أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - جاليري ٦٨... اليزابيث كندل















المزيد.....


جاليري ٦٨... اليزابيث كندل


سمير الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 7454 - 2022 / 12 / 6 - 12:17
المحور: الادب والفن
    


جاليري 68 – آفاق وأهداف
دراسة : إليزابيث كندل
ترجمة:سمير الأمير

جزء الأول
جاليري 68 – جمعية مفتوحة أم مغلقة؟
يلخص "رياض الريس" النموذج الستيني للأدب بأنه اتجاه يدعو إلى التسامح المتبادل في التجربة الأدبية والفنية والفكرية دون حدود أو قيود. "إذن فهو صرخة في وجه التطرف بأشكاله الثقافية والدينية والسياسية"( ).
إن أحد أهداف "جاليري 68" كان أن تظل مفتوحة أمام كل (الرؤى) وظلت (جاليري) مخلصة لهذا المبدأ.. وأحد الشروط المبدئية أن تلك الرؤى المتنوعة كانت تركز بشكل شامل على القصة القصيرة، وبينما كان الشعر وبعض الفن الحديث يطبع ويناقش أيضا، نجد أن الرواية والمسرحية كانتا توضعان جانبا، لقد كانت "جاليري 68" بمثابة "بنات أفكار" لمجموعة تتكون من عشرة كتاب وفنانين، ولكنها في الممارسة ضمت دائرة واسعة من المفكرين جاوزت الستين شاعرا وكاتبا وفنانا وناقدا، تم النشر لهم في أعدادها الثمانية، وكانت "لجاليري" قاعدة تأييد أكثر بكثير من المجلات الطليعة السابقة مثل.. "التطور والبشير" ولكن تلك القاعدة كانت أكثر تفككا.
لقد نشرت "جاليري 68" أعمالا لستة كتاب قصة قصيرة من العراق وفلسطيني واحد، وعديد من الكتاب السكندريين وكتاب الأقاليم المصريين، وكان أغلبهم يرسل إسهاماته بالبريد، هذا بالإضافة إلى تجمعات شباب الكتاب القاهريين الذين اعتادوا اللقاء في ندوة (عبد الفتاح الجمل) في مقهى (سفنكس) وندوة نجيب محفوظ (صباح الجمعة) في كازينو الأوبرا، ثم الانتقال بعد ذلك "إلى مقهى ريش" حيث ولدت "جاليري 68".
ومن بين هؤلاء الكتاب اللذين جاءوا من أقاليم مصر (أمل دنقل)، و (يحيى الطاهر)، و(عبد الرحمن الأبنودي)، و(عبد الحكيم قاسم) ( ).
إن الخلفيات المتداخلة كانت ملمحا جديدا في "جاليري 68" فالشباب لم يتوافدوا من الاقاليم للدراسة في القاهرة إلا في نهاية الأربعينيات ومع نهاية الأربعينيات بدأت الحياة الثقافية – التي كانت وما زالت تتمركز في القاهرة – تؤثر في الأقاليم، وربما كانت هذه الخلفيات المتداخلة سببا لاحترام وتقدير الشباب الجاد من الكتاب والشعراء – في كل أرجاء مصر – لجاليري 68.
ومن هذا المنطلق تظل "جاليري 68" متفردة؛ لأنه حتى في (إضاءة 77) ظل معظم الشعراء مرتبطين بخلفياتهم غير القاهرية رغم أن السبعينيات قد شهدت محاولات لربط كتاب الأقاليم بالمشهد الأدبي المصري الأكثر اتساعا من خلا "اتحاد الكتاب" إلا أن هذه المحاولات اعتمدت على ظروف محكومة بالسلطات الثقافية، وقد رفض العديد من الكتاب الشباب التعاون معها ( ) وبمرور الوقت لم يعد كتاب الأقاليم يحظون بنفس الفرصة للقدوم إلى القاهرة؛ لأن السكن أصبح أكثر غلاء وأصبحت الوظائف أكثر ندرة.
وفي نهاية السبعينيات ظهر ما يسمى "بثورة الماستر" وهي وسيلة جديدة ورخيصة للطباعة المستقلة نتج عنها تيار من المجلات الطليعية في الثمانيات، وهذه العوامل تفسر بشكل جزئي لم كانت هذه المجلات التي جاءت بعد "جاليري 68" تميل إلى الانغلاق؟
لقد أكد "حسن سليمان" المحرر الفني "لجاليري 68" في أول عدد على الحاجة للاحتفاظ بقيمة" التفرد الفني "رغم الطبيعة الجماعية التي تحكم عملية الطبع؛ لأن الفن ينتج عن
الأفراد المتميزين والمتمردين( ).
ويؤكد "جميل عطية إبراهيم" -أحد المحررين المؤسسين- أن المجلة لم تكن لسان حال لجماعة مغلقة على نفسها تمارس اتجاها تجريبيا خاصا (لقد كنا تجمعا لوجهات نظر متعددة يتألف من كتاب جيدين من جميع الاتجاهات) ( ).
لقد كان المعيار هو الكتابة الجيدة حتى لو كانت رجعية، ويؤكد "غالي شكري" أن الأدب كان يطبع بصورة أساسية لجودته العالية وليس فقط لأنه أدب تجريبي رغم أنه يعترف أن معظم المساهمين كانوا راديكاليين( ).
ولأن أحد معايير قبول عمل أدبي ما "كان عدم إمكانية قبوله في مجلة رسمية"( ) إلا أنه كان من الضروري أن يكون ذا نوعية جيدة حتى تقبله "جاليري 68"
أما النتيجة الواضحة التي يمكن استخلاصها فهي إما أن يكون هذا العمل تجريبيا بدرجة تفوق السوق المستقرة للأدب، أو أن "جاليري 68" كان لها تعريفها الخاص للجودة الأدبية، أو كلا الاحتمالين، ويوضح "حسن سليمان" في العدد الأول أن الجيل المرتبط بتجربة إنسانية مشتركة عادة ما يعطي دفعة لوحدة الفكر والتي بدورها تنتج وجهات نظر مترابطة عن الفن" ( ).
ولأن "جاليري 68" لم تكن لتستطيع أن تمثل كل كتاب وشعراء ومعاني الستينيات بالنظر لمصادرها المحدودة وقصر الفترة التي طبعت ف فيها، فإن ما تم من نشر لهم كان مرتبطا ارتباطا طبيعيا بالقاسم المشترك لموافقة مجلس التحرير.
مع ذلك فهؤلاء الكتاب والشعراء والفنانون كان يجمعهم التعاطف – بدرجات متفاوتة – لنوع من الأدب والفن، اعتبروه معبرا عن موقفهم المعاصر، ولأن موقف مصر كلها وموقفهم كان قد تغير، فلذا كان من الطبيعي أن يرغبوا في تجريب أساليب جديدة لتعبر عن هذا الموقف المتغير، ولهذا أعطوا دفعة لنوع من التعدد داخل التيار العام، واعتبرت "جاليري 68" مظلة لاتجاهات متنوعة ومتعددة بدرجة أو بأخرى، ولكنها كانت تمثل اتجاهات حداثية بصورة عامة تميل بشكل محدد إلى التجريبية.
لقد اتضح دور المجلة بصفة خاصة في العدد السادس وهو عدد خاص تم فيه تجميع مختارات لكتاب القصة القصيرة المعاصرين في مصر، والذين يمثلون اتجاهات متنوعة، وكانت الأعمال المختارة تعكس أقصى إمكانات التنوع والتعدد والجدة بعيدا عما كانت تعتبره جاليري ممثلا لأفضل الأعمال وأجود الكتاب( ) أضف إلى ذلك أن تلك المختارات تلتها دراستان نقديتان متعارضتان اختلفت معهما "المجلة" ولكن تم نشرهما لاحتوائهما على الآراء الجادة من أجل إثارة نوع من النقاش ( ) .
ويرى "ماهر شفيق فريد" الذي كانت له ترجمة وتعليق نقدي -رفضت جاليري نشرهما- إن جاليري كانت إلى حد ما "جماعة مغلقة" ورغم أنها كانت مفتوحة لوجهات نظر أخرى، إلا أنه كان هناك إجماع واتفاق شديد في الرأي فيما بينهم( ).
ويعتقد "نعيم عطية" أيا أن قصصه قد تم رفض طبعها في العدد الخاص لأنه كان مشاركا بصورة هامشية فقط في مجموعة مقهى ريش، بينما تم نشر قصص كل المشاركين الرئيسيين ( ).
إذن فقد ذايل المجموعة القصصية "حكم غير موضوعي" واعترف أحد المحررين بإمكانية وجود بعض "المحاباة" تجاه الدائرة الداخلية للأصدقاء" وعلى سبيل المثال.. اشتمل العدد على قصص لكل أعضاء مجلس التحرير.
وعلى أية حال فدرجة معينة من التضامن هي مسألة طبيعية وليست ملمحا سلبيا في النشاط الأدبي الهامشي "نحن لم نكن قطاع خدمات عامة، لقد كنا مجموعة من الأصدقاء من اتجاهات مختلفة".
ويؤكد بهاء طاهر "لقد كنا مجموعة مغلقة من الأصدقاء"( ). إذن ما مدى اختلاف كتاباتهم في نطاق الحداثة؟ لقد كانت مسألة مثيرة للجدل.
ويشكو "صبري حافظ" في العدد التالي من أن كل قصص العدد السادس كانت ببساطة تنويعة على نفس الاتجاه الكافكاوي وأن العدد السادس اشتمل على بعض الأعمال كنتيجة "لمصالح التخندق والنزوات الشخصية"( ).
ويتحدى صبري حافظ قائلا: "باالله ماذا تمثل أعمال خليل كلفت وإبراهيم منصور، وعبد العاطي، وجميل عطية، ما الذي تمثله من حقيقة وواقع القصة القصيرة في مصر الآن؟ ( ).
ومع هذا فالحقيقة المؤكدة هي أن "جاليري 68" رحبت بطبع مثل هذه المقالة النقدية في حين كان "منصور" وعطية" أعضاء في مجلس التحرير، وكان عبد العاطي عضوا سابقا، إن ترحيب المجلة بهذا النقد يشير إلى صدق المحاولة من قبل جاليري من أجل تقديم صورة عادلة للتيارات التجريبية المعاصرة.
إن رغبة "جاليري 68" في النزاهة والتجرد وسط خضم من التيارات التجريبية ينعكس في استخدامها لمصطلح "الجيل الجديد"، الذي كان حينئذ "كلاشيه" يتم تجنبه بصفة عامة لمصلحة تصنيف أكثر آنية مثل "جيل اليوم" أو "الجيل المعاصر" أو "جيل 68" الذي يدل على التجمعات القائمة بصفة أساسية على الخبرة المشتركة أكثر من مجرد تاريخ الميلاد، أما ما يشار إليه بالجديد فهو رؤية هذا الجيل للفن، وتعني الجيل كمفهوم اجتماعي وليس كمفهوم بيولوجي( ) واستخدم أحد النقاد مفهوم "جيل"68" كمرادف "للجيل الروحي" ليضم بشكل واسع كتاب القصة القصيرة الذين كانوا يحاولون صياغة مفهوم أو معنى لنفس الأسئلة المشتعلة، كونهم قد استجابوا للشرارة التي دفعتهم داخل نطاق النشاط الإبداعي الجديد بعد هزيمة 67 ( ).
إن صورة "جاليري 68" كجماعة من الشباب الفوضوي المتمرد هي صورة مبالغ فيها رسمها الخصوم داخل المؤسسة الثقافية وتبنت "جاليري 68" اتجاها مسئولا وناضجا لنشر التيارات الأدبية التجريبية الجديدة.. وكانت الأعمال تقرأ بواسطة جميع أعضاء هيئة التحرير وكل ما تم نشره كان بالتصويت الديمقراطي ( ).
كما يحكي ماهر شفيق في تعليق آخر بخصوص "جاليري 68" كتبه على شكل المونولوج الداخلي ونشره ويتفق هو وإدوار الخراط أن بعض آرائه النقدية كانت تستحق النشر، ولكن إدوار طلب منه إعادة كتابتها، حيث كان من الممكن أن تعرض بعض التعليقات المجلة لتهمة القذف ( ).
لكن ذلك لم يكن نتيجة لمسألة العزل الشخصي بعيدا عن الجماعة المغلقة، وذلك تثبته حقيقة أن "جاليري" كانت مستعدة تماما لنشر المواد التي تنتقدها، بالإضافة إلى نشر الأعمال الجيدة المرسلة بالبريد والتي لم يكن هناك أدنى معرفة بمؤلفيها ( ).
ولعل جزءا من أسباب تبني المجلة لاتجاهها المسئول والتسليم بضرورة أن تظل صفحاتها مفتوحة لدم آخر جديد، لعل ذلك يرجع إلى أن المجموعة النواة، التي ظهرت أسماؤها على غلاف العدد الأول، كانوا أكثر نضجا من زملائهم في المجالات الطليعية الأخرى، مثل "التطور" أو "إضاءة 77" فلم يكن هناك أحد من هذه المجموعة تحت سن الثلاثين (رغم أن محمد إبراهيم مبارك كان عمره 26 سنة عندما اشترك في العمل التحريري لجاليري بعد ذلك بعام واحد).
إن التراوح في المراحل العمرية في "جاليري 68" يعد أوسع مما يتوقع الإنسان، ولهذا دلالته – ولا سيما في مجلة طليعية- على حقيقة أنه بالرغم من أن الكتاب في سن العشرين يستندون أكثر إلى المفهوم التجريبي في الأدب إلا أنهم لا يملكون السيطرة على هذا المفهوم، أما اشتراك بعض الكتاب الأكبر سنا فيمكن النظر إليه أيضا، على أنه جزء من الهدف الواعي للتأكد من أن المجلة ستحظى باستحسان نقدي حاد، ويعترف إبراهيم منصور "لقد كان إدوار الخراط أكبر سنا بكثير، لقد اخترناه لاعتقادنا أنه سيكون مفيدا لنا للنفاذ إلى يوسف السباعي.. لقد كنا بالفعل في حاجة إلى حماية، لقد كان الناس خائفين في عهد جمال عبد الناصر"( ).
وهذه النقطة عن الخوف الكامن نفطة هامة حتى لفهم لماذا كانت "جاليري 68" أكثر تمردا وراديكالية مما كانت تبدو عليه، ويمكن النظر إلى "جاليري 68" كنوع من الشكل الأم للنشاط الطليعي تضم في محتواها التجريبي موادا ذات طبيعة أكثر تمردا وراديكالية دون أن تعلن عن نفسها كمتمرد راديكالي، وهكذا فقد أظهرت تطورا كبيرا مقارنة بالعدائية غير المرنة للمجلات الطليعية السابقة مثل: (الفجر الجديد)، و (التطور) ( ).
إن هذه المحاولة لتبني موقفا أكثر موضوعية ظهر بصورة قوية في الفترة القصيرة لإصدار "جاليري 68".
ولابد أن ننظر للاختيارات الفعلية لمحتوى "جاليري 68" حتى تكشف لنا عن أجندتها وذلك لأن الافتتاحات والمقدمات نادرة.
لقد كانت افتتاحية أحمد مرسي وهي الافتتاحية الوحيدة في الواقع حتى العدد السادس، كانت عبارة عن ثلاثة عشر سطرا فقط، وقد تجنبت الأسلوب المتفجر، الشرس الذي نجده في بيانات "الفجر الجديد" و "التطور".
لقد تبنى "أحمد مرسي" وجهة نظر متفائلة وحذرة للوضع المظلم في مصر مشبها هزيمة يونيو بآلام المخاض الذي سينتج عنه ميلاد "الوطن الاشتراكي الديمقراطي الحر الجديد" ( ).
وبينما كانت أعداد "جاليري" تتوالى، بدأ تأثيرها يحس وكانت الثقة بالنفس تزداد، لنجد بعد ذلك بعام واحد تحليلا مشابها لعملية المخاض "إن القصة القصيرة في مصر لم تمت بل إنها تولد من جديد، تولد لأول مرة بعد أوجاع المخاض المؤلمة" .
ومع ذلك فقد كانت هذه الثقة مدفوعة بالحماس والتفاؤل أكثر من مجرد العجرفة، لأن نفس المقدمة تمدح قائمة كاملة للكتاب المعروفين وتعترف باستمرار أهميتهم في المستقبل بالإضافة إلى الحاضر وبدلا من أن تعلن جاليري نفسها كحقيقة نهائية في إرث طويل من التقليد الثقافي المعيب كما ادعى بعض نقادها، فقد تبنت "جاليري 68" نظرة أكثر واقعية من محدودية دورها الذي عرفته بـ "وضع لبنة متواضعة في صرح الوطن الاشتراكي الديمقراطي الحر الجديد"( ).
إن الجدل الذي أثاره العدد السادس والذي ضم مجموعة كتاب القصة القصيرة المصريين المعاصرين والمقالتين النقديتين، ذلك الجدل دفع "جاليري 68" أن تحدد وضعها بشكل أكثر واقعية في مواجهة النقد القائل بأن المجلة ينقصها التوجيه ويديرها العدميون( ).
فكانت افتتاحية العدد السابع "أكتوبر 1969" بمثابة الإعلان الجماعي الحقيقي الأول الذي يشبه "البيان" غير أنها أقل دوجماطيقية" وتصلبا وقد صاغها إدوار الخراط، ووقع بـ "68" وربما تتهم "جاليري 68" بالتعجرف الذي غالبا ما يصيب الطلبة وذلك لأن بيانها الجماعي تحدث عن المجلة كعلامة لمرحلة شاملة وجديدة بدلا من أن تكون مجرد مظهر من مظاهر صراع الأجيال ومع ذلك فقد خلا البيان من التحديدات الدقيقة والتعميمات الكاسحة.
وتزامن مع تأكيد "جاليري 68" على أنها دلالة بداية لمرحلة جديدة تذكيرا بأنه ليس هناك فترة أو جيل بمفرده بمقدره أن يحتكر عملية تجديد الأدب حيث إن تجديد الأدب ليس قضية جيل جديد يواجه جيل قديم، ولكنها مسألة احتضار عصر بأكمله بما يحمله من مفاهيم وقيم وعلاقات وميلاد عصر جديد لم تحدد مفاهيمه وقيمه وعلاقاته بعد( )، إن ما جعل "جاليري 68" نقطة تحول في السياق التاريخي الأكثر اتساعا هو حقيقة مقاومتها لإغراء... إملاء قيم العصر الجديد، وبدلا من ذلك وصفت جاليري هذه القيمة بأنها "لم تحدد بعد".
وهذا ما وضع المجلة في بداية موجة التجديد الأدبي المستمرة وتنبأ بدورها الملهم للتجريب بالأدبي الذي جاء بعد ذلك في السبعينيات والثمانيات.
إن محاولة "جاليري 68" أن توازن بين الغريزة التي تدفعها في اتجاه الانطواء التضامني للجماعة والذي تولده الحاجة إلى الدفاع عن النفس وبين جهدها الواعي في أن تظل منبرا أدبيا متطورا ومفتوحا يكشف عنه أيضا البيان التوضيحي.
إن النقد الضيق الأفق الذي أشعله العدد الخاص بالقصص المختارة أثار طعنة أخرى، لقد تم وصف النقاد بأنهم سماسرة وقابلات ومصففي شعور، وقيل لهم: "لا يوجد فنان -ولا سيما الفنان الذي يمتلك رؤية جديدة وينشغل بتجريب طرق التعبير الجديدة- يحتاج إلى تدخل أي إنسان فهو على وجه التحديد ليس في حاجة نصائحهم"( ).
ومع ذلك فقد اعترفت نفس الافتتاحية "أن كثيرا من النقد المخلص الموجه إلينا يمكن تبريره"( ).
وبينما كانت "جاليري 68" مدركة لحاجتها إلى حركة نقدية صحية تنظر بعين الاعتبار إلى الاتجاهات الأدبية الجديدة كميزة، نجد جاليري قد رفضت أن تعترف بالنقد البالي الذي يحكم على الاتجاهات الجديدة مستخدما معايير طبقت على الاتجاهات الأدبية السابقة، ولقد أكدت المجلة بشدة على أن الحكم على الأعمال الأدبية التجريبية للطليعة لا يأتي من العصور الحجرية للأدب.
ويؤكد بيان التوضيح الانطباع القائل بأن "جاليري 68" هي الشكل الأم الذي يشجع الاتجاهات الطليعية إلا أن "جاليري 68" قد تميزت عن غيرها من مجلات الطليعة في الماضي والتي كانت بياناتها أكثر تمركزا حول الذات وأكثر بعدا عن الحلول الوسط، وهكذا أثبتت جاليري أنه "لا يوجد ما يسمى بمجموعة 68.. لقد كانت حركة وتيار"( ).
وتركز بداية الافتتاحية على تأثير "جاليري 68" في المشهد الأدبي العام
وتحتوي على مقولات عديدة من مدح نفسها.
ومع ذلك فإن هذا الاحتفاء بالذات كان ضروريا إلى حد كبير لكي يتضح لموظفي وزارة الثقافة أن "جاليري 68" لا يمكن قمعها دون أن يشعر أحد، وبالإضافة لذلك، وازنت جاليري بين مدح نفسها والتحذير من أن الحفاوة المفاجئة بالقصة القصيرة لا زال سطحيا، وجاء نتيجة للفرحة والرغبة في الاحتفال بشيء مصري أكثر منه نتيجة لفهم حقيقي للاتجاهات الأدبية المعاصرة.
ولقد حذرت المجلة الكتاب من أن يكونوا "ستاتيكيين" في الأسلوب معلنة أننا "لا نزال غير راضين"( ).
ويظهر صدق الرغبة في التطوير جليا في إحساس "جاليري 68" بمسئوليتها الكاملة في تطوير نفسها، لقد كانت تطبع في البداية بالمساهمة الشخصية للمشاركين فيها.. ومع هذا توجد إشارة سريعة للمصاعب المالية غير أنها تعترف بأن الأزمات المالية المتتابعة التي واجهت "جاليري 68" ليست عذرا ولا تبريرا لعجزها عن تحقيق الهدف التي كانت تطبع من أجله ( ).
وهذه الرغبة في أن تظل المجلة مفتوحة أمام النقد الجاد كانت له أهميتها في إثارة النقاش العام الذي كان يعتبر نقاشا بناء أكد معه محاولة للاستقطاب، ولهذا كانت جاليري قادرة على أن يكون لها تأثير مستمر على التطورات الأدبية في العقد الذي تلاها.
ويمكن أن يقال: إن "جاليري 68" قد تجاوزت مجرد كونها تعبيرا عن جماعة منغلقة؛ لأنه بمقاومة الرغبة في الارتماء في حض الماضي وإنكار المستقبل ومقاومة الرغبة في نشر المبادئ المجردة، احتفظت المجلة بمسافة صغيرة، ولكنها هامة بين محرريها والمشاركين فيها، وكانت في نفس الوقت منبرا للمشاركين بعرض وجهات نظرهم ومعتقداتهم الفردية ويظهر التوازن الحذر بين الجماعة والفرد بوضوح جلي في آخر افتتاحيات المجلة.
وبعد انقطاع دام ستة عشر شهرا واصلت "جاليري 68" استمرارها وضمنت افتتاحية موقعة باسم إدوار الخراط بدلا من التوقيع ب "68"، ورغم أن الافتتاحية قد أشارت إلى "جيل 68" وهو اصطلاع يجعل من الفروق بين المجموعات العمرية وبين القديم والجديد حدودا غامضة، وقد كتبت عبارة وجهة نظر شخصية كعنوان فرعي في الافتتاحية، وهذا يتفق مع قناعة الخراط "إن أبشع خطأ ممكن أن تقع فيه "جاليري 68" هو أن تضع لنفسها بيانا يوضع الأهداف أو أن تتبنى اتجاها لنشر عقيدة"( ).
إن التزام المجلة الوحيدة هو "البحث عن جمال الحقيقة الرهيب والإخلاص في هذا البحث"( ).
أما امتلاك الحقيقة المطلقة، فليس في مقدور جماعة مفردة أو جيل؛ لأن هذا لا يتفق مع الطبيعة الديناميكية القلقة للطليعة" وإننا نرغب في فتح صفحاتنا أمام التجارب الغريبة والمتوهجة للجيل العنيد الذي يخاطر بحياته فنيا من أجل ما يعتقد أنه حقيقة"( ).
والحقيقة ليست مطلقة، ولكنها مراوغة ومحيرة دائما وهي "ابنة المغامرة" والاكتشاف "والعناصر التي تقف بين الظلام والنور"( ).
إن الإخلاص في البحث عن مفهوم خاص للحقيقة هو بمثابة الرباط المشترك الذي وحد أفراد الكتاب في جماعة، ولكنها كانت جماعة مرنة بقدر.



#سمير_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحنان.. قصة قصيرة
- يا إلهي.... شعر/سمير الأمير
- طاهر أبو فاشا
- ꧁قصائد على الذائقة꧂
- -الكارثة التي تهددنا-*
- الأرزقية المتخلجون.. والصحراء التي تكبر في كل اتجاه
- تشريح جثث النصوص الأدبية في الميادين العامة
- النقد بين الثقافة العامة وقاعات الدرس الأكاديمي
- كؤوس النبيذ الأحمر
- الناقد كمثقف عضوي والناقد كجاموسة
- مشيخة -حارة عتلم-
- مهرجان المنصورة المسرحي
- دواعي السعادة
- النداء
- بلا طائل.... سمير الأمير
- العجز
- أصنام الدهشة.... سمير الأمير
- موت لا يليق ببطلة طليعية... سمير الأمير
- فراديس الأخيلة
- رباعيات وجع القلب والفرفرة.. عامية مصرية... شعر.. سمير الأمي ...


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - جاليري ٦٨... اليزابيث كندل