أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 17














المزيد.....

قطار آخن 17


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7403 - 2022 / 10 / 16 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


ما هي إلا دقائق حتى دخلت هينلوري بجزمة الجلد السوداء المفرَّغة وكلساتها السوداء المثقَّبة كاشفة عن بياض رجليها، جاءت محصَّنة بالشورت الجلدي الأسود الضيق، ومسلَّحة بحزام الجلد الأسود العريض الذي تتدَلَّى من جهته اليمنى كلبشات من سوارين تربطهما سلسلة حلقات معدنية، في الجهة اليسرى حشرت ما بين الحزام وخصرها هراوة شرطي جلدية، سوداء، غليظة وقصيرة، دخلت إلى الصالون بجاكيتها القصيرة السوداء التي بالكاد تغطي صدرها العذب كاشفةً عن بطن صافٍ كنبع، كحلت شفتيها بالأحمر، غطت شعرها بقبعة الشرطي السوداء ولبست كفين من الساتان الأسود اللامع، على راحة كفها اليمنى حملت صِّينِيَّة من الخشب الرقيق، تطل منها زجاجة ويسكي كروية الشكل، ثلاث كؤوس من الكريستال السميك الأبيض وسطلاً صغيراً لقطع الثلج، وباليد اليسرى كانت تحمل صحناً من الخزف الصيني وعليه ما يشبه ثلاث قطع شوكولاتة بنية اللون، ثلاث ثمار أرجوانية من الصبّار المُقَشَّر، ثلاث حبات كبيرة من التين الأخضر، وثلاث حبات شهية من الزيتون المحشي.

حدّق إبراهيم في يدها اليسرى، أمعّن النظر في ثمرات التين والصبّار، لم يثق بعينيه أنها ترى هذه الثمرات في هذا البيت الأمين، نظر إلى الشرطية هنيلوري، لم ير فيها إلا تمثال من تماثيل الإغواء في متحف "الإيروتيك" في قرية امستردام السياحية، حيث يقودك الطريق إلى تعلم مبادئ فن الإغواء، نظر إليها ثانية، بدت واقفة، كأنّها لوحة اللحظة الديناميكية اللازائلة، صورة تصلح لشرح أعقد درس من دروس العلوم الطبيعية أو الميكانيكية، بدت هنيلوري في زي الشرطية الأسود كمنحوتة من الثلج الكريستالي في فصل شتاء، كمنحوتة مذهلة أخذت مكانها في إحدى الساحات الرئيسية في مدينة فينيا، منحوتة امرأة تستعد لتقديم البهجة للناس في احتفالات عيد الميلاد.

علت ضحكات هينلوري وقالت:
ـ أنتَ، بشرودك يا إبراهيم، غريب الأطوار. بالمناسبة، أسفة أني تأخرت عليك، هل تنتظرني؟
أجابها إبراهيم العائد من تَيَهانه:
ـ شيءٌ ما يحترق!
**

وصلت سابينه في هيئة ممرضة إسعاف خصوصية.

وصلت مرتدية الزي غير التقليدي لممرضة، الذي يحوي بين طياته نكهة الولاء والطاعة دون أن يتطابق مع شرع الله، لَبِست حذاء أحمر بكعب متوسط، وضعت على رأسها قبعة قطنية بيضاء ومكشكشة، يتخللها خط كحلي عريض، قبعة أعطت لروحها لمسة تواضع، لتسريحة شعرها جاذبية عطر ولقامتها مظهر كبيرة الممرضات، ارتدت ثوباً قصيراً أبيض اللون، لَفَّتْ مِئْزَرَها حول خصْرِها وعقدته بشكل أنيق، غطى المِئْزَر الجزء الأمامي من جسمها وحسب، تاركاً منطقة الظهر والمؤخرة دون حجاب.

دخلت الممرضة تحمل بين يديها صفيحة دائرية من الخشب، تشبه صدر الفطور الصباحي في الشرق، صدر الألومينيوم بسماكته الرقيقة وقطره الذي يتناسب طرداً مع عدد أفراد الأسرة ووضعها المالي. على الصفيحة تسع زَبادِيّ ملونة صغيرة وعميقة، بين دائرة الزُبْدِيّات باقة ورد أبيض، أدارت سابينه ظهرها وأسفل خصرها غير المحجّب إليه وراحت توزع الزَبادِيّ، ثلاثة لكل منهم.

حالما صارت أمامه أجابته وكأنها اِسْتَرَقت السَّمْع من خلف باب الصالون لمونولوجه الذاتي ودهشته في حضرة الشرطية هنيلوري:
ـ لم يحترق شيء يا إبراهيم؟ أنت تتوهم. هل فقدت حاسة شّمّك القوية؟
ـ لا، ما زلت قادراً على إدراك الروائح!
ـ هل سكرت يا إبراهيم، قبل أن نبدأ؟
ـ لا لم أسكر! لم أشرب بعد!
ـ هل ترغب أن تأخذ غفوة ثم تلحق بنا؟
ـ كيف لي أن أنام، وأترككما لوحدكما تسهران؟
- سننتظرك حتى تصحو!
ـ لن أغادر من أحتاج إليهن في هذا المساء الماطر، شرطية وممرضة!

حواره مع سابينه ذكّره بتجربته الأولى مع النبيذ الأحمر ولم يتجاوز السابعة عشر، بعد الكأس الأولى، قبل منتصف الليل بساعتين في يوم رأس السنة، انتشى فجأة، انتشى حتى النعاس الثقيل، سمع صوتاً حميماً يثق به: اذهب للنوم يا إبراهيم، أعدكَ أنْ أوقظكَ قبل صعود البوابير البرّاقة الملونة إلى السماء، سأوقظكَ حتماً قبل إطلاق العيارات النارية وقبل تفتيت هذا العام الحزين إلى مثواه الفقير. يومها نظر إلى صاحبة الصوت بعينين ثملتين غير مصدّق لوعدها، حرّك كف يده اليسرى راجياً منها أن تتركه وشأنه وتمتم: كيف لي يا أختي أن أنام وأترك الوطن يسكر لوحده.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 16
- قطار آخن 15
- قطار آخن 14
- قطار آخن 13
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11
- قطار آخن 10
- قطار آخن 9
- قطار آخن 8
- قطار آخن 7
- قطار آخن 6
- قطار آخن 5
- قطار آخن 4
- قطار آخن 3
- قطار آخن 2
- قطار آخن 1
- خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)
- سِباق التعرُّج 11
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9


المزيد.....




- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 17