أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 31














المزيد.....

قطار آخن 31


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7439 - 2022 / 11 / 21 - 11:46
المحور: الادب والفن
    


أقرع الأجراس والنوافذ مغلقة، أقرع الأجراس والأضواء مُطفأة، أقرع الأجراس والباب الخارجي موصد في وجهي، أقرع الأجراس ونصف السيارة البيضاء على رصيف الشارع ونساء الكوكايين تنتظرني.

خياران لا ثالث لهما، لم يبقَ أمامي سوى العودة إلى السيارة البيضاء والاِعتذار من ساكنيها أو اللجوء إلى قسم الشرطة لأقدم شكوى ضد دعارة الكوكايين في هذا البلد ومذكِّرة اتِّهام.
"الشرطة هنا في خدمة الإنسان".

سأرى فيما إذا كان هذا الكلام صحيحاً، سأستعيد عن طريقهم حقوقي الأساسية وأهمها كرامتي، أليست كرامة الإنسان هنا مصانة وغير قابلة للمسّ، أليس حمايتها واحترامها واجب إلزامي على كافة سلطات هذا البلد بحسب الدستور؟
لن أرمي نفسي في حضن السيارة البيضاء، لن أعتذر من ساكنيها، لن أموت في سيارة كوكايين.

أركض خوفاً من سجائر غارغويل وعطر غارغويل وشوكولاتة غارغويل وكوكايين غارغويل.
أركض بحثاً عن قسم الشرطة.

لا أعتقد أنّ رجال الشرطة اليوم في ألمانيا يشبهون رجال الشرطة الألمان قبل نصف قرن، تغيروا كثيراً، لن يطلق أحدهم النار عليّ كما أطلق ضابط الشرطة الألماني السابق والعميل المزدوج "كارل هاينز" النار في الثاني من حزيران لعام 1967 على أحد الطلاب المتظاهرين في برلين ضد شاه إيران وأرداه قتيلاً، كان قتله المتعمد للمتظاهر أحد المحفزات الرئيسية لثورة الطلاب الألمان في عام 1968 التي ساهمت إلى حد كبير في تغيير الخارطة السياسية ونفسية الشرطة في الألمانية.

لو لم أكن من لحم ودَم لَتوقفت عصابة النساء عن مطاردتي، لو شكّل القدر جسدي من معجون مغناطيسي ذكي لصرتُ الأكثر جوعاً واِلتهاماً في العالم، لو كنتُ من مادة المعجون لابتلعتُ سيارة الكوكايين بركابها وكأنني ثقب أسود مرئي، لكن الدم ما زال يسري في عروقي وجسدي مازال من لحم. سأوقد سيجارة غارغويل على عجل وأتابع بحثي عن مأوى خالٍ من الكوكايين ومُرَوِّجي شائعاته.

أركض من جديد وفي كل الاتجاهات بحثاً عن سيارة شرطة، أركض واشتياقي لاستراحة قصيرة برفقة سيجارة غارغويل في تصاعد، أركض وسيارة غارغويل تركض خلفي، أركض وأنا خائف حتى الموت من اِختراق أعقاب سجائر غارغويل المُتَوَهِّجَة جسدي.
أركض والخجل من احتمالية اِستعباط الشرطة لي يجعلني أتوقف عن الركض وتسليم جثتي لنساء سيارة الكوكايين دون أية مقاومة.

أركض وأنا جائع، أركض وأصابع يدي اليسرى مطوية على بطني، لو لم يحصل ما حصل لكنت جالساً صباح هذا اليوم إلى طاولة الفطور الشَهِيّ في بيت صديقتي "مانويلا"، كم أحتاج الآن لطعامها، للأمان والهدوء في بيتها، كم أنا مُمْتَنٌّ لها.
"الامْتِنان صفة من صفات النفوس النبيلة".

أركض وكلي إيمان، بأنّ الغرض الأخلاقي من الدولة وشرطتها المدنية في الغرب الرأسمالي الاجتماعي هو تحقيق السعادة لمواطنيها.

أركض والدولة وشرطتها في الشرق لا تحيد عن وظيفتها المرسومة لإبقاء شعوبها تحت نير التبعية والخنوع وحجب السعادة عن مواطنيها.

أركض وكلي ثقة، بأنّ المجتمع الذي لا يحترم مشاريع مدمنيه، ولا يفهم وجهات نظرهم الإنسانية واحتياجاتهم الروحية والجسدية، لا يُعَوَّل عليه ولا على شرطته في تحمل مسؤولية حماية التطور الاِجتماعي لبلد ما.

"اللاتسامح هو المسار الأول للدكتاتوري"، كما قال التاجر الألماني "أولي شتاينكامب".

أركض وكلي ثقة، بأنّ المجتمع الشرقي بكافة مؤسساته المدنية، المجتمع الذي غَضَّ طَرْفَه عن الملاحقات المخابراتية والاِعتقالات التعَسُّفيّة وأساليب التعذيب الوحشية لشبابه وشاباته بسبب وجهات نظرهم الإنسانية المدنية، هو مجتمع مشلول التفكير، لا يستحق الحرية لأنه لا يفهم معنى ممارستها وجدوى النضال من أجلها.

"الحرية هي دائماً حرية الأشخاص الذين يفكرون بطريقة مختلفة"، كما خطبت الفيلسوفة الماركسية "روزا لوكسمبورغ".

أركض وأنا ألمح أخيراً سيارة شرطة تفرمل أمام مدخلٍ مضاء، أركض ونساء شرطيات ينزلن من سيارتهن ويدخلن المبنى، أركض حتى أصل مدخل المبنى، أركض مقطوع النَّفس، أركض ناظراً خلفي دون أن أرى سيارة الكوكايين، أركض وقد شارفت الساعة على السابعة صباحاً، أركض والشمس تشرق خجولة.
أركض وأنا أبربر:
"إنّ اللَّهَ واسعُ الرحمة".
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 30
- قطار آخن 29
- قطار آخن 28
- قطار آخن 27
- قطار آخن 26
- قطار آخن 25
- قطار آخن 24
- قطار آخن 23
- قطار آخن 22
- قطار آخن 21
- قطار آخن 20
- قطار آخن 19
- قطار آخن 18
- قطار آخن 17
- قطار آخن 16
- قطار آخن 15
- قطار آخن 14
- قطار آخن 13
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 31