أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 28














المزيد.....

قطار آخن 28


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7431 - 2022 / 11 / 13 - 22:32
المحور: الادب والفن
    


اندفع يقفز الدرج الموصل إلى الطابق الأرضي نصف سكران، وصل إلى باب البناية الرئيسي، توسَّل إلى الله في سرّه ألا يكون مقفلاً، البابُ مفتوح!

بدأ الظلامُ بالانقشاع عن الصبح، لكن المطر غزير والريح باردة. وقف لبرهة ينظر إلى اتجاهٍ ما للهروب، حسم أمره سيهرب في هذا الاتجاه، يساراً حيث مشارف الغابات، زالت عن نفسه غيُوم الاضطِراب لبرهة، حلم بالضوء الساطع في نهاية الغابة والحياة الروتينية، فما بعد الضِّيق إلا الفرج، ثم ما لبث أن اِغْتَمَّ فجأة لذكرى الضوء الساطع في نهاية النفق، بريق الأمل الذي تسبب يوماً في مقتل أحد الأصدقاء أثناء هروبه إلى بلد آخر، ضوء أحد القطارات السريعة القادمة من الاتجاه المعاكس.

لا يعرف ما الذي ينتظره على الضفة الأخرى من الغابة، اندفع راكضاً إلى الشجر الأقرب، جاءه صوت مُحَرِّك سيَّارة، نظر خلفه، رأى قرب مدخل البناية سيارة بيضاء، رأى اِمرأتين بلباس أسود ورجال ثلاثة في وقفة تشاور، وصلته أصوات تطلب منه التوقف، لم يَأبه لها وركض يدخل الغابة، غطست قدمه في الوحل، أرْعبه أَزِيز طلقات رصاص مرت جوار فخذه! السيَّارة تتقدم باتجاهه كوحش أسطوري، غيّر طريقه في الغابة وتابع ركضه بين الأشجار الضخمة إلى أن تلاشى ضوء السيَّارَة، تمهّل قليلاً ومشى يغوص في الوحل حامداً الله في سرّه أنهم تركوه أخيراً وشأنه.

**

جسمي واهنٌ ومتعب، أريد الهروب ولا أستطيع، أريد البقاء ولا أتجرّأ.

ما الذي أتى بي إلى بلاد الغرب المجنون؟ ما الذي يعجبني هنا؟

لماذا قررتُ منذ اليوم الأول لوصولي البقاء في هذا البلد؟ بل لماذا اتخذت قرار البقاء هذا قبل وصولي إليه بسنوات؟ هل كان السبب الفعلي يكمن في الفوضى التي عشتها هناك؟

"الفوضى عدوة الإبداع".

أليس الطريق إلى غرفتي في الشرق أكثر بساطة ودفء من هذا الضياع في الغرب؟
ما الذي يجبرني على الهروب، كجنديّ فرَّ بعد أن ترك موقعَه في المعركة؟
ما الذي يجبرني على العَدْوّ في الغابة كغزالٍ يخشى أن يصطادوه بسهمٍ مسموم؟
ما الذي يجبرني على تحمُّل أَزِيز الريح وأَزِيز الرّعد وأَزِيز مُحرِّك السيَّارة من خلفي؟
"يُرعبني الأَزِيز، أَزِيز طلقات الرصاص في الأعراس والمناسبات الشرقية".
من سيهتم لأمري حين أموت هنا أو هناك؟
على ماذا سأندم عند دُنُوّ الموت مني؟
هل سأندم لأنني عشت حياتي كما اشتهيت وبشجاعة دون أن أتمسك بالعادات البالية والأنماط الاجتماعية القديمة؟
هل سأندم لأن أصدقائي يُعدّون على أصابع اليد الواحدة؟
هل سأندم لأنني غادرت كهف الوفاء للكوكايين؟
أعرف فقط في هذه اللحظة أنّها أسئلة فلسفية لن أستطيع الإجابة عليها إلا على فراش الموت هنا في الغرب، بعد أن أكون قد عشتُ طويلاً وجمعتُ خبرة عشرات السنين من الحياة والتجربة في هذا البلد الأمين حقاً!
ما الذي يجعلني أرى بأم عينيّ كائنات أسطورية مخيفة في الغابة رغم أني
لست محموماً أو سكراناً؟ هل لأنني ما زلت تحت تأثير الكوكايين والغارغويل؟ ألا يعني هذا أنني بكامل قوايّ العقلية؟
ما الذي سيمنعني إذنْ من اِلتقاء ملك العفاريت في هذا الصباح الكوكاييني الباكر؟

إذا استيقظت من سُباتي العميق ومن جنوني وغفلتي، إذا مضت الأمور على ما يُرام ووصلتُ غرفتي سالماً، سأنتبه إلى نفسي أكثر بأكثر، سأمتنعُ عن النساء والخمر والسجائر والكوكايين، سأعود للرياضة، سأتعلم لغة جديدة، سأكتب مذكرات يومية، سأعتذر لصديقتي "مانويلا" عن خيانتي لها، سأتبرعُ بكل ما ادَّخرته من المال للفقراء، سأشتري خروفاً وعجلاً من البازار، سأتركُ الجَزَّار يوزع لحمهما على الفقراء في قريتي وسأسامح كل من أساء لي.

إذا نفدت من ورطتي هذه، سأستعمل عقلي مستقبلاً بطريقةٍ بنّاءة.

"مَنْ لا يستعمل عقله بطريقةٍ بنّاءة، يتركه تحت تصرف الآخرين خزاناً لكوكايينهم".
**

وصل إبراهيم تخوم الغابة يغطيه وحل الذكريات، ما زالت الشوارع نائمة، الشوارع مُقْفِرة، السماء مُتجهِّمة، اِسْتَقْبَلَته المدينة الرمادية الفارغة بوجهٍ عَبُوسٍ، يسحب من جيب سترته سيجارة غارغويل ، يتحايل على الريح والمطر، يشعلها، يأخذ نفساً عميقاً، يلمح في البعيد ضوء سيارة بيضاء قادمة، يضع رجليه في مؤخرته ويتابع عملية الهروب التي بدأ يُتقن مبادئها.

الشارع ميت، البيضاء تلاحقه، قدماه في مؤخرته، جسده المقطوع من شجرة يحمل حقيبة وسجائر ويعدو إلى اللاهدف.

سأحتمي في أقرب بيت ألمحه، سأطلب اللجوء عند أول عائلة تفتح الباب لي، سأشرح لها معاناتي، سأقول لصاحبة البيت بصوتٍ مخنوق:
ـ جئت من عائلة فقيرة جداً.
ثم أبكي.
ـ سيدتي، أشتهي من يديك فنجان قهوة وبعض المعجنات.
ثم أبكي.

حينها ستفهمني صاحبة مطبخ البيت، سَتُربّت على كتفي وخدِّي كي أهدأ، ستمسح على شعري لأسترخي وأنام.

نعم، حسمت أمري، سألجأ حين يهدأ هَيَجان اليَمّ إلى أقرب مخبز، أو محطة وقود أو مركز شرطة، سألجأ ولن أعود، ولما العودة؟
"ألمانيا هي جزيرة الكنز التي نحلم في الوصول إليها بإرادةٍ من حديد".

إذا تمكنتُ من الهروب من نساء الكوكايين ولهيب أجسادهن، إذا وصلتُ إلى غرفتي دون أن تخترق جسدي رصاصة عابرة، سأعانق صديقتي "مانويلا" وأبكي أمامها كطفل، سأقول لها من باب الشكر والاِمتنان:
ـ سأُضيفك إلى ذاكرتي ما حَيِيتُ.
"البُوصلَة إما أن تكون في اللُّبّ حيث أصالة البُذُور أو لن تكون".
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 27
- قطار آخن 26
- قطار آخن 25
- قطار آخن 24
- قطار آخن 23
- قطار آخن 22
- قطار آخن 21
- قطار آخن 20
- قطار آخن 19
- قطار آخن 18
- قطار آخن 17
- قطار آخن 16
- قطار آخن 15
- قطار آخن 14
- قطار آخن 13
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11
- قطار آخن 10
- قطار آخن 9
- قطار آخن 8


المزيد.....




- مهرجان البحر الاحمر يشارك 1000 دار عرض في العالم بعرض فيلم ...
- -البعض لا يتغيرون مهما حاولت-.. تدوينة للفنان محمد صبحي بعد ...
- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 28