أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )














المزيد.....

يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 23:22
المحور: الادب والفن
    


قال لي صديقي ( ج ) ، و هو يحاول رسم يومياته الريقيّة ، بكل ما فيها من كليّات و جزئيّات و ألوان :
- لم يكن القبول بذلك التعيين في تلك المدرسة الريفيّة هيّنا عليّ و على أمّي . فقد رفضت هذه الأخيرة ذهابي إلى الريف ، و أنا لا عهد لي بالعيش فيه . و ترجّت أبي أن يسعى لي عند أهل العقد و الحل في الأكاديميّة ( مديرية التربيّة لاحقا ) ، و يستغل كلّ معارفه ، كي يعيّنوني في إحدى المدارس الابتدائية بمدينتي ( س ) .
لكنّ أبي لم يحرّك ساكنا ، بل شجّعني على الالتحاق بتلك المدرسة ، قائلا لي :
- لا تستسلم لعواطف أمّك ، هناك يا ولدي ، في الريف ، ستجد أناسا طيبين ، و على الفطرة البيضاء ، و أهل كرم و جود . سيحبونك مثل أبنائهم ، و ستحبهم أكثر . و لا تنس أنك رسول علم ، ذاهب لمصارعة ظلام الجهل . ستصبح نبيّهم الذي انتشلهم من الظلام إلى النور ، و سيجازيك الله أجرا مضاعف ، لأنّك ستتحمّل مشقّة السفر و البرد و الصقيع ..
و أردف صديقي ( ج ) قائلا : عندها هدأ روعي . كانت كلمات أبي و نصائحه بردا و سلاما على قلبي . و شعرت بها كشعور الأرض العطشى عند سقوط الغيث . توكلت على الله ، و رجوت من أمي الدعاء ، بعدما أقنعتها بأنّ ما سأقوم به من عمل ليس مجرّد وظيفة أبغي من ورائها كسب أجر من المال ، بلّ هو رسالة إنسانيّة و حضاريّة و دينيّة . و أنّ أهل الريف أولى بالتعليم من أهل المدن ، لأنّ الأميّة ضاربة بأطنابها بينهم حتى النخاع ، بعدما حرمهم المحتل الفرنسي من العلم ، و فرض عليهم حياة العبوديّة عشرات السنين ، كي يسود ..
و لم تكن رحلتي الأولى إلى تلك المدرسة الريفيّة النائيّة سهلة . كأنّني انتقلت – فجأة – من قارة إلى أخرى ، و عبرت بدراجتي الهوائيّة الطريق الترابيّة الممتدّ في بطن الفج ، و الصاعد بين جبلين مكسوين بأدغال من أشجار الصنوبر و العرعار و السرو و الكاليتوس و الصفصاف . و لا أكتمك سرا – قال صديقي ( ج ) – إذا بحت لك بتلك التي انتابتني و أنا أعبر الفجّ . فقد شعرت بالخوف أول مرّة ، و كاد يتحوّل إلى فزع و رهبة . و سرح بي الخيال إلى عوالم من الرعب . كنت ، و أنا ، ادفع دراجتي الهوائية بكل قواي الجسديّة و النفسيّة ، أتخيّل جسدي لقمة سائغة بين أنياب ذئب جائع ، أو فريسة لخنزير بريّ هائج . كنت اترقّب ظهور جنّ ، او كائن خرافيّ ، كالغولة مثلا ، ليلتهمني ، على حين غرّة . كان جبيني ينضح عرقا باردا حين أكتشف أنّني وحيد في درب أجهل معالمه و نهايته ..
عندما أشرفت على الدوار أول مرّة ، كانت الساعة التاسعة من نهار يوم خريفيّ ، و كانت شمسه تظهر تارة ، و تتوارى خلف سحائب دكناء اللون تنبئ بقدوم غيث خريفيّ ، يهزّ الأرض ، و يخرج بذورها من سبات صيف قائظ . صادفت كهلا على عتبة الشيخوخة ، و هو يغادر الدوار . كان ممتطيا أتانا رماديّة اللون ، تبدو عليها آيات الهرم و تعب السنين . و يحثّها على السير بإلكاد و جهد . استوقفته ، و حييته ، و سألته عن مكان الدوار ، فقال لي مبتسما ، و هو يشير بعصاه إلى بيوت الدوار المتناثرة على التلال و سفوح الجبال :
- هذا هو دوارنا ، يا بنيّ .
ثم أردف قائلا :
- يبدو أنّك غريب عن الدوار ، يا بنيّ .
- أي ، نعم ، يا عم . أنا من مدينة ( س ) .
- إذن ، عمّن تبحث ؟
- أبحث عن المدرسة ، عيّنوني معلّما جديدا بالدوار .
- مرحبا بك يا بنيّ .
ثم أضاف :
- لو لم أكن مشغولا لأوصلتك إلى باب المدرسة ( و نطق الدال مفتوحة ) . لكن ، لا عليك ، ستجد من يقودك إليها . اتبع هذه الطريق ، ثم در يمينا ، ستقابلك المدرسة ( و نطق الدال مفتوحة ) ، ثم همّ بالانصراف ، و ودّعني و ودّعته و شكرته بعدما أشعرني بالأمان و الألفة .
و بدت لي بيوت الدوار ملتصقة بالأرض ، كأنّها جزء ناتئ منها ، أو كأنّها كائنات زاحفة على بطونها ادركها السبات فجأة ، فركنت حيث هي ، لا تكاد تبصرها العين المجرّدة . فهي مجرّد أكواخ من الطوب الطينيّ ، مسقّفة بأعمدة من خشب الكاليتوس . تتكوّن من أعمدة صلبة ، يسميها أهل الريف ( الركيزة ) ، و من عمود خشبيّ يمتدّ بشكل مستطيل من طرف إلى طرف يسمّى ( الساتور ) ، و عليه توضع و على الحائط الترابي مجموعة من الأخشاب المتوسطة الحجم تسمّى ( الحنايا ) ، ثم تصفّف فوقها أعواد القصب ، و اخيرا توضع فوق القصب رزما من فسائل ( الديس) ، و تغطّى بنوع من الطين المخلوط بالتبن ..
و أردف صديقي ( ج ) قائلا :
و سرت في الطريق ، كما أرشدني ذلك الكهل – جزاه الله خيرا – أقدّم رجلا و أؤخّر أخرى ، حتى ظهر لي من مسافة غير بعيدة ، بناء أبيض الجدران ، مسقوف بقرميد أحمر ، فحدست أنّها مدرسة الدوار ... ( يتبع )



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال


المزيد.....




- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )