَةُ
...............................................

فَفَقِهْتُ بَعْدَهَا أنني حَتْمًا مُبَاعُ لحِفّنَةٍ
مِنْ أَطِبَاءِ امْتِيَازٍ ...


• ( حتى إشْعَارٍ آخر )

كانت الريح المُسِنّة
تُمَشِّطُ رأسَ المدينة
والسُحُبُ من فرّطِ الشتاءِ قد ارتَدَتْ
زِيًا ثقيلاً مُوّحشًا
وتَصَارَخَتْ عند المخاضِ
فأبْرَقَتْ للأرضِ موّلُوُدٍ غبيٍ
– المَطَرُ موّلُوُدٌ غبيٌ –
يَتْرُكُ الجَوَّ ليلعبَ في التُرابِ
والبَدْرُ أرسلَ في برودٍ
للدُجَىَ
نَصُّ اعتذار
" واصديقي .. أرجو منكَ المعذرةَ .. أنا غيرُ آتٍ للعشاءِ "

كان هذا عندما غادرتُ نومي المُسْتَدِيمِ
مثلما في الأُمْسِيَاتِ الرائعةِ
– أَوَّاهُ شَوّقًا كَمْ أَتُوُقْ –
ومَشَيّتُ يَلْعَنُنِيِ الطريقُ لبَيّتِهَا

تَارةً .. يَدْفَعُنِيِ لُعَابُ المَطَرْ
وتَارَةٌ .. تَحْمِلُنِي أَقْدَامُ القِطَطْ

ها قد وَصَلّتُ
نَطَقْتُهَا حينَ تَسَلْقْتُ الرِيَاحْ
إلى زُجَاجِ النَافِذةِ
رأَيّتُهَا

لَمْ يَزَلّ وَرّدُ شَفَتَيّهَا
يَعْصِرُ الخَمّرَ ويَمْلَأ
أَغْوَارُهَا المَنْسِيّةُ تَزّدَانُ لَهْفَىَ لِمَنْ يَطَا

كانت تُقَبِّلُهُ بعُنْفٍ
وتَبُثّهُ نَفْسَ العبَاراتِ التي تَهَلْهَلَتْ
" أنا لَكْ عَلَطُوُلْ خليكْ ليَّا "

لَمْ تَكْذِبَ الرُوُحُ التي
أَتَتْنِيِ بالخَبَرِ الثَقِيِلْ
قَبْلَ اشّتِعَالِ الفَجْرِ في عيّنِيِ رَجِعْتُ

لازالتْ الريحُ المُسِنَّةُ
تُمَشِّطُ رَأسَ المَدِينَة
والمَطَرُ مَوّلُوُدٌ غَبِيّ
انسَلَلّتُ إلى مكانِي في هُدُوُءْ
وحَطَطّتُ رُوُحِيِ تَحْتَ رأسي
في هُدُوُءْ
ثُمَّ نَوّمًا مُسْتَدِيِمًا حتى
إشعار آخر


• ( هِيلّيِنَا .. أنتِ مِنَّا )

هيلّينا .. جاءوا ليأخذوكِ
أوتذهبين .. ؟

بعد موتِهِ المُمْتدُ إلى الأبد
بقروا بَطْنَهُ ..
" هوميروس "
ليعرفوا الحقيقة

فَحَّ اليقينْ
هيلّينا ليستْ بينكُمْ
بينما ..

يا ابنة الأرضَ والسماءِ
يا نَبْتَةَ الخديعةَ والطُهْرِ
أيّتُهَا المصيرُ الكائنْ
كارِثَةٌ حَلّتْ

فيقينُ سبارطة
لَمْ يَتّبِعَ الشّكَ العَالِقَ في رِئَتَيّهِ
لذا ..
لَمْ يَعّلُ لهذي السَقْطَةَ
الطُرّوَادِيّونْ
مُزَيّفُوُنْ

هيلّينا .. أنا الآن مُجْبَرٌ أنْ أكون
مُقْعَدٌ
فالجسدُ أُخْدُوُدٌ كبيرْ

مُتَهَدّلُ الرُوُحُ
والأطراف
لا أَمْلِكُ شَيّئًا أمْلَسَ
غيّرَ الجَوّفُ المُتَعَامِدُ فوّقَ اللاشيّءْ
لذا ..
مُطْمَئِنًا سَأُعِيدُ تَرّسِيمَ الحَقِيقَةَ
على رأسَكِ

بعْدَ مُكُوُثَكِ فينا دَهْرًا
وعَوّدَةَ " باريس " إليّهِمْ
وَأَدَ عَشِيرَتُكِ الأصّليّيِنَ
هيلّينَا الأُخرى ..
جاءوا

لَمْ نَتَحَارَبْ فَتَصَاهَرّنَا وتَمَازَجْنَا
واسَيّنَاهُمْ عَنّكِ بسَفِينٍ
صَنَعَتّهُ شَقَائِقِ النُعْمَانْ
" يُسّكِنُ الأَلَمْ ويَحّفَظـُ العَبَرَاتْ "
وَوَهَبْنَاهُمْ أَجْمَلَ شَقِيقَاتِ " نفرتيتي "
لِيَنّظُرُوُا شَيّئًا مِمَّا
" جاءَ الجَمَالْ "
................................................................

الآنَ هيلّينا
قُلّتُ حَقِيقَتِي
حَقِيقَتُكِ
فَبِطُهْرِ سَمَاءُكِ إنّ جَاءُوا
أَمِيطِيِ لِثَامَ الزَيّفَ الأَخْرَقَ
عَنّ وُجُوُهِهِمْ
الزَرّقَاءَ

وإنّ جَذَبُوُكِ ولَمْ تَسْتَطِعِيِ
لا تَنّتَحِرِيِ
انْتَظِرِيِ
حتى أَفِيِئَ أَوّ ..
أَمُوُتْ


• تَفَاصِيلُ اليَدِ الصَغِيرةُ

" صَيّفُ الأَوّلْ "
عَبْرَ الهاتِفْ .. أَسْكَرَتْنِيِ رَائِحَةُ الهَمّسِ
لأَوَّلِ مَرَّةٍ تَسْكُبُهَا في سَمّعِيِ
أُحِبُّكَ

" صَيّفُ الثَانِيِ "
تَعَانَقَتْ كَفّانَا خِلّسَةً .. في شُرّفَةِ مَنْزِلِهَا مَسَاءً

" رَبِيعُ الأَوَّلَ "
زَارَتْنِي ومَعَهَا بَعْضُ الـ ..
لِتَفَقُّدِ أَحْوَالِ الخَاوِي
بَيّتِي

" رَبِيعُ الثَانِي "
- لا تَأبَهَ لِكَلَامِ الـ ..
فَنَحْنُ مَزِيجٌ مِنْ رُوُحَيّنِ

" شِتَاءُ الأَوَّلَ "
- الزَمَنُ قَارِسُ البُرُوُدَةِ
- لا عَلَيّكَ .. " قالَتْهَا في غَيّرِ اقْتِنَاعٍ "

" شِتَاءُ الثَانِي "
- هلّ نَخْرُجُ " نَتَمَشّىَ " قليلاً
- لا .. " وزَفَرَتْ مُتَأَفِّفَةً "

" شِتَاءُ الثَالِثْ "
- أَهُنَاكَ جَدِيدْ .. " قَالَتّهَا ثَائِرَةً "

أَطْرَقْتُ برُوُحِيِ أَرّضًا .. وهَبَّتْ
عَاصِفَةٌ مِنْ فَمِهَا

" خَرِيِفْ "
- أَنّتَ أَفّاقٌ كبير .. " قَالَتّهَا وتَهَدّلَ قَلّبِيِ "

.. قَبْلَ رَحِيِلِهَا أَلّقَتْ في وجْهِيِ شَيّئًا ما


• الخُرُوُجْ

إذا ما البحرُ دَفَنَ شَطّيّهِ العِظَامْ
وتَجَمّعَتْ عندَ المَغَارِبِ
كلُّ شَمّسٍ قادِمَة ..
مِنّ عُمّقِ أَقْبِيَةِ الغُيُوبْ
أُوّلَدْ أَنَا

إذا ما تَسَاقَطَت النُجُوم التَالِفَة
فَوّقَ بَطْنِ الأَرّضِ
مِثّلَ تُفّاحٍ نَضُجْ
واسْتَطَالَتْ في عُنُقْ شَبَحَ الفَرَاغِ
أَحْبَالُ حَنّجَرَةُ الفَرَاغِ
أُوّلَدْ أَنَا

طِيِنًا مِنَ الظَنِّ المُبَلّلِ بالعَفَافِ الفَوّضَوِيِّ
المُفْتَرَضْ
يَمّلَأ فَرَاغُ المُنّتَصَفْ
بمُثَلّثِ الكَوّنِ العَتِيقْ .. أَحْبُوُ أَنَا
وكُلُّ أَطْرَافِيِ العَنَاصِرِ
هـا .. يَدِيِ نَارًا تُصَفِّقُ حينَ يَصّفَعُهَا الهَوَاءْ
هـا .. أَرّجُلِيِ مَاءً يُثَقِّلُ خَطْوَهُ
رَشّفَ التُرَابْ
– لَنّ أَحْتَمِلْ ذَاكَ التَنَاسُلُ في دِمَاغِ الأَسْئِلَة –
...........................................................

- مَنْ ذا الذي يُرِيِدُ هِجْرَانَ القَطِيِعْ
- أَنَا يا عَصَايَ الجَالِسَةَ بمَعِيَّةِ الغَنَّامِ .. " صَخْرْ "








نرفـانـا ..












اذّكُرُوا أَيُّهَا الإخْوَانْ
أَنَّ التَقَلُّبَ والتَبَدُّلَ والزَوَالْ
كَامِنٌ في الأَشّيَاءِ المُرَكَّبَة
فَاعْمَلُوُا على خَلَاصِ أَنّفُسِكُمْ
بجِدٍ واهْتِمَامْ

بـوذَا
















" طُـوُبَىَ للرَجُل الذي لَمْ يَسْلُكَ في مَشُوُرَةَ الأَشْرَار ، وفي طَرِيِق الخُطَاة لَمْ يَقِف ، وفي مَجْلِس المُسْتَهْزِئِين لَمْ يَجْلِس "

الكتاب المُقدس
" المَزّمُوُر الأَوّلْ "







• جَبْر النِرفـانـا

سار في صدر الطريق المنطبق
فوق أتربة الصراخ وبعض عربات البقر
غير عابئ بالإطارات التي تكبح جماح مرامها
في تذوق عظمه
بنطاله المنقوش زيتًا داكنًا
كان يقترف النزول بلا خجل
كتفه مثل أقطابٍ خصوم
وخنصر اليسرى بكفه ينحني يأكل بقايا فضته

كانت نوافذ نعله
تستنكر الإغلاق في وجه أطفال الحصى
– سار مهتديًا بخطو اللا هدى –
منزله يقبع بعد إظلام الشوارع
خلف ناصية العيون
– لا حافلات إلى هناك –
يصل أسرع هكذا
في كنف حلقات الهوام
– رفع وجهه –

كانت الشمس تُلَوِّحُ بالقيامة .. والعرق
ينساب منه إلى مسامع النهر العتيق .. مُخْلِفـًا
مِلّحُ الموات على فيافي ملامحَهْ
يُعَمِّدُ نصف الحواس

وصَلـَتْ أظافره العتيقة إلى خلايا دماغهِ .. مُجرِّبَة
.. نسف حانات الذباب
أجفانه تهجو العناق بغير سترٍ في العراء
– فلا أهداب هناك –

قوَّىَ الوشائج بينه
وبين صندوقٍ من صناديق الطريق
صامتًا حيّاهُ واقترضَ من أحشائه
بعض أكياس الصباح
... مستمرًا في المسير ...
مَرَّ على مقهى " الغريب " فنالهُ
حظـٌ من الرؤية لإحدى مسرحياتِ العبث

لَمْ يُعجبُهْ دور الذي لَمْ يُعّطِهِ نَفَسًا من التبغِ
المُقطرن في سخاء

يُبْهِرّهُ دومًا دَوّرَهُ
هذا الذي يُعطيهِ " شلناتٍ " من الدُرّجِ الشحيحِ / ويَجْعَلَهْ
يَستدرجُ التِفّلُ المُعَتّقِ من جِدَارَاتِ " الكَنَكْ " .. لقبْوِ مِعْدَتِهِ
المُنَزّهِ عن رطوبةِ الامتلاءْ

لَمْ يَكْتَرِثْ للغارسين كفوفَهُمْ في جنبِهِ
ومُطلقين خوارَهُمْ حتى يَرُوُا
كيف ركُوُبَهُ للهوا
,,,

مَارَسَ السير المُحَنَّكَ في تعارج النهار المُبْطِنَة
ومُخَيّمَات الدمع في عينيّهِ تأبى أن تَفِر
رغمَ أحجار العيال
– أعوادُ شارِبَهُ المُعَقّد تستسيغُ الانفصال من الجذور حين ينكأها الزفير –
– أُذُنَاهُ ترتقطان " شخللة " أجراس الخيول العابرة جسر التسيط واهتراءات السنابك –
بَغْتَةً .. وَثَبَتْ عليهِ تُقَبِّلُهْ
بصفارِهَا وتُرابِهَا المَحْمُوُلِ من فَمِّ الرصيف
أمْسَكَ بها قَبْلَ ارتكابِهَا للـ " التَهَيُّمِ والتَضَايُعِ "
تحتَ أقدامِ البقر

قَرَأَ صفحتَهَا المُمَوّهةُ بفعلِ آثارِ " الفلافِلْ "
لا شيءَ يُذّكَرُ غير ميقاتِ الغروبْ
وبعضِ أخبار الشَمَالْ

أدارَ وجهَهَا فَارّتَعَشْ
وتَخَبّطَتْ أسنانَهُ الجرداءَ حتى " تَلَخّلَخَتْ "
– مِنْ دونِ قصدٍ أوّ تَعَمُّدِ للإساءَةِ والجنونْ –
سَقَطَتْ رِيَالَةٌ حمراءُ مِنْ فَمِهِ على
صورةِ " السيد بسْطانْ "
وعقلُهُ المَعْقُوُفُ نحو بيّتِ الذاكرةِ
يُزِيدُ مِنْ حِصَصِ الغباءِ لبعضِ أقفالِ الغُرَفْ
وبحُجْرةِ الفئرانِ كافأ البابَ المُناضِلِ
بالكثيرِ مِنَ الصدأ

نَبَحَتْ دِمَاهُ الناشفة على " نيكوتين " المسير
وسجائِرُ الفَرّطِ الثلاثَةَ تستحي أنّ تَنْسَلِتْ
مِنْ جيّبِهِ المَرّقُوعِ
في حضرةِ " السيد بسطان " ...
أَفَاقَ مِنّ سَكْرَةِ الكَهّلِ المُلَوِّحِ للفراغِ المُرّتَقَشْ
.. مُطْلِقًا خَبَلَ الجريدةَ في الهواءْ
وعَادَ ثانِيَةً يُمَارِسُ سَيّرِهُ المَحْبُوكُ
في تعاريج النهار الراكِدة

لَمْ يُلّقِ بالاً للنساءِ اللائي " مَصْمَصّنَ الشفاه " في مشقبيات النوافِذ
واسْتَمّرَأ الرقص بين " كرنفالاتِ " الضوالْ

هجْمَةَ العِطْرُ المُشَعْشَعِ مِنْ ثيابِ العابرة
خَدَشَتْ حياءَ الأنف فيه
فجاوزَ قَرَفَ المكان مُرَدّدًا .. بعض السُبابْ

عادَتْ الشمس قليلاً عن قيامِتِهَا بضغطٍ
مِنْ قوانينِ التقدُّمِ للوراءِ المُنْبَسِطْ
فتواتَرَتْ خطواتُهُ وَوَقْعِ أقدامِ الخوارجِ واللحَىَ
مِنْ حوانيت المَجَالِ
– أحنقتهُ عُنصريةُ ذلك الأعمى المُفَوّهُ بالدعُاءِ لأيِّ مارٍ يَعْبُرَهْ
فحينَ سارَ إلى جوارِهِ لَمْ يُهَرّطِقَ بالدُعاءِ أو السؤالْ –

.. مُستمرًا بالمسيرِ كانَ يَحْتَرِفُ اشتباكَهُ والخُطَىَ
بقلّبِ مُعْتَرَكِ الشوارعِ ..
غيرُ مُلّتَفِتٍ لـ " زَنِّ " ضحكاتِ البقر
............................................................

ابتَسَمَ لَمَّا تَقَصّعَتْ كُلُّ الظِلالِ
نحو أبْكارِ المَشَارِقِ في اتّئَادٍ يَعْرِفُهْ
واهّتَزَتْ الساقانِ في نَشّوَىَ مُلَاَقَاةِ التَعَبْ

كانَ يَقْتَرِبُ كثيرًا مِنْ فَنَاءِ مَسَافَتِهْ
لِحْيَتُهُ تُربتُ فوقَ صدرهِ هاشّةً
مَصّقُوُلَةً بحصيلةِ الطينِ الجديدْ
وقَمِيِصَهُ المَصْدُوُرُ يَهْمِيِ ثُمَّ يَنْشَفُ حينَ يَمّسَحَهُ
الهواءُ المُرّتَبِكْ
تَتَحَمَّمُ الأشياءُ حوّلَهُ
في نَزِيِفِ الشَفَقِ بين بنايَتَيّن
وتَمَغّرُبِ الطَقْسِ المُيَمَّمِ شَطّرَ كَفِّ الأَرّضِ لا يُعَوِّقُهُ سوى ..
زَحّفَ أَبْخِرَةِ النِزُوُحْ

تركَ ظهرهُ بُرّهةً
يُلّقِيِ بأسرارِ التآكُلِ والتَصَدُّفِ كامِلة
لسِربِ نَمْلٍ يَستَحِثُهُ في مَوَاضِيِعِ الزيارةِ والبَقَاءِ إلى الشتاءْ...

رَجَّ نَفْسَهُ رَجَّتَيّن مُوَاصِلاً
سَيّرَ المُرَعْرَعَ في تضاريسِ المَغيبْ
رِئَتَاهُ تَنّهَشُ باشْتِهَاءٍ مُضّطَرِبْ صُرَرُ الغُبَارِ العَالِقَة
عَقِبَ انقِشَاعَاتِ الشَهِيِقْ
وتَشَعُّبَاتِ الرَبّوِ في تَأنْسُنِهِ المُصَابِ تَحَرّشَتْ
بالبَاقِيَاتِ الصَالِحَاتِ مِنْ أَحَاسِيِسِ النُفُوُر
أتَتّهُ نَهْنَهَةَ الحَرِيِمِ الحَالِكَاتْ .. العَابِرَاتْ ..
خَلّفَ بَهْرَجَةِ السُرَادِق
فانّزَعَجْ ..
وتَخَلّصَتْ فَتَحَاتُ أَنْفَهُ مِنْ وَقُوُدِ جِيُوُبِهَا
ثُمَّ اسّتَبَاحَ مَسِيِرَتَهْ ...

وعَوَامِلُ التَعْرِيَةُ تُنْبِيِ فَرّوَةَ رَأسَهُ بِتَصَحُّرِ المَحْصُوُلِ
مُنْذُ أَزّمِنَةِ الهَيَامْ
– لا دِرّعَ في وَجْهِ النَدَىَ –
.......................................................................

شَعَرَ بالبَرّدِ المُنَاوِرِ يحتوي قلقَ المَفَاصِلِ
عندما ..
قَصَفَ الظَلَامُ برُوُحِهِ ثُلُثَ سَكَنَاتِ الحياة
فالليلُ أَطْلَقَ في الفَرَاغِ بَهَائِمًا دَهْمَاءَ لا يُلَوِّثُهَا سوى
نَزَقُ فُسْفُوُرِ الطَرِيِقِ وبَعْضُ هَرَجِ اللافِتَاتْ
وكَرَامَةُ العِمْدَانِ تُدَّهَسُ تحتَ آفَةِ الانقِطَاعْ

تَغَوَّرَتْ عيّناهُ في صَوّتِ أَسْيَاخِ الشِوَاءْ فَفَرّفَرَتْ
أحْشَاءَهُ .. غيّرُ عابِئَةً بزَجْرَةِ ذا المَهَشَّةِ والشُحُوُمْ ..
دَفَعَ نَفْسَهُ دَفْعَتَيّنِ مُوَاصِلاً
سَيّرَ المُخَلّقُ مِنْ عناصرِ الاسودادْ ...

بَصْقَةُ الشَيّخِ المُرَوّنَقِ بالبَيَاضِ
وصَوّتُ " تكتكة " الخَرَزْ
ودَوَائِرٌ سوداءَ في أعلىَ الجبينْ تَوَسّدَتْهُ .. وأَتْعَبَتْهُ
فاسّتَدَارَ مُبَارِكًا إيَّاهُ
بِبَعْضِ أَتْرِبَةِ الوَرَعْ
ثُمَّ سَارَعَ بامْتِثَالَهُ للطَرِيِقِ المَنْطِقِيّ
إلى التَخَلُّصِ مِنْ عُبُوُرِ مَسَافَتِهْ

مَشّيَتَهُ تَنْتَظِمُ اضطِرَارًا
واعْتِدَادًا بطفّحِ أَشّدَاقِ البُيُوُتِ ...
– قفزتان –
واجْتَازَ قُضْبَانًا تَلَعْثَمَتْ أَطْرَافُهَا
وَيَئِنُّ حَدِيِدُهَا المَفْغُوُرُ مِنْ حُمَىَ الوَطءِ الحَدِيِثْ
– تِسْعُ عَثَرَاتٍ سِمَانٍ –
ثُمَّ تَرَكَ وَرَاءَهُ " شِلَلُ " قُضْبَانٍ شَهِيِدَةَ
تَفَاوَتَتْ آرَاؤهَا في مُمَاطَلَةِ التَحَلُلِ والصُمُوُتْ
.................................................................

تَحَرّشَفَتْ أُذُنَاهُ حينَ اصّطَكْتَا
بتَأَوُّهَاتٍ لامْرَأة ..
الصَوّتُ يَصْعَدُ خَلّفَ عَرَبَاتٍ عِجَاف
تَدَشْدَشَتْ جُدْرَانُهَا بثقُوُبِ زَمَنِ الانْتِكَاسِ المُكْتَمِل
بمَقْرِبَة قَذْفٍ جَدِيِد
.. سَرَّهُ الإدْرَاكُ لمَّا رآهُمَا ..
طالِعَيّن وراضِيَيّن عن السماءِ الثابتة
في انفراجٍ للسَرَائِرِ والسيقان ...

ضَحِكَ بأنْفِهِ ضحكتيّن مُتَمِّمًا
سَيّرُ المُسَجْلِ في قوائِمِ الانتظار
– هَا أخيرًا قد وصل –
وابْتَدَأ تَرّحِيِبُ القوارِضَ والزَوَاحِفَ
باحتفالاتِ التَفَرُّقِ والتَجَحُّرِ في مواخيرِ المكانِ المُستَمَدَةِ
مِنْ ضواحِيِ السَاحِرَاتْ
– منزِلُهُ يَقَعُ بعد إظلامِ الشوارِعِ
خَلّفَ ناصِيَةِ العُيُوُن
لا حافِلاتَ إلى هُنَا –

ارتَمَىَ بين أَكْوَامِ الصفيحِ الناعِسَة
وضَعَ يَدَهُ تَحتَ رأسِهِ ........ ثُمَّ نَااااااااام ...


• العائدون من الحياة

الغرفة الجالسة
خلف أحزان الستائر
علب الدواء الفارغة
" مكياجهـا " المنهمكُ في مفاوضة الشحوب
أشياؤها المتبعثرة
ينبئون بأنني قد تأخرت كثيرًا
يخبرون بأنني طيف سفاح كبير

صافحتها ..
أدمت يدي قطع الأحاسيس التي تكسرت
منذ الغياب
وجاءت الآن تحاول
أن تمزق راحتي
ضممتها ..
أحسست أنني لا أعانق
غير أنسجة الرداء

مسحت مسام أصابعي تعب الضفيرة
فانمحى .. لون الشريط المنعقد
مرآتها ألقت الشرخ القديم
على ملامح حسرتي فتضاعفت .. وتداخلت
كل السطور بجبهتي

همس المصابيح الشحيحة
يغتاب في نصف الفراغ
وجُرّحُ الحائط الشرقي منذ أمدٍ
قد تماثل للشفاء

كانت سجائرها تُقَبَّلَ بعضها
قبْلَ الذهاب عن الشفاه
إلى احتفال المنفضة

ويناقش الصمت الكآبة في تفاصيل المكان
سماعة الهاتف تُجالس كل أطفال الغبار
والغيّمُ ينزف في غزارة
بصدر لوحتها الوحيدة

فوق مشجبها الفقير تَهَدَّلَتْ
رأسُ قبعة الخروج

وقميصها الشفاف لازال مُتّشِحًا
بطعمِ رائحة الوداع

أنثى الكناريا العائدة نحو القفص
تستشعر القلق المُطل وتفتعل
رقصة الآتي المخيف

تتضافر اللغة الشريدة في فمي
" يا بقايا الكون لا "
نَطَقْتُهَا لمَّا انتحت
زُرّقَةُ العينين رُكْنًا خاويًا
إلّا مِنَ الصفحِ المُعتّقِ

واستدارت للوراء .. مُخَلّفة
سُحُبُ البياض


• الترنُّح بين شِقّيِّ الصعود

مدينة تحاصرها المدينة
والأرضُ يرأبها خواء أو خلاء أو نيام
وحرير الروح يبارح أنسجة الجسد
المُتَشَرّنق
يلتفُ على عنق فراشاتٍ تصعد
تهرب .. تصعد .. تهوي
تسعى أن تُكمل ثوب الكون بحِمْلِ حرير

والزمن يُصَعْرُ خد دقائقه الملساء
لوجهي
وأنا لا أحوي غير مواقيت الخفق الأخرس
أو بعض فراشاتٍ تصعد
تخمش عصب الساعات الواقفة
بأنف تلال الرغبة في الطيران
" الجو يعلمنا أن الطير الخائب يسقط "

أسقط .. أرتفع وأسقط
أسقط .. أرتفع لأسقط ثانية
لا داعي لتجربةٍ أخرى

أنزل في هذا المقبي على نفسه
يتلوى فوق وسادات مخبولة
تتوشح بصفار دموي وتَهّمِي
خيوطـًا .. أشواكًا تتنسلُ وخزًا أزليًا
يلسعُ .. يخرقُ .. حيوان الرئة النافث في وجهي
هواءً مُحترقـًا بشعُ الأدخنة
ويمتزج برائحة العظم

وأنا لا أحوي غير مواقيت الخفق الأخرس
أو بعض فراشاتٍ تصعد .. تصعد
تسقطـُ في عرق القسمات
تبتل فتغرق .. تتجفف
في منشفة الضوء القادم من أعمدة الليل
ترتجف ولا تعلو .. تصمت .. تفزع
تدخل في الغَوُّرِ المنحوت بفكي ولا تعلو ..

مُجهَدةٌ تتفصد خوفـًا يُغشي الأجنِحَة
المُرّتَقَشَةُ برموز الهَيَمَان المُستعصية
على الفهم و ...

– ما هذا العبث القافز من حدقاتِ الألَمِ المُرّهِق في التفسير –

أفتش ماهية الوقت المضغوط
لأقرع أجراس الإيذان ببدءِ مُسابقةِ الوثب
الليلي الحالِكْ .. والوقتُ يُطرزُ حيطانَهُ
باللون العدميِّ الرائِق وأنا أبحثُ
أبحثُ .. أأمَلُ في مُفتاحٍ صدئٍ
في أجراسٍ صدئة لم تقرع منذ ولادة
حقب التعب البري الجامح

لم أجد كنائس داخل جوف الوقت .. لأقرع

أصرخُ .. أصرُخُ يمتدُ صراخي من ينبوع الحَلّقِ
إلى أنيابي المستوية
والزمنُ المضغوط يُنفسُ عن غضبِ
الساعات المحبوسة .. يدفعها رمْيًا
كي تسبحَ في نهر الذرات السوداء

وأنا لا أحوي غير مواقيت الخفق الأخرس
أو بعض فراشاتٍ تصعد
والجو يعلمنا أن الطير الخائب يسقط
– الطير الخائب كان فراشاتٍ زرقاءٍ تصعد –

أعدو .. في نفسي أعدو .. أركض
أصل إلى مضمار الرمل الكاسح في التعبير
عن الهجران .. الأخربة
براري الموت الرابض تحت قباب الرمل
– الرمل خراب الرمل –

أُطَارِدُ أَيّلاً وهْمِيًا ممسوحًا
بفراء الأحراش الوهميّة ..
يحملُ في ظهره تُرّقُوَةِ الألَمْ الدُرّيِّ اللامِعْ
أنْكَأهُ بحربةِ أنْفي المَسّنون
المَقْعِيِّ على قطط الأرواح السبعة
يتمزق .. يتشكل
أحصنة حمراء تنهب مضمار الرمل
وأنا أعدو .. تنهب
أعدو .. تلحق باب الرأسِ المشجوج إلى الخلف
فأعدو .. تدخل تتكاثر تتفرق قطعانًا تبحث عن عشبٍ
أزرق

تعوي وأنا أعوي .. أعوي .. أعوي
تنفد من وجهي ملطخةً بالوحل وتعوي
فأعوي
– ما هذا العبث القافز من حدقات الألم المُرّهِقِ في التفسير –

أُصَارِعُ .. أَنْصَرِعُ
فأحبو وتجتمعُ الضوّضاء .. العربات
الأقدام .. الساعات
.. الناس المضفورة بالشارِعِ
تلتئمُ على أُذُنِي الشاسِعَةِ المُرّخاةِ
وتضربُ ضربةَ كونٍ واحد
والزمن الممسوس بلمسةِ أرضٍ صَعّرَ
خد دقائقه الملساء لوجهي
.. أَسّرِعْ أَسّرِعْ
لم يُسّرِعْ لا يُسّرِعْ .. لن يُسّرِعْ

ألّتَفِتُ إلى أوّزَارِ الليل المُتَحَنِطـَة بِمِلّحِ غُبَارِ
الحُجْرَةِ فوق الأرفـُفِ
.. أقرفُ .. لم أَقرفِ

أتدارك خطئي وأَفِّحُ بعمق الدقات المُتَقَيِّأَةِ
لتنزف .. تنزف .. تنزف
حتى أقرف .. لا أقرف

أرتدُّ إلى جُثَثِ فراشاتٍ ماتت – كانت تصعد –
وأُقيمُ الطقس الوجَعِيّ الصاخب
لمماتِ فراشاتِ الموت المُرّتَزِق .. النَفّعِيّ
وأجرع أرحقة الخفقان الكامن في أنسِجَةِ جَنَاحَات
لم تصعد ..
كيّ أُخْرِجَ عَمَلاً مُسّوَدًا
من لفحِ متاريسِ الجو المحبوكة حول الأعلى ..
والجو يُعلمنا أن الطيّر الخائِب يَسْقُطـ

وأنا تُقنِعُنِيِ تُرّقُوَةُ الألم الدُرِيّ اللامِعْ
في هيّكَلِ رأسِيِ
وأُهَيّئُ أنْفي لِتَخْلِقَ أَفّيَالاً تتجنح .. تصعد
لا تسقُط .. لا تَفشل

فأنا لا أحوي غير مواقيت الخفق الأخرس
ورُفاتِ فراشاتٍ ماتت
– كانت تصعد –

• رسالة .. من هذا الآخر

خافت ..
وبريقٌ خافِت يتسلل للعينِ مساءً ..
يُراوِدُ عيني ويُحاول
استدراج الجَفنِ لأسفل
خافت ..
والخفق يَلُوُحُ في وهنٍ أزرق
للواقفِ ينتظر قدومي خلف شواهد
صمت البلدة
اقتربت ..
ربتت زفرتها المشتعلة
على هذا المُتَمَلّمِلُ بهدوءٍ
صدري
قالت : لا ترحل
ولمحتُ الدمعَ يُكَوّن في عينيّهَا الكوثر
انتحبت
وانهمر العَذَبُ يُغَسّل أشتاتَ السُّمرَةَ
فوق الناصع رغمًا
وجهي
قالت : لن ترحل
حاولتُ أن أَجِدَ ذراعي
لأُزحزِحَ هذا الظل الآخذ في الدوران
لأُثَبِتَ تلك الروح القلقة قليلاً
لأُلامِس ليلاً مُنسدِلاً
يُشعرُني بعنقي
لكني لم أجد الكائن
جسدي
شَهَقَتْ لوعة ..
وانطَبَقَتْ شفتاها على فمي
فتردد القلب الساكِنُ بقرار الصمت
نطَقَتْ عيناي سأنتَظـُرُكِ
في هذا الآخر
وانسَحَبَتْ عيناي
.. صَرَخَتْ لاااااااااااااااااااااااااا
أذّكَتْ آخر جذَوَات الروح المُنّطَفِئَة
فَتَمْتَمْتُ بشَفَتَيَّ
أحبـــــ ...

• قربان لها .. هناك

" يا أغلى من روحي ودمي "

عند مِخْدَعَكِ الأخير ترَاوَحَتْ
صلواتُنا
بين ترتيل الذهول
وبين تأويل الحياةِ إلى جنون

عند مِخْدَعَكِ الأخير تَمَنّطَقَتْ
أرواحنا بوشاحِ قلقٍ يحتوي
سر أسرار الخروج من صناديق البريد القاصرة
وكلُّ أسفار الخروج
وتَنَزَّلَتْ عبراتُنا
نارًا يَحُطـُ ضياؤهَا
برّدًا سَلامًا
فوق صدر الزاحفين مع الظهيرة
شَطْرَ مِخْدَعَكِ الأخير

وناقشتْ أحداقنا صبارُ جيرتِكِ الذي
مِنْ هيّبَةِ الموقِف قد تَغَطّىَ
بالبنفسج والنوارس والحمام
واستدْعَىَ مِنْ رئةِ الثرىَ
عنبًا وزيتونًا ونخلاً خالدًا
لا يُؤرِّقُهُ المَشِيِبْ

عند مِخْدَعَكِ الأخير تَهَنْدَمَتْ
بشرُ المواقيت التي خرجتْ لتوِّهَا
مِنْ حوانيتِ العصور الهامدة
كيّما تُشاهِدُ في اغترابٍ وانبهارٍ لا يَمُرُّ
جرأة الساعاتِ تُرّسِلُكِ هُناك
بعد مأدُبَةِ الخلاص
وبعد رفرفةِ الصعود .. تُرّسِلُكِ هُناك
ثُمَّ تفتحُ سَطْرِهَا
لِتُجْرِيَّ التواريخ بالشكلِ الجديد

عند مِخْدَعَكِ الأَخير المَشّرِقِيِّ
كان الغمامُ الساحلِيُّ المُهْتَدِيِ
يشمل مسافتنا بقبسٍ مِنْ ضياءِ نصاعَتِه
والشمسُ تركعُ خلّفَ سَتْرِ مدارِهَا
وتُسَوِّفَ العَقْدَ المُوَقّعِ للنهار بِصُبْحِهِ
فَلَمّ يُطالِبُهَا النهار
الشمسُ تركعُ أوّ تُؤدي بشَمْعِهَا
طَقْسًا لِأَجْلِكِ مِنْ تعاليم الكُسُوُف

عند مِخْدَعَكِ الأَخير كانت الأقدام
تَخْدَعُ ظِلّنَا الشَبَحِيُّ بالتَسَمُّرِ
وفَرّضِ قانُونِ الثَبَاتْ
حتى استَويّتِ على بِسَاطِ الجَوّفِ
يُبَارِكُكْ رمل العُرُوُشْ .. وتَجْتَبِيِكِ
بعضُ حاشِيَةِ النُفُوُسِ المُطْمَئِنَّةِ في الرّجُوُعْ
فَأَفْسَحَتْ أَقْدَامُنَا لِنِفُوُذِ عَصَبِ الانكِسَار
واخْتَفَتْ كُلُّ الظِلَالِ تَحْتَ صِوَرِ صِحَابِهَا

حين اسْتَوَيّتِ على بِسَاطِ الجَوُّفِ
تَوَدَدَتْ أَجْفَانُنَا للأَرّضِ كَيّمَا تُوُّقِظـُ بابَهَا
وقتَ اشْتِيَاقُكِ للزيارةِ في منامات الحَنينْ

عند مِخْدَعَكِ الأخير تَرَنْمَتْ
تلك المَدَائِنُ والقِبَابُ بِهَيّبَتِكْ
تلك المشاعِلُ والشّمُوُعُ بِعِزّتِكْ

" فليسَ كُلُّ مُسَافِرٍ شَطْرَ الهُناك كَمِثّلِكِ
أَنّتِ فَقَطْ .. ذاتَ البراءةَ والوَجَاهَةَ
بعد عذّرَاءِ المَحَبّةِ في يقينِ العارِفينَ "

يا حبيبَتَنَا سَلامًا حتى مَوّعِدُنَا الكبير
قلقُ القصائد
لن يَدُوُمَ إلى الأَبَدْ ...



#أحمد_عبد_العظيم_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كتاب أركيولوجيا المواقيت
- يا أيتها العارفة...
- نصوص قانية
- مؤتمر الدهماء
- قصتان
- ثلاثية الإيروتيك المُظلل
- قصائد عبر نوعية
- طبيعة صامتة
- قصص متوسطة
- النفق السائر
- قصص قديمة
- استزاف القلم الأحمر حتى يجف
- الغواية
- عقدة الذنب
- الفجيعة الخالدة
- معتقل الأرواح
- بانج بانج كراااك طك
- بازل لزهرة الخشخاش - رواية - 30/30
- بازل لزهرة الخشخاش - رواية - 30/29
- بازل لزهرة الخشخاش - رواية - 30/28


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد العظيم طه - نرفانا الليل الأزرق