أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيهم نور الصباح حسن - الدوغماطيقية إرثنا المانع للفهم – نحو دوغماطيقية أقل عنفية















المزيد.....



الدوغماطيقية إرثنا المانع للفهم – نحو دوغماطيقية أقل عنفية


أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)


الحوار المتمدن-العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 14:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1- في المعنى و الدلالة :
الدوغماطيقية : هي ادعاء ( الفرد أو المعتقَد ) امتلاك الحقيقة المطلقة دون أي إثبات أو دلائل عقلية قاطعة , و عدم تقبل أي شك أو نقد في هذه الحقيقة التي يدعيها .
و الدوغماطيقية أو الدوجماطيقية أو الدوغمائية أو الدوغماتية , تعريب لـلكلمة الفرنسية ( Dogmatisme ) التي تعني الاعتقاد اليقيني المطلق , و المشتقة من الأصل : ( Dogme ) و التي تعني مُعتقَد أو مَذهب أو موثوق , حيث استعملت هذه الكلمة منذ العصور المسيحية الأولى للدلالة على عقيدة تُقرها و تُقيمها مرجعية كنيسة ما . [1]
مرَّ معنى الدوغماطيقية بأكثر من مرحلة و تغيرت دلالته , إذ تُعرِّف موسوعة لالاند الفلسفية الدوغماطيقية بأنها :
وثوقية , عِقادة , معتقدية : Dogmatisme
أ‌- قديماً : كل فلسفة تقرر بعض الحقائق و تتعارض بذلك مع الريبيّة ( النزعة الشكية المعارضة للوثوقية و لادعاء الحقيقة المطلقة ) .
ب‌- منذ كانط ( 1724 – 1804 م ) غالباً ما استُعملت الكلمة في معنى عاميّ , فلم تعد تتعارض مع الريبيّة بعدئذٍ بل مع النقد و النقديّة .
د- حيلة فكرية , مُخاتِلة قائمة على تأكيد المرء لمعتقداته بأمر و سلطان , و دون القبول بأنها قد تحتمل شيئاً من النقص أو الخطأ . [2]
ينبغي أن نشير إلى أن النقد لا يتعارض مع طريقة العقل الوثوقية في المعرفة المحضة من حيث هي علم , بل يتعارض مع الوثوقية كمفهوم بحد ذاته , أي مع الادعاء بالمباشرة على أساس معرفة محضة , مستفادة من مفاهيم عادية ( المعرفة الفلسفية ) و مستندة إلى أسس مثل المبادئ التي يستعملها العقل منذ أمد بعيد , دون البحث عن طريقة توصله إلى إقرارها و لا عن حقه في ذلك . [3]
غالباً ما يُستعمل تعبير " الوثوقية السلبية " للدلالة على الريبيّة , مقابل الوثوقية الإيجابية التي تعني كل فلسفة تقرر بعض الحقائق و تتعارض مع الريبيّة , و من هذا التقابل بين هذين التعبيرين نجد أنهما يُجسدان تماماً الوجهين المتضادين لاستعداد فكري دوغماطيقي واحد , لأنه يكون وثوقياً سواء حين ينكر العلم أو حين يؤكده , كما أنهما يتعارضان كلاهما مع النقدية , من حيث تمثيلها لموقف وسيط بين الإقرار المطلق و النفي المطلق لحقيقة معرفتنا الموضوعية . [4]

-2- في الأصل و النشأة :
منذ بدايات وعي ذاك الإنسان البدائي الخائف و محاولته فهم نفسه و ما حوله , و منذ تشكل الأسئلة الأولى لديه , أدرك أنه ضعيف و جاهل بالنسبة لكل ما حوله من ظواهر و مظاهر , لكنه أصرَّ على المعرفة , فتولدت لديه بعض المبادئ الفكرية العملية نتيجة التجربة و تكرارها , فركن إليها و اعتمدها , لكنه و في نفس الوقت لم يستطع الإجابة عن بعض الأسئلة الأخرى التي فاقت مستوى وعيه و معرفته حينذاك , فحاول تصور الإجابات , و وضع عدة احتمالات , لكن الشك في صحتها بقي مستمراً .
لقد كان العثور على أجوبة لهذه الأسئلة ضرورياً جداً بالنسبة له , فمعرفة الأجوبة تعني تمكنه من فهم الموت و غضب الطبيعة و الحيوانات المفترسة و كل ماكان يبعث الرعب في نفسه , لكن الشكّ في صحة الأجوبة و الاحتمالات التي وضعها , منعه من أن يركن إلى أحدها , و مع استمرار كل هذ الخوف في نفسه , كان لا بد له من تبني تصور محدد و إقصاء باقي التصورات و الاحتمالات , فالعيش في شكٍّ دائم مؤلمٌ كموت بطيء و جنون مؤقت , و نتيجةً لحدث ما ارتبط لديه بأحد التصورات و التفسيرات التي وضعها , قام بتبني هذا التصور على أنه التفسير و الإجابة الوحيدة الصحيحة و اليقينية , و كل ما عداها وهم و تفسيرات خاطئة و باطلة .
لم يكن لدى هذا المفكر البدائي أي حجج منطقية أو براهين يدعم فيها صحة تفسيره أو تصوره , بالإضافة إلى أن بعض الشك لايزال يساوره بين الحين و الآخر حول صحة تبنيه لهذا التصور بالذات , و أمام هذا الضعف بالحجة و الشك المستمر المزعج الذي يضعه في حالة من الضياع و الخوف الدائم و ربما يوصله للجنون , قرر أن يؤمن , أي أن ينفي نفياً قاطعاً كل تلك التصورات البديلة و يعتمد التصور الذي اختاره مصدراً يقينياً لا بديل له , و هنا كانت بذور المعتقد الأول و بذور الدوغماطيقية الأولى .
بعد الإيمان .. شَعرَ مُفكرنا القديم براحة داخلية نفسية لم يسبق له أن أحس بمثلها , و ذلك بعد رحلة طويلة من العذاب و التيه , فقد أصبح , و أخيراً , للخوف ( أو مجموع المخاوف ) مصدر و سبب يستطيع التضرع إليه و إزالته أو على الأقل تخفيفه ببضعة طقوس معينة , و أصبح لديه أيضاً أجوبة لكل ما لم يستطع الإجابة عنه في السابق .
لايمكن للمفكر بعد كل هذا العذاب و المعاناة لآلاف السنين أن يتخلى عن إيمانه هذا و يعود لنقطة الصفر , فألم الشك الدائم الذي اختبره هو وأجداده بشعٌ جداً , و الخوف من كل شيء دون سبب , يضعه في حرب مع المجهول طيلة حياته , لذا كان لابد له من اجتراح أشد اللعنات و أقسى العقوبات على كل من يجرؤ على التشكيك في تصوره و مصدر إيمانه , حتى و إن كان هو نفسه .
في هذه اللحظة التي وضع فيها مفكرنا القديم الحدود و القوانين التي تحمي معتقدَه , نشأت بداية القداسة كسور و حصن يحمي المعتقد من الشكّ و النقد , حفاظاً على العقل و النفس البشرية من العودة إلى عصور الخوف و الضياع .
فيما بعد .. تتالت عقوبات التجاوز على المعتقد , فنُفِذَت أحكام القداسة بالمخالفين , و زُرِعَ الخوف من الشكّ بالمعتقد في النفوس .. تراكم الخوف عبر الأجيال , كما تراكمت التصورات و الأجوبة المشتقة من التصور الأول , فأصبح المعتقد حقيقة مطلقة لا تقبل الشكّ أو النقد أو الجدل , و هنا نشأت الدوغماطيقية الأولى في الفكر البشري .
إذاً فالدوغماطيقية نشأت بدايةً لحماية النفس و العقل من ألم الشك الدائم و انعدام اليقين , ثم تحولت إلى ذراع من أذرع القداسة , تحمي المعتقد و تذودُ عنه الشك و النقد و التدنيس من أتباعه و من مخالفيه على حد سواء .

-3- دوغماطيقيتنا الجميلة :
لاشك أن هناك درجة من الدوغماطيقية فينا جميعاً , و هذا أمر طبيعي و صَحيّ , كوننا - كما أسلافنا - لا نستطيع العيش مع الشك الدائم و المستمر بكل شيء داخلنا أو حولنا .
تمنحنا هذه الدوغماطيقية , البسيطة الإيجابية الجميلة , الثقة بالنفس و تعيننا على الاستمرار و المضي قدماً في التعلم و المعرفة و البحث و التفسير و الفهم , دون معاناة الشك الدائم , و تدفعنا بشكل دائم إلى طلب الحجج و البراهين من الآخر المختلف بالفكر أو بالرأي , لكنها لا تمنحنا أي شعور بالتفوق ولا تدفعنا لاحتقار الأفكار و الآراء و المعتقدات المختلفة , و هذا هو معيار تفريقها عن الدوغماطيقية بمعناها التعارف عليه اليوم كادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة .
تنطلق الدوغماطيقية من وهم أساسي بتميز و اختلاف المعتقد الخاص بها عن كل ماعداه , لامتلاكها جوهر الكينونة و عين الحقيقة , و هذا التميز هو ما يجعل المعتقد سامياً و منزهاً عن أي تشكيك بصحته و عن أي نقد يمكن أن يوجه إليه , و لا شك أن هذا التميز ( بمفهومه العام ) هو أمر إيجابي , فلولاه لما تسابق الفكر لابتكار و ابتداع التفوق و التعمق بالمعرفة , لكنه إذا ما اقترن بالمعتقد و تم تأسيس الدوغماطيقية عليه , استحال وبالاً على أتباعه و مجتمعه و حتى على المعتقد نفسه .

-4- الدوغماطيقية و المعتقد :
غير أن هذه الدوغماطيقية الإيجابية الجميلة , لا تلبث أن تنقلب و تتحول متى استقرت المعرفة بنا ( أو بغالبيتنا ) إلى معتقد أو رأي أو مذهب أو فلسفة ما , إلى دوغماطيقية تضرب الأسوار حول عقولنا فتمنعُها من التقدم بالفهم و من تقبل النقد و حتى من الشكّ أو مجرد التساؤل , فتكون النتيجة إنسان ذو فكر منغلق لايتقبل الآخر المختلف فكرياً بأي شكل , و غير مستعد أو رافض للاطلاع على أي رأي أو ثقافة أخرى , كونه ( في رأيه ) يمتلك الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها , و إن حدث و اطلع على ما يخالف عقيدته فذلك لا يُنتج لديه أي نشاط فكري يتعلق بالنقد أو الشك , لأن تفكيره أصبح يعمل بالمنطق معكوساً بمعنى أنه لا يضع المقدمات المنطقية ثم يصل لنتائج من خلالها , بل يضع النتيجة أولاً , و هي : معتقدي صحيح صحة مطلقة , ثم يسوق لها المقدمات التي تُفضي إليها .
للأسف , جميع الأديان و غالبية الأحزاب الأيديولوجية دوغماطيقية بطريقة ما , بل إننا نستطيع القول أن الدوغماطيقية شرط من شروط تحقق الدين , إذ لا يقوم دين ما إلا على عنصرين : هما التفرد و التعصب , التفرد بمعنى ادعاء التميز عن كل المعتقدات الأخرى بامتلاك الحقيقة , و التعصب بمعنى الإيمان الأعمى بهذا التفرد و التشدد و التصلب الصارم لصحة هذا التميز في امتلاك الحقيقة و ببطلان غيرها .
يمنح هذا الاعتقاد بالتفرد المؤمن شعوراً بالفوقية على كل أتباع المعتقدات الأخرى المختلفة , و لا تخلو هذه الفوقية من احتقار للآخر و انتقاص من حقوقه و إنسانيته , إن لم تصل إلى سلبِه إياهما بالكامل , و من هذا المنطلق اليقيني التفاوقي ( التنافس في الفوقية ) اندلعت جميع الحروب العقائدية بين البشر .
لكل ذلك , عبثاً تحاول المعتقدات الدوغماطيقية إبعاد صفة الدوغماطيقية عنها , فالأمر ليس صفة لها بقدر ما هو عنصر أساسي يدخل في جوهر تكوينها و قوامها .
و لاتقتصر الدوغماطيقية على الأديان و غالبية الأحزاب الأيديولجية , أو على المتدينين و المتحزبين بمعتقدات دوغماطيقية , فالأمر نفسه أيضاً يتشكل و يصبح سِمة لدى غالبية الملحدين و اللادينيين و اللاأدريين و المتفلسفين , ففي بداية مرحلة نقد الموروث و المقدس التي تلي مرحلة الشكّ , تكون درجة الدوغماطيقية لدى المُشكِك الناقد تقريباً تساوي الصفر فهو يعيد تشكيل معتقده الخاص بالدراسة و التحليل و النقد , و من أهم القضايا التي يتناولها المُشكك في نقده و تحليله هي مسألة فرض الحقيقة و احتكارها , بمعنى أنه يكون معارضاً تماماً للدوغماطيقية الدينية , و لكن ما إن يصل ناقد الدين و المعتقَد في نقده إلى مستوى معين من ترابط الأفكار النقدية لديه , حتى تراه قد تحول للدوغماطيقية إما واعياً متعمداً أو غافلاً بلا شعور منه , و بكلتا الحالتين فإننا نبدأ بتلمس الفوقية و مشاعر الاحتقار للآخر المختلف , في سلوكه و تصرفاته .
في بيئة المعتقد الدوغماطيقي , تُغلَق جميع المنافذ على الذات قبل أن تُغلَق في وجه الآخرين , و تَقهَر الدوغماطيقية صاحبها بمصادرتها لحريته الفكرية قبل أن يقوم هو بقهر الآخرين و مصادرة حقهم في حرية التفكير , و يكون مِعيار التفاضل الفردي داخل المجتمع الدوغماطيقي هو قوة الإيمان بدوغماطيقية المعتقد , و الابتعاد عن الشكّ و التساؤل , الذي لا يُفهم من قبل المحيط إلا على أنه علامة على التردد و ضعف الإيمان , بمعنى أنه كلما كنت واثقاً و مُتيقناً من أن معتقدك هو الحق المطلق و هو المعتقد الوحيد الصحيح على وجه الأرض , كلما تم تصنيفك على أنك مؤمن أكثر , و بالتالي فإن التنافس و التمايز يكون بحسب شدة التعصب للدين , لا بحسب اتساع المعرفة أو أي معيار آخر , و غالباً ما يتم ربط قياس شدة التعصب هذه بالالتزام الصارم بممارسة الطقوس و الشعائر التي يفرضها المعتقد , و في مجتمع كهذا يصبح من الطبيعي أن يتشكل , كل فترة زمنية أو حقبة , مجموعة من المتعصبين , تأخذ على كاهلها مهمة تقويم اعوجاج الآخرين ( من ضمن دائرة المعتقد أو من خارجه ) و تصحيح فكرتهم عن المعتقد الأساسي وفق ما يتفق مع فَهمِهِم هم عنه , و طبعاً يرى هؤلاء أن فَهمَهُم هم للمعتقد هو الفهم الوحيد الصحيح و باقي المفاهيم ليست سوى بدع و انحرافات , فتنشأ عن ذلك سلوكيات تدعو للعجب العُجاب , كمثل أن تقوم الجماعة بقتل أحد أفرادها كونه رأى أن معتقده فيه دعوة للقتل و أنه غير متسامح , أي أنها تقوم بقتل كل من يتهم عقيدتها بالدعوة للقتل , لإظهار مدى تسامح عقيدتها و حرية الرأي فيها و الأهم إظهار كذب و افتراء هذا المقتول على المعتقد !
في العالم العربي و الإسلامي , لم يؤدِ ظهور داعش بكل ما تمثله من تعصب و تطرف و تخلف , و رغم بشاعة كل ما قامت به من جرائم قتل و اغتصاب و سبي و استعباد , إلى أي حالة من المراجعة الفكرية للمعتقد الإسلامي على المستوى الرسمي للمؤسسة الدينية الإسلامية , من حيث إفراز المعتقَد لهذه الجماعة و المصادر التي تعتمدها في عقيدتها , إنما اكتفت المراجع الرسمية للمسلمين بالتبرؤ من التنظيم و وصفه بالإرهابي و الدفاع عن الإسلام و إبراز آيات التسامح و حرية الاعتقاد و أحاديث الرحمة و المحبة , مستغلة جهل الآخر , المسلم و غير المسلم , ببطلان أحكام هذه الآيات التي تستشهد بها و بتفاصيل العقيدة كـ "علم" الناسخ و المنسوخ في القرآن و المنسحب أيضاً تطبيقياً على الأحاديث النبوية الصحيحة التي تمثل المرجعية بالنسبة للسنة النبوية .
و بالرغم من أن المجال لا يتسع هنا لبحث الناسخ و المنسوخ في القرآن , إلا أني سأستغرق في هذا الموضوع قليلاً , كي لا أُتهم بأني أُسيء للعقيدة أو بأني أُلقي بالكلام على عواهنه , و لكي أبين كيف تقودنا الدوغماطيقية كحيلة فكرية مخاتلة قائمة على تأكيد المرء لمعتقداته بأمر و سلطان , إلى مخاتلات أخرى غَصباً و كُرهاً .
تعريف النسخ و ما المقصود بالناسخ و المنسوخ :
النَّسخ في اللغة : مصدر للفعل الثلاثي : نسخ ، يقال : نسَخت أنسَخ نسخاً ، ويأتي بمعان : الإزالة – و الإبطال - والنقل والإثبات ، والتحويل والتبديل .[5]
النَّسخ في الاصطلاح : رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخٍ عنه ، أو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه . [6]
أهمية العلم بالناسخ و المنسوخ :
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أنه دخل يوماً مسجد الجامع بالكوفة ، فرأى فيه رجلاً يعرف بعبد الرحمن بن داب ، وكان صاحباً لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وقد تحلق عليه الناس يسألونه ، وهو يخلط الأمر بالنهي ، والإباحة بالحظر ، فقال له علي رضي الله : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هَلكتَ وأهلكت ، أبو من أنت ؟ فقال : أبو يحيى ، فقال له علي رضي الله عنه : أنت أبو اعرفوني . وأخذ أذنه ففتلها ، فقال : لا تقصّن في مسجدنا بعد . [7]
و روي في معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس - رض الله عنهم - أنهما قالا لرجل آخر مثل قول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، أو قريباً منه .[8]
و قال أبو جعفر وحدثنا بكر بن سهل ، قال : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قول الله تعالى ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) البقرة 269 , قال : المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و مقدمه و مؤخره و حرامه و حلاله و أمثاله .[9]
أنواع الناسخ و المنسوخ :
يطول شرح الناسخ و المنسوخ و أمثلته و أحكامه , و كما ذكرت سابقاً لا يتسع المجال هنا لذكر كل ذلك , و كل ما أردته هنا , هو أن أوضح وجهاً واحداً منه , كي يتضح هذا التشدق بآيات المحبة و التسامح و حرية الاعتقاد القرآنية المنسوخة الباطل حكمها أمام الآخرين لإظهار سماحة الدين و حرية الفكر فيه , و إخفاء المنسوخ منه و التستر عليه كي لا تنكشف الحيلة و تظهر السوءة .
أي لإظهار أثر الدوغماطيقية الدينية في تفضيل المخاتلة و الاحتيال على المراجعة و النقد .
والمنسوخ في القرآن باختصار على ثلاثة أنواع , مع وجوب الإشارة إلى أن علماء الإسلام مجمعون على وجود الناسخ و المنسوخ و لكنهم مختلفون في الأنواع و في بعض ما نُسخ و مالم يُنسخ , قال الإمام السيوطي : " قال الأئمة : لا يجوز لأحد أن يفسِّر كتابَ الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ " [10] , و هذه الأنواع هي :
1- ما نسخ رسمه وحُكمه , أي زالت الآية و حكمها .
2- ما نسخ رسمه وبقي حكمه , أي زالت الآية و بقي ما أمرت به مفعولاً به .
3- ما نسخ حكمه وبقي رسمه , أي بقيت الآية مكتوبة في القرآن و لكن حكمها تبدل إلى حكم آية أخرى . [11]
1 – ما نسخ رسمه و حكمه :
مثال : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما أحفظ منها إلا هذه الآية ? ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ولو أن لهما ثالثا لابتغى إليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) .
طبعاً هناك اختلاف كبير بين فقهاء الإسلام حول هذا النوع من النسخ فبعضهم يقول لا وجود له و بعضهم الآخر يقول بوجوده ..
و هذا النوع ينقسم إلى شطرين : ما نسخ رسمه و حكمه و زال حفظه من ( القلوب ) و ما نسخ رسمه و حكمه و لم يزل حفظه من ( القلوب ) على نحو حديث رضاعة الكبير الذي رواه مسلم عن عائشة : ( كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس معلومات ) .
2- ما نسخ رسمه و بقي حكمه :
و ذلك على نحو آية الرجم , قال عمر بن الخطاب والله لقد قرأنا على عهد رسول الله : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) . وقد رجم الرسول المحصنين وهو المراد بالشيخ والشيخة .
فآية الرجم غير موجودة في القرآن و لكن حكمها لا يزال معمولاً به . ( انظر حكم الرجم في الإسلام - في السعودية و باكستان و لدى داعش )
3- ما نسخ حكمه و بقي رسمه :
و هذا النوع هو الأكثر , حيث تبدل آية جديدة حكم آية سابقة لها و تبقى الاثنتان مكتوبتان في القرآن , و هو المقصود بما أشرت إليه من أن آيات التسامح و المحبة و حرية الفكر منسوخة و باطل حكمها و قد استبدلت هذه الأحكام بآيات الجهاد و القتل على النحو الآتي :
نسخت آية السيف (( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )) و هي الآية رقم 6 في سورة التوبة ما مجموعه تقريباً 113 آية , فألغت حكم هذه الآيات القاضي بالتسامح و الحرية مع الآخر المختلف عقائدياً , و استبدلته بحكم آية السيف الواضح بالقتل , و لضيق المجال , سأذكر بعضاً من هذه الآيات التي بطل حكمها و صار لاغياً , بمعنى لا يجوز فعله أو إتيانه , كي تتضح الصورة :
(( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً )) 83 البقرة
(( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ )) 256 البقرة
(( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )) 104 الأنعام
(( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ )) 20 آل عمران
(( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ )) 63 النساء
(( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )) 99 يونس
(( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ )) 22 الغاشية
(( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ )) 6 الكافرون [12]
(( فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ )) 108 يونس
(( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) 125 النحل
(( وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )) 80 النساء
(( ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ )) 99 المائدة
(( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )) 66 الأنعام
(( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ )) 91 الأنعام
(( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )) 106 الأنعام
(( وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )) 107 الأنعام
(( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )) 108 الأنعام
(( وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً )) 63 الفرقان
(( فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ - وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ)) 92 النمل
(( فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ )) 15 الزمر
(( فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها )) 41 الزمر
(( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) 96 السجدة
(( فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ )) 40 الشورى
(( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ )) 89 الزخرف
(( وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ )) 45 ق
(( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا )) 48 الطور
(( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا )) 29 النجم
(( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ )) 49 ن
(( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )) 29 الإنسان [12]
أرجو أن تكون الصورة قد توضحت قليلاً بعد هذا السرد البسيط نسبياً , نظراً لما يشتمل عليه موضوع النسخ في القرآن من شروحات و اختلافات في التفاصيل و آراء فقهية , و أن نصل إلى ما يمكن اعتباره قاعدة في الدوغماطيقية و هي أن : الحقيقة المطلقة بحاجة دوماً للسيف , هذا السيف الذي تختلف أشكاله و تجلياته , لكن أثره و نتيجته واحدة دوماً , بث الخوف و الذعر في كل من يتجرأ على رفض الحقيقة المطلقة أو التشكيك فيها أو نقدها .
و لا يزال التساؤل الذي يحيرني منذ زمن بعيد فعالاً و مُلحّاً , لماذا لم يكن النسخ في القرآن معكوساً , لماذا لم تنسخ آيات التسامح و المحبة و حرية الفكر آيات قتل الآخر المختلف عقائدياً و كرهه و احتقاره و تُبطِلها ؟ لماذا انتصر المؤقت اللحظي الخسيس على الدائم المستمر النبيل ؟ هل تستحق السلطة و المال أن نبدلهما بقيادة العالم في المحبة و التسامح و الحرية و الإنسانية ؟ هل سيأتي يوم يُعلن فيه الإسلام هذا النسخ الجديد ؟
و هكذا , و بعد هذه الغفوة في حلم التساؤل الوردي , نرى كيف حَكَمَت المجتمعات العربية على نفسها بالخوف من استعمال العقل , و عيش الاحتقار المُطَّرِد بين مكوناتها , الذي يمنعها بشكل أساسي من تقبل اختلاف بعضها البعض و من الاطلاع على ثقافات بعضها البعض , فبقيت كل منها مغتربة عن المجتمع ككل , تعيش في دائرتها المغلقة , لا تتفاعل مع غيرها من المكونات إلا ضمن ما تقتضيه الضرورة و القوانين الوطنية الجامعة .
أقتبس من الفيلسوف و المؤرخ الفرنسي إرنست رينان ( 1823 – 1893 ) قوله : " ما من إنسان ، مهما كان سطحياً في معلوماته في زمننا هذا ، إلا ويرى بوضوح ، مدى التخلف الحقيقي الذي تقبع فيه البلاد الإسلامية ، ومدى انحطاط الدول التي يحكمها الإسلام ، ومدى العدمية الفكرية للأجناس التي تقيم ثقافتها ، وتعليمها ، على هذا الدين وحده . فكل الذين سافروا إلى الشرق ، أو إلى أفريقيا ، قد صُدموا بالطريقة التي يعمل بها عقل المؤمن الحقيقي بالإسلام ، وبمحدوديته القاتلة ، التي يُسجن فيها رأسه بسِوار حديدي ، وبما يجعلها مغلقة تماماً عن المعرفة ، وغير قادرة على تعلم أي شيء ، ولا منفتحة لأي فكرة جديدة . والحاصل أن يتم تنشئة الطفل المسلم دينياً في سن العاشرة أو الثانية عشرة ، والذي قد يحظى بشيء من الذكاء الفطري حتى ذلك الوقت . ثم بضربة واحدة ، يصبح متعصباً ، مملوءاً بالغرور الغبي ، لما يؤمن أنه امتلكه من الحقيقة المطلقة ، ويبقى به سعيداً ، وكأنه قد حاز الامتياز جميعه ، ولا يدري أنه علة انحطاطه . هذه العزة البلهاء هي الرذيلة المتجذرة لدى المسلم ، إذ تُوحي إليه البساطة الظاهرة في عقائده باحتقار غير مُبرر للديانات الأخرى . كما أنه يمتلئ بالقناعة أن الله قد منحه كنزاً وسلطاناً تحت إمرته السعيدة ، دون أن يُبدي اعتباراً ، سواء للتعليم ، ولا للمزايا الشخصية ، وهذا يجعل المسلم أشد الناس استخفافاً لتلقي توجيهٍ ما ، أو تلقِّي العلم ، ولا لأي شيء مما تقوم عليه الروح الأوربية . " [13]
بمجرد الانتهاء من قراءة هذه الكلمات – هذا إن استطعنا قراءتها للنهاية - , تشتعل حميتنا العروبية , و تبدأ متلازمة الغرب الكافر المنحط أخلاقياً و المتفسخ اجتماعياً بالعمل في دواخلنا , كي تطرد أقل احتمال لمحاولة التفكير أو البحث المتأني في هذا النقد القاسي و الدقيق و المحق للفيلسوف رينان , و هذه هي الدوغماطيقية ببساطة , و هذا هو المنهج التفكيري للعقل الدوغماطيقي , فمع بداية تلمسنا للنقد , تبدأ المنظومة الدفاعية للدوغماطيقية بنشر أسلحتها , إذ يتم إغلاق الفهم أولاً , و باستمرارنا بالقراءة , نبدأ بالبحث عن عيوب الناقد و مدرسته الفكرية أو انتماءاته الدينية لتفعيل المقارنة الفوقية التي ننتصر فيها دوماً , و إذا ما استمر النقد القاسي بنفس الحدة , ننتهي إلى كيل أقذع الشتائم و الألفاظ للكاتب , مُعلنين انتهاء القراءة و كُفر الكاتب و غبائه اللامحدود و حسده لنا على معتقدنا العظيم , ثم ننتقل إلى مرحلة إبداعات نظرية المؤامرة التي تنتهي بتحليل الوضع العالمي و اختصاره بخمس كلمات : إنهم يكرهون الإسلام لأنه الحق !
لعل من أهم سمات المعتقد الدوغماطيقي أنه لا يقبل النقد , لا من الخارج و لا من ذاته , فهو غير قادر على مراجعة نفسه , و من الاستحالة أن يعترف بعدم صحة أو عُنفية ( على سبيل المثال لا الحصر ) بعض أفكاره , فالمعتقد صحيح على إطلاقه , ( كونه يقول ذلك عن نفسه ) , و أي تصور بوجود خلل في أفكاره , هو خلل في تفكير - أو عدم و سوء فهم - من يدّعي ذلك , لا في المعتقَد .

-5- دوغماطيقية ضد الدوغماطيقية
تقابِل التفرعات و الانشقاقات الاعتقادية عن المعتقد الدوغماطيقي الأم معتقدها الأساسي بدوغماطيقية مساوية لدوغماطيقية الأصل , على الأقل إن لم تعلو عليها , كي تستطيع الاستمرار في استقلالها عن الأصل و بقائها .
أحد أهم الإدهاشات في الدوغماطيقية هو محاولة المعتقد الدوغماطيقي إبعاد تهمة الدوغماطيقية عنه مستخدماً الدوغماطيقية كوسيلة إثبات و إفهام , و الإدهاش الثاني هو نقد المعتقد الدوغماطيقي للدوغماطيقية بشكل عام و لدوغماطيقية المعتقدات الأخرى , إذ تغدو الدوغماطيقية هنا حقاً حصرياً محتكراً للمعتقد الناقد لدوغماطيقية الآخر مستمد من دوغماطيقيته هو نفسه , و يتجلى هذان الإدهاشان بوضوح في سجال الأديان مع بعضها البعض , فكلٌ يدفع بأنه صاحب الحقيقة المطلقة بنفس المغالطة ( مغالطة المنطق الدائري ) المتمثلة بأنه على حق لأن المعتقد نفسه يقول ذلك , و لماذا المعتقد على حق ؟ لأن مصدره الحقيقة المطلقة ! بمعنى أنه على حق لأنه على حق !
المزعج و المؤلم أن ترى بعض المشتغلين بالفلسفة في مقعد الدفاع عن معتقدهم الدوغماطيقي , و يزيدون الألم ألماً , بأن يحللوا و يناقشوا في الدوغماطيقية نفسها , فيضربون لك مئات الأمثلة عن سماحة معتقدهم و مساحة الحرية فيه و عن بعده الشاسع عن الدوغماطيقية , متناسين عمداً عشرات الأصول الاعتقادية الموجودة في متن مقدسهم و التي تؤسس , بمنتهى الوضوح , لدوغماطيقية شديدة , لا يمكن بأي شكل من الأشكال الشكّ بها أو نقدها .
أيضاً في مقابل الدوغماطيقية الدينية تنشأ دوغماطيقية علمانية و دوغماطيقية عقلانية ترى أنه لا يمكن مجابهة الدوغماطيقية الدينية إلا بدوغماطيقية مماثلة بالحدة و لكن معاكسة بالمفاهيم , فلا تقبل أي تشكيك بها من قبل الدوغماطيقي الآخر , و تعتبر أنها الطريق الوحيد للحقيقة , و تمارس الفوقية و الاحتقار و الانتقاص كخصمها تماماً .
و الدوغماطيقية كالطائفية , يكفي أن تمارسها فئة أو جماعة أو معتقد ما في المجتمع , كي تُسارع باقي الفئات و الجماعات و المعتقدات إلى ممارسة دوغماطيقيتها أوتوماتيكياً و دون وعي , خوفاً و غيرةً و نكاية .
في سورية , تسعى السلطة الدوغماطيقية إلى إعمال و تفعيل الدوغماطيقيات الدينية و القومية لدى جميع مكونات المجتمع السوري , و كلما قطعت هذه المكونات شوطاً في تخفيض حدة دوغماطيقيتها و تقاربت فيما بينها , عادت السلطة و أفشلته , عبر إعادة تفعيل الدوغماطيقية لدى مكون ما , فتنتقل العدوى تلقائياً للمكونات الأخرى , و يتجدد الاحتراب كضامن رئيسي لبقاء السلطة و استمرارها , و في نفس الوقت تحاول السلطة إظهار نفسها بمظهر الحَكَم و الشرطي الحامي الذي يحول دون اقتتال هذه الدوغماطيقيات مع بعضها البعض , و طبعاً الحل السوري واضح لدى الغالبية و لكن ليس هناك قدرة على إزالة الموانع التي تحول دون تحقيقه .

-6- الدوغماطيقية و السياسة و السلطة
"ترغب أمريكا في أن تكون بلداً فوق الجميع " جورج بوش الابن [14]
الفوقية مظهر من مظاهر الدوغماطيقية , و تظهر جلية واضحة في أغلب الأنظمة السياسية , حتى تلك التي تدعي الحرية و الإنسانية على إطلاقيهما , فإذا ما كانت البنية الفكرية للحزب لا تحتمل المزيد من الدوغماطيقية يتم الاستعانة و الربط بالمعتقد الديني :
"إنني مقتنع بأن الله وضعني في منصبي في هذه اللحظة التاريخية ، أرجو أن أكون قبل الجميع قوياً بما يكفي لتحمل هذه المهمة المقدسة " جورج بوش الابن [15]
"لقد نادانا الله للدفاع عن بلدنا ولنقود العالم إلى السلام " جورج بوش الابن [16]
"البشرية بكاملها يجب أن تنظر لأمريكا كيوتوبيا ( المدينة الفاضلة ) واقعية لمدينة القدس السماوية كمدينة إلهية على الأرض . " مفاهيم إنجيلية سبق لعديد من الرؤساء الأمريكيين الحديث عنها . من تقرير لصحيفة دير شبيغل الألمانية[17]
هذه هي دوغماطيقية أمريكا , وطن الحريات , القوة العظمى , و قائدة العالم الحر ! فهل من عتب على دوغماطيقيات باقي الدول ؟ !
أما بالنسبة للسلطة فإننا نستطيع أن نقول أنها هي المِعيار الذي يُظهر دوغماطيقية المعتقد و يعريه تماماً , إذ لا نستطيع أن ننفي أو نحدد درجة الدوغماطيقية في أي معتقد ( فكري – ديني ) ما لم يتبوأ السلطة و يمارسها , و يُعلمُنا التاريخ كيف أن الكثير من المعتقدات التي حاربت الدوغماطيقية ما إن تسلمت السلطة حتى باتت رمزاً للدوغماطيقية بأبشع صورها .
نعيش في مجتمعاتنا العربية دوغماطيقية السلطة بأوضح تجلياتها , فالحزب الذي يقود و يتحكم بالدولة و مؤسساتها هو الحزب الذي يمتلك الحقيقة وحده ( القيادة الحكيمة ) , و كل الحزبيين الذين ينتمون له هم أتباع صاحب الحقيقة , أما المواطنون اللامنتمون أو المنتمون إلى أحزاب أخرى مختلفة , فهم مواطنون من درجات أدنى , تختلف درجة مواطنتهم بحسب قربهم أو بعدهم عن العقيدة الأسمى , عقيدة الحزب الحاكم , و لا تختلف الدول العربية ذات الحكم الملكي عن تلك ذات الحكم الجمهوري ( التوريثي ! ) في دوغماطيقيتها , فالملك دوماً على حق و جميع قراراته و سلوكياته لا تقبل النقد أو التشكيك بصحتها , و غالباً ما يتم خلع عباءة من القداسة على الحاكم العربي ( ملكاً كان أم رئيساً ) , كي لا تُناقش أحكامه و قراراته , فذاك سليل الرسول , و هذا تقي ورع أيده الله بحكمة من لدنه , و آخر خليفة المسلمين , و رابع خادم الحرمين , و ليس هناك أسهل من قيادة الجموع المؤمنة بالمعتقدات الدوغماطيقية , فالتبعية و الانقياد الأعمى مُكرَّس في نفوسها أصلاً من خلال المعتقد صاحب الحقيقة المطلقة الذي يُلقَن لعقول الأطفال و الناشئة ظُلماً و إجراماً , و هذه هي النقطة الأساسية التي تجعل السلطة تدعم الدين و تغذيه دوماً في مرابعنا العربية .
بهذه الدوغماطيقية نفسها , خاضت الأحزاب التي ادعت التقدمية , فينا كشعوب عربية , الحقبة السابقة بإكراهنا على التسامي , فمنعت التعاطي و الخوض الفكري الجدلي في أهم الإشكاليات التي تعاني منها المجتمعات العربية , مُعتقدةً أن هذا التسامي سيحل هذه الإشكاليات و يودي بها للنسيان و الانقراض , و بعد ما يقرب من نصف قرن من التسامي , و عند أول مطب , ظهرت إشكالياتنا المقيتة من تطرف و تعصب للطائفية و العشائرية و المناطقية و المذهبية , كجمرٍ ملتهب من تحت الرماد , كأنما أُوقِدَت نارُه البارحة لا منذ مائة أو ألف عام , و بدأت هذه القنابل الموقوتة بالانفجار و التشظي مخلفةً شروخاً مجتمعية صعبة الالتئام و النسيان .

-7- الدوغماطيقية و الفلسفة
و هل يمكن التفلسف في ظل الدوغماطيقية و ما تفرزه من إرهاب كآليات التخوين و التكفير ؟
ربما تكون أحد أهم الإشكاليات التي نعاني منها في عالمنا العربي ( و ما أكثرها ) , هي عدم قدرة المشتغلين بالفلسفة و الثقافة على البوح بما يريدون قوله حقيقةً عندما يتعلق الأمر بالثالوث المحرم ( الدين , السياسة , الجنس ) مخافة الإرهاب و العقاب السلطوي أو الاجتماعي , من القتل إلى الاعتقال إلى النبذ , و هنا يجد المُشتغل بالمعرفة نفسه أمام مفترق طرق , فإما أن ينتهج سياسة المُحاباة و المُسايرة كي لا يصطدم مع المجتمع و السلطة ( الدينية و الدنيوية ) و بهذا يكون قد ابتعد كثيراً عن هدف عمله و ناقضه , فيتحول إلى مجرد بوق خاوي من أي جديد , أو أن يحاول إيصال ما يريد عبر الألغاز و الإشارات و المقاربات و الإسقاطات , و ربما يضيع المعنى المطلوب إن لم يفهم القارئ العربي ما يرمي إليه الكاتب , و تزول الرغبة لدى القارئ بسيط الثقافة بالمتابعة لصعوبة الفهم , و لهذا السبب بتنا كقراء عرب نقرأ ما بين السطور لا ما على السطور , و إذا ما تعثرنا بكاتب صريح مباشر , فإننا أيضاً نقرأ ما بين السطور مع أنها غير موجودة , لكننا نخترعها كي نصل إلى أحد استنتاجاتنا الخُنفشارية [18] ( ادعاء معرفة كل شيء ) و نبدأ بإطلاق ألقابنا المعتادة عليه : كافر , ملحد , عميل , خائن , إلخ ...
و على ذكر الألقاب , و من باب التندر و الفكاهة حول المغالاة في إطلاق الألقاب , يتقاذف اليوم مؤيدو و معارضو الاحتلال الروسي لأوكرايينا أو " العملية العسكرية الخاصة في أوكرايينا " ! كما أسماها الروس , بلقبان هما : البوتينيين ( مؤيدي الرئيس الروسي بوتين ) , و الناتويين ( معارضي بوتين حتى وإن لم يكونوا داعمين أو مؤيدين لحلف الناتو ) , و يتبادلان كل أنواع التكفير و التحقير و التفاوقية ( إظهار فوقية كل منهما على الآخر ) , متناسين أن طرفي الصراع , عند التشريح , ليسا سوى شبيهان و وجهان لعملة واحدة , يتناوبان على الفوز بجائزة النفاق و الكذب و الخداع و الديكتاتورية و التسلط و استعباد الشعوب و قهرها و سرقة مواردها , و أن الصراع اليوم هو حول من يفوز بجائزة الأقل قذارة و إجرام و نفاق , لا حول الحق و الباطل , ولا حول الخير و الشر , بل حول من هو أقل شراً من الآخر , و لا أظن أن هناك ما يُرَّجِح كفة أحدهما على الآخر .
يحتاج البحث المعرفي و الفلسفة , كي يستطيع توليد و إيصال أفكاره , إلى حيّز من الحرية يسمح بقبول اختلاف الآراء و تضاربها و الجدال فيها , حيّز لا يتم فيه تحويل الاختلاف بالأفكار إلى صراع قانوني أو احتراب مادي و ملاحقات و اعتقالات و محاولات اغتيال و قتل , حيّز يحافظ على الجدل الفكري ضمن حدوده فقط بكل احترام و تقبل للآخر , هذا الحيز الذي تُعتبر حدوده معياراً لأي حضارة سابقة و حالية و قادمة , فكلما ضاقت حدوده انحسرت الحضارة و كلما اتسعت تمددت الحضارة و طال عمرها , يذكرنا الفيلسوف و المؤرخ الفرنسي رينان بهذا , فيقول : " ارتحل أحد علماء الدين المسلمين الأندلسيين إلى بغداد ، وفي طريق عودته إلى الأندلس ، مرَّ بمدينة القيروان في تونس ، والتقى بطبيب هناك ، وسأله الطبيب : هل حضرت أي من مجالس المتكلمين أثناء إقامتك في بغداد ؟ - أجابه الأندلسي : " حضرت مرتين ؛ إلا أني نويت ألا أحضرها بعد ذلك " . سأله الطبيب : ولمَاذا ؟ - أجاب : " أحكم أنت بنفسك " . في الاجتماع الأول الذي حضرته ، لم يكن هناك فقط مسلمون من كل الطوائف ، من أهل السنة ، والزنادقة ، ولكن أيضاً الملحدون ، وعباد النار ، والكفار ، واليهود ، والنصارى – وفي الحقيقة : كان هناك شُكَّاك من كل نوع . ولكل طائفة من هؤلاء زعيم ، ومهمته هي الدفاع عن آراء الطائفة التي يتزعمها ؛ وفي كل مرة يدخل واحداً من هؤلاء الزعماء ، يقف الجميع تعبيراً عن الاحترام ، ولا يجلس أحد حتى يجلس ذلك الزعيم . حتى امتلأت القاعة . وعندما رُئي أن المجتمعين قد التأموا جميعاً ، ابتدر أحد الشكاك الكلام ، وقال : ( اجتمعنا معاً بغرض إعمال العقل ، وتعلمون جميعاً شروط المناظرة . أنتم أيها المسلمون غير مسموح لكم بأي استشهاد مستخرج من كتابكم ، ولا الاعتماد على سلطة نبيكم ؛ فنحن لا نؤمن بأي منهما . ويجب أن يتقيد كل فرد بحجج مبنية على العقل وحده . ) فصفق الجميع لكلامه هذا . تابع الأندلسي الكلام : " يمكنك أن تفهم بعدما سمعت هذه الأشياء ؛ لماذا لم أعد ثانيةً لمثل هذه الاجتماعات " . وقد استحثَّني أناسٌ أن أحضر اجتماعاً آخر ؛ إلا أنه كان بنفس فضيحة الاجتماع الأول " [19] .
إنه لأمر يدعو حقاً للعجب و الدهشة , أيعقل أن تكون هذه الحرية الفكرية هي ماضي أمة اغتالت فرج فودة و حاولت قتل نجيب محفوظ , و شردت القصيمي , و كفَّرت صادق العظم و نزار قباني و سيد القمني و نصر حامد أبو زيد و نوال السعداوي , وضيقت على العقل إلى أقصى الحدود , و أنجبت داعش ؟ !
هل أصبح الطريق الوحيد الذي تفرضه علينا الدوغماطيقية الشمولية يدفعنا لإعادة مراجعة شاملة لمفاهيمنا البديهية ؟ ربما نعم , فعندما تفرض الدوغماطيقية حقيقتها كمسار أوحد , و كبديهية لا تحتاج إلى برهان , فتملك زمام العقول و تُخضعها قهراً و كُرهاً , نكون فعلاً بحاجة لإعادة التفكر في البديهيات , فنمسك مطرقة بيد و سلةً بيد و نجول في حقل المسلمات , المطرقة لهدم كل الدوغماطيقيات منابع الكراهية و التمايز , و السلة لجمع ما نقطفه من إنسانيات الحرية و المحبة , ليس سهلاً أن تنهار حقيقتك المطلقة أمامك , فكيف إذا ماكنتَ أنت من يُعمِلُ فيها المطرقة ؟!
البديهيات التي كان ديكارت - أبو الفلسفة الحديثة - قد حدَّدها بربطها بمفهوم الوحدة والبساطة ، مثلما ربط الشكّ بالتعدّد والتركيب [20] , فالعقل الذي يرضخ للبديهيات و يستسلم لها ببساطة , هو عقل مجبر مقهور مًستعبَد , و العقل الذي لا يُسلّم بها إلا بعد محاكمتها هو العقل الحر الشكَاك صاحب الاختيار .
البديهيات التي يراها الفيلسوف الفرنسي رولان بارت ( 1915 – 1980 ) نوعاً من العنف , حيث يقول " العنف الحقّ هو أن تقول : طبيعي أن نعتقد هذا الاعتقاد ، هذا أمر بدهي " [21] , إن تحذيراً بهذه الجذرية حول مصادرة البديهية للشكّ و النقد , و اعتبار هذه المصادرة نوع من أنواع العنف , لا يرمي إلا إلى التنبه و الحذر في الاستسلام للأفكار الأساسية و البديهيات كأسهل طريقة للوصول للمعرفة بالنسبة للعقل , الذي من طبيعته الكسل و الحاجة المُلِحة للسكون و الاستقرار , و ربما يكون هذا أيضاً سبباً من الأسباب الحالية للركون للدوغماطيقية اختصاراً لرحلة شاقة من التشكيك و التمحص .
يقول نيتشه هادم الحقائق و مُدمِّر المسلمات : و اكتشفتُ فيما بعد أن المعيار الحقيقي للقيَم هو التالي : كم هو مقدار جرعة الحقيقة التي يستطيع فيلسوف ما أن يتحملها , أن يخاطر بها أو من أجلها ؟ هذا هو السؤال الأساسي , و كل ما عدا ذلك تفاصيل ثانوية . [22]
يبدو أن مُخلّصنا الوحيد هو ذاك العقل النقدي الذي ينتقد نفسه بدايةً فيعلم أين هي حدوده و يعلم تماماً ضوابط عمله في سعيه للوصول إلى المعرفة , و عند عجزه عن مسألة ما , فإنه يُقرّ بكل بساطة بهذا العجز , و يترك المسألة للزمن من منطلق فهمه لتاريخ العلم , و لجدلية السؤال و الجواب , و لتطور العقل البشري , دون أي نكوص نحو التصورات الأولى المستحيلة البرهنة , أو استسلام للغيبيات الماورائية .

8- الدوغماطيقية و " النَعَامِيَّة " :
منعاً للشكّ و النقد تفرض المعتقدات الدوغماطيقية على معتقديها أو مؤمنيها اتباع " النَعَامِيَّة " كأسلوب يحل كل الأسئلة التي قد تعتمل في عقل المُعتقِد أو المؤمن , إذ يتم ترويضه , بالترهيب و الترغيب , على دفن رأسه في الرمل كلما ألح سؤال تشكيكي من هنا أو من هناك , لتختفي الإشكالية و أسئلتها بأعجوبة فريدة , و رويداً رويداً تصبح النعامية هي المنهج العقلي المُتّبَع للمعتقِد , سواء فيما يتعلق بالأسئلة الاعتقادية أو بغيرها من الأسئلة الحياتية العادية , و النتيجة هي إنسان ذو تفكير معطل , يجابه كل مشاكله بدفن رأسه في التراب , و مجتمع تتراكم إشكالياته بطريقة يعجز فيها عن معرفة من أين يبدأ الحل , و إذا ما أتت نسائم صحوة و حرية من وادٍ ما , رفع رأسه فوجد جبالاً من القضايا و الإشكاليات التي تنتظره لحلها , فعاد و أنكس رأسه في حفرته يأساً و إحباطاً .

9- الدوغماطيقية و العقل :
وفق درايتي المتواضعة , لم يتطرق أي باحث أو مفكر عربي لدراسة الدوغماطيقية بمفهومها العام دراسة مفصَّلة و دقيقة , و ربما تكون هذه الندرة أثر من آثار البنية الدوغماطيقية للعقل العربي , إذ تُشير أغلب المصادر العربية عن مفهوم الدوغماطيقية المتأخر و الحالي إلى ما ذكره لنا المفكر هاشم صالح عنها في مقدمته المعنونة " بين مفهوم الأرثوذكسية و العقلية الدوغمائية " التي أوردها في تعريبه لكتاب " الفكر الإسلامي - قراءة علمية " للباحث و المفكر الكبير محمد أركون الذي توغل في تفكيك مفهوم الدوغماطيقية الأرثوذكسية - الإسلامية عبر مشروعه الفكري الهام و الضروري - الأرثوذكسية هنا تعني الأصولية الدينية و التزمت لها - و يذكر المفكر هاشم صالح في مقدمته هذه , كيف قام الباحث الفرنسي جان بيير ديكونشي ( دكتور و باحث في علم النفس الاجتماعي توفي عام 2014 ) بنقل أبحاث الدكتور ميلتون روكيش ( عالم نفس أمريكي من أصل بولندي توفي عام 1988 ) حول مفهوم الدوغماطيقية إلى الفرنسية و تابع أبحاثه , في محاولة منهما للوصول إلى قوانين أقرب ما تكون للصحة العلمية . [23]
أما نحن العرب , و لله الحمد , فليس لدينا حتى الآن مجرد ترجمة لنتائج عمل و كتب دراسات هذان الباحثان , و نأمل أن يتصدى لها مترجمونا الأكارم بعد أن دلّنا عليها المفكر هاشم صالح صاحب الفضل و زودنا بالمصادر اللازمة في نهاية مقدمته المشار إليها سابقاً , فربما تُغنى المكتبة العربية بهذه المراجع الثمينة للغاية , خصوصاً في هذا الوقت العصيب من تاريخنا المُعاصر المرير .
و بالعودة إلى مقدمة المناضل التنويري هاشم صالح المذكورة , نراه يطلعنا باختصار على خلاصة أبحاث العالم ميلتون روكيش فيقول : " كان روكيش قد انطلق أولاً من مفهوم الصرامة العقلية قبل أن يتوصل إلى البلّورة النهائية لمفهوم الدوغماطيقية و وظائفية العقلية الدوغماطيقية أو آلية اشتغالها . [24]
و قد عرف روكيش الصرامة العقلية بأنها : عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك و عدم القدرة على إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة و ذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر . [25]
انصب اهتمام روكيش على آلية ارتباط العقلية الدوغماطيقية بنظام أيديولوجي معين , بغض النظر عن مضمون هذه الأيديولوجيا سواء أكان ديني أم فلسفي أم إلخ ... , و يفضل روكيش أن يستخدم مصطلح " نظام من العقائد و الإيمان " بدلاً من مفهوم النظام الأيديولوجي , حيث يعتبر روكيش أن العقلية الدوغماطيقية ترتكز أساساً على ثنائية ضدية حادة هي : نظام من الإيمان أو العقائد , و نظام من اللاإيمان و اللاعقائد , بمعنى أن العقلية الدوغماطيقية ترتبط بشدة و حزم بمجموعة من المبادئ العقائدية و ترفض بنفس الشدة و الحزم مجموعة أخرى و تعتبرها لاغية لا معنى لها , و يؤدي هذا الرفض و الحزم و الإلغاء إلى دخول مجموعة العقائد هذه في حيز الممنوع من التفكير فيه أو المستحيل التفكير فيه , ثم تتراكم بمرور الزمن و الأجيال لتصبح على هيئة لامفكر فيه ( بديهية و مسلمة ) . [26]
يستخدم روكيش تلك الثنائية الضدية - نظام الإيمان و اللاإيمان - ليحدد عناصر و مواصفات العقلية الدوغماطيقية بثلاث نقاط هي :
1- هي عبارة عن تشكيلة معرفية مغلقة كثيراً أو قليلاً , مكونة من العقائد و اللاعقائد ( القناعات و اللاقناعات ) الخاصة بالواقع .
2- تتمحور العقلية الدوغماطيقية حول لعبة مركزية من القناعات أو الإيمانات اليقينية ذات الخصوصية الخاصة و الأهمية المطلقة .
3- تولد سلسلة من أشكال التسامح و اللاتسامح تجاه الآخر .
و يرى روكيش أنه لمعرفة درجة أو حدة الدوغماطيقية الخاصة بتشكيلة معرفية معينة , فهناك خمسة معايير لقياسها هي :
1- أي تشكيلة معرفية أو نظام معرفي أو معتقد , تضع حاجزاً للعزل و الفصل بين نظام الإيمان و العقائد و نظام اللاإيمان و اللاعقائد الخاص بها , هي تشكيلة دوغماطيقية , و تزداد الدوغماطيقية كلما ازدادت صلابة هذا الحاجز و كثافته . و يتحقق هذا الفصل و العزل بأربعة أساليب :
1- التشديد التكتيكي ( المخطط و المنظم ) على أهمية الخلافات الموجودة بين نظام الإيمان و العقائد و نظام اللاإيمان و اللاعقائد .
2- التأكيد باستمرار على عدم صحة النقد و المحاججة التي تخلط بين النظامين .
3- إنكار ثم احتقار الوقائع التي قد تظهر و تناقض مجموعة العقائد و الإيمانات الخاصة بها .
4- المقدرة على قبول تعايش التناقضات داخل نظام الإيمان و العقائد بدون الإحساس بوجود أية مشكلة .
2- تزداد دوغماطيقية أي تشكيلة معرفية بازدياد الهوة و حِدة الخلاف بين نظام الإيمانات و نظام اللاإيمانات فيها , و هناك ثلاثة طرق تقوم بها الدوغماطيقية لتقوية هذا الخلاف و توسيع الهوة , هي :
1- الرفض المستمر و الدائم لكل محاولة توفيق أو مصالحة بين النظامين .
2- اليقين الدائم و المتزايد بأن هذه التشكيلة المعرفية وحدها من يمتلك المعرفة الحقيقية .
3- اليقين , الموازي لليقين السابق , بخطأ مجموعة اللاإيمانات و اللاعقائد .
3- تزداد دوغماطيقية أي تشكيلة معرفية كلما ازداد عدم تمييزها بين العقائد و الإيمانات التي ترفضها , بحيث ترميها جميعها في كتلة واحدة في دائرة الخطأ .
4- تزداد دوغماطيقية أي تشكيلة معرفية كلما ازدادت درجة اعتمادها و تسبيبها ليقينياتها الهامشية بناءً على يقينياتها المركزية الأساسية , فتغدو العقائد الهامشية و كأنها انبثاق مباشر من العقائد المركزية , بمعنى أنها تعيد تأويل الوقائع المناقضة لإيماناتها و عقائدها لكي تصبح مطابقة للأساسية منها , و تتجنب كل حافز أو منبه يزعزع تماسك نظريتها و يشكك بها , فتُعَقلِنْ الغير عقلاني رغماً عن العقل , و كل ذلك عن طريق إكليروسها ( رجال الدين بالمعنى الخاص – و ما أقصده هنا هو رجال القداسة كمرجعية للمعتقد ) الذين تتموضع مصداقية هيبتهم و سيادتهم دوماً في المنطقة المركزية لنظام العقائد الإيمانية فيستطيعون من خلال هذه الهيبة و السيادة تغيير و تحويل العقائد الهامشية كيفما يشاؤون و إلى أي جهة يشاؤون , و يدعو ميلتون روكيش هذه الظاهرة بـ " الإخلاص لخط الحزب " .
5- تزداد دوغماطيقية البنية العرفية كلما كان منظورها الزمني موجهاً بشدة نحو نقطة بؤرية أو محرقية , أي أن الحاضر مُحتقَر دوماً لصالح المبالغة بشأن الماضي ( العصر الذهبي ) أو بشأن المستقبل ( اليوتوبيا كلحظة مستقبلية تتحقق فيها الأحلام الوردية ) . [27]
أما الباحث جان بيير ديكونشي فيرى أن قوانين آلية اشتغال العقلية الدوغماطيقية كما بلورها العالم ميلتون روكيش مفيدة جداً و تنطبق بشكل خاص على دراسة العناصر الأيديولوجية الدينية و على الحقل الاجتماعي الذي يتحكم فيها و تتحكم فيه , كما أنها تنطبق حرفياً على الأرثوذكسيات الدينية الكبرى , يقول ديكونشي : (( بسبب انحراف العقائد الدينية عن معايير العقل القائمة على الفرضية و الاستنباط و التجريب فإنها تعوض عن هشاشتها العقلية هذه عن طريق صرامة الضبط النفسي و الاجتماعي الذي يتحكم بهذه العقائد )) , و لا يمكن تفسير مضمون الأرثوذكسية الدينية , أو الكثير من صيغها و مقولاتها , عن طريق العقل بالمعنى الحديث للكلمة , و هذا باعتراف المؤمنين أنفسهم لأنه لا منطقي و لا عقلاني بالمعنى الشائع و العادي , أما مصدر صحة هذه المعلومات و صحة الحقيقة المطلقة , فهو انتظام المؤمنين في مجموعة واحدة و الروابط البسيكولوجية ( السلوكية و النفسية ) و السوسيولوجية ( الاجتماعية ) القوية التي تصهر أعضاء الجماعة و تربط بينهم كالإسمنت المسلح , في حين أن هذه المعلومات و الحقيقة المطلقة , خارج المجموعة الدينية , لا تعني شيئاً من الناحية العقلانية و ليست معلومات أصلاً بالمعنى الحرفي للكلمة , ولهذا فإن ديكونشي , كما ميلتون روكيش , لا يهتم بدراسة مضمون المقولات و الصياغة الدينية بقدر ما يهتم ببنيتها التركيبية و طريقة اشتغالها الوظيفية , إنه يهتم بدراسة الثوابت الموجودة فيها و التي تنطبق على كل الكنائس ( المعابد ) و الأرثوذكسيات في كل المجتمعات البشرية , إذ يرى ديكونشي أن هذه الثوابت هي نفسية – إجتماعية ليس إلّا . [28]
و يدرس ديكونشي المقولات الدينية بصفتها معلومات مضبوطة أو متحكم بها من قبل الجماعة الدينية المؤمنة و معلومات تضبط بدورها الجماعة الدينية و تتحكم بها , و يمكن القول أنه كلما كانت المقولات الدينية السارية مناقضة لحقائق الواقع و التاريخ و العقلانية العلمية بشكل صارخ و واضح , كلما ازداد هذا الضبط و التحكم المتبادل قوةً و عنفاً . [29]

خلاصة و خاتمة :
• نشأت الدوغماطيقية بدايةً لحماية النفس و العقل من ألم الشك الدائم و انعدام اليقين , ثم تحولت إلى ذراع من أذرع القداسة , تحمي المعتقد و تذودُ عنه الشك و النقد و التدنيس من أتباعه و من مخالفيه على حد سواء .
• تطور الأديان , تفرعها , انشقاقاتها , ليس سوى محاولة لخلق أصنام جديدة , سببها حاجتان إنسانيتان أساسيتان : الحاجة للمعرفة و الحاجة للطمأنينة .
• عبثاً تحاول المعتقدات الدوغماطيقية إبعاد صفة الدوغماطيقية عنها , فالأمر ليس صفة لها بقدر ما هو عنصر أساسي يدخل في جوهر تكوينها و قوامها .
• متى ارتبطت الدوغماطيقية بالسلطة فنحن حتماً أمام إرهاب فكري .
• يزداد غباء المُعتقِد الدوغماطيقي بازدياد اعتباره الآخرين المختلفين عنه أغبياء .
• تعتبر الدوغماطيقية من أهم عوائق تفعيل العقل و التطور و التقدم في مجتمعاتنا العربية .
• الدوغماطيقية منبع الفوقية و الاحتقار و الكراهية و تفاعلاتهم في المجتمعات البشرية .
• لا يمكن تعميم ثقافة قبول الآخر كمبدأ إنساني في ظل الدوغماطيقية .
• كلما ازداد التشبث بالدوغماطيقية ازداد الغباء .
• كانت معركة الفكر و لا تزال معركة ضد الدوغماطيقية بكافة أشكالها .
• الشك يعذبنا نعم , لكن الدوغماطيقية تقتلنا .
في النهاية لابد لنا من بعض الدوغماطيقية الخفيفة طالما أننا لا نزال في طريقنا إلى الأجوبة المطلوبة لكل الأسئلة الأزلية التي لاتزال مطروحة , لكن أيضاً لابد من اجتراح مصطلح " الشكنقدية " كمصطلح مقابل يسمح لنا بالشك الدائم عبر تكرار طرح الأسئلة ذاتها أو ما يستجد منها في العقل البشري و محاولة الإجابة عنها بكل حرية و ثقة و عقلانية , و يعطي الدوغماطيقية جرعات مهدئة تعمل على تخفيف حدة آثارها الإرهابية على الصعيد العنفي الفكري و الاجتماعي , عسانا نستطيع تحجيم دوغماطيقيتنا قليلاً , فإذا ما اعتقدنا بضرورة وجود المصطلحين معاً , استطعنا التعايش مع الشك و مع سعينا للفهم و البحث و المعرفة في نفس الوقت , و بهذا يصبح لدينا مصطلحان من نار , كل منهما ماءٌ للآخر , فإذا ما داهمنا اليأس و الإحباط من كل هذا العبث و الفوضى الفكرية التي نحن فيها , لجأنا إلى الدوغماطيقية فأراحت سريرتنا و هزت سرير أدمغتنا كأم حنون , و إذا ما طال نومنا صرخت بنا " الشكنقدية " فأيقظتنا من غفوتنا لنباشر السؤال و البحث من جديد عن الحقيقة , لا المطلقة التي تمتلكها المعتقدات الدوغماطيقية , بل عن تلك التي رآها غاستون باشلار و عرفها بأنها : خطأ مُصَحَح باستمرار , عسانا نصل إلى قلوبٍ كقلب سلطان العارفين ابن عربي :
لقد صارَ قلبي قابلاً كلَ صُورةٍ * * فمرعىً لغزلانٍ و دَيرٌ لرُهبـَانِ
و بيتٌ لأوثانٍ و كعبةُ طـائفٍ * * و ألواحُ توراةٍ و مصحفُ قرآنِ
أديـنُ بدينِ الحُبِ أنّى توجّهتْ * * ركائـبهُ ، فالحُبُّ ديـني و إيمَاني [30]

-------------------------------------------
المراجع و المصادر :
[1] : موسوعة لالاند الفلسفية المُعرّبة – أندريه لالاند – الطبعة الثانية 2001 م – تعريب خليل أحمد خليل – صفحة 297 .
[2] : نفس المصدر السابق صفحة 296 , 297 .
[3] : نفس المصدر السابق
[4] : نفس المصدر السابق
[5] : تعريف الناسخ و المنسوخ – ناصر عبد الغفور
[6] : نفس المصدر السابق
[7] : الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم – ابن سلامة – مقدمة المؤلف
[8] : الناسخ و المنسوخ للنحاس – باب الترغيب في تعلم الناسخ و المنسوخ
[9] : نفس المصدر السابق
[10] : الإتقان في علوم القرآن – جلال الدين السيوطي
[11] : نواسخ القرآن للعلامة ابن الجوزي
[12] : الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري – نواسخ القرآن للعلامة ابن الجوزي – الناسخ و المنسوخ للنحاس
[13] : جوزيف إرنست رينان من محاضرته الشهيرة " المذهبية الإسلامية و العلم " – فقرة 2
[14] : كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي و العالم – يوسف الطويل – صفحة 294
[15] : نفس المصدر السابق
[16] : نفس المصدر السابق
[17] : نفس المصدر السابق
[18] : من مقالة في جريدة الرياض بعنوان الخنفشاريون للكاتب تركي الدخيل , انظر أيضاً : خنفشار – ويكيبيديا
[19] : جوزيف إرنست رينان من محاضرته الشهيرة " المذهبية الإسلامية و العلم " – فقرة 10
[20] : راهنية التفكير الفلسفي , عبد السلام بنعبد العالي , مقال في مجلة الفيصل تاريخ 1 أيلول - 2019
[21] : عنف الوثوقية , عبد السلام بنعبد العالي , مقال بتاريخ 23 أيار - 2015 في موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود , زيارة الموقع بتاريخ : 5/5/2022 https://www.mominoun.com/articles/%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%A9-2789
[22] : هاشم صالح , مقال بعنوان : عندما يرثي نيتشه نفسه .
[23] : محمد أركون , الفكر الإسلامي – قراءة علمية , مقدمة المترجم هاشم صالح صفحة : 5,6,7 , مركز الإنماء القومي , الطبعة الثانية , 1996 , انظر أيضاً :
The Nature And Meaning of Dogmatism , Milton Rokeach , https://www.all-about-psychology.com/dogmatism.html
[24] : نفس المصدر السابق
[25] : نفس المصدر السابق
[26] : نفس المصدر السابق
[27] : نفس المصدر السابق
[28] : نفس المصدر السابق
[29] : نفس المصدر السابق
[30] : محي الدين بن علي ابن العربي , ديوان ترجمان الأشواق , دار المعرفة , بيروت – لبنان , الطبعة الأولى 2005 م , صفحة 62



#أيهم_نور_الصباح_حسن (هاشتاغ)       Ayham_Noursabah_Hasan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المزرعة السورية السكسونية
- قانون الجريمة المعلوماتية السوري الجديد .. مسخ جديد في المزر ...
- لماذا روسيا هي الحليف لا غيرها ؟
- المؤيدون السوريون بين قمع السلطة و حقد المعارضة
- إرهاب غويران - بين ملحمة تلفزيون سوريا و قومجية بثينة شعبان
- عربٌ .. ولا أَنعَمْ
- سورية و القتلُ كَمَدَاً
- عبقرية الحمار
- مبحث في النفاق - نظرة مُغايرة
- - الاسترقاق - الرئاسي في سورية و متلازمة ستوكهولم
- سورية : عشرُ سنينٍ من الأنين
- هل حقاً دفعنا كسوريين الثمن ؟
- نحو فهم السوري المدافع عن الحليف باستماتة
- السوريون و ضبابية الهوية
- أوغل خازوقك فينا
- الخنوع و الانبطاحية باسم التنوير و العقلانية - مقال الشيخ ال ...
- العقل العربي و نظرية المؤامرة
- الشعوب العربية بين مطرقة الاستبداد و سندان الإسلاميين


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيهم نور الصباح حسن - الدوغماطيقية إرثنا المانع للفهم – نحو دوغماطيقية أقل عنفية