أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .















المزيد.....



دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7422 - 2022 / 11 / 4 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نعم إنّ دور ووضع الجيش ، هو دور ووضع الشعب . فالجيش وأيُّ جيش ، هو مرآة عاكسة وصادقة لصورة الشعب ، إضافة الى نوع الدستور المُنزّل والمطبق . وبالرجوع الى وضع الجيش ، سنجد أنّ في جميع الدول التي تحكمها أنظمة سياسية متباينة ومختلفة ، توجد بها جيوش . لكن إنّ وضع الجيش ، ومهامه ، والادوار التي يقوم بها ، تختلف من دولة الى دولة ، ومن نظام الى نظام آخر . لكن يبقى المُميّز والفرق ، هو نوع وطبيعة الدستور الذي يحدد نوع وطبيعة الحكم ، والنظام السياسي الذي يتميز داخله الجيش بدور متميز .
هنا يجب أن نفرق بين مهام ودور الجيش في الأنظمة الديمقراطية التي تحتكم في ممارستها للشأن العام ، على دساتير الشعوب الديمقراطية ، ودور ومهام الجيش في الأنظمة الشمولية ، التي تعتمد في سيطرتها على الدولة ، على دساتير الحكام الممنوحة ، التي تختزل الحكم والدولة في شخصهم لا في غيرهم ، ولو كان الشعب المفروض أن يكون أصل ومصدر الحكم والسلطة ، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية ..
وهنا نتساءل مِنْ دون طرح السؤال ، عن دور الجيش في الأنظمة الديمقراطية ، وعن دوره في الأنظمة الاستبدادية ، الطاغية ، والدكتاتورية .
أولاً ومن دون ثانيا ، هناك شِبه قاعدة معروفة ، هي انّ الجيش لا يتدخل في السياسية ، أي لا يتدخل في الشأن العام المتروك فقط للسياسيين الذين يشتغلون بالسياسية ، او يتعيشون منها ، من احزاب ، ونقابات ، وجمعيات سياسية ، وتكنوقراط ، وهلمجرا .. فتصبح مهمة الجيش الأساسية والرئيسية ، هي الدفاع عن الشعب ، والدفاع عن الأرض . لكن هل فعلا ان الجيوش غير مسيسة ، ولا تتعاطى للشأن السياسي الداخلي ، بفرض توجه سياسي معين ، او مباركة أطروحة سياسية معينية ، او الميل الى جانب تيار سياسي على حساب اخر ..
وهنا وبالنسبة لجيوش الدول الديمقراطية . هل الجيوش محايدة وغير مسيسة ، ولا دخل لها في تسيير الشأن السياسي العام ، الذي هو من اختصاص فقط السياسيين ؟ . وهل وظيفة الجيش في الدول الشمولية ، الاستبدادية ، و الاقطاعية ، والدكتاتورية ، هي نفس وظيفه الجيوش في الدول الديمقراطية .
اذا كانت الجيوش في الدول الديمقراطية محايدة وغير مسيسة ، وتتصف بأخذ نفس المسافة من جميع الفرقاء السياسيين المتصارعين ، دون تأييد جهة ضد أخرى ، وهو ما قد يفهم منه أنّ وضع الجيش ، هوالحياد والامتناع عن التعاطي للسياسة ، فان خضوع الجيش لرئيس الجمهورية كفرنسا ، او أمريكا ، او للملك كإسبانية ، وإنجلترا ، او للوزير الأول وبالتشارك والتنسيق مع الملك في الأنظمة الاسكندنافية ، وفي هولندا وبلجيكا ، يجعل من الجيش الغير مسيس ، يصبح سياسيا يمارس السياسة عند اتخاد رئيس الجمهورية ، او رئيس الحكومة قرارا بإرسال الجيش للدفاع عن أنظمة سياسية شَبه ديمقراطية ، او شِبه ديمقراطية ، او شمولية دكتاتورية في إفريقيا ، وفي آسيا ، لمناصرة الرئيس او رئيس الحكومة ، لخط سياسي يمثله ذاك النظام الذي بعث رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء الجيش للدفاع عنه . فوجود الجيش الفرنسي بإفريقيا للدفاع عن بعض الأنظمة السياسية ، هو تدعيم ودفاع عن تلك الأنظمة ، التي تواجه معارضة سياسية او عسكرية من قبل المعارضين والمناوئين لها .. فيكون الجيش الغير مسيس عندما لا يتخل في السياسة الداخلية لبلده بحكم الدستور ، الذي يجعل الجيش تحت قيادة الرئيس ، مسيسا يدافع عن خط سياسي بأمر الرئيس ، او بأمر رئيس الحكومة الذي يمثل حزبا او مجموعة أحزاب فازت في الانتخابات الرئاسية ، وتقود دفة الحكم . فالجيش ومن حيث لا يحتسب ، يمارس السياسة بتنزيله تعليمات الرئيس ، او تعليمات رئيس الوزراء ، وبالتنسيق مع الملك ، خارج الحدود ، وليس داخلها التي يحكمها الدستور الديمقراطي . ان وجود الجيش الأمريكي الذي لا يتعاطى السياسة ، والشأن العام السياسي داخل الولايات المتحدة الامريكية بكوريا الجنوبية ، هو الدفاع عن الرأسمالية في مواجهة الشيوعية ، وهي نفس الأسباب في القضية الكوبية ، وفي قضية العراق ، وسورية ، وفي الغارات التي ينفدها الطياران الأمريكي بالصومال وبمنطقة الساحل .. ..
فجيش الدولة الديمقراطية عندما يبعثه رئيس الدولة ، او رئيس الحكومة بالتنسيق مع الملك ، يكون من اجل الدفاع عن كتلة ، او جهة سياسية ، خارج الدولة التي بعثت بالجيش خارج الحدود ، وأحيانا للدفاع عن أنظمة سياسية ، تحكمها دساتير لا علاقة لها اطلاقا بالدساتير الديمقراطية ، التي تنظم الأنظمة السياسية في الدول الديمقراطية ..
اذن . إنّ وضع الجيوش في الأنظمة الديمقراطية ، بالنسبة للشأن العام السياسي الداخلي ، يكون هو الحياد ، والاحتفاظ بنفس المسافة من جميع فرقاء السياسة المتصارعين .. وتبقى المهمة الأساسية للجيش ، هي الدفاع عن الدولة والدفاع عن الشعب ، لان ابناءه هم أبناء الشعب ، أي الدفاع عن الدستور .. وهنا نعتبر استعراض الجيش الفرنسي في 14 يوليوز ، هو تذكير بقيم الجمهورية ، وبمبادئ الثورة التي قدمت ضحايا ، ولا تعتبر المسيرة نوعا من التدخل في الشأن السياسي الفرنسي ، لان مسيرة الجيش تنظم كل سنة في 14 يوليوز Le 14 Juillet ..
لكن ماذا عن وضع الجيوش في الأنظمة التوتاليتارية ، الاستبدادية ، الطاغية ، والدكتاتورية ، وهي أنظمة قد تكون أنظمة بوليسية تحتكم الى البوليس السياسي في تسييرها للشأن العام ، وقد تحتكم للبوليس السياسي وللأجهزة الموازية ، كالأجهزة السلطوية الغارقة في الطقوسية ، ومنها من يحتكم الى العسكر في تثبيت النظام السياسي الجاثم على صدر الشعب ، بقوة الجبر ، والعنف ، واللجم ، وبقوة القوة القاهرة المسلطة عليه من فوق ..
فهل جيوش هذه الأنظمة ، تماثل الوظيفة التي تقوم بها الجيوش في الدول الديمقراطية ، سواء كانت ملكيات برلمانية كإسبانية ، وانجلترا ، او كانت كهولندا وبلجيكا ، او كانت كملكيات الدول الاسكندنافية ، او كانت جمهوريات برلمانية ، كالجمهورية الإيطالية ، والجمهورية الفرنسية .. هل وظيفة الجيوش هي الدفاع عن الوطن ، وعن الأرض ، وعن الشعب ، أم انها وبخلاف جيوش الدول الديمقراطية ، التي تنتسب الى الدستور الديمقراطي في عملها ، تنحصر وظيفتها الأساسية والرئيسية فقط ، في الدفاع عن الحاكم المغتصب للحكم ، وضد الشعب الذي من أبناءه يتكون جيش الحاكم الدكتاتوري المستبد ، والشعب الذي يجعل ابناءه عسكر عند الحاكم ، هو من يدفع اجورهم واجور الحاكم المستبد ، من خلال الضرائب التحقيرية والمهانة ، والمفروضة بقوة السيف على الشعب . وعندما يصرخ الشعب الذي زود بأبنائه جيش الحاكم المستبد ، من شدة الجوع والعطش ، وهو من يدفع لهم أجرهم بالضرائب المُذلّة ، لا يتردد الحاكم الطاغي من دفع الجيش المُكون من أبناء الشعب ، من قتل الشعب ، فيصبح الأبناء يقتلون آبائهم ، لكي ينعم الدكتاتور بالثروة والعيش الباذخ ، التي هي أموال وثروة الشعب الذي يُقتل برصاص أبناءه ، حماية للحاكم الذي يحكم الشعب بأبناء الشعب ( العسكر ) بيد من حديد ..
فهل جيوش الأنظمة الشمولية ، والطاغية ، والاستبدادية ، والدكتاتورية مثل جيوش الأنظمة الديمقراطية ، تحتفظ بنفس المسافة من الفرقاء السياسيين المتصارعين ، وتحتفظ بنفس المسافة بين الحاكم الدكتاتور ، وبين الشعب المُكْتوي بلهيب عصا الحاكم المتسلط . وهل مأمورية ووظيفة الجيوش في الأنظمة الطاغية ، هي الدفاع عن الوطن ، وعن الشعب ، أم هي الدفاع عن الحاكم ضد الشعب . وهنا لنصل الى الجواب . هل دساتير الأنظمة الدكتاتورية هي نفسها دساتير الدول الديمقراطية ، حتى نُجْري مقارنة في غير محلها ، بين جيوش تنضبط وتخضع فقط للدستور ، أم ان دساتير الأنظمة الاستبدادية ، هي دساتير الحكام الممنوحة على مقاصهم ، تجعل السلطة فقط بيدهم لا بيد غيرهم ..
فاذا خلصنا إلى أن دساتير الأنظمة الدكتاتورية ، هي دساتير الحكام الدكتاتوريين ، خلصنا إذن الى ان الجيوش في هذه الأنظمة التوتاليتارية ، رغم انها تتكون من أبناء الشعب المفقر ، والمقموع ، والمُجوّع ، ورغم انّ هذا الشعب هو من يؤدي أجور ابناءه المُعارين عند الحاكم المستبد ، فان هذه الجيوش هي جيوش الحاكم ، وليست بجيوش الشعب . ومن ثم فان هذه الجيوش ، لن تتردد ثانية في الفتك بآبائها ( الشعب ) ، عندما يصرخ من ألم الجوع ، والعطش ، والمرض ، والتفقير ، وعندما يرفع رأسه ولو لمرة ، ليطالب بأقل من أبسط الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات في الدول الديمقراطية .
لذا فعند تخيير هذه الجيوش بين الدفاع عن الحاكم الذي يستعبدها كعبيد في قصوره وفي ضيعاته ، ويهينها في إنسانيتها عندما يركع ضباط الجيش حتى ركبتيهم ، ليقبلوا على طريقة العبيد يد الحاكم الطاغي ، وهذا التقبيل من اكبر مظاهر الطغيان عندما يتم تقبيل حذاء الطاغي من العبيد ، ، وبين الدفاع عن الشعب الذي زود الحاكم بأبنائه حتى يصبحوا عنده جنودا عبيدا ، فان جيش الحاكم لا يتردد ثناية في الفتك بالشعب ، وقتله ، وبإطلاق الرصاص عليه بدم بارد ، ومن نجا من رصاص جيش الطاغية المستبد ، تكون نهايته الرمي في سجون الحاكم المقرفة ..
ان النظر الى صورة الجيش في أي بلد ، تعطينا فكرة مسبقة عن نوع النظام السياسي الجاثم والحاكم ، كما تعطينا صورة عن نوع القوانين السائدة . هل هي قوانين ديمقراطية ، أم هي قوانين قامعة ، ولاجمة ، سُنّت لخدمة الحاكم ، وخدمة اسرته ، وعائلته ، وخدمة المقربين ، والمقربين من المقربين ، وهي قوانين تشمل جميع الميادين ، خاصة تلك التي لها علاقة بسلطة القمع البوليسية ، او البوليسية السلطوية ، او العسكرية التي تأخذ فيها الجيوش زمام المبادرة العسكرية والمدنية على حد سواء ، وخاصة قوانين الإعفاءات من الضرائب والجُمرك لشركات وممتلكات الحاكم .. لهذا بقدر ما تكون الجيوش في الأنظمة السياسية الديمقراطية غير مسيسة داخليا ، وتحتفظ بنفس المسافة من الجميع ، وتنضبط لمفاصل الدستور الديمقراطي الذي يحصر وظيفة الجيش في الحياد ، وفي الدفاع عن حوزة التراب الوطني ، وعن الشعب ، بقدر ما نجد الجيوش في الأنظمة الاستبدادية ، والطاغية ، والدكتاتورية ، تدافع عن الحاكم الطاغي ضد الشعب الأعزل الذي يطالب بأبسط الحقوق ، وبشيء من العيش الكريم ..
وبقدر ما تحترم الأنظمة السياسية الديمقراطية الشعب مصدر الحكم والسلطة ، وبقدر ما يجتهد الجيش في الدفاع عن الشعب ، بقدر ما نجد الحاكم الطاغية المستبد من خلال الجيش ، لا يتوارى في قمع الشعب ، وفي اذلاله ، واهانته باستعمال كل أساليب القمع والبطش ، التي تدينها القوانين الدولية في مادة حقوق الانسان ، كما تدينها المنظمات الدولية التي ترى في هؤلاء الحكام مجرد طغاة ، قد تكون نهايتهم على يد أبناء الشعب من الجيش المستعمل في الفتك بالشعب ، وهذا طبعا ما يبرر الانقلابات العسكرية التي كانت تعرفها دول أمريكا اللاّتينية ، وامريكا الجنوبية ، وعرفتها القارة الافريقية ، وعرفتها آسيا ..
فكلما كان الشعب مثقفا ، ومسيساً ، وواعياً ، وملحاحاً ، ولا يخاف العواقب عند الدفاع عن حقوقه ، وينعم بالنظام الديمقراطي .. ، كلما انعكست هذه الحالة على وضع الجيش داخل الدولة ، وكلما حصل الفرز بين جيش الشعب والدولة ، واتضحت وظيفته الأساسية والرئيسية التي هي الدفاع عن الشعب وعن الأرض ..
وكلما كان الشعب أمّياً ، جاهلا ، غارقاً في الكهنوت ، وفي الخرافة ، وفي الشعوذة ، وغارقا في الطقوس البالية ، وفي السحر ، وفي الاركاييكية .. ، كلما كان الجيش ، جيش الحاكم الطاغي المستبد ، والدكتاتور ، المستعد للموت من اجل الطاغية ، وليس بجيش الشعب المفروض انْ يدافع عن الشعب وعن الوطن ، ولو بشكل كاريكاتوري ..
فالجيش في الدول الدكتاتورية لا يتردد في سحق الشعب ، وفي التنكيل به اذا دعاه قائده الدكتاتور ، حتى يستمر في طغيانه ، وفي استبداده ، وفي سرقته ثروة ، وأموال ، وخيرات الشعب المفقر ، الذي يتعرض للتنكيل من قبل جيش الدكتاتور .. وهذه حالة تميز حالة ووضع الجيوش ، ووظائفها القاهرة في الأنظمة الاستبدادية ، التي تختلف عن وظيفة الجيوش في الأنظمة الديمقراطية ..
فطبيعة تحرك الجيش ، تستند الى درجة وعي وثقافة الشعب . فكلما وجد الجيش نفسه أمام شعب مثقف وواعي ، كلما استجاب الجيش لهذا التطور الرامي بترقية الممارسات السياسية والديمقراطية الى أعلا ، وكلما زادت حالة الوعي هذه ، من تشجيع الجيش على التسيس والاشتغال بالسياسية ، ولو عن بعد ، وكلما ساهم كل هذا في انخراط الجيش في الشأن العام بمفهومه الإيجابي ، فيُسرّع هذا التحول بتحرك الجيش ، ليصبح من جيش الدكتاتور ، الى جيش الشعب الذي ينظم باسمه الانقلابات العسكرية ، للدفاع عن الشعب الذي يعرف ضباط الجيش الاحرار والوطنيين ، انهم أبناء هذا الشعب الذي يناضل عن الحق ، ويحارب كل أصناف الاستئثار والانفراد بالحكم ، للحاق بركب الدول التي ترفل في الديمقراطية .. فالله خلق الناس أحرارا ، وفضلهم وميزهم ، والبشر الطاغي البسيكوباطي المريض ، هو من حولهم من احرار كما أراد الله ، الى مجرد عبيد في خدمة الحاكم الطاغي المستبد والدكتاتور ..
إذا كانت وظيفة الجيش تختلف في الأنظمة الديمقراطية ، عنها في الأنظمة الشمولية الطاغية ، والمستبدة ، والدكتاتورية ، حيث يتميز الجيش في الأولى بالحياد ، وباستقلالية الرأي ضمن دستور الشعب الديمقراطي ، وتصبح وظيفة الجيش الرئيسية هي الدفاع عن الشعب والدفاع عن التراب الوطني ، في حين يتميز دور الجيش في الأنظمة الشمولية بكونه جيش الحاكم لا جيش الشعب ، الذي لا يتردد الحاكم المتجبر من استعماله في لجم ، وقمع ، والفتك بالشعب اذا طالب بالحق في العيش الكريم ، وطالب بالعدالة التي يجب ان تطبق على الحاكم ، وأسرته ، وعائلته ، وأقربائه ، وأقرب أقربائه قبل ان تطبق على الشعب ..
والسؤال . أين يتموضع جيش الدولة السلطانية من هذين الجيشين . الجيش في الدول الديمقراطية ، والجيش في الدول الاستبدادية ؟
انّ أيّ بحث لطبيعة الجيش بالمغرب ، لن يحقق الغرض ، اذا نحن لم نطرح السؤال الذي يشرح كل مفاصل الدولة ، ومنها طبعا قطاع الجيش . ولقد سميته بالقطاع ، لأنه لا يرقى الى درجة المؤسسة ، لان المؤسسات تنبثق ، وتخضع ، وتتقيد بالدستور الديمقراطي المفروض انه دستور الشعب ، وليس بدستور حاكم اقطاعية الحق الإلهي ..
الدولة التي تحكم المغرب منذ 350 سنة ، هي دولة فريدة من نوعها ، مقارنة مع الدول كما ينظم ذلك القانون الدولي . فشكل الدولة الفريد في المغرب ، كونها دولة سلطانية مخزنية ، تمثل القبيلة العلوية ذات الطقوس الفريدة في ضبط ، وفي السيطرة على المجتمع .. فالشبيه للدولة السلطانية المخزنية العلوية ، هي الامبراطوريات المغربية التي عرفها تاريخ المغرب ، وهي نفسها الامبراطوريات التي سادت العالم كذلك ، في روما وفي بلاد فارس .. ففي هذه الدول ينتفي بالتمام والكمال مفهوم الشعب ، فتحل محله حاشية الامبراطور ، والعبيد عوض الشعب الذي يرفعون بأعلى حناجرهم شعار " عاش الامبراطور " ، خاصة عندما يكون مزهوا في بسيكوباطيته اللعينة ، وهو يتفرج في العبيد يتقاتلون في ميدان المبارزة ، أمام أعين الامبراطور ، وخليلاته ، وحاشيته ..
نفس الشيء الساري المفعول في الإمبراطورية المغربية ، التي اخذت لها اسم الدولة السلطانية ، الشبيهة بالإمبراطوريات الكونية ، حيث يوجد ( الامبراطور ) السلطان ، ومعه حاشيته ، أيّ خدامه ، والباقي مجرد رعايا عند الراعي الأول ، والامام الأول ، والأمير الأول ، مولانا السلطان المعظم الذي لا يتردد الفقيه الخطيب الذي يؤم الصلاة في الأعياد الدينية ، وبحضرة السلطان من الدعاء له بقوله " .. مولانا السلطان الله ما احفظه وبارك له .... " .. فالنظام السلطاني الذي تمثله الدولة السلطانية في شكليها التقليدي ، والتحديثي الذي يرجع الفضل في تحديثه الى السلطان الحسن الثاني ، هو نفسه نفس الدولة السلطانية القديمة ، فالاختلاف بين السلطنة القديمة والحديثة هو اختلاف شكلي ، اما من حيث الجوهر والمضمون ، فالدولة السلطانية هي نفسها التي يوجد بها فقط السلطان ، الذي يجسد الدولة في شخصه ، ويجسد شخصه في الدولة . وكما ان العبيد في روما ، وفي بزنطا ، وفي بلاد فارس يرفعون بمناسبة او بغير مناسبة شعار " عاش الامبراطور " ، فكذلك الرعايا في الدولة السلطانية يرفعون بمناسبة او بغير مناسبة ، وخاصة عندما تكون هراوة السلطان تنزل على اكتافهم الضعيفة ، والصفعات تلطم وجوههم الذابلة ، " عاش سيدنا / عاش سيدنا / عاش الملك / عاش الملك " ..
لذا فما يسمى بالمؤسسات في هكذا دولة ، هو مجرد قطاعات بيد السلطان ، يوظفها في تنزيل برنامجه ، وخططه ، وسياسته .. وهذا يحصل برضا وقبول كل الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ، الذين يسارعون الخطوات كي يظفروا بشرف انْ يصبحوا موظفين سامين بإدارة السلطان ، صاحب الفضل العظيم في إغناء المفقر وتفقير الغني اذا رغب في ذلك . فقطاع الجيش شأنه شأن جميع القطاعات التي تعود للسلطان ، رئيسها السلطان الذي نصب رؤساء على هذه القطاعات لتنزيل سياسته .. فالأمر اليومي البرلماني يحدد خريطة طريق اشتغال البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر عند افتتاح دورة الخريف التشريعية ، وبالأمر اليومي العسكري يحدد خارطة طريق اشتغال الجيش ، وطبعا فالسلطان هو الرئيس الفعلي لقطاع القضاء ، الذي يعتبر في الدولة السلطانية من وظائف الامامة التابعة للإمام ، وليس بهيئة قضائية ، فأحرى ان يتحول الى سلطة مستقلة الذات ..
إذن في دولة تحتضن الرعايا الذين يعيشون في السلطنة ، ولا تحتضن الشعب الغائب الذي يركز على الحقوق ، ويعيش في الدولة الديمقراطية المدنية ، وتسود ممارساتها الطقوس والتقاليد المرعية ، واستعمال الكهنوت في تغليف عقول الرعية المتناغمة منذ قرون مع هذه الأنماط ، والاشكال ، والسلوك باسم اقطاعية الحق الإلهي ، الذي سلب الجماهير حقها في القرار وفي التقرير بواسطة عقد البيعة ( دستور غير مكتوب ) ، بحيث يصبح السلطان هو وليها ، وممثلها ، والناطق باسمها ، والمخول الوحيد باتخاذ ما شاء من القرارات الخطيرة ، من دون ابلاغها ، او اخبارها ( الحكم الذاتي في ابريل 2007 ، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ونشر هذا الاعتراف في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 ) .. ، يصبح من الواضح ومن السهل ، معرفة جهة تبعية الجيش ، وتصبح واضحة وظيفة الجيش الرئيسية ، التي تتشابه مع وضعية ووظيفة الجيوش في الأنظمة الاستبدادية والطاغية ، بحيث انّ الفرق الوحيد بين هذه الجيوش ، هو أن جيوش الحاكم الطاغية بوليسي او عسكري ، ترتبط وتدافع عن نظام حاكم معرض للانقلاب عليه في كل وقت وحين ، في حين يرتبط الجيش في المغرب بالدولة كأصل عام ، وليس فقط كنظام . وحين نركز على الدولة ، فالمقصود الخصوصيات التي تجعل ارتباط الجيش بالدولة ، وبشخص السلطان ، هي الحضارة التقليدية ، والتاريخ ، والأسرة التي تتوارث الحكم ، وكاد ان يطيح بها في انقلابات قادها جيش السلطان ضد الدولة ، وليس ضد النظام في بداية سبعينات القرن الماضي .
انطلاقا من هذه الحقيقة ، نجزم وبخلاف جيوش الأنظمة الدكتاتورية التي تعيش من دون عقيدة ولا إيديولوجية ، وتوظف كجماعة مرتزقة عند الحاكم الذي تنقلب عليه عندما تسمح الظرفية السياسية بذلك ، ان الجيش في المغرب الإثني ( عروبيون وبرابرة / تشلحيت ، تمازيغت ، وتريفيت ) ، مرتبط بعقيدتين . العقيدة العلوية التي تجسدها الدولة العلوية ، اكثر من تجسيدها الحاكم العلوي في بعض المراحل من تاريخ الدولة العلوية ، وتجسدها العقيدة الغربية ، وبالأخص العقيدة الفرنسية في أبشع صورها الاستعمارية التي أساسها الفتك ، والسحق ، والقتل ، والقمع من دون رحمة كما يشهد بذلك تاريخ المواجهات بين نظام سلطان ضمن الدولة العلوية ، وبين الشعب الذي ثار عبر محطات مختلفة ..
فعندما أحرز المغرب على استقلال Aix-les Bains ، تولت فرنسا تدريب ، وتكوين ، وتأطير جيش السلطان ، كما ان مخابراتها ، وبولسيها ، وادارتها ، وعيونها ، كانت حتى السنوات الأولى ( للاستقلال ) . ففي 22 أكتوبر 1956 ، كان بوليس فرنسا ومخابراتها بالمطار ، هم من ابلغوا باريس بمغادرة قادة الثورة الجزائرية المغرب ، وليس الحسن الثاني الذي نسب اليه ذاك الفعل ظلما ، والذي وجد نفسه أمام الامر الواقع الذي فرضته فرنسا بعد عملية الاختطاف . فهل يعقل القول انّ الحسن الثاني قتل محمد الخامس ، وزوجته لطيفة هي من قتلت الحسن الثاني ، وغدا سيقولون ان الحسن الثالث هو من قتل محمد السادس .. فأيّ ( سياسيين ) هؤلاء الذين يروجون التفاهات شهادة تكوينهم الهش .. ؟
ان التحاق ضباط مغاربة كانوا يشتغلون ضمن الجيش الفرنسي بجيش السلطان بعد ( الاستقلال ) ، كالجنرال محمد أفقير ، والجنرال البشير البوهالي ، والجنرال حمو أمهروق ، والجنرال الكتاني ، والجنرال النميشي ، والجنرال الشرقاوي ... الخ ، والضباط الذين تخرجوا من مدرسة " سانسير " الفرنسية L école Saint-Cyr ، أعطى لجيش السلطان نزعة غربية فرنسية ، متجانسة مع دولة تقليدية هي الدولة السلطانية التي قام بتحديثها السلطان الحسن الثاني ، فكان الجيش الذي تأسس في سنة 1956 ، جيش السلطان " القوات المسلحة الملكية " ، وليس جيش الشعب الذي من أبناءه يتكون جيش السلطان ، ضباطا ، وضباط صف ، وجنود .. ففي مجتمع الرعايا الذين ترعاهم دولة رعوية ، يتولى هؤلاء الانجاب والتوالد للتكاثر الغير منطقي ، ويتولون وعلى نفقتهم الهزيلة تكبير النشء حتى يصل سن الرشد ، فيقومون بإهدائهم كي يصبحوا جنودا في جيش السلطان ، وطبعا الآباء الرعايا هم من يؤدي أجر ابنائهم الجنود ، وأجر ضباط الصف والضباط ، من خلال الضرائب المهينة المفروضة عليهم . كما انهم هم من يؤدي أجر السلطان من هذه الضرائب التي استعمل السلاطين العلويين حد السيف ، وبالغارات العسكرية ، لفرضها بالقوة على القبائل البربرية التي رفضت دفع الضريبة للسلطان ، ورفضت نظام وحكم السلطنة بفاس ، وكانت تنادي بالنظام الجمهوري الذي نجح لست سنوات ، عندما تأسست جمهورية الريف الانفصالية ..
وبما ان الجيش هو جيش السلطان " القوات المسلحة الملكية " ، المُكوّن من أبناء الرعايا ، فوظيفة الجيش ذا العقيدة الفرنسية والعلوية ، هي الدفاع وحماية السلطان من الرعايا ، عندما يتحولون الى شعب ، وينزل الى الشارع طالبا بالحقوق ، وبالعدل ، وبالمساواة . فجيش السلطان كما تشرح وظيفته ، لا يتردد في الفتك بالشعب حتى يرجعوا الى سابق وضعهم مجرد رعايا ، يعيشون في حضن الراعي الأول ، والإمام الأول مولانا السلطان المعظم ..
لقد ارتكب جيش السلطان العلوي أبشع الجرائم ضم الشعب الذي خرج عن نظام الرعية ، وأطلق عليهم الرصاص بدم بارد ، نزولا عند أوامر قائده رئيس أركان الحرب ، السلطان شخصيا .. ففي 23 مارس 1965 ، وفي 9 يونيو 1981 ، وفي يناير 1984 ، وفي دجنبر 1990 ، إرتكب جيش السلطان جرائم ، تضاهي الجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبتها جيوش بأمريكا اللاتينية والجنوبية ( الشيلي والأرجنتين .. ) ، والقارة الافريقية ، وبآسيا حيث أعدم جيش " سوهارتو " Suharto بإندونيسيا L’Indonésie ، اكثر من ثلاثة مليون مناضل شيوعي ، إضافة الى جرائم جيش بولبوت Paul Pot بالكمبودج التي قتل نفس العدد ، وجيش دكتاتور الفلبين Philippine – L’ex dictateur de Manille Ferdinand Marcos ..
ان من يتمعن في الصورة التي يعطيها جيش السلطان المخزني ، سيستخلص للتو ، انّ تركيبة ، والبناء الهرمي لجيش السلطان وليس جيش الشعب ، هي صورة معكوسة وحقيقية ، للبناء الهرمي الطبقي الذي يُكوّن المجتمع المغربي . فمن جهة هناك السلطان ومن معه ، وأكثريتهم منافقين ، وهناك ما نطلق عليه وبخجل بالبرجوازية ، وهناك الطبقة الوسطى التي لم تبقى كذلك ، وانزلقت في عهد محمد السادس لتصبح جزءا من الطبقة الفقيرة ، وهناك البرجوازية الغنية بالفكر ، والفقيرة مادياً أكثر من فقر الطبقة الفقيرة .
ان هذه الصورة المعطوبة نفسها ، تعكس صورة الجيش الحقيقية . فمن جهة هناك الضباط الكبار من مستوى درجة كلونيل ماجور ، فجنرال ، فما فوق جنرال ، خاصة من يتلوى منهم المسؤولية ، ونضيف الى هؤلاء فئة الكلونيلات Les colonels الذين لهم مسؤولية ، وهناك الضباط المتوسطون ، خاصة أولئك الذين لا يتولون مسؤولية من مستوى درجة كولونيل .. وهناك ضباط تحت مستوى كلونيل Colonels ، وهم الأكثرية و القاعدة من Lieutenant colonel ، فرائد Commandants ، فنقيب Capitaines ، وملازم أول ، وملازم ثاني .. وهناك ضباط الصف والجنود الذين ينتمون الى الطبقة الفقيرة ..
واضح اذن من هذه الصورة الناطقة ، ومن دون صباغة ولا مكياج ، انّ جيشا في نظام تسكنه الرعايا ، ويسمى باسم مالكه " الجيش الملكي " ، سيكون جيش السلطان ، ووظيفته الدفاع فقط عن السلطان ، وعن الدولة السلطانية . لذا فلو خُيّر ضباط جيش السلطان ، بين الدفاع عن الشعب وحمايته اذا نزل الى الشارع يطالب بدولة العدل ، والحق ، والمساواة ، وبالعدالة في توزيع الثروة التي يستولي عليها السلطان ، وأسرته ، وعائلته ، ومحيطه ، ومن يرتبط بالمحيط ، حتى الوصول الى آخر درجة من صنف المحظوظين والمنعمين ، وبين الدفاع عن السلطان .. طبعا سيختار الدفاع عن السلطان حتى الموت ، ضد الشعب الذي منه انبثق جيش السلطان الذي يفتك الشعب ( بأبنائه / العسكر ) المنتفض .. والسلطان المخزني نجح في تلفيفه ضباط الجيش الكبار بالأجور المرتفعة ، والترقيات المسترسلة وفي وقتها ، ومنح الامتيازات المادية المختلفة ، وقد نعتبرها رشوة لشراء سكوت وحماية ضباط الجيش لعرش السلطان ، حتى يستمر في نهب ثروة الشعب المفقر ، وتهريبها الى الابناك الاوربية خارج الدولة السلطانية ..
فالجيش عندما يجد نفسه أمام مجرد رعايا متعودين على الخنوع والدروشة ، أكيد سينحاز ليصبح أحد الاعمدة الرئيسية للسلطان ، وأكيد لن يخلف الموعد للفتك بالشعب المنتفض في سبيل بقايا السلطان ورعاياه ، والدولة السلطانية .
لكن لمّا كان الجيش الذي فتك بالشعب في 23 مارس 1965 ، ينظر أمامه حقيقة الشعب ، وتيقن انّ الذي أمامه ليسوا برعايا ، فان الجيش دخل السياسة من بابها الواسع ، عندما انتفض على السلطان في محاولتين انقلابيتين في 9 يوليوز 1971 ، وفي 16 غشت 1972 . فلأول مرة يردد ضباط الجيش الذين قدّموا نفسهم كضباط وطنيين أحرار ، لفظ الشعب الذي لم يعد رعية ، ولأول مرة يردد الضباط إسم الثورة على حركتهم ، ويرددوا بنوع من النشوة سقوط النظام الملكي .. وبالرجوع الى بيان الجيش الذي أذاعته الإذاعة في ذاك اليوم التاريخي في علاقة الجيش بالدولة السلطانية ، نجد ما يلي : " أيها الشعب ، الجيش ، أقول الجيش ، لقد قام بثورة من اجل الشعب . لقد أطيح بالنظام الملكي . لقد أطيح بالنظام الملكي . " ..
ان دور ، ووضع ، وموقف الجيش ، يكون على ضوء ، ووضع ، وموقف الشعب . فكلما كان الشعب واعياً ، ومثقفاً وملحاحاً ، ولا يخشى العواقب عند الدفاع عن حقوقه ، كلما كان الجيش في صفه وفي صالحه ، وكلما ابتعد عن قائده الذي يعلم انّ لا علاقة له بالحياة العسكرية ، التي يريد ان يحشر نفسها فيها قوة ..
وكلما كان الشعب ليس بشعب ، وكان مجرد رعايا ، كلما كرهه الجيش ، وكلما انساق هذا الجيش في الدفاع عن وليِّ غناه المفرط .. لذا فقطاع الجيش كغيره من القطاعات الاستراتيجية بالدولة السلطانية ، هو في خدمة السلطان وفي خدمة دولته الرعوية ، رغم ان الرعايا هم من أنجب ، وهم من تكفّل بتكبير النشأ على نفقتهم الهزيلة ، وهم من يؤدون أجورهم ، وأجور السلطان الذي يستخدمهم في الفتك بآبائهم ( الشعب ) ، عندما يستدعي ويقتضي الامر ذلك . ..
فبعد فشل الانقلابين العسكريين ، انقلاب 9 يوليوز 1971 ، وانقلاب 16 غشت 1972 ، وبعد مدة ، اجتمع السلطان الحسن الثاني بالضباط الكبار في الجيش بالديوان الملكي ، وليس بمقر القيادة العليا للجيش ، فخاطبهم قائلا " طلّقوا السياسة ، وانكبّوا على جمع الثروة " . ومنذ ها تم إطلاق يد الضباط الكبار ، ليصبحوا مالكين لثروات لا تقدر بثمن ...
فضباط جيش بهذا الوضع الجديد الذي فتحه لهم السلطان الحسن الثاني ، وزاد مع محمد السادس ، لا يمكن ان يكونوا غير جزء أساسي من نظام الدولة السلطانية ، والعمود الرئيسي لوقوفها ...
فإذا أطلق الجيش العنان للجامه ويده ، للفتك بالرعايا ، فهو يكون بمن ينفذ تعليمات السلطان لدرء أي خطر يهدده ، ويتهدد السلطنة . ومادام ان الساحة فارغة ويمرح ويرقص فيها النظام وحده ، وما دامت الرعايا ملتصقة بالراعي الأول في الدولة الرعوية ، فالجيش من خلال الضباط الكبار ، سيزيد في تقديم فروض الطاعة والولاء للسلطان ، وسيزيد تشبتاً والتصاقاً بطقوس الدولة السلطانية ، التي برع فيها الجنرال حسني بنسليمان ، بالركوع حتى أسفل الركبتين لتقبيل يد السلطان ، وتقبيل يد الامراء والاميرات ، بشكل اكثر من مقزز ، يحيل الى عصور العبودية في القرون الوسطى ... وهي المظاهر التي تبْرع فيها جميع القطاعات العائدة للدولة السلطانية المخزنية . فضباط الجيش من خلال ممارساتهم هذه ، يسرفون في الظهور بالولاء للسلطان ، ويسرفون في الظهور بتعلقهم بالأهداب الشريفة ، وبالطقوس العلوية المولوية ، وبالتقاليد المرعية المخزنية ، وإنّ ثقافتهم رغم أنها فرنسية غربية ، ومنهم من يحمل الجنسية الفرنسية ، فلن تحول بينهم وبين الثقافة المخزنية في نفحتها العلوية .. أي الجمع بين ( الاصالة والمعاصرة ) هههه .
اذن الجيش في الدولة السلطانية المخزنية العلوية ، هو جيش السلطان ، وليس بجيش الشعب الذي أبناءه منْ يُكوّن هذا الجيش السلطاني من قاعدته الى قمته ، ووظيفة الجيش الرئيسية هي الدفاع عن السلطان وعن الدولة السلطانية ، ضد أي خطر قد يشكله الشعب عند نجاحه في نفض غبار الرعية عن اكتافه ..لذا فجيش السلطان لن يتوانى ، ولن يتردد في الفتك بالشعب اذا نزل الى الشارع يتظاهر من اجل حقوقه .. وإنّ مجازر 23 مارس 1965 ، ومجازر الدارالبيضاء في يونيو 1981 ، ومجازر يناير 1984 ، وسبتمبر 1990 ، شاهدة على الإخلاص المطلق للجيش الى السلطان عوض الشعب ..
لكن هل يستطيع الجيش في ظل التحولات الدولية ، والتغيير الذي مس العلاقات الدولية ، وفرض شروطا جديدة من قبل الكبار في مجلس الامن لقبول الانخراط في المجتمع الدولي ، قادر على تكرار المجازر السالفة أعلاه ؟
وهنا لماذا لم تطلق رصاصة واحدة من قبل الجيش في حراك الريف ، ونجح الجيش في الالتفاف على الحراك والتضييق عليه ، ومع مرور الوقت تم خنقه بالكامل ، وتحولت عداوة الريفيين مع السلطان المغربي ، الى عداوة بين الريفيين بينهم ، حيث اصبح كل واحد يخون الاخر ..
الوضع الاجتماعي في المغرب مهدد ، والتهديد وفي غياب الاطار السياسي الذي سيوجه التهديد ، يبقى مفتوحا على جميع السيناريوهات ، وتبقى جميع التوقعات مرشحة الوقوع . والسبب غياب القيادة السياسية كما كان الحال في الخمسينات ، وطيلة السبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات .
انّ هذا الوضع الغامض ، قد يخرج عن السيطرة عندما سيعجز الجيش عن التحكم في الساحة ، وعندما سيصبح دوره موزعا بين الانضمام الى الشعب الذي نزل الى الشارع ، لسد الباب على الاناركية ، والحيلولة من الفتنة التي ستكون كارثية ، وخاصة وانّ المشروع الامبريالي الصهيوني ينتظر النقطة التي ستفيض الكأس ، للشروع في زرع Le chaos لتسهيل الانهيار ، وهنا فان تحرك الجيش ، وكيفما كانت اتجاهاته ، ستكون مراقبة من قبل المجتمع الدولي برئاسة دول الفيتو بمجلس الامن ، وخاصة فرنسا ، والولايات المتحدة الامريكية ، إضافة الى اسبانية الجار التي ستتأثر سلبا او إيجابا بالتحولات التي ستطرأ في آخر لحظة ، وبعامل المفاجأة .. ، او ان الجيش اذا وجد نفسه امام ما يشبه بالثورة التي قد تتطور الى ثورة فعلية ، سيختار الحياد المصطنع ، و اخذ نفس المسافة من الجميع ، لان هناك مصالح مركبة تدخل فيها مصلحة ضباط الجيش الكبار ، المالكين للثروة وللامتيازات ، وسيكون موقف الجيش ، هونفس موقف جيش مصر وتونس اللذان ظهرا بالحياد في المرة الأولى ، ثم عندما تأكدا من عدم رجوع الشعب الاّ بعزل حسني مبارك وبن علي ، تظاهر الجيش بالاصطفاف مع التظاهرين ، وهو ما نجح فيه عندما اكتسب ثقة الشعب ، وافرغ تلك الثقة من مضمونها عندما ظلت المؤسسات القائمة ، وغاب فقط شخص الرئيس لا النظام .. ام ان الجيش هنا وعند تيقنه بعدم رجوع المتظاهرين ، قد يكرر انقلاب 1971 ، لقطع الطريق على المشارع السياسية التي ستصيب مصالح الضباط الكبار ضمن مصالح الدولة ككل . وهنا السؤال . ما هو البديل المرتقب والمنتظر ؟ هل تبديل شخص الشخص مع تغيير في الديكور والاحتفاظ بالجوهر ، ام تغيير النظام ضمن استمرار نفس الدولة ، ام ان الامر سيكون اكثر من خطير عند نزول الصحراويين في الصحراء ورفعهم لشعار الجمهورية الصحراوية ..
وفي جميع السيناريوهات فان الوضع الدولي ، والمحكمة الجنائية الدولية ، ومجلس الامن ، والأمم المتحدة ، والاتحادات القارية ، كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، سيكون مفرملاً لتكرار مجازر 23 مارس 1965 ، و مجازر 9 يونيو 1981 ، ومجازر 1984 ، و 1990 ..
لان هنا الخطأ ممنوع ، وكل خطأ دون مراعات الظرف ، والسياق المحلي ، والجغرافي ، والدولي سيكون انتحارا عن طيب خاطر ..
فرغم ان الجيش هو جيش السلطان ، والى الآن وظائفه محصورة في الدفاع عن السلطان ، وعن الدولة السلطانية العلوية كنظام وعقيدة ، فالجيش لن يستطيع اطلاق رصاصة واحدة في وضع معرض لأخطار ومخاطر ستكون في صالح الشعب .
اما بعض الأصوات التي تدعوا الى تدخل الجيش ، رغم عدم وجود ما يسمح ويدعو الى هذا التدخل ، فالانقلابات العسكرية في مجملها ، تبقى مرفوضة ، لان السياسيين الذين يمكن ان يضفوا المشروعية على انقلاب الجيش ، اختفوا من الساحة .. ولم يعد لهم اثر يذكر .. ان تحالف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شخص الصقور بريادة الفقيه محمد البصري مع الجيش ، رغم إنتهازيته ، لانه بعد نجاح الانقلاب كان منتظرا انقلاب اخر لتصفية الحساب والسيطرة على الدولة ، لم يعد في الإمكان . وهنا نستدل بموقف الفقيه البصري عندما عرض عليه الجنرال احمد الدليمي مباركة الانقلاب الذي شرع في التحضير له ، بعد الفراغ في الساحة الذي عرفه المغرب بعد انتفاضة 9 يونيو 1981 ، فوافق لكن بسرعة انقلب واختفى ، وكأنه كان ينتظر سيناريو في باريس على يد الجنرال ، شبيه بسيناريو المهدي بن بركة عندما اختطفوه في 29 أكتوبر 1965 ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو بديل سياسي إسلامي لتسيير الشأن العام – دولة الشورى . الش ...
- المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو . 13 و 14 و 15 و 16 ينا ...
- تحليل قرار مجلس الأمن رقم 2654 الصادر يوم الخميس 2022/10/27 ...
- خبر . المغرب يتجهز لاستقبال لقاء مغربي ، اسرائيلي ، امريكي ، ...
- هل سيحضر السلطان محمد السادس مؤتمر القمة العربية في الجزائر ...
- أزمة روسية ، أم أزمة أوكرانية
- العلاقة بين السياسة والحرب
- - الاتحاد الوطني للقوات الشعبية - - المهدي بن بركة - - 29 اك ...
- ( معارضة ) الخارج . ( معارضة ) الداخل
- الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني يستقبل موفداً لرئيس الجم ...
- الحسن الثالث . عودة قوية وميمونة للأميرة سلمى بناني .
- هل انقلب رئيس الحكومة الاسبانية السيد بيدرو سانشيز على حل ال ...
- رسالة الرئيس الروسي فلادمير بوتين من تعبئة ثلاثمائة الف جندي ...
- الصراع داخل القصر السلطاني
- ممنوع الاستفتاء وتقرير المصير في إقليم - دونباس / لوغانسك / ...
- الملكية البرلمانية في المغرب
- - الفاسبوك - سيغلق حسابي يوم الاربعاء 28 من الشهر الجاري
- دورة منتظرة لمجلس الامن حول نزاع الصحراء الغربية في شهر اكتو ...
- هل سيحضر السلطان محمد السادس مؤتمر القمة العربي المقبل في ال ...
- الإستفتاء وتقرير المصير في الصحراء الغربية .


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .