أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل انفرط عقد الوُدّ بين جماعة العدل والإحسان ، وبين حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) .. مسيرة الرباط .















المزيد.....


هل انفرط عقد الوُدّ بين جماعة العدل والإحسان ، وبين حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) .. مسيرة الرباط .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7456 - 2022 / 12 / 8 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما تم تأسيس " الجبهة الاجتماعية المغربية " في 9 نونبر 2019 ، تشكلت الجبهة من مجموعة أحزاب من بينها حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، وحزب المؤتمر الوطني ، والحزب الاشتراكي الموحد ، الذين فشلوا في تحقيق الوحدة ، ضمن اطار ما كان يطلق عليه ب " فدرالية اليسار الديمقراطي ، الذي انفرط عقدها عندما تخلى عنها الحزب الاشتراكي الموحد الذي دخل بالنائبة نبيلة منيب الى برلمان السلطان ، كما دخل حزب المؤتمر الوطني بنائبة واحدة الى نفس البرلمان . إضافة الى هذه المكونات ، ضمت الجبهة فعاليات غير معروفة في الساحة ، ومنها مَنْ أعضائه تحسب على رؤوس الأصابع ، أي لا يتعدى عشرة اشخاص ، ولا أثر ولا تأثير لها في المجتمع مثل :
-- الجمعية المغربية لحقوق التلميذ . ( ؟ ) .
-- منظمة حريات الاعلام والتعبير . ( ؟ ) .
-- التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد . ( ؟ ) .
-- الجامعة الوطنية للتعليم . ( ؟ ) .
-- قطاع الجامعيين الديمقراطيين . ( ؟ ) .
-- تيار الأساتذة الباحثين التقدميين . ( ؟ ) .
-- جمعية مواهب للتربية الاجتماعية . ( ؟ ) .
-- جمعية التنمية للطفولة والشباب . ( ؟ ) .
-- الجمعية المغربية لحقوق التلميذ . ( ؟ ) .... الخ .
وحتى يتم تضخيم عدد الهيئات المكونة " للجبهة الاجتماعية المغربية " ، لإعطائها وزناً أمام أعين السلطة العارفة بحقيقة مكونات " الجبهة " ، ستتم الإشارة الى عضوية بعض التنظيمات ، وفي نفس الوقت الإشارة الى عضوية فروعها التي هي جزء منها ، فتم تقديمها وكأنها هيئات مستقلة عنها ، ولا علاقة لها بها مِثْل مثلا :
-- الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، النقابة الوطنية للتعليم الكنفدرالية الديمقراطية للشغل .
-- شبيبة فدرالية اليسار ، حزب الطليعة ، الحزب الاشتراكي الموحد ، وحزب المؤتمر الوطني ، مع العلم ان هذه الشبيبة هي نفسها هذه الأحزاب التي لم تعد كما كانت بعد هجرتها من قبل الاشتراكي الموحد .
-- شبيبة حزب الطليعة ، والحزب نفسه تنتمي اليه شبيبته .
-- منظمات نساء حزب المؤتمر ، وهو نفسه الحزب يتكرر اسمه ثانية بلائحة الهيئات أعضاء الجبهة .
-- القطاع النسائي لحزب الطليعة ، وكأن هذا القطاع إن وُجد لا علاقة له بالحزب المذكور .
-- القطاع النسائي لحزب الاشتراكي الموحد ، وكأن لا علاقة لهذا القطاع إنْ وُجد بالحزب المذكور كذلك ..
-- شبيبة حزب النهج ، وكأن الشبيبة ليست الحزب .... الخ .
واضح اذن من هذا التكرار ، هو التضخيم في أعين السلطة ، وفي نفس الوقت إخفاء الضعف البيّن . فإذا كانت وضعية الأطراف الرئيسية في الجبهة ، حزب الطليعة ، الحزب الاشتراكي الموحد ، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي من الضعف بمكان ، وهو ضعف ما بعده ضعف ، ويكفي ان يدخل الاشتراكي الموحدة بنائبة واحدة الى البرلمان هي نبيلة منيب ، ويدخل المؤتمر الوطني بنائبة واحدة ، في حين فشل حزب الطليعة مرتين من دخول البرلمان ولو بنائب واحد ... ، فكيف يتصور ضعف الهيئات الاخريات للجبهة ، وهي هيئات غير معروفة على الاطلاق مثلا : هيئة قطاع الجامعيين الديمقراطيين ، تيار الأساتذة الباحثين التقدميين ، الجمعية المغربية لحقوق التلميذ ، منظمة حرية الاعلام والتعبير ، جمعية مواهب للتربية الاجتماعية ، جمعية التنمية للطفولة والشباب ، الجمعية المغربية لحقوق التلميذ ...... الخ .
فهل حقا هذه الهيئات هي من يقف وراء المسيرة التي تم تنظيمها بالرباط ضد الغلاء الفاحش ، وضد القمع ، والجبر ، والقهر ، وضد تغول البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي الطقوسي القروسطوي ، أم أن الفقر المدقع ، والفاقة ، وظلامية المشهد ، وطمس أي تطلع للمستقبل بإغلاق الأبواب في وجه الفقراء ، هو من دفع بجموع المشاركين في المسيرة الى النزول الى الشارع ضد الغلاء وضد تغول الدولة البوليسية ..
وهنا . لماذا غابت " جماعة العدل والإحسان " التي كانت وحدها تزلزل المسيرات بعدد أعضائها ، وبتنظيمها المليشياوي المُحكم ، وشعاراتها الرنانة .. هل تغيبت الجماعة لأنها ليست معنية بشعارات الجبهة التي هي ليست عضوا فيها ، أم انها تغيبت لعدم اقتناعها بتلك المسيرات الخبزية وليس السياسية ، أو أنّ ما يهم الجماعة ، ليس التنافس مع كيانات اكثر ضعيفة ، تتحرك باسم جبهة تضم كائنات بأسماء سموها فقط ، ولا علاقة لها بالقانون الطبيعي المتحكم في الساحة ، أم أنّ الجماعة تترقب الفرصة السانحة لتوجيه ضربتها المُصوّبة ، باستعمال الجماهير التي تكون مشحونة بشعارات الوضع الخطير للصراع على الحكم ، وليس على طرف خبز Un morceau de pain ، سيما وأنّ الوضعية الحالية تفرّخ لاستراتيجية البديل ، وتتناقض مع شعارات أصحابها مخزنيون وسلطانيون ، اكثر من المخزن ، واكثر من السلطان الذي يشاركون في استحقاقاته السياسية لتنزيل برنامج السلطان ، لا برنامج هذه الكائنات الغير موجود في ظل اختلال ميزان القوة في المجتمع ..
فهل سبب عدم مشاركة جماعة العدل والإحسان في مسيرة الرباط ، هو اعتبار الجماعة انّ المسيرة تخدم الوضع القائم ، نظرا لان الداعين اليها ، هم جزء من الدولة السلطانية التي يحكمها وحده السلطان ، دون غيره من التوابع التي يجيز لها أحيانا بطريق غير مباشرالتصرف باسمه ، وهنا تكون الجماعة ترفض التناقض بين رفع شعارات خبزية ، وفي نفس الوقت الانخراط في مشروع السلطان الاستحقاقي السياسي المسؤول عن التفقير الذي يوجد فيه المجتمع ..
ولنا ان نتساءل . لماذا لم تنضم جماعة العدل والإحسان الى " الجبهة الاجتماعية المغربية " ، التي عنوانها أكبر منها . هل اعترض على انضمامها البعض من الذين يكُونُون وراء الدعوة الى بناء جبهة من لا شيء ، كالبناء بدون أساس ، وهم أعداء الجماعة وعلى رأسهم حزب الطليعة ، والحرب الاشتراكي الموحد الذين رفضوا التنسيق مع الجماعة غداة حركة 20 فبراير ، وهم متخوفون من قوتها ، ومن تنظيمها ، ويرفضون شعاراتها التي تتمحور وتدور حول نظام الخلافة . وهنا ما العمل بالسنة لحزب النهج الديمقراطي العمالي ، الذي بعد انْ عاد ( عداوة ) الجماعة سابقا ، عاد لينسق معها في اوج حركة عشرين فبراير ، ووصل التنسيق الى بلورت نفس الشعارات ، او طرح شعارات مشتركة ، كعدم الالتزام بسقف معين في طرح المطالب ، ومنها طرح كنقيض حل الجمهورية اذا رغب الفبراريون وليس الشعب الغائب في ذلك ، مع عدم استبعاد حل الملكية البرلمانية على الطريقة الاوربية ، وهنا يلتقيان معاً مع أطروحة هشام بن عبدالله العلوي ، الذي يدعو الى دمقرطة النظام للحفاظ عليه .. وهنا أليست مواقف جماعة العدل والإحسان ، وحزب النهج الديمقراطي المرخص له بقرار لوزير الداخلية ، هي نفسها مواقف هشام العلوي التي هي دمقرطة الدولة للحفاظ عليها ، فتكون بذلك مطالب الجمهورية مجرد مزايدة رخيصة فرضها الظرف وواقع الحال . وهنا وفي اطار برنامج الحفاظ على الدولة ، فمع منْ ستتم تلك المحافظة ؟ . هل مع السلطان محمد السادس الذي يعرف طاقمه استحالة الخروج من نظام السلطنة ، الى نظام الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ، وليس الملكية البرلمانية الاوربية والكونية ، والنظام السلطاني يعتبر حتى هذا المطلب في حدوده الضيقة ، لأنه يشتغل على ديمومة دولة السلطان ، من خلال الاحتفاظ له بالسلطة الدينية التي تُؤلّهه ، وتجعله فوق الجميع ، بمثابة مزايدات سياسوية ، لا تقل شأنا عن المزايدات المطالبة بالجمهورية ..
فحزب النهج الديمقراطي العمالي ( أين العمال الذين فشل ماركس في العثور عليهم ليتحدوا ) ، دخل في عمل مشترك مع جماعة العدل والإحسان إبّان حركة 20 فبراير ، ونتج عن هذا التعاون ، تبادل الزيارات القيادية في مناسبات مختلفة .
ان هذا الدخول الذي ميز موقف النهج عن موقف الطليعة ، وموقف الاشتراكي الموحد ، و الرافض أيّ تعامل مع " جماعة العدل والإحسان " ، يجعل من حزب النهج في مواقف صعبة ، حلها يتطلب الجرأة والشجاعة في تحديد منِ الأخ ، وتحديد منِ الصديق ، وتحديد منِ الرفيق .. فمشاركة حزب النهج في مسيرة الرباط التي تخلّفت عنها جماعة العدل والإحسان التي كانت مشاركتها في المسيرات تحدث التمييز والاستثناء ، جعلت منه يحدد موقعه الذي هو التعاون وليس التحالف مع حزب الاشتراكي الموحد بالأساس ، ومع حزب الطليعة في القضايا المشتركة او التي قد تكون مشتركة ، ويبقى مستعدا لنفس السياسة مع حزب المؤتمر الوطني .. وبذلك ومن خلال تصريحات بعض أطر حزب النهج الذين اعتبروا انّ مسيرة الرباط هي مسيرة ( اليسار ) ، وليست مسيرة الإسلام السياسي ، يكون حزب النهج قد اختار خندقه وحلفاءه ، وطبعا هم أحزاب اليسار السلطاني الذي يؤثث كل استحقاقات السلطان السياسية ، وهم طبعا الأحزاب المرخص لها بالنشاط السياسي بقرار لوزير الداخلية . أما برنامج جماعة العدل والإحسان ، ومشروعها العقائدي ، فمن جهة يتناقض مع مشروع السلطان ، خاصة في مجال الإمامة ، والرعية ، والدولة السلطانية ، وهم حين يرفضون منحه الشرعية الدينية ، فهم يطعنون ليس فقط في شخص السلطان ، بل يطعنون في شرعية الدولة السلطانية من أساسها التي يعتبرونها جبرية ومارقة ، ويبشرون بحتمية سقوطها ، وبقرب هذا السقوط ، إضافة الى هذه الأرضية والمصالح المتضاربة ، فالجماعة وبخلاف أحزاب ( اليسار ) حزب الطليعة ، والاشتراكي الموحد ، والمؤتمر الوطني الاتحادي ، والنهج ، فهي لم تحصل على ترخيص النشاط السياسي ، ويكون وضعها بالنسبة لهاته الأحزاب التي تتحرك ضمن قوانين الدولة ، بمثابة الوضع الشاد عن القاعدة التي تحكم العمل السياسي لكل المكونات السياسية في الساحة .
وبما انّ حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) المرخص له ، يدعو الى الدولة الديمقراطية ، مرة في شكلها الملكي الديمقراطي ، ومرة في شكل نظام جمهوري دكتاتوري يخضع لسلطة الطبقة العاملة الغير موجودة ، فان كل شطحات الحزب تبقى شطحات مزايدة ، لا تقل عن مزايدة جماعة العدل والإحسان حين تدعي اشتغالها على نظام الخلافة الذي لن يكون ابدا ..
وهنا . اذا كان البرنامج العملي لكل حزب ، من المفروض ان يكون مستوحى من المشروع العام الذي نظر له ، فكيف لحزب النهج انْ يواكب ويقارب بين شعارات الدولة الديمقراطية ، خاصة في نموذجها الجمهوري الدكتاتوري ، وبين الوسائل والآليات المعتمدة للوصول الى الدولة التي تقودها الطبقة العاملة الغير موجودة بالمفهوم الماركسي للبروليتارية ... فهل وزن حزب النهج وبشكل منعزل ، قادر على الوصول الى نظام الجمهورية العمالية الغير موجودة في العالم .. وهنا هل كوريا الشمالية والصين الشعبية هي أنظمة عمالية ؟
ولو لم تكن مطالب حزب النهج مطالب مزايدة ، كان له على الأقل عوض ترديد قيادة الطبقة ( العاملة ) للجمهورية الشعبية ، ان يدعو الى نظام الجمهورية البرلمانية كالجمهورية الإيطالية .. بل وفي حالة الدولة السلطانية التي تثبّت مشروعية حكمها على التقاليد المرعية والطقوس المتوارثة ، والحنين الى المجتمع القروسطوي الذي يؤثثه الرعايا في الدولة الرعوية ، تكون الدعوة الى الملكية البرلمانية ذات الخصوصيات المغربية ، رغم انها ضمان استمرار دولة السلطنة ، مزايدة مرفوضة ، فأحرى ان يكون موضوع الطلب السياسي ، الملكية البرلمانية الاوربية ، او ان يكون موضوع الطلب الجمهورية البرلمانية ، فأحرى الجمهورية الدكتاتورية بقيادة دكتاتورية العمال ..
فهل كانت مسيرة الرباط ، قد حسمت الفرز السياسي بين معارضة الإسلام السياسي الغير مرخص له ، ويسيطر على الساحة ، وبين معارضة رخوية باسم اليسار الذي مات مع قرارات المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، واصبح وجوده بعد الفشل الذريع ، وبعد ارتماء أكثرية أعضائه في حضن الدولة يخدمونها ، بعد ان نظروا لقلبها طيلة الستينات والسبعينات .. وهنا أليس المواجهة التي يعبر عنها بأشكال مختلفة ، هي بين الإسلام السياسي ، وبين الدولة السلطانية الغارقة في الطقوس السلطوية ، وفي التقاليد المرعية ، وهو ما يجعل الصراع في اصله عقائدي لبلوغ المشروع السياسي ، سواء مشروع الإسلام السياسي المعارض والرافض للدولة السلطانية ، او مشروع الدولة السلطانية المطبق على الأرض .. وهنا فان الأحزاب الضعيفة التي تتحرك باسم اليسار ، والمرخص لها بالنشاط السياسي من طرف وزارة الداخلية ، وهي بهذا الترخيص ، تكون قد اعترفت بالدولة السلطانية في شكلها التقليدي ، ستجد نفسها صفا صفاً ، والى جانب صف السلطان ، في مواجهة الخطر الداهم الذي هو مشروع الخلافة الأكثر بشاعة وقبحا من نظام الدولة السلطانية .. وقد يكون هذا نوع من التحالف الغير معلن عنه ، لكنه يجري على الأرض ، بين الدولة السلطانية وبين أحزاب ( اليسار ) لمواجهة منظمات الإسلام السياسي ، وهو ما قد يبرر غياب جماعة العدل والإحسان عن المشاركة في مسيرة الرباط ضد الغلاء وضد القهرة ، وضد القمع والقهر ، وضد تغول البوليس السياسي الخارج عن القانون ..
من حيث المبدأ العام سنجد شعارات تطبعها المزايدات تصدر عن أحزاب ( اليسار ) الضعيف ، وهي شعارات قد تنشد الدولة ، كما نجد مزايدات تعكسها شعارات الإسلام السياسي الذي يشتغل على مشروع الخلافة ، ومنهم من يشتغل على مشروع الجمهورية الإسلامية .. لكن السؤال .. هل في ظل التفرقة ، وفي ظل الفرز إسلامي / يساري ، وفي ظل التباعد وحتى التطاحن ، والنفور من بعضهم البعض ، يمكن تصور نجاح مشروع معارض لمشروع الدولة السلطانية المخزنية البوليسية ، ينتهي إمّا بالدولة الديمقراطية في شكلها الملكي البرلماني الذي يؤيده هشام بن عبدالله العلوي كرمز مستقبلي للوحدة ، هذا اذا كان المنتهى الملكية البرلمانية الكونية ، او في شلكها الجمهوري ، ونظرا لغلبة الإسلام السياسي ، فستكون جمهورية إسلامية الأقل ضررا من نظام الخلافة الفاشي ..
الآن بهذا التباعد ، وبهذا النفور ، والفرز التنظيمي المستمد من اصل المشروع ، تكون الساحة السياسية ليست ضعيفة ، بل هي ساحة فارغة ، ومن يملئها مستغلا هذا النفور والتطاحن والتباعد ، النظام السلطاني المخزني ، وبوليسه السياسي الفاشي الخارج عن القانون ..
ان هذا الوضع يعني الفشل التام الذي أصاب جميع المشروعات العامة في الوصول الى تنزيل المشروع .. ويبقى المشروع المسيطر لوحده وبالوسائل الأيديولوجية ، هو المشروع السلطاني الذي ينفر من التغيير ومن الإصلاح ..
ان مسيرة مدينة الرباط ضد الغلاء وضد القهر ، وضد القمع والخنق ، وضد تغول واعتداءات البوليس السياسي ، رغم انّ هذا العنوان هو اكبر من اصحابه ، اعتبرتها جماعة العدل والإحسان مسيرة خبزية ، وليست مسيرة سياسية ، واعتبرتها مسيرة داعمة للنظام السلطاني وليست ضده ، لان الداعين لها سلطانيون ومخزنيون اكثر من السلطان واكثر من المخزن ، ويكفي انهم يشتغلون ضمن قوانين الدولة السلطانية لا خارجها ، ويؤثثون جميع استحقاقاته السياسية . فهي بذلك اعتبرت شعاراتها تدعو الى تحسين شروط العبودية ، ولا تدعو الى القضاء عليها .. والسؤال . لماذا رفع المشاركون في المسيرة شعار " أخنوش ارحل " ، مع العلم ان أخنوش موظف سامي بإدارة السلطان مكلف بتنزيل برنامج السلطان الذي افقر الشعب ، ولم يرفعوا شعار " ارحل " لبرنامج السلطان المسؤول وحده دون غيره على الوضع المُزْري الذي يوجد فيه وعليه المغرب ؟ . وهنا هل أحزاب ( اليسار ) التي تشارك في استحقاقات السلطان السياسية ، قادرة على شق عصى الطاعة على السلطان ، والوقوف ضد برنامجه وليس ضد شخصه ، وأجهزة السلطان السلطوية هي منْ رخصت بالاشتغال السياسي لأحزاب يسار السلطان ، كما تفعل جماعة العدل والإحسان ولو بشكل محتشم بسبب القمع المسلط ، وبسبب انّ هذا الصراع هو ثانوي مقارنة مع الصراع العام الذي يهدف المجتمع ويهدف الدولة ..
لكن اذا كانت جماعة العدل والإحسان تعتبر نظام الدولة السلطانية المخزنية ، نظام عبودية ، وتعتبر شعارات مسيرة الرباط دعوات لتحسين شروط العبودية خاصة في جانبها الخبزي ، وفي جانب الحد من تغول البوليس السياسي ، فكيف سيعتبر معارضوها من أحزاب ( اليسار ) السلطاني ، دعوتها لبناء نظام الخلافة الأكثر عبودية وتخلفا من أي نظام في الدولة السلطانية ، ولو كان نظام هشام بن عبدالله العلوي .. ؟ لان القضية تصبح قضية عائلات تتولى الحكم ، وليست قضية رعايا يطمحون الارتقاء الى مصاف شعب ، ليكونوا حقا مصدر السلطة التي تحكم دولة الجمهورية الإسلامية التي ستصبح الدولة الجديدة ..
ان دعوات المطالبة بالحكم ، وليس المشاركة في حكومة السلطان كموظفين سامين ، تكون جوفاء وخاوية الوفاض ، إذا لم تحصل ضمن كتلة تاريخية ، وليس ضمن جبهة ك " الجبهة الاجتماعية المغربية " . والسؤال . من هي التشكيلات السياسية ، والمنظمات الجماهيرية المتغلغلة في الساحة ، والمؤهلة وحدها لتأسيس كتلة تاريخية تقدمية تجمع اليسار الحقيقي ، ومنظمات الإسلام السياسي .
يمكن العثور عن ابرأه وسط التبن او في القشّ ، ومن السهولة ايجادها ، من إيجاد أحزاب ومنظمات من نفس وعي وقوة أحزاب الستينات والسبعينات ..
لكن اذا حصلت هزة اجتماعية عنيفة فجأة ، ونزل الشعب الى الساحات في كل المغرب ، يمكن انتظار خلق لجان محلية ، وجهوية ووطنية ، للأخذ بزمام المبادرة .. في اطار بلورت كتلة تاريخية ، او في ظل نظام جبهوي ستكون فيه السيطرة والغلبة للإسلام السياسي لا لغيره ..
أيْ الخروج من نظام دولة سلطانية قامعة ، الى نظام يحكم باسم الإسلام اكثر رجعية وفاشية وخرافة ، خاصة اذا كان يؤمن بالرؤية وبالأحلام في بلوغ نظام الخلافة ، او نظام الجمهورية الإسلامية التي تعيشها ايامها العصيبة هذه الأيام في ايران ..
فمن دون الشعب ، ومن دون الكتلة التاريخية التي تكونها الأحزاب ذات المصداقية لارتباطها بالدفاع عن الشعب ، فان اية مسيرة ، وكيفما كانت شعاراتها ستكون للتنفيس ، ولوضع العصا في عجلة التغيير التي شروطها متوافرة اليوم وبكثرة .
النظام الذي كان يفكر مليا في هذه المرحة ، اشتغل عليها ليل نهار منذ ان ألمّ المرض الخطير بالسلطان الراحل الحسن الثاني L’emphysème ، وأصبحت نهاية أيامه حتمية .. فالاشتغال بدأ بتمييع المجتمع وافراغه من مضامينه الاسرية ، وفي بث ثقافة التضبيع بتعبير الدكتور محمد جسوس ، وبشراء ذمم الأحزاب والنقابات ، وبجولات الانصاف والمصالحة ، وفتح ثغور الدولة لليساريين الذين تابوا بعد ان فتحوا لهم صنابير Les robinets من ضرائب الشعب ، فتم افراغ الساحة التي بقي وحده فيها النظام الذي نجح في جعل الجميع يسبّح بحمده ، ويتطلع لفتاته ، وينتظر بكل صبر ان يناديه النظام ليلعب دورا من الأدوار ، في حين ان النظام وبعد ان تمكن ، أهان Pedro Sanchez ، وفخخ هاتف Emanuel Macron ، وتحدى الجزائر حين استقدم على حدودها دولة إسرائيل التي اخرج تطبيعه معها الى العلن ، بعد ان تحدى كل معارضي التطبيع وعلى رأسهم الجزائر ..
فإذا كان النظام قد تحدى فرنسا ، واسبانيا ، والجزائر ، وألمانيا ، ولم يكترث لقرارات مجلس الامن ، ولا قرارات الجمعية العامة ، ولا اعترف بقرارات محكمة العدل الاوربية ... الخ ، فما بالك بكائنات بعد ان أرجعها مجرد صدفيات ، بدأ يتلاعب بها كيف أراد وشاء طولا وعرضا ...
فمن يملك الجرأة على دعوة الشعب / الرعايا للنزول الى الشارع ؟
لا أحد .. وحتى إنْ وُجد افتراضا ، هل ستلقى دعوة النزول الى الشارع الاستجابة المطلوبة ، وأمامنا ترقص في الحلبة على سمفونية النظام ، ثلاث أجيال من الضباع كما عبر ذات يوم جميل عالم علم الاجتماع الدكتور محمد جسوس ..
النظام ربح الحرب ، وقبلها ربح جميع المعارك التي دارت بين فرق الصراع بطرق مختلفة .. الساحة فارغة " كتْصفّرْ " .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيرة الرباط الشعبية ضد الغلاء الفاحش ، وضد دولة البوليس الج ...
- تغيير المجتمع
- هل الدولة السلطانية المخزنية العلوية البوليسية قابلة للإصلاح ...
- مستقبل العلاقات المغربية الاسبانية
- البوليس السياسي
- ( الجريمة ) السياسية
- أنا جمهوري . أنا ملكي – أنا ملكي . أنا جمهوري
- معارضة ومعارضة
- أول معارضة ظهرت كانت اسلامية قبل ظهور ماركس ، ولينين ، وماو ...
- ثمانية عشرة سنة مرت على تسميم ياسر عرفات
- 14 نونبر 1975 -- 14 نونبر 2022 .. ذكرى إتفاقية مدريد المشؤوم ...
- الصراع ( السني ) ( الشيعي ) على نظام الخلافة الاسلامية .
- الثقافة قضية والقضية هي التغيير
- النظام السياسي المغربي نظام سلطاني مخزني وبوليسي بامتياز
- عودة اليمين الى الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ، وفي اس ...
- إدارة الفايسبوك
- إعلان طنجة لطرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الافريقي . رق ...
- دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .
- نحو بديل سياسي إسلامي لتسيير الشأن العام – دولة الشورى . الش ...
- المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو . 13 و 14 و 15 و 16 ينا ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - هل انفرط عقد الوُدّ بين جماعة العدل والإحسان ، وبين حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) .. مسيرة الرباط .