محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7436 - 2022 / 11 / 18 - 14:29
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أحداث حرب اليمن تعتبر من الطلسمات غير المفهومة للمصريين .. لماذا ذهب الجنود هناك .. ماذا فعلوا .. و كم تكلفت الحملة.. و ما نتائجها ..كلها أسئلة ..لا ردود لها ..و لا يهتم بطرحها أغلب سكان هذا المكان . . خصوصا بعد أن سقطت الإشتراكية الناصرية و دعاوى القومية العربية و تمت هزيمة 67 و إنفثأت بالونة الغرورالعسكرى لعبد الحكيم عامر و زمرته .. ولم نهتم بأن نداوى الجراح التي لاسبيل لها لان تندمل .
لقد ذهبت لليمن .. ضمن ال 55,000 جندى مصرى ..و مكثت هناك لعدة أشهر و كان لي تجربة أدت إلي أن أختلط باليمنين وبفلاحيهم و أتجول في قراهم .. و أشاهد إسلوب حياتهم و عملهم ..عندما كنا ننشيء لهم سدا ترابيا في ( قفل حرض ) يمنع مياة السيول عن السعودية و يحولها لأرضهم العطشي..
و عاصرت أيضا ..كيف تحولت القوات المسلحة .. من جيش (محارب) .. إلي جيش (يتاجر و يسمسر) و يهرب الدولارات و البضائع و يخرب الإقتصاد القومي بأنانية من يتصور نفسه أفضل من الناس و يعبث بأقدارهم لانه يمتلك السلاح. ثم كيف تخلقت طبقة جديدة من الذين ذهبوا هناك تتميز عن باقي أفراد الشعب
و كيف دمرت الحرب أسلحه الجيش أو إستهلكتها ..ولاحظت إنهيار القدرة القتالية لوحداته ..و خصوصا قادته الذين تنعموا .. بالأموال و البضائع المحرمة علي الشعب .. و بالنفوذ الذى يسمح لهم بخدمات غير متيسرة في ذلك الزمن لمعظم الناس ... وجعلهم عدم محاسبتهم علي أخطائهم التكتيكية في ميدان القتال غير مباليين .
لقد كان هذا رأى دائما ..أننا ذهبنا إلي المكان ألخطأ ..و أننا نمنع شعب شقيق من تحقيق إرادته و نسلط عليه عساكره و نمكنهم منه ..و أننا سندفع الثمن غاليا .. و كان قائد كتيبتي يعرف هذا و بأنني ضد هذه الحرب .. و أنني غير مقتنع .. بأسبابها أو بدور قواتنا هناك.
لذلك عندما إجتمع المقدم فؤاد سلطان بضباط الكتيبة 17 مهندسين عسكريين ..و أخبرهم بأن الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي .. تقرر سفرها لليمن .. و من ضمنها كتيبتنا.. و أنه جاد في أن أى تعريض حياة جندى من جنودنا للخطر بسبب ميوعة أو إهمال قيادته .. سيواجهه بحزم.. و أنه لذلك يطلب من الذى لا يريد أن يذهب أن يبلغه .. فهناك العديد من الضباط المهندسين يريدون هذه الفرصة .
ثم مر علينا بترنيب الأقدمية .. البعض إعتذر و طلب عدم السفر لظروف عائلية و أخرون رحبوا .. حتي وصل لي فتخطاني و سأل الذى يليني .. عندما نبهته .. رد بانني سأسافر سواء أردت أو لم أرد .. لان عذرى سياسي.. و أن الضابط علية تنفيذ الأوامر حتي لو كانت ضد قناعاته .
سافرت غير راض..و في الحديدة .. مقر رئاسة الفرقة .. و كتيبتنا .. تعرفت علي الواقع ..و أن أغلب الضباط و الجنود موضوع حديثهم الوحيد .. البضائع و الأسعار و الدولارات ....فهم يسافرون من أجل بدلات السفر الكبيرة ..و السوق المفتوح هناك يبيع بضائع غير مسموح بها في مصر قادمة من عدن .. و أن الضباط و الجنود لدى عودتهم كل شهرين لا يمرون علي الجمارك .. حتي لو كان بصحبتهم طن من المهمات و المعدات المفتقدة في الوطن .
في نهاية الشهر الاول جاءت الأوامر .. بالذهاب إلي قفل حرض ( علي حدود السعودية ) وذلك تنفيذا لأومر رئيس الجمهورية ببناء سد ترابي .. يمنع مياة السيول من رى أراض في السعودية .. و تحويلها إلي اليمن .. لخلق فراغ بشرى في هذه المنطقة يحد من المشاكل التي تخلقها الكثافة السكانية للقوات في ميدى ..( أخرمدن اليمنين ) علي الحدود .
تم تجهيز سرية مدعمة بمعدات حفر..و في اللحظة الأخيرة .. أضافني قائد الكتيبة للمأمورية .. لان النقيب محمود قائدها..كان من الضباط الجدد .. و قد لا يستطيع التفاهم مع الجنود القدامي الذين أعرفهم و أعرف إمكانيات كل فرد منهم و بيننا ثقة و تفاهم مشترك . .
ركب محمود في أول عربة .. و أنا في أخر عربة في القول ..و الجنود فوق العربات و جههم للخارج و مستعدين للإشتباك مع أول هجوم علينا من الجانبين .. كان جنود و ضباط وحدات الفرقة يقفون في وداعنا خلف أسوار وحداتهم .. يبكون ..لان إحتمال رجوعنا سالمين .. من منطقة المقاومة فيها نشطة ..إحتمال ضعيف .
الطريق ترابي .. و المعدات و السيارات تتسبب في غلالات تراب ناعم ..تغطي عربتي ..و تجعل مجال الرؤية منعدم .. علي جانب الطريق جبال .. قد تكون بها قناصة ..و كنا عندما ندخل قرية ..نتوقف أو نهديء السرعة .. فنرى فلاحين يسعون .. و لا ينظرون لنا كما لو كنا فراغ .. لقد تعودوا علي القولات العسكرية .. بحيث لم تعد تلفت إنتباههم .
القرية .. عبارة عن مجموعة من العشش الخوص( فروع الأشجار ) المغطي بالطين لا تختلف عن تلك التي درسناها في تاريخ العمارة علي أنها من عصر ما قبل التاريخ .. الأطفال عراة يلتفون حول العربات طلبا للبسكويت أو علب الطعام المحفوظ .. من الجنود .
في منتصف الطريق .. و كانت الشمس قد بدأت تتجه نحو المغيب و الحركة شديدة الخطورة ليلا .. قررنا الوقوف والبيات في قرية عبس (القرية التي خرجت منها قصص عنتر و عبلة)... وللتزود بالمياة من بئر تديرة سرية مهندسين هناك ..
عندما عاد الجنود حكوا و هم يضحكون أن الأشجار حول البئر ممتلئة بالقرود الصاخبة التي هاجمتهم .. و أن جنود سرية الماء إعتادوا علي هجومهم يوميا قبل الغروب للشرب .
كنت أرقد تحت عربتي .. للراحة .. عندما لاحظت أن الجنود يتسربون في إتجاه ما ثم يعودون يضحكون .. عندها سألت أحد الصف ضباط .. فقال أنهم يذهبون عند أبو فتحية .. ثم إتضح أن الرجل يجلس أمام عشته و مع زوجته و بنتية .. الجندى يعطيه علبة خضار محفوظ .. و يشير إلي إحداهن فيدخل معها لممارسة الجنس ..
ضحكت ثم سكت ( بعد ذلك مرض أغلبهم بأمراض تناسلية ) .. قبل أن يكتمل الغروب حضر أحد الصف ضباط و معه شيخ القبيلة اليمني .. كان يريد أن يحيني ..
شاب طويل القامة و رفيع و يرتدى ملابس يمنية .. سألني بجدية .. هل عندكم البيوت مرصوصة فوق بعض .. إبتسمت و قلت أه .. و هل تقفون في صندوق فيصعد بكم إلي أعلي بيت .. قلت .. أه .. طيب عندكم صندوق بتخرج منه الستات بترقص .. لقد كانت الأوصاف التي شرح بها الجنود .. ثم أكمل .. أنا عايز أروح مصر .. و حتقعد فين هناك .. رد علي بدون تردد .. عندك .. ضحكت و طلبت منه إنتظارى و أنا راجع لنتفاهم في هذا الموضوع .
في واحدة من القرى سمعت ضجة بين الجنود من فوق العربات .. نزلت لأستوضح الأمر فوجدت أن سيدات بالقرية .. يسرن في طرقها بصدور عارية .. و ملابس تغطي من تحت السرة .. حتي الركب ..
كان ألامر مدهشا خصوصا أن الرجال يجلسون بكسل في الشمس غير مهتمين بالغيرة علي نسائهم
طلبت بحزم من الجنود السكوت إحتراما لاهل القرية .. ثم وقفت أتابع .. حتي بدأ القول في التحرك ..
عندها عدت لمكاني . في أخر سيارة ..كنت مشغول بسبب أن النساء تسرن عاريات الصدور .. لاكتشف أن هذه القريه... لازالت تعيش في زمن أقرب لبداية الإسلام .. حينما كانت الجوارى ( العبيد ) يرتدين زيا كاشفا مخالفا للأحرار من السيدات . . و علي ذلك فمن شاهدناهم عرايا الصدور كن عبيد (جوارى ) أغلبهن سمراوات مثل أهل الحبشة .
لقد كان علي المصريين لو كانوا يهتمون بصالح أهل اليمن أن ينقلوهم حضاريا .. من أزمان لم تتغير منذ الف و خمسامئة سنة ... و لكنهم بدلا من أن يرسلوا لهم المدرسين و الأطباء و رجال دين متنورين أرسلوا لهم الجنود و خاضوا حربا مع هذه الأقوام ال بدائية .. و مع ذلك لم يكونوا فيها المنتصر.
تجربة سيئة .. و مع ذلك يكررها بعدم تعقل ملوم السعودية بدعم من دول عربية .
بصراحة أنا متعاطف مع شعب اليمن .. و أرى أن الجميع قد ظلموه .. و تركوه في هذه الحالة من الخمول الذى يتسبب فيه القات و الجمود
في يوم ما سأحكي لكم كيف بنينا السد حتي تحويل المياة . و كيف كافئتنا قيادة القوات بعد أن عدنا بدون أى خسائر في الأرواح أو المعدات منجزين المهمة .. بقماش بدلة لكل ضابط تمنها 20 ريال و شرابين كراون ....تقديرا منهم للجهد الذى قمنا به .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.