أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 30














المزيد.....

قطار آخن 30


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7436 - 2022 / 11 / 18 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


لا لن أسقط مُنْهكاً في حفرة صنعتها لي نساء الكوكايين، لا لن تدوسني سيارة تلاحقني، لن تتطاير أسناني، لن ينسلخ جلد وجهي، لن تتصدّع أصابعي ولن أسمح لصحف المدينة أن تعنوّن صفحاتها الرئيسية "مات إبراهيم أبو النحس المتشائل غريباً والجاني ما زال مجهول الهوية".
ما السر الكامن في تَسَطُّح هذه المدينة؟ الاسْتِواء لا يحفِّزك على الخلق والإبداع، السطوح لا تساعدك على الاختفاء والتواري والهرب.

ستسعفني قدماي حتماً بالقفز إلى الرصيف الضيق، سأدخل إلى البناية.

أتقدمُ بخطى متعبة، اقتربُ من باب مدخل البناية الغارقة في البرد والنوم، أنظرُ إلى صناديق البريد الثمانية والموزعة في صفين متوازيين، أحاولُ قراءة أسماء الساكنين دون جدوى، النظارة المُلَوَّنة ببصمات أصابعي والضوء الخافت لا يساعدانني، لكنها تبدو أسماء مركّبة، لم أسأل سابينة حتى اللحظة عن اسم عائلتها، لم أنظر إلى صندوق بريدها ولا إلى اِسمها، لا بجانب مدخل البناية حيث تعيش ولا بجانب مدخل الطابق في مدينة آخن حيث تعمل في شركتها، لم أتجرَّأ أيضاً بدافع التهذيب أو الغباء الشرقي على سؤال هنيلوري عن اِسم عائلتها، لمّ لم أسألهما؟ هل عاملتهما ودون أن أدري بطريقة حضارية؟ هل بدأت أُتقن احترام خصوصيات الآخر كما شممتها في هذا الغرب؟ هل تعلمت هنا في الغرب الرأسمالي قاعدة سياسة احترام الآخر؟ أم تعلمتها وورثتها ودون أن أدري عن طريق البغدادي "أبو حيان التوحيدي"؟ أليس هو من قال لنا في كتاباته قبل ألف عام: "الصديق، آخر هو أنت"...

سأسأل الكلبتين الملطختين بالكوكايين عن كنيتهما العائلية في الوقت المناسب، أما الآن سأقرع الأجراس وكأني اللقيط "أحدب نوتردام"، سأوقظ النائمين ليفتحوا لي الأبواب، سأشرب لديهم قهوة سوداء، سأشكرهم وأتابع طريقي إلى صديقتي "مانويلا"، كم اشتقتك يا مصفاة أوجاعي.

سأخبر السكان الحقيقة، حقيقة اِنجراري خلف رائحة الكوكايين، سيتفهمون وضعي، للأوروبي خبرة عريقة في الرائحة، ربع مواطني الاتحاد الأوروبي جرّبوا تعاطي المخدرات غير المشروعة مرة واحدة على الأقل، القنب الهندي/الماريجوانا، الكوكايين وحبوب الهلوسة، ليأتي أمفيتامين في المرتبة الرابعة، فما بالكم بنسبة تعاطي المخدرات المشروعة؟
الألمان كالموسيقى، بعضهم يخاطب العقل والروح، والبعض الآخر يُحدث ضجيجاً فارغاً ومقيتاً.

قد يخرج أحد سكان العمارة مزهواً ببزته نافجاً عنفوانه ثم يتفلسف كحكيم:
ـ لا بأس، أفهمك جيداً، الوضع المؤلم للناس في بلدان الشرق يجعل هؤلاء الناس عرضة بشكل خاص لإدمان الكوكايين وعلى تلامس مع تهريبها والإتجار بها، وأنت واحد منهم، لا بأس.
قد توحوح واحدة من شدة البرد وهي تقول:
ـ اِذهب من هنا أيها الغريب، أنت غير حضاري، الشخصية الحضارية، هي أيضاً تلك التي لا تَتَلَبَّس بها ظواهر التعوّد والإدمان.
قد يعترضني عجوز صائحاً في وجهي بنزق:
ـ ألا تستطيع النوم ليلاً أيها الغريب؟
قد أجد نفسي أجيبه مصطنعاً الحنكة:
ـ لا أنام ليس لأني لا أستطيع النوم، بل لأنه ينبغي عليّ أن أعمل.
ـ ما هو عملك هذا أيها الغريب؟
ـ أشّم كوكايين وأصمّم أشكالاً هندسية للأَثْداء.
ـ تصاميمك فاشلة، اِذهب من هنا أيها الغريب.
ـ لن تكون كذلك، سأعرضها في متحف الفن الهزلي في فرانكفورت.
قد أقهقه بصوت كوكايينيّ وأركضُ فرحاً باتجاه مخرج البناية. حينها قد تُفتح أبواب الشقق كلها دفعة واحدة، سيقف كل سكان البناية أمام أبوابهم، بعضهم عراة والبعض الآخر بقمصان النوم، جميعهم أشباه هياكل.
سأستعيرُ حنجرة الساعاتي الإيطالي "جيوفاني توريانو" وأصرخ:
"كل كلب أسد في بيته"، عودوا للنوم.
سيزأر السكان مستعينين بسِّفْر الجامعة من العهد القديم:
"الكلب الحي خير من أسد ميت مثلك أيها المدمن الغريب".
نعم، أنا في هذه الساعات أسد ميت، أنا ـ في حالتي هذه ـ لست حتى مجرد ذبابة حيّة.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 29
- قطار آخن 28
- قطار آخن 27
- قطار آخن 26
- قطار آخن 25
- قطار آخن 24
- قطار آخن 23
- قطار آخن 22
- قطار آخن 21
- قطار آخن 20
- قطار آخن 19
- قطار آخن 18
- قطار آخن 17
- قطار آخن 16
- قطار آخن 15
- قطار آخن 14
- قطار آخن 13
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11
- قطار آخن 10


المزيد.....




- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما
- تحقيقات أميركية تكشف زيف الرواية الإسرائيلية بشأن مقتل أستاذ ...
- المنتج السينمائي التونسي شاكر بوعجيلة: أيام قرطاج السينمائية ...
- وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي بعد صراع طويل مع السرطان
- وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي
- إقبال على تعلم العربية في إسبانيا رغم العراقيل وخطاب العنصري ...
- موضة شرقية بروح أوروبيّة معاصرة.. إطلالات نانسي عجرم في كليب ...
- في يومها العالمي: اللغة العربية بين التطوير وخطر التراجع
- -الست-.. فيلم يقترب من أم كلثوم ويتردد في فهمها
- 5-نصوص هايكو :بقلم الشاعر محمد عقدة.دمنهور.مصر.


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 30