أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيهم نور الصباح حسن - الانقلاب الألماني من وجهة نظر مواطن سوري















المزيد.....

الانقلاب الألماني من وجهة نظر مواطن سوري


أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)


الحوار المتمدن-العدد: 7462 - 2022 / 12 / 14 - 23:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعمل التاريخ بذكاء و أحياناً بخبث , و من بعض أوجه خباثته , أنه يترك بعض الحوادث العظيمة الدلالة تمر مرور الكرام و أحياناً دون أن يسمع بها أحد , ثم يلطمنا بها , ليعيدها إلينا ككرة ثلج .. كإعصار يُغيِّرُ وجه العالم .
حمل المسيح صليبه على أعين ولاة روما و مشى .. فتنصَّر قسطنطين و تنصَّرت روما .
وضع أرخميدس قدميه في حوض الاستحمام .. فخرج عارياً يصيح وجدتها و كان يقصد : قانون دافعة أرخميدس .
ظهر نبيٌ في عرب مكة .. فكانت لهم إمبراطورية دان لها من في الغرب و من في الشرق .
سقطت تفاحة عند قدم نيوتن .. فكانت قوانين الحركة الثلاث .
سكن القس جوزيف بريستلي بجانب معمل للبيرة .. فاكتشف ثاني أوكسيد الكربون و غاز آخر وجده منعشاً للتنفس فسماه الأوكسجين , و هي كلمة لاتينية تعني عامل تكوين الأحماض , فقد كان يعتقد حينها أن كل الأحماض تحتوي على الأوكسجين .
أورث حافظ الأسد حُكم سورية إلى زرافة تظن نفسها أسد .. فضاع الشعب و ضاع البلد .
جرحت قطعة زجاج إصبع ألفريد نوبل أثناء عمله في معمله الكيميائي .. فاكتشف كيفية الاستخدام الآمن للديناميت و الجلجنيت و النيتروجليسيرين .
لم يتعلم العالم شيئاً من وصية نوبل و فكره الإنساني العالمي نحو بشرية أكثر تسامحاً و رقياً و تقدماً , فالعالم اليوم يريد فقط شهرة الجائزة و أموالها .
طرد كل من آرنو بينزيس و روبرت ويلسون زوجاً من الحمام كان يعشعش في الهوائي المُعد لاستقبال أمواج الراديو القادمة من الفضاء .. فأثبتا نظرية الانفجار العظيم لميلاد الكون .
اجتمع ذبابٌ على بول كلب استؤصل بنكرياسه لدراسته .. فتم اكتشاف الأنسولين .
سقطت دمعة من عين ألكسندر فيلمنج على شريحة اختبار .. فاكتشف البنسلين .
تزوج كولومبوس من ابنة المستكشف الشهير القبطان هنري الملَّاح , و أخطأ في تقدير حجم الأرض معتمداً على قياسات بطليموس .. فاكتشف القارة الأمريكية , بالرغم من أنه مات و هو يعتقد أنه قد اكتشف أجزاء من الهند الشرقية فقط .
حَكمَ رجل من عصابات السلب و النهب و اللوطيين المنحرفين ببغداد العراق , و أصبح أسد السُنة .. فدمَّر العراق و دمر شعبه .
فشل هتلر , الذي أراد أن يكون رساماً , في امتحان الدخول إلى كلية الفنون الجميلة بفيينا مرتين .. فأشعل الحرب العالمية الثانية و احتل إحدى عشر دولة و أشاع الخراب في معظم الكرة الأرضية .
منذ بضعة أيام , حاول بضعة قياديين في حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف القيام بانقلاب سياسي في ألمانيا و الاستيلاء على السلطة .. إلا أني لا أستطيع التنبؤ اليوم بنتائج عودة هذا الفعل فيما بعد , لكني شبه واثق من عودته بطريقة غرائبية سوف تدهشنا .
نرى اليوم , نحن مواطني العالم الثالث المنكوب أفقياً و عمودياً , خبراً كهذا باعثاً على السخرية و الاستهزاء بقدر ما يبعث على الدهشة و الاستغراب , فما الذي يريد أصحاب هذا الانقلاب أن ينقلبوا عليه , و ما هو الأمر الذي لا يعجبهم في ألمانيا ؟
ألمانيا التي نعتبرها نحن السوريون على الأخص اليوم محط رحال اللاجئين و غاية المهاجرين و مقصد المضطهدين و المشردين .
و نتساءل : لماذا يقوم مواطنون ألمانيون يعيشون في بلد يحلم ثلث سكان العالم - على الأقل - بالعيش فيه و نيل جنسيته , أو لنقل بالعيش في ظروف مماثلة للظروف التي يوفرها لمعيشة مواطنيه , كي لا نستثير الحميَّة الوطنية لدى بعض الموتورين قومياً , بانقلاب على حكومتهم ؟ بالرغم من توافر كل الوسائل الديمقراطية المتاحة للتعبير عن الرأي و المشاركة السياسية ؟
و لأن ما نحلم به نحن , متوفر عندهم و كأنه من أساسيات الحياة , فإننا لا نستطيع أن نجد تبريراً مقنعاً لهذا التصرف الانقلابي .
باختصار : يطمح هؤلاء الانقلابيون للعودة إلى ألمانيا الإمبراطورية قبل الحرب العالمية الأولى و عظمتها و إنهاء حالة العبودية الألمانية للقرار الأميركي و الأوروبي .
يعيش الشعب المعتد بنفسه و المهزوم في الحروب حالة من الانكسار الذاتي الوجداني قد تؤدي إلى تخلخل في الهوية , فإن أنت أمعنت في إذلاله , فإنه ثائر لا محالة و لو بعد حين .
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى و توقيع هدنة مودروس و من بعدها معاهدة سيفر , استمرت قوات الحلفاء باحتلال المزيد من الأراضي العثمانية , لم يستطع العسكريون و لا الشعب التركي تقبل هذا الإذلال المجحف , فكان أن أنهى مصطفى كمال أتاتورك السلطنة العثمانية و خاض حرب الاستقلال التركية إلى أن وصل إلى معاهدة لوزان التي لا تزال قائمة حتى اليوم .
لا يموت الشعور بالوطن و لا الرغبة في استعادة أمجاده و لا يفنى , إنه يغور فقط إلى الأعماق السحيقة في النفس بفعل فاعل , فاعل يريد استبداله بشعور مزيف آخر و أوهام أُخر , فإما أن يُستنهَض و ينفجر مشكلاً كياناً سياسياً جديداً و إما أن يتحول إلى أماني و أحلام و حكايا ترويها الجدات للأحفاد .
يفهم الأكراد تماماً معنى أن تكون مضطهداً و مهمشاً , فقد أذاقتهم الحكومات العربية و الإيرانية و التركية الويلات , و من لطائف الأقدار أن يقود الأكراد اليوم حركات التحرر في الشرق الأوسط , ريثما قد تفهم شعوب المنطقة ما الذي يحدث , أو يفوتهم القطار فيفهمون بعد حين ماذا حدث .
أُجهِضَت جميع محاولات العرب بالوحدة و التجمع في كيان سياسي واحد , و من أدهى الأساليب التي استعملت لذلك , إيصال منافقي الأحزاب و الحركات التي تنادي بالوحدة العربية إلى الحكم , و تفريغ القضية الوحدوية من الداخل و المتاجرة بها و إسقاطها , فكان أن أصبحت الوحدة العربية مثاراً للسخرية و المهزلة بين العرب أنفسهم , و كره العرب كل من يصدع رأسهم بالعروبة و الوحدة العربية مجدداً , تماماً كما حدث في ذات السياق مع القضية الفلسطينية .
يفتقر العرب إجمالاً إلى الوعي السياسي , و ينحصر فهمهم لواقعهم السياسي بحسب الحدود و الرؤية التي تفرضها و ترسمها لهم السلطة التي يخضعون لها , فلا شيء يغذي الوعي السياسي و يعمل على نشره و ترسيخه كوجود حياة سياسية صحية في المجتمع , تضج بالأحزاب و الحركات السياسية المختلفة التي تعارض بعضها بعضاً , و يسعى كل منها إلى التغيير الذي يرجوه بالوسائل السلمية الفكرية و الثقافية التوعوية , و هذا تماماً ما تجتهد الأنظمة العربية في منعه و قمعه دائماً و أبداً , كي تبقى الغمامة على عيني الشعب فلا يعرف سوى الطريق الذي تسمح له هي برؤيته , و حدث أن كانت في سورية و مصر - على سبيل المثال لا الحصر - قبل ابتلائهما بالأنظمة الشمولية , حياة سياسية صاخبة مميزة و رائعة , تم إعدامها بمكر غربي شديد , على أيدي زعماء ضحكوا علينا بالنفاق حول الوطن و الوطنية و القومية و الشعارات الجوفاء التي أوصلتنا إلى مانحن فيه اليوم .
إن من أعظم الأمور التي يفعلها الإنسان لنفسه , أن يموت و هو مقتنع بصحة انتمائه و سلوكه و أفعاله , فيما تقضي الأنظمة العربية عمرها و عمر شعوبها و هي تحاول أن تجعلها تموت على خلاف ذلك .
يموت من أجل الديكتاتور الكثير , لكن قلة منهم تموت و هي مقتنعة بصوابية حكم الديكتاتور و منطقية سياساته , فالأمر لا يتم بشكل اعتباطي و مفاجئ بل يجري توريط الناس فيه بشكل هادئ و تدريجي و على مراحل زمنية طويلة , يصبح معها خروج الفرد من الورطة أمراً شبه مستحيل , و في مرحلة الثورة يلوم من استطاع الخروج على الديكتاتور من لا يستطيع الخروج و يعتبره عدواً و خائناً , و هنا لا يجد صديقنا الذي لم يستطع الخروج من ورطته بُداً من إكمال المسير في الورطة مكرهاً , فيموت من أجل الديكتاتور لكنه في قرارة نفسه ليس مع الديكتاتور .
نعم , إنها معضلة سياسية أخلاقية , فهل نستطيع أن نلوم من ضحى بكل شيء و خرج على الديكتاتور لأنه يلوم من لم يستطع الخروج ؟
و هل نستطيع أن نلوم من لم يستطع الخروج و آثر الأمان المؤقت لنفسه أو لأسرته ؟
كلما زاد استعصاء الديكتاتور في السلطة كلما زاد لوم و تخوين من هم تحت حكمه , و نتيجة عجز الخارجين عن الوصول للديكتاتور أو قيامهم بأي عمل حقيقي يسهم في إسقاطه , فإنهم يفرغون جام غضبهم على أولئك القابعين تحت سلطته بلا حول و لا قوة , و تراهم ينتظرون ساعة الصفر ليشفوا غليلهم بهم قتلاً و تنكيلاً , فرحيل الديكتاتور أو حتى قتله لم يعد يكفيهم .
لقد دفعني ما شاهدته و قرأته و سمعته من بعض النخب السورية من شماتة و تهديد و وعيد لمن هم في الداخل السوري للتطرق إلى هذه المسألة , فسورية اليوم في أحلك ساعات ليلها , و بدلاً من طمأنة أولئك المكرهين المجبرين على الجوع و الذل و انعدام الكرامة , نشمت بهم و نتوعدهم بشديد العقاب و نعطيهم المبرر للاستمرار في تورطهم حتى آخر نفس في حياتهم البائسة .
ويحكم , لقد أعماكم الانتقام و الثأر , و أخذ الحقد بعقولكم و ألبابكم , فإن كنتم قد نسيتم أذكركم : ليس الانتقام من أولئك البؤساء هو الغاية , إنها سورية يا إخوتي .
و بالعودة إلى الانقلاب الألماني , فإني أرغب أن نستحضر أياماً كنا فيها نحن السوريين شعباً عظيماً يضج بالحياة و السياسة و الحب .. فعسانا ننقلب و نستعيده .



#أيهم_نور_الصباح_حسن (هاشتاغ)       Ayham_Noursabah_Hasan#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقال في الوعي السياسي - أنظمتنا الهجينة : في الشمولية و الاس ...
- حضارة القلق و إرادة النَّوَاكة - دفاعاً عن التفاهة و قتل الو ...
- كِباشُ الشامتِين
- أما من عتقٍ من هذا النكاح ؟
- التعري و الفرج المُتخيَّل كسلاح احتجاج
- مئذنة يعرب العيسى البيضاء
- الدوغماطيقية إرثنا المانع للفهم – نحو دوغماطيقية أقل عنفية
- المزرعة السورية السكسونية
- قانون الجريمة المعلوماتية السوري الجديد .. مسخ جديد في المزر ...
- لماذا روسيا هي الحليف لا غيرها ؟
- المؤيدون السوريون بين قمع السلطة و حقد المعارضة
- إرهاب غويران - بين ملحمة تلفزيون سوريا و قومجية بثينة شعبان
- عربٌ .. ولا أَنعَمْ
- سورية و القتلُ كَمَدَاً
- عبقرية الحمار
- مبحث في النفاق - نظرة مُغايرة
- - الاسترقاق - الرئاسي في سورية و متلازمة ستوكهولم
- سورية : عشرُ سنينٍ من الأنين
- هل حقاً دفعنا كسوريين الثمن ؟
- نحو فهم السوري المدافع عن الحليف باستماتة


المزيد.....




- حديقة أم مقبرة طيور؟.. غموض وتساؤلات بعد اكتشاف عشرات النسور ...
- الهجري: بيان الرئاسة الدرزية -فُرض علينا- من دمشق ونتعرض لـ- ...
- سوريا: هل تتحول السويداء إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية؟
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجا ...
- وصفتها بـ-الخطرة جداً-.. روسيا تُعلّق على -مهلة ترامب- لإنها ...
- -نرى كل شيء ونسمع كل شيء-: هكذا ردّ خامنئي على رسالة غالانت ...
- سباق فوق الجليد.. انطلاق فعاليات مارثون القطب الشمالي بمشارك ...
- الدوحة: مفاوضات غزة لا تزال بالمرحلة الأولى.. وتل أبيب تعرض ...
- حفل ثقافي وفني بهيج في ميونخ الألمانية بمناسبة الذكرى 67 لثو ...
- تقرير أممي: تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيهم نور الصباح حسن - الانقلاب الألماني من وجهة نظر مواطن سوري