أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - تغيير المجتمع















المزيد.....


تغيير المجتمع


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7451 - 2022 / 12 / 3 - 18:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل من الممكن تغيير المجتمع ؟ وإذا كان التغيير مطروحا لتغيير نمط حياة المجتمعات ، فكيف يمكن التغيير . هل سيكون تغييراً أفقيا او سيكون تغيير عموديا ؟ ، وما هي الجوانب التي سيشملها التغيير ، ومن هي الفئة أو الطبقة حاملة مشعل التغيير ، وفي أي إتجاه ، وفي أي أفق سيُدفع بالتغيير للوصول الى مجتمع الحلم والفضيلة .. لكن السؤال وفي المجتمعات الراكدة والمتخلفة كالمجتمع المغربي ، هل سيبدأ التغيير من فوق ام سيبدأ من تحت ؟
عندما يتحدث علماء والمشتغلون بعلم السياسية ، وبالعلوم السياسية الحقة ، والمشتغلون بعلم الاجتماع السياسي ، وبالعلوم الاجتماعية ، والأنثروبولوجيون .. عن تغير المجتمع او تغيير المجتمعات ، فذلك انّ تمة معضلة معطِّلة للنمو ، ومعرقلة للجديد ، تقتضي التغيير ، وتقتضي التظافر والابداع في خلق الجديد الإيجابي ، المعوض للقديم السلبي الذي أنهك الجميع ، وفقّر الجميع ، وخدم الأقلية المترفة الجشعة التي تسيطر على الدولة ، للمزيد من الإغتناء الفاحش ، وللمزيد من القمع واللّجم ، لتكميم الافواه المعارضة المُنادية بضرورة التغيير ، لخلق التوازن المادي والسيكولوجي داخل المجتمع ، بنوع من الشفافية والدمقرطة التي تستلزم التنازل ، للحفاظ على وحدة المجتمع الراكد ، المهدد بالتمزق في كل وقت وحين ..
أحيانا يعتقد بعض دعاة التنوير المتنورين ان أساس الازمة العامة التي تضرب كل النواحي والميادين ، هي ازمة بنيوية في صلبها ، ومن ثم فمجرد القيام ببعض الرتوشات في الضفاف وليس في البناء ، وحده كافي لإحداث التغيير المنشود الذي سيستجيب لتطلعات الجميع ، ويحقق رغبات الكل ضمن الوحدة والانسجام المجتمعي التام . لكن هل يعتبر تغييرا القيام ببعض الإصلاحات الثانوية ، في الوقت الذي يكون أصل الازمة عقيدة أو أيديولوجية ، تتطلب التغيير بالإصلاح ، او بالتجاوز لفائدة الجديد المنتظر .
ان تغيير المجتمع وتغيير المجتمعات ليس بالأمر السهل ، لان التغيير ليس بنزوة لذا دعاة التغيير ، بل هو اقتحام ثوري للطّابو المغلف للعقول ، والحائل دون التغيير . فالدعوة للتغيير من دون استيعاب أصل المشكل الذي هو التقاليد ، والطقوس ، والأعراف البالية ، سيجعل من اية عملية للتغيير عملية جوفاء ستنقلب على الواقفين وراءها ، ولو لوّحوا بالشعارات الرنانة المثيرة للإنتباه من كل حدب وصوب .
ان جميع المجتمعات مُتحضّرة ، لها حضارتها التي تتميز بها . فشعوب الإنكا هي شعوب لها حضارة كالشعوب الافريقية ، لكن المصيبة انّ هذه الشعوب ليست متمدنة ، بخلاف الشعوب الاوربية التي هي شعوب متمدنة واحدة ، لكن لكل شعب حضارته المتميزة التي تميزه عن غيره من الشعوب ، فالشعب الإنجليزي ليس هو الشعب الفرنسي ، والشعبان معا ليسا هما الشعب الاسباني او الإيطالي حيث مقر الفاتيكان . ففرق بين المدنية وبين الحضارة ، وهنا وبالنسبة للمجتمعات الغير مدنية ، هل جائز عقلا وإنسانيا تغيير التقاليد العامة والخاصة لمجتمع ما ، ولو انها تكبل التغيير وترفض الجديد ، وتنفر من التطور ، الامر الذي سيحرم ذاك المجتمع من التاريخ المتوارث الغير مكتوب ، الذي يميز كل شعب عن الشعوب الأخرى .
لقد حصلت أحداث في الماضي بسبب عدم الاقتناع بالواقع المُعاش ، وهدفت إحداث التغيير لتغيير المجتمعات ، وكان البدء في عملية التغيير ، الترويج لشعارات التحفيز والتهييج ، والاقناع بصحة الخط ، وبصحة الجديد الذي سيكفينا شر البلية ، ويخلصنا من أثقال سنين الانحطاط ، والتخلف ، والاجترار . فتم تهييج الساكنة العامة التي انخرطت بدون مقدمات في موجة التهييج والتحفيز مسايرة للموجة ، وليس قناعة ، أيْ دون اقتناعها بضرورة القطع مع التقاليد والطقوس البالية ، التي تجد نفسها فيها دون غيرها من المراجع المُنزلة من فوق ، ولم تأت من تحت ..
لكن رغم الحملة التي كانت قوية الدعاية والخطابة ، فهل نجحت في تغيير أصل المجتمعات التي ظلت تحافظ على نمط عيشها ، ومجترة لتقاليدها ، ولو اختلفت مع صدى الشعارات المرددة ، وهل نجحت كل تلك الحملات في احداث التغيير الموعود ، ومن ثم حصل تقدم المجتمع الراكد العصي عن التغيير ؟
عندما جاءت الثورة الروسية ، جاءت بشعارات التغيير التي لعبت في وقت من الأوقات ، دورا في تغيير المظاهر التي سادت تاريخ روسيا القيصرية ، وعندما تم انشاء جمهوريات الاتحاد السوفياتي بشعارات الثورة الروسية ، حصل تغيير على نمط عيش تلك المجتمعات الغارقة في الاستبداد الشرقي ، وفي ثقافة التحنيط الثيوقراطية للكنسية الأرثودوكسية . فسادت فترة من الوقت جاوزت السبعين سنة ، كلها كانت تتفاعل مع الشعارات المُروجة والمُرددة التي كانت كلها تدور حول الانسان ، وحول التحرر ، والمساواة ، وتلكم الأركان الأساسية لأيّ تغيير .. لكن هل نجحت الثورة الروسية في تغيير المجتمع بالقطع مع ثقافة التحنيط ، وبالقطع مع تقاليدهم المرعية ، لان لكل شعب اصوله ، وطقوسه ، وتقاليده المرعية يظهرها في أوقات الرخاء ، ويخفيها في أوقات الشدة والخطر المحدق به .
طبعا كانت تلك الشعوب كغيرها من الشعوب اللصيقة بالتقاليد المخفية ، تعيش إسكزوفرنيا التي فرضها النظام المجتمعي القمعي الجديد . من جهة تظهر انغماسها في الجديد الذي جاءت به تلك الثورات ، لكنها من جهة أخرى ، كانت تعيش في داخلها ، حقيقتها ، وتقاليدها المرعية ، وطقوسها ، وثقافتها الشرقية في طابعها الاستبدادي المفروض بقوة الأنا التي ليس لها تفسيران ، وتفسيرها هو غلبة التقليد والأصول على الجديد الساقط بالفوضى بعنوان الثورة من فوق .
لذا عندما خرّ الاتحاد السوفياتي ، وتقوقعت كل جمهورية في صدفيتها ، وحُشرت في ركنها ، حتى تفجرت بكل قوة خارقة ، المكنونات التي ظلت مجمدة وليس جامدة ، طيلة سنين الوصاية والسيطرة ، فطفح وطفى على السطح المشاعر القومية ، وحصلت هجرة قوية من الشعارات التغييرية الثورية التي فشلت في تغيير المجتمع ، لفائدة حضارة كل مجتمع من تلك المجتمعات ، وليس لفائدة مدنية كانت مزورة كاذبة ، وفشلت في محو الحضارات المتناقضة مع مظاهر المجتمع المدني . انّ التسونامي الذي أدهش العالم ، وأدهش المنظرين الذين وصلوا الى نتيجة نهاية عصر الأيديولوجية ، هو انتصار عصر العقيدة على عصر الأيديولوجية ، فحصلت هجرة شعبية من الالحاد الذي كان مفروضا من فوق وبقوة السلطة ، الى الكنائس الأروثودكسية الشرقية الأكثر تخلفا من الكنسية الكاتوليكية ، وطفت وطفحت على السطح ، المساجد التي كانت ممنوعة ومغيبة باسم التغيير الذي فشلت فيه شعارات الثورة الأيديولوجية ، فتم العودة من الالحاد الى الايمان .. فالكنسية الأرثوذكسية عادت بقوة الى قاعدتها الشعبية ، والمساجد عادت هي كذلك بكل قوة ، الى تلك المجتمعات التي اعتبر مسيروها انّ الدين أفيون الشعوب ..
فهل ضاعت سبعون سنة من العمل الأجوف ،عندما فشلت الشعارات في تغيير المجتمعات الشرقية التي تحن الى استبداها الشرقي ، وبما فيه الاستبداد الديني المتخلف ، ورفضت وترفض أي تغيير اذا مس معتقداتها ، وتقاليدها المرعية ، وطقوسها التي ترى فيها سر وجودها ، والاّ لَمَا كانت شعوبا كسائر الشعوب بها حضارتها الخاصة بها ، وليس بها مدنيات تنتصر الى القيم ، والعقل ، والى السلوك ، ونمط الحياة اليومية ..
اذا كان تغيير المجتمعات من تحت ( الثورة ) قد فشل في تغييرها ، وفشل في دفعها لتقطع مع تقاليدها المرعية ، فانّ نفس الفشل حصل لمن حاولوا تغيير المجتمع من فوق . فرغم شعارات العهد الجديد الذي جاء مع انقلاب عسكري وصفوه بالثورة ، بقيادة العقيد جمال عبدالناصر ، ورغم المحاولات التي قام بها لغرس ما كان يسميه بالاشتراكية الإنسانية الناعمة ( سانسيمون العربي ) ، التي تناقض الاشتراكية في أوجهها المختلفة من ماركسية ، ولينينية ، وستالينية ، وماوية ... ، فان الرئيس جمال عبدالناصر فشل في تغيير المجتمع المصري ، الذي ظل صعيديا تقليدانياً ، ولم يرتقي يوما الى درجة المجتمع المدني ، الذي يزاوج بين المدنية وكانت فوقية شكلية ( السينما والمسرح والممثلين ... ) ، وبين حضارة مصر الفرعونية القباطية ، التي غرقت في تولي الوظائف العامة ( بطرس غالي ) ، وبين المجتمع الصعيدي التقليدي الذي ظل غارقا في التقاليد المصرية القرشية ، لان أهل الصعيد جاؤوا من الطائف ، والمتشبث بالإسلام كدين ، سيفرخ بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر جماعات التكفير والهجرة ، وجماعة الاخوان المسلمين ، وهي الجماعة نفسها فشلت في عملية اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر ..
فهل شعارات الثورة ذات الطابع الاشتراكي الإنساني الناعم التي لوح بها جمال عبدالناصر ، والتغييرات التي حاول إدخالها من فوق على مجتمع قاعدته صعيدية غارقة في الماضوية ، نجحت في تغيير الأصل المصري ، ونجحت في احداث ثورة عقلية ومفاهيماتية ، لِمَا ساد مصر من تحجر وتخلف ، قبل واثناء فترة حكم الزعيم عبدالناصر . واعتقد ان الوضع الذي وجدت فيه مصر نفسها بعد وفاة الرئيس ناصر ، خاصة مع محمد انوار السادات الذي قتل على يد الصعيديين التكفيريين المتعصبين ، وخلفه مبارك الذي كان يلعب على الصورة لتعظيم نظامه الضعيف ، كان اكثر تخلفا من وضع مصر زمن عبدالناصر ، الذي كان يحارب وعلى جميع الواجهات ، فقط بالشعارات الذي يؤكد فعلا أننا أمة الشعارات ، ومن دون الشعارات لن تقوم لنا قائمة تفقأ الأعين بسبب خواء وجوفاء الشعارات ، التي لم تكن تعكس حقيقة العقلية والمجتمع المروجة فيه ..
والسؤال ومن دون المظاهر البراقة والخادعة . هل نجح دعاة التغيير بالشعارات في خلق مصر جديدة ، مصر الحضارة الفرعونية المسيحية القبطية ، ومصر شعب الصعايدة المسلم ، ومصر المدنية التي تثور على التقاليد المرعية ...
ان وضع مصر أيام الملك فاروق ، كان احسن بكثير من وضع مصر زمن جمال عبدالناصر ، وزمن محمد انوار السادات ، وزمن حسني مبارك ، وزمن السيسي ... والسؤال . هل السبب في ذلك يرجع الى نوع العقلية ، او الاعتقادات ، او التقاليد وبما فيها الخرافة ، او ان السبب في البضاعة التي تم ترويجها ، وظلت حبيسة مخططات أصحابها ، ولم تنفد الى المفروض انهم المخاطبين بها ...
ان نفس فشل تغيير المجتمع من فوق الذي صاحب التجربة الناصرية رغم بناء السد العالي ، سيصاحب تجربة الماركسيين الذين حاولوا تغيير المجتمع الافغاني المحافظ ، والتقليدي ، والإسلامي . فلا محمد نورالدين تراقي ، ولا حفيظ الله امين ، ولا بابراك كارمل ( حزبي خلق وبارشام ) ( الشعب والراية ) ، نجح في تغيير المجتمع الافغاني ، الذي ظل ثابتا ومحافظا على اصوله التي استعمل الإسلام في استنهاضها ، بدعامة سعودية ، وخليجية ، وامريكية ، وبريطانية ، بدعوى مواجهة الشيوعية والالحاد .. ان وضع أفغانستان اليوم هو وضع مشفق عليه ، فبعد الحروب باسم الإسلام بين الطوائف والأحزاب الإسلامية ، تنتهي المعركة في يد حركة طالبان المدعومة من المخابرات الباكستانية ، ولتجعل من أفغانستان دولة لا مثيل لها في العالم .. ومثل فترة حكم الملك فاروق في مصر ، فان فترة حكم الملكية في أفغانستان ، كانت احسن بكثير عن مثيلتها في ظل حكم حركة طالبان ، وفترة حكم ( خلْق وبارشام ) ، كانت احسن بكثير من الفترة الحالية لحكم حركة طالبان . والسؤال . لماذا فشل ( الشعب والراية ) في تغيير المجتمع الافغاني الذي ظل تقليديا محافظا متخلفا ، ورفض التغيير بالانتقال من مجتمع متخلف الى مجتمع متقدم ؟ . هل السبب في قصور اللاّئيكيين الشيوعيين الذين كانوا في وادٍ ينظّرون للمجتمع ، في حين انّ الحقيقة والواقع كانا شيئا اخرا ؟ ام ان السبب كامن في الطقوس ، والأعراف ، والتقاليد المرعية التي عارضت حتى شاه مسعود ، فأحرى الشيوعيين الذين تم اعدام رؤساءهم بدون رحمة ، بالمشانق في الساحات العمومية .. ولماذا رغم تفتح النظام الملكي الافغاني ، واقراره بالحريات ، خاصة حرية المرأة ، لم يثُرْ الأفغان على النظام الملكي ، كما ثاروا على النظام الماركسي ؟ ، أم انّ ما كان يطبخ تحت الرماد في الحقبة الملكية ، كان سينتهي بثورة إسلامية كان يحضر لها ضد النظام الملكي ، وعجل بإشعالها في شكل حرب تحرير ، الانقلاب الماركسي ل ( خلْق وبارشام / الشعب والراية ) ، ودخول الجيش الأحمر الى البلاد ، لمساندة الانقلابيين الشيوعيين الجدد ؟
وكما فشل ( خلْق وبرشام ) من فوق في تغيير المجتمع الافغاني الذي كان محافظا ، وزاد محافظة بدخول السوفيات الى البلاد ، سيفشل الحزب الاشتراكي اليمني الماركسي الذي كان يحكم اليمن الجنوبي ، في تغيير المجتمع اليمني الذي ظل محافظا ، رغم الشعارات التي كانت تردد في كل البلاد ، وقد ظهر الرفض للاشتراكي في حرب الوحدة ، عندما حاول الحزب الاشتراكي العودة الى الوضع الذي سبق توحيد الدولتين اليمنيتين الجنوبي مع اليمن الشمالي . فالشعب اليمني المحافظ والمتأسلم ، حارب الى جانب الشمال لنصرة الوحدة ، رغم ان موقف اليمنيين الجنوبيين من حكم علي صالح كان واضحا .. فرغم وجود الحزب الاشتراكي اليمني على رأس الدولة في اليمين الجنوبي ، ورغم سيطرة السوفيات على البلاد باسم العلاقات الثنائية والاستراتيجية ، ورغم شعارات التغيير التي تم رفعها لتغيير المجتمع ، فهذا لم يتغير وظل محافظا ، وكانت النتيجة ، الفشل في تغيير المجتمع الذي يستند على الموروث العقائدي ( الأحزاب الإسلامية ) والموروث الايديولوجي القومي ( الأحزاب الناصرية والأحزاب البعثية ) .وطبعا سيشهد الحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي ، حرب التصفيات والتصفيات المضادة ، فتم اعدام الرئيس سالم ربيع علي بدعوى الارتداد على الستالينية واعتناق الماوية ، واغتيل الرئيس عبد الفتاح إسماعيل ، تم الانقلاب على علي صالح الستاليني ، كما تم ابعاد ابوبكر العطاس .. وقائمة مناضلي الحزب الاشتراكي اليمني كحزب ماركسي يقود دولة اليمن الجنوبي الماركسية تطول وتطول ، لكن الحقيقية التي تجاهلتها قيادة الشعارات ، ان شعب اليمن الجنوبي لم يتمركس ابدا ، ولم يتغير ، فظل وفيا لتقاليده المرعية ، وبما فيها الوفاء لاستهلاك القات المخدر ..
المغرب كغيره من البلاد العربية ، بلد محافظ وتقليدي ، يحكمه سلطان على رأس الدولة السلطانية ، التي تبني نظام حكمها ، ومشروعية سلطتها ، ومؤسساتها على الطقوس والأصول والتقاليد المرعية ، وتبني كل هذا الإرث ، على المشروعية الدينية ، وبانتساب السلطان الى النبي ، أي انه احد احفاده .
انطلاقا من هذه الحقيقة ، خاصة طبيعة الدولة الحاكمة ، فمن الطبيعي ان يكون الرعايا الذين يرعاهم السلطان ، ويشكل إمامهم ، وأميرهم ، لن يكونوا غير تقليديين في مجتمع اكثر من تقليدي ، بل ماضوي ، لان عند تطليق الحاكم للطقوس ، والتقاليد ، وتأكيد الانتساب الى النبي ، مع التشبث بتمثيلية السلطة الدينية التي تعطيه مشروعية الحكم ، يكون بمن يحفر قبره بيده ، ومن تلقاء نفسه ، أي يؤجل الثورة بمفهومها الثيوقراطي ، وليس بمفهومها الأيديولوجي .. وتمت الخطأ الكبير الذي سقط فيه حاكم ايران السابق الامبراطور محمد رضى بهلوي ، عندما تجاهل تمثيله للدين بدعوى لائكية مشوهة ، وترك رجالات الدين يستأثرون بالساحة التي تحكموا فيها دينيا ، مما عجل بسقوط نظام بهلوي الامبراطوري ، وتأسيس جمهورية إيران الإسلامية .
فطبيعة المجتمع المغربي الذي يتكون من الرعايا في دولة رعوية بطريركية ، دفع بالحسن الثاني الى التفطن بهذا الخطر المهدد على الأمد المتوسط للدولة السلطانية ، فكان التحدي هو عندما تم التنصيص في اول دستور على طابع الامارة ، والتأكيد على الطابع الإسلامي للنظام كسبط الرسول .. وقد تجلى هذا الخطر ، في رسالة الأستاذ عبدالسلام ياسين الى السلطان الحسن الثاني شخصيا بعنوان " الإسلام أو الطوفان " ، وتجلت في الشعارات الإسلامية الشيعية التي رددها المتظاهرون في كل مدن الشمال غداة انتفاضة يناير 1984 ..
اذن في مجتمع تقليدي وخرافي ، ومخزني اكثر من المخزن ، حيث يحيي طقوسه المخزنية في افراحه ، وفي مآتمه ، كان لزاما على الدولة ان تجتهد بما يزيد من تعميق التقليدانية والطقوسية التي تنهل من الأصل ، ومن الموروث العقائدي ، ومن ثم الربط بين النظام والدين ، وبين الرعية المتشبثة بالدين ولو نفاقا .
ان هذه الحقيقة ، وهذا الوضع سرّع في الفرز بين المجتمع التقليدي في الدولة الإمامية الرعوية الأميرية ، بين الإمام والراعي والأمير والرعايا التابعة للراعي ، وبين المشاريع الأيديولوجية الواردة من خارج المغرب ، لمحاولة احداث التغيير المنشود داخل المجتمع ، بغية التوعية والاستنهاض لبلوغ الحكم . فكان لتمسك المجتمع بالقيم السلطانية المخزنية التي تحيل الى كل ما هو ماضوي ، الصخرة التي تحطم عليها المشروع البرجوازي الصغير ، وتحطم عليها المشروع الحداثي خاصة الماركسي ، الذي فشل في اختراق المجتمع ، وفشل في التحكم فيه ، بل سنجد انه كلما تقوت هذه التيارات الداعية لتغيير المجتمع كآلية ميسرة للوصول الى الحكم ، كلما زاد تباعد هؤلاء عن المجتمع الذي يرتلون اسمه صباح مساء ، وكلما زاد ابتعاد المجتمع عنهم ، وكلما زاد ارتباط الرعية بالسلطان الإمام الأمير والراعي والبطريركي ، في دولة لا يمكن ان تكون غير دولة بطريركية ورعوية ، وسكانها الذين يمثلون المجتمع ، هم رعايا تقليديين ، بل رعايا ماضويين ، بقدر ما يلتصقون بالتقاليد ، ينفرون من التغيير ومن الجديد ، لأنه يؤلمهم في رأسهم ، وهم المتعودين على حياة الرعية ، مهما كان الراعي قاصيا معهم ، أي حتى وانْ جوعهم ، وهشم رؤوسهم ، وانهال عليهم بعصاه التي تصبح عند الرعية بركة مولوية ، لن ينالها الاّ من رضي الله عنه واحبه ..
ولنا ان نطرح السؤال . لماذا رغم موجة التنوير التي سادت اوربة الغربية خلال الستينات ، وخاصة السبعينات من القرن الماضي ، فشلت تلك الموجة في إزاحة المجتمعات الاوربية عن تقاليدها وثقافتها الخاصة بها ، وانتهت بسيطرة الطقوس الاوربية على العقل الأوربي الذي مثله العديد من الرواد أمثال Jean Paul Sartre ، و Simone
De Beauvoir ، و Maxim Rodinson ... الخ ..
والسؤال بالنسبة لمن يرفع شعار تغيير المجتمعات ، لماذا كل محاولات تغييرها فشلت ، وظلت الشعوب لصيقة بموروثها ، وبطقوسها ، وبعاداتها ، وباعتقاداتها ، بل كيف نفهم تحول الايمان الى الحاد عند بداية الثورة ، وعند استنفاد حكم الثورة لمقومات الثورة التي هي تغيير المجتمع ، يعود هذا في شكل موجات طوفانية الى الايمان والعقيدة ، بعد سنون من العيش في الالحاد .
وكيف فشلت كل محاولات التنوير في المجتمع المغربي ، الذي بقي مجتمعا تقليديا ومتخلفا . فكلما نفر من الجديد ، كلما زاد تمسكا بالطقوس والتقاليد ، وكلما عاد المواطنة ، كلما تمسك بعيش الرعية ، وزاد التصاقه بالسلطان ، وبعده عن دعاة التغيير .. ان خروج الرعايا وهي جائعة تحتفل بفوز المنتخب المغربي ، لهو اكبر مشهد جسد هذه الحقيقة ، التي هي تقليدانية المجتمع التقليدي ، وغربة دعاة تغيير المجتمع العصي عن أي تغيير ..
فهل رفض الشعوب للتغيير سببه العقلية ، التاريخ ، الالتصاق بالماضوية التي تجسد المجتمعات البطريركية والرعوية .. وهنا ألا تعتبر المجتمعات الاوربية في جزء من أصولها التي تحن اليها وتلتصق بها ، هو تجسيد للرعوية وللبطريركية الاوربية كما يعكسها سكان قصر الشرق في اسبانية ، و تعكسها البنية البوليسية الطاغية في الدول الاوربية .. فعوض شعار البوليس في خدمة المواطن ، تصبح الحقيقة انّ المواطن في خدمة البوليس ..
لن يتغير أي شيء ، ولن يكون هناك تغيير أي شيء ، لان العِلة في الرعايا في الدولة السلطانية ، وفي الشعوب الاوربية التي ترفض التغيير .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الدولة السلطانية المخزنية العلوية البوليسية قابلة للإصلاح ...
- مستقبل العلاقات المغربية الاسبانية
- البوليس السياسي
- ( الجريمة ) السياسية
- أنا جمهوري . أنا ملكي – أنا ملكي . أنا جمهوري
- معارضة ومعارضة
- أول معارضة ظهرت كانت اسلامية قبل ظهور ماركس ، ولينين ، وماو ...
- ثمانية عشرة سنة مرت على تسميم ياسر عرفات
- 14 نونبر 1975 -- 14 نونبر 2022 .. ذكرى إتفاقية مدريد المشؤوم ...
- الصراع ( السني ) ( الشيعي ) على نظام الخلافة الاسلامية .
- الثقافة قضية والقضية هي التغيير
- النظام السياسي المغربي نظام سلطاني مخزني وبوليسي بامتياز
- عودة اليمين الى الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ، وفي اس ...
- إدارة الفايسبوك
- إعلان طنجة لطرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الافريقي . رق ...
- دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .
- نحو بديل سياسي إسلامي لتسيير الشأن العام – دولة الشورى . الش ...
- المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو . 13 و 14 و 15 و 16 ينا ...
- تحليل قرار مجلس الأمن رقم 2654 الصادر يوم الخميس 2022/10/27 ...
- خبر . المغرب يتجهز لاستقبال لقاء مغربي ، اسرائيلي ، امريكي ، ...


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - تغيير المجتمع