أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 25














المزيد.....

قطار آخن 25


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7423 - 2022 / 11 / 5 - 08:33
المحور: الادب والفن
    


لم أعد أقوى على الكلام، سأغادر الحياة بصمت، لو يسمح الله لي بالبقاء سأعتذر منه وأعده ألّا أكرِّر ما اقترفته اليوم والبارحة من ذنوبٍ، سأمتنع عن تناول الخمر والسجائر والكوكايين والشوكولاتة والشاي البارد، سأمتنع عن مغازلة الغريبات، سأواظب على زيارة بيوت الله. سأتفرّغ لتناول مشروب زهورات وعندما أحزن أكثر، أضيفُ له الزنجبيل، وإذا تضاعف حزني أعصر معهما الليمون الحامض.

لكن ما نفع الحياة دون خمر وسجائر ونساء وأصدقاء؟
دعني أموت أيها الله الجميل، لن أعتذر منك، لن أعدك بشيء، ألا يكفيك ما خسرته من أصدقاء في حياتي؟ فقط لأني لم ألعب معهم ورق الكوتشينة ولا كرة القدم، أين عدالتك؟

ما الذي يجبرني أن أكون هنا؟ لماذا لا أعود؟ متى أعود؟ إلى أين سأعود؟ كيف سأصل حُجرتي؟
سأموت لأزور أرض الأموات التي لا أعرف عنها شيئاً، رغم أنني لم أتعرّف على أرض الأحياء بعد، سأموت ليكتبوا عني: كان رجلاً حقيقياً، جمعتنا معه ذكريات طيبة نستطيع أن نحكي الكثير منها، نتذكر ساعات سعيدة وأحداث ممتعة أمضيناها معه وهو في وسطنا، في الأعياد والاحتفالات الصغيرة بمناسبات عائلية أوصداقية أو اجتماعية، حينئذ كان يملأ الكون بضحكته، بروحه الحلوة، ببريق عينيه وبصوته الذي مازال يصدح في هذا العالم الفسيح. ثمة ذكريات أخرى لن يقاربوها، إنها ذكرياته الحميمة مع الكوكايين والسجائر والنساء.

أشعر ببرد غريب وكأني في ثلاجة، يا الله أبعد عني السوء والبلاء، هل سأعود سليماً معافىً كما كنت قبل أن أصعد إلى قطار آخن؟

أنا جائع وحزين وخائف، لن أموت إذا جاءت الممرضة في الوقت المتبقي، لن أموت إذا أسعفتني برفقة الشرطية، قد يُغمى عليّ في الطريق إلى المستشفى لكني حتماً لن أموت، جسدي الرياضي سيقاوم، ذاكرتي ستمانع، أحلامي التي لم أحققها بعد ستناهض فكرة الموت الكوكاييني، سأعمل ما في وسعي لأهرب من هذا البيت وأبدأ الحياة من جديد، أمامي مسؤوليات كبيرة، لن أخون المحتاجين من حولي، قد أبقى خائفاً هنا لكني لن أعود إلى موتي الذي جئت منه، ما يزال الوقت مبكراً، فالشجاعة لا تعني عدم الخوف وإنما مجابهته والتغلب عليه، فقط أولئك الذين يمكن لهم أن يشعروا بالخوف لديهم القدرة أيضاً على إثبات الشجاعة، كما تفلسف الراهب البوذي "دالاي لاما".

أين ذهبت الكلبتان الفاسقتان؟
**

يستجمع قواه، يصرخ بأعلى ما أوتي من قوة:
ـ أنا خائف والله، أين أنتما؟ أين تركتماني؟

يخمد صوته، يبرد قلبه، نبضات قلبه تكاد لا تسمع، يموت قلبه، يسقط في بئر عميق، يلمح رجلاً أو رجالاً ثلاثة يعبرون من النافذة، يناولون الممرضة علب حقن وأدوية، يتكلمون مع الشرطية بلغة غير مفهومة، يعودون أدراجهم من النافذة، يلمح طرفاً من جسد الممرضة، يرى الشرطية تداعب مؤخرتها بضربات خفيفة من العصا السوداء، يتساءل بينما قلبه يذوب، هل هما في مختبر للأدوية؟ هل هما في عيادة نسائية؟ من هي الممرضة؟ من هي الشرطية منهما؟ هل تبادلتا الأزياء أم الأجساد؟ كيف حال مخروطك أيتها الشرطية؟ أظنه يغني واقفاً على كفيه! هل لمخروطك أَكُفّ؟ كيف حال مخروطك أيتها الممرضة؟ أظنه سكراناً! هل يَسْكَرُ مخروطك في العادة؟

تهاجمه صورٌ لأصدقاء من الطفولة، يقع أرضاً، تصل المرأتان إليه، تسألانه:
ـ ما بك إبراهيم؟

يفتح عينيه، يشير بيده المنهكة إلى قلبه، تتوسل عيناه المساعدة، يطلب إليهما بصوتٍ واهنٍ:
ـ اتصلا بالطبيب.

تنظر المرأتان لبعضهما، تتجاهلان نداءه الأخير، تغمز الممرضة للشرطية، يرفعانه من تحت إبطيه ويلقيان به على الأريكة، جسده يرتجف كعصفور ذبحه طفلٌ مشاكس بريشة من ريشه، تعود الشرطية بوعاء بلاستيكي أخضر اللون، ترفع الممرضة قدميه وتنزلهما برفق إلى الوعاء، الماء بارد، تبدأ بتدليكهما ينظر إليها شاكراً، يهمس بصعوبة:
ـ أرجوك أريد طبيباً.

تُمسك الشرطية جهاز الهاتف تطلب رقماً تتكلم بلغةٍ غير مفهومة، تُدلِّك الممرضة قدميه بلطف، تضغط عليهما برفق، تقول له بحنان:
ـ إنها تطلب الطبيب المناوب لأجلك.

ـ شكراً، أثق بك رغم أني لا أعرفك، ليس لي إلا أن أثق بك.

تقف الشرطية خلف الأريكة، تحضن كتفيه بين يديها، تداعبهما بحنان، تغير موضع يديها إلى منطقة الصدر، تمسح صدره بحب، تقول له:
ـ لا تخف ستعود كما كنت، هكذا هي دائماً البدايات، كلنا مررنا من هنا.

يستعيد الجسد المنهك حرارته الضائعة رويداً رويداً، يستيقظ القلب من إغفاءته، تجفف الممرضة قدميه، تصب الشرطية له فنجاناً كبيراً من الشاي البارد المر وتطلب منه أن يشرب دون تلكؤ.

يلتفت إلى مصدر الصوت، يهز رأسه موافقاً، يتناول الفنجان بيديه المتعبة، تساعده على تقريب الفنجان من شفتيه، يشرب شايه كأنه يشرب الماء.
ـ الشاي مرّ!
ـ يجب أن تشربه هكذا مرّاً وإلّا لن تَتَحسَّن حالتك.

يبتسم في داخله بأسى، تهجس النفس النادمة المرهقة:
ـ وصلني الجواب على سؤالي الفضولي عن سر طناجر الشاي البارد في المطبخ، هكذا إذاً يستعملون الشاي لمعالجة إصابات حرب الكوكايين والإِدْمان. سأشرب أيتها الحبيبتان، ليس لي إلّا أن أشرب، جسدي يعود من موته، أنهكتماه ثم أحييتماه، لكما تقديري وإعجابي، لم أعتقد أنّ الأمر بهذه البساطة، لذا تستحقان مني أنْ أشكركما.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 24
- قطار آخن 23
- قطار آخن 22
- قطار آخن 21
- قطار آخن 20
- قطار آخن 19
- قطار آخن 18
- قطار آخن 17
- قطار آخن 16
- قطار آخن 15
- قطار آخن 14
- قطار آخن 13
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11
- قطار آخن 10
- قطار آخن 9
- قطار آخن 8
- قطار آخن 7
- قطار آخن 6
- قطار آخن 5


المزيد.....




- عصام إمام: الزعيم بخير
- مصر.. حمو بيكا يعلق على قرار إيقافه وإحالته للتحقيق
- مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل وإحالته للتحقيق بعد فيديو تضم ...
- ممثل كوميدي يصف نائب الرئيس الأمريكي بـ-قاتل البابا- ويفجر ض ...
- الأسد يطلب من فنانة تقليل التطبيل منعا للمشاكل الزوجية
- -نوفوكايين-.. سطو بنكهة الكوميديا يعيد أمجاد أفلام الأكشن ال ...
- لقاء مع الشاعرة والملحنة اليمنية جمانة جمال
- فضل شاكر .. نقابة الفنانين السوريين تمنح -عضوية الشرف- للفنا ...
- رغم ظروف مالية صعبة - SVT مستعد لإستضافة مسابقة الاغنية الاو ...
- -عباس 36- في عرضين بالأردن.. قصة بيت فلسطيني تروي النكبة وال ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 25