أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - صدمات التفكير المنطقي















المزيد.....


صدمات التفكير المنطقي


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7380 - 2022 / 9 / 23 - 10:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1– بعد أن تجاوزت سن82 وتخلصت من عبء العمل و لم تعد مشاكله تشغل أغلب نشاطي الذهني....بدات بعض القضايا التي كنت أعتبرها من التابوهات غير القابلة للجدل ( كسلا مني ) ..تتفكك أمام التفكير المنطقي و تخضع لقدر عال من الشك .. يظهر كونها مبنية علي أساسات واهية .. لا تتحمل صدمات التفكير المنظم .
من هذه القضايا .. الحكايات التي تقص عن خوارق أهل زمان .. و قدراتهم التي تقترب من أن تكون معجزات .. لدرجة أن مهندس أضاع عمرة في البناء .. و حسابات الطاقة و المعدات و إعداد البرامج الزمنية للتنفيذ يصدق أن شعبا بدائيا من الفلاحين المستعبدين ..عاش علي ضفاف النيل لم يتجاوز العصر البرونزى ( 3300 ق.م) .. أستطاع بأدوات غير معدنية أن يبني من بداية الأسرة الثالثة حتي نهاية الخامسة .. ( 2680 ق.م حتي 2345 ق.م ). أى خلال 335 سنة فقط... عشرين هرما .. ضخما ..( بمعدل هرم كل 15 سنة ) .. بواسطة حجارة منتظمة الأبعاد متوازية الأضلاع ..مقطوعة من جبل علي بعد عشرات الكيلومترات .
قطع الحجارة ..( في هرم خوفو.. مليون حجر وزن كل منها 2 طن ) .. وتحميلها و نقلها .. و رفعها .. و توجيهها .. لتقوم بإنشاء هرم .. عمل صعب أن يجرى بأدواتنا المعاصرة و من المستحيل أن يتم .. بمثل هذه الأدوات البرونزية التي إمتلكها مصريو ذلك الزمن ..و لا في هذا التوقيت الموصوف .
نضيف أن عمل تماثيل مثل أبو الهول أو خفرع أو الأميرة نفرت و زوجها .. غاية الدقة و الجمال ..بأدوات بسيطة غير مناسبة لهذه الأنواع الصلبة من الحجر .. يجعل الأمر غير قابل للتصديق ..وتكراره يدعو للدهشة .
في الغالب نحن لا نقرأ التاريخ بصورة صحيحة ..و أن ما تعلمناه في المدرسة و الجامعة .. لا يغطي كامل الحقيقة ..
لان الأهرامات واقع لا يمكن إنكاره .. فمن الذى شيدها و لاى هدف . إذا كان ناس ذلك الزمن و أدواتهم في حالة بدائية عاجزة عن الفعل..
التفكير خارج الصندوق يقودنا إلي
إما هذه الصروح بنيت في زمن إكتملت فيه أدوات الإنتاج حتي المستوى متقدم في القطع و التحميل و النقل و البناء.. وبذلك يكون تاريخ إقامتها و ترتيب العصور الذى نعرفه غير دقيق ..
أو أن تكون هناك حضارة نجهلها في مستوى معاصر أو أكثر ( من داخل الكوكب أو خارجه ) تواجدت علي هذه الأرض حول هذا الزمن شيدتها لاهداف نجهلها ثم إختفت أو إندثرت .
أما الفكرة المتداولة بان مصريى العصر البرونزى من الأسر الثالثة حتي الخامسة كانت لهم صفات عبقرية تجاوزت زمنهم ..و إمتلكوا أدوات تسمح لهم بعمل المعجزات .. و أنهم هم الذين قاموا بالتصميم و الدراسة و إختيار الموقع و علاقته بالنجوم و الإتجاهات .. فهو أمر مستحيل فنيا و حسابيا حتي علي معاصرينا
فإذا ما حسبنا الجهد و الوقت اللازم لقطع الأحجار من علي بعد عشرات الكيلومترات .. و نقلها .. و رفعها .. و وضعها في مكانها بادوات بدائية فإن هذا يستلزم مليارات من ساعات العمل ..تزيد بعشرات المرات عن شهور فيضانات ال335 سنة المتاحة و يصبح من غير المنطقي تصور أن هذه الصروح التي قاومت لالاف السنين قد صنعها قوم من العصر البرونزى
علوم التاريخ و الأنثروبولجي .. لم تكتمل بعد .. و لا تدعي لنفسها قول الحقيقة المطلقة ..و في المستقبل .. قد يصلون إلي مفاهيم .. تجعلنا نبدو سذجا و أطفالا محدودى الخيال و المعرفة بأن نصدق إفتراضات أساتذة التاريخ علي أساس أنها حقائق .. كما صدقنا من قبل إدعاءات رجال الدين أن دلوكا حكمت مصر لمئات السنين .
2- منذ طفولتي و لحم الخنزير مرفوض تناوله في منزلنا ..لم نتذوقه أبدا فيما يشبه التابو .. لم أسأل نفسي عن السبب .. حتي عندما سافرت لأوروبا ..و كان هو اللحم السائد هناك .. ((إنه فقط محرم علي اليهود و المسلمين )) و من قبلهم المصريين..
العم جوجول يقول ((يعتبر لحم الخنزير مصدرا ممتازا للبروتينات والأحماض الأمينية الضرورية لبناء الجسم ، كذلك يحتوي العديد من المواد المفيدة للبشرة و العينين وتقوية الجهاز المناعي من جوانب عدة من بينها احتواؤه على مضادات للأكسدة ... وفيتامين B الذى يعمل على تقوية وتجديد الأنسجة العضلية كما أن الكربوهيدرات والبروتينات الموجودة بوفرة على هذا النوع من اللحوم تساهم بشكل كبير في الحفاظ على أداء الجهاز العصبي للإنسان ، إضافة إلى أن لحم الخنزير يساعد الجسم في صناعة كريات الدم الحمراء بشكل كبير )).. وفي جوجول معلومات كثيرة لا أريد أن أثقلكم بها ..متيسرة لمن يريد أن يعرف باقي الفوائد
منذ الاف السنين تداول المصريون هذه الأسطورة ..((وقف الاله أوزوريس أمام الرب آمون ومعهما ابنه حورس، لقد كان على الابن التضحية بعينه من اجل تجديد حياة الأب المغتال ( لازال المصريون يصنعون كعكا على هيئة عين حورس تسمى شوريك يتم توزيعه فى المدافن كقربان أو رحمة على روح الميت ) عندما نبه آمون حورس ألا يلتفت الى جهة معينة، لم يستطع الاله الشاب منع نفسه من النظر فوجد خنزيرا اسودا ضخما خرج من عينيه شرارا أتلف نظر حورس.. الرب الغاضب آمون لعن الخنزير ومن يربى الخنزير أو يأكل لحمه، ))ومنذ ذلك الحين توقف المصريون عن أكل لحم الخنزير وتبعهم فى ذلك اليهود وأخذ عنهم المسلمون.
الأسطورة هكذا تعنى ان التحريم قد حدث لأسباب مثيولوجية، فالخنزير كان الحيوان الذى اختاره اله الشر ( ست ) لكى يؤذى غريمه إله الخير ( حورس ) فى لحظة التضحية والفداء لصالح حياة ابدية للأب المغتال.. ولا أعرف بالضبط لماذا اختار كهنة مصر هذا الحيوان المسكين ليعاقبوه هذا العقاب القاسى الذى أدمغه الى الأبد .و لكنني أعرف أنه قد أصبح ذلك جزء من الشريعة اليهودية و الإسلامية
3- حب الوطن فرض عليا .. أفديه بروحي و عنية .. هذا ما تعلمناه في زمن الطفولة.. و كان الوطن ..هذا راية خضراء يتوسطها هلال و ثلاثة نجوم بيضاء .. وملك شاب نهتف بحماس بإسمه كل صباح ..ومساحة من الأرض وهمية لا نعرف ملامحها أو حدودها..
منزلنا في السكاكيني كان هو وطني الأول أحب ملامحه و أحن إليه في الغربة .. و أجد الأمان والحرية و المحبة داخله .. ثم إمتد الأمر ليشمل الحي الذى نعيش فيه و وسط البلد و بعض السينمات و المتاجر هناك ..ثم عندما رفع الفاروق العلم المصرى علي سكنات الإنجليز في ميدان الإسماعيلية تحرر جزء من الوطن .
عندما نضجنا ..أصبحت منطقة القناة و سيناء جزء من الوطن يواجه خطر الغزو الإسرائيلي .نفديها بروحنا فعلا لا مجازا فقد كدت أموت في هذه المنطقة ثلاث مرات ..
وعلي مدى العمر ظل الوطن يتمدد و تتغيرحدوده و راياته و رئيسة ..حتي إستيقظنا في يوم لنجده يشمل المنطقة العربية بكاملها .. ونغني ((وطني حبيبي الوطن ألأكبر )) .
أكثر من 90% من هذا الوطن الأكبر لم أتعرف علية و لا حتي علي الخرائط .. و لا تربطني به أى علاقة ( محبة أو بغض ) .. و لا أنتمي إلية .. أكثر من إنتمائي .. لدول أمريكا اللاتينية أو أستراليا أو كندا ..علاقة من الأطلس و الكتب و الأفلام ..و حواديت التاريخ المنقوص أو الملفق .
الفكر القومي والوطني تابوة يمثل وهما كبيرا نعيشة من المهد للحد .. و البعض منا يضحي بحياته في مغامراته فيسمي شهيد .. و ينتهي ذكره أو ذكراه عند نصب تذكارى يزوره البعض كل عام و يضعون باقة من الزهور علي بابه بوقار تمثيلي( يصعب علي أى منا تذكر أسماء عشرة منهم ) ..
الحدود المصطنعة .. و الحكومات الجائرة .. و الفتوات المسيطرين علي لقمة العيش ..و الجباة المتوحشين هم الوطن .. وكلها أمور من المفترض الا تشجع علي الإستمرار ..
بمعني لو كنا نعيش فيما قبل إنشاء هذه الحواجز المصطنعة .. لترك الناس المكان غير الأمن .. في إتجاه ما هو أكثر أمنا .. و لم يهتز لهم رمش .و لم يبكوا علي الأرض المهجورة ... فلا يوجد شيء يربطهم ببلد أهينوا فيها أو خافوا أو جاعوا و تعرضوا للسجن و التصفية لأقل سبب ..يحكمهم ديكتاتور و شلته .. تحت وهم حب الوطن .
بعد ان أكل هذا الوهم عمرى .. و أمرضني و عجزني و كاد أن يقتلني في اليمن أو سيناء أو علي القناة .. أيقنت أن الوطن أكبر كثيرا من هذه المساحة المحدودة
إنه كوكب الأرض بكامله بما عليه من معالم جغرافية و كائنات حية.. كوكب الأرض هو وطن الإنسان .. والمطلوب أن يحافظ عليه و يتعايش في سلام مع سكانه و أرضه و بحارة و هواءه.. يتحرك و يجول فيه كيفما يريد و كلما ضاق به الحال هجر مكانه دون تصور لأوهام الأوطان ..
من يستحق الحب ..بل يجب أن يتحول هذا الحب لفرض ..و من أفدية بروحي و عنية .. هو كوكبنا ..و ليست بقعه شريرة منه يحكمها الغيلان و لم أشترك في تكوين حدودها أو الحياة في مدنها و ناسها.. و التجول في أرجاءها
ما يسمونه وطن ..ليس وطن بقدر ما هو سجن ممنوع إجتياز حدوده .. يحرسة بالقوة حكام إستولوا عليه قهرا .. و جباة لصوص ..و عيشة لا تتوقف عن الكبد والمعاناة ندير فيها السواقي من أجل أن يعيش البغاة في رغد يبنوا لهم القصور و يشتروا من أجلهم الطائرات المرفهه
مسكننا في السكاكيني أو مدينة نصر هو الوطن الصغير .. و كوكب الأرض هو الوطن الكبير و ناسه هم أهلي و عزوتي.. و ثقافتهم ثقافتي و فنهم فني .. و تقدمهم تقدم لي .. و إنكسارهم أشاركهم فيه ..و إنتصارتهم إنتصارات للبشرية..و غباؤهم سيلطخ الجميع بسخامه مهما إدعوا أنهم جنس أو نوع متفرد .. مختلف عنا .
4- رغم أننا قضينا مرحلة الطفولة و الصبي .. في المدرسة و الشارع و النادى ..معا .. لا يسأل أى منا عن دين الأخر .. فكلنا طلبه أو أصدقاء أو متنافسين .. إلا أن الوضع إختلف بعد سبعينيات القرن الماضي..كما لو كان الجميع قد أصابهم خبل التفرقة بين البشر بسبب الدين .. يؤكدون فيما يشبه التابو علي أن ديننا يختلف عن باقي الأديان و المذاهب إختلافات تجعلنا متفردين.. و أن المسلم الأندونيسي أو الباكستاني .. اقرب لي من جارنا اليهودى أو المسيحي أو البهائي أو الشيعي .
المناقشة المنطقية مع العظيم ول ديورانت .. تبين أن هذا السخف غير دقيق ..فالأختلافات قد تكون في الأسماء أو طرق أداء الطقوس ..و لكن كل الأديان متشابهه تقوم منذ عصور ما قبل التاريخ حتي باكر علي قائمتين أساسيتين.. أحدهما تجنب العقاب الرباني.. و الأخرى الطمع في الثواب ..
يختلف العقاب .. و شكل الثواب .. من دين لاخر.. لكن يبقي الهيكل الأساسي له هو الخوف و الرجاء ..و لا يشذ إسلامنا عن هذا .. أو ..كما كتب في قصة الحضارة
((الأديان الثلاثة الكبرى متفقة في أن المباديء الأخلاقية الفطرية - غير الدينية - تصلح لان تكون قواعد عملية للإنسانية .. و ترى أن الكثرة الغالبة من الناس لا يمكن أن تحمل علي المسلك الحسن و الخلق القويم إلا عن طريق خوف اللة .. و لذلك أقامت قانونها الأخلاقي علي مباديء رئيسية واحدة أن لله عينا تبصر كل شيء و يدا تسجل كل شيء وأن القانون الأخلاقي منزل من عند الله و أن الفضيلة تتفق في أخر الامرمع السعادة بما يناله المحسن بعد الموت من الثواب و المسيء من العقاب)).
هذا الرجل يذهلني بمنطقه المستقيم
عندما أسرت في إسرائيل .. و عاشرت اليهود لسبعة أشهر تبين لي أننا ( كمصريين ) نجهل بأن الدينين يتفقان في كثير من الأمور التي نزاولها يوميا .. و أنه رغم العداء بيننا ..إلا أن الدين اليهودى هو الأقرب لدين المسلمين .
لقد إستعجبنا أن اليهود لا يأكلون لحم الخنزير .. و أن لهم طقوس ذبح شرعية مثلنا ...و أن الشريعة التلمودية مثل الشريعة الإسلامية تتطرق إلي كل أمور الحياة .. أو كما كتب ول ديورانت في الجزء الرابع عشر من ((قصة الحضارة ))....
((ليس التلمود موسوعة من التاريخ و الدين و الشعائرو الطب و الأقاصيص الشعبية و حسب بل هو فوق هذا كله رسالة في الزراعة وفلاحة البساتين و الصناعة و المهن التجارية و شئون المال و الضرائب و الملك و الرق و الميراث و السرقة و المحاكمات القضائية و القوانين الجنائية و إذا شئنا أن نوفي هذا الكتاب حقة من البحث كان علينا أولا أن نلم بطائفة كبيرة العدد من العلوم المختلفة و أن نكسب منها ما تهيؤه لعقولنا من الحكمة و سداد الراى و نستخدم تلك الحكمة الجامعة في الإلمام بأحكام هذا الكتاب)).
ثم يضيف.. (( أول ما نذكره أن التلمود قبل كل شيء قانون أخلاقي و أن هذا القانون شديد الإختلاف من القانون الأخلاقي المسيحي و عظيم الشبه بالقانون الإسلامي )) .
عمليا .. اليهودية و الإسلام يكادا أن يكونا .. دين واحد متصل .. تشعر بهذا بمجرد أن تتعامل مع أبناء الطرفين .. فكهان بني إسرائيل لا يختلفون عن رجال الدين المسلمين في الشكل و الجوهر .. و ((لم يكن في الديانتين الساميتين ( اليهودية و الإسلام ) فصل القوانين الثقافية و الأخلاقية من الدين فلم تكن هذه القوانين تجيز التفرقة بين الجريمة و الخطيئة أو بين الشر و الشريعة بل إن من مبادئها المقررة أن كل فعل ذميم يعد إساءة إلي الله و إنتهاكا لحرماته و لإسمه جل جلاله)).. وهما .. يفرضان سيطرة الرجل علي المرأة ويحضان النساء علي إرتداء الحجاب .. (( إن اللغة العبرية لغة الله و أن الله لم يتحدث بنفسه إلا لليهود و أن أنبياء اليهود وحدهم هم الملهمون من عند الله))...نفس ما يقوله المسلمون .. أن اللغة العربية لغة أهل الجنة و أنهم خير أمة أخرجت للناس .
اليهود يهتمون بأداء طقوس الدين فيما يتصل بالسبوت و الصوم و الحج بنفس إصرار المسلمين .. و يحكي ديورانت كيف يتعلم صغارهم الدين (( كان أكثر ما يتعلمه عن طريق التكرار و كانت التلاوة الجماعية قوية عالية إلي حد جعل بعض البيئات تمنع وجود المدارس بها )) كأننا نتكلم عن الكتاب المصرى بالأرياف أو طلاب الأزهر في المدن . ..
إذا ما سبب تفوق اليهود عموما..و في إسرائيل بالخصوص ..
عندما سألت محدثي خلال فترة الأسر .. إذا كنت أنت كما تقول ملحدا ..فلماذا أنت هنا ؟ .. رد علي بأن ما يجمعهم هو (( الروح اليهودية )) .
لقد ظلت الروح اليهودية يتنازعها عاملان ..هما إعتزامه أن يشق طريقه في عالم معاد له ... و شغفه بثمار العقل
بفضل هذه الروح ظل يهود العصور الوسطي و هم في غمار المشاغل التجارية و الفقر المذل و الإزدراء القاتل ظلوا ينتجون النحويين و فقهاء الدين و المتصوفة و الشعراء و العلماء و الفلاسفة )) .
ثم يلخص لنا ديورانت أسباب تفوق بني إسرائيلى و تخاذلنا رغم أن الدينين متشابهين
(( حياة العقل مزيج من قوتين أحدهما ضرورة الإيمان ليستطيع الإنسان الحياة و الأخرى هي الإستدلال المنطقي ليستطيع التقدم .. تكون إرادة الإيمان هي المسيطرة علي العقل في عهود الفقر و الفوضي .. أما في عهود الثراء فإن القوى الذهنية تبرز الي الأمام لتفرض علي الناس الرقي و التقدم
و علي هذا فإن الحضارة في إنتقالها من الفقر للثراء تنزع إلي خلق النزاع بين العقل و الإيمان و الصراع بين العلم و الدين )).
بكلمات أخرى . إن تقدم اليهود ليس بسبب دينهم بقدر ما هو بسبب ثراءهم المادى و الذهني وتمسكهم بعلوم العصر الذى أدى إلي فصلهم الدين عن الدولة و((في عهود الثراء فإن القوى الذهنية تبرز الي الأمام لتفرض علي الناس الرقي و التقدم)) .
.شكرا مستر ول ديورانت.. بإمكاننا أن نعرف أننا لسنا متفردين و نلحق بالركب.. عندما تنزاح عن كاهلنا غمة عهود الفقر و الفوضي الذهنية . التي نعيش في ظلها منذ حكم المماليك المحدثين بلادنا.
5- في خمسينيات القرن الماضي كنا نردد بحماس و صدق ..مع أم كلثوم ..من شعر حافظ إبراهيم ((أنا إن قدر الإله مماتي لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي)) .. و رغم أنه تعبير مجازى مبالغ فيه إلا أن الدموع كانت تملأ عيوننا عند تصورنا أن بلدنا قد تموت .
كنا نعتقد بصدق .. أن مصر بتاريخها المجيد و مستقبلها الواعد خليقة بأن تكون تاج العلاء في مفرق هذا المكان المسمي شرق والممتد من الصين حتي ملامسة حدود إفريقيا للمحيط .. و من تركيا حتي الهند وسيلان.
فلقد كان في مصرذلك الزمن علم متقدم ومدارس و جامعات لها صيتها ..و فن راق و ثقافة معاصرة و كانت ملجأ للسياسين و الشعراء المطرودين من بلادهم .. و موردا للمدرسين و الأطباء و المهندسين للدول المجاورة ..
كانت صحافة مصر رائدة وفيلمها يحتكر العرض في كل السينمات بالمنطقة .. و اغانيها تتردد بين كل الناطقين باللغة العربية .. و يوم حفل أم كلثوم ..تتوقف الحياة من الخليج للمحيط
لقد كانت البضاعة المصرية تملأ الاسواق المحيطة .. و القطن المصرى هو الملك .. و قناة السويس شريان حركة التجارة ..و الخزينة عامرة بالأموال .و المدن متروبوليتانية نظيفة و معتني بها تملؤها الحدائق و المتاحف و التماثيل و النوافير ..و الحركة فيها سهلة ..و سكانها ناس طيبين .
الديموقراطية المصرية و البرلمان كانت نموذجا.. ولمصر كلمة سياسية مسموعة .. حتي للإنجليز الذين يحتلون جزء من أرضها ..
بإختصار كان يحق أن يطلق عليها .. درة الشرق .. منها أمير الشعراء و ملكة جمال الكون و أبرع الأطباء ..و أشهر الممثلين و أفضل مرتلي القرأن وأحزاب سياسية متقدمة نشيطة وأخرى نسوية سابقة لزمنها.
مع عبد الناصر و نمو قوة معسكر الحياد الإيجابي .. أرتفعت مكانه مصر لدى أهلها إلي عنان السماء .. فقد كان رئيسنا يزين منتصف أى صورة تؤخذ لزعماء هذة المنطقة .و لم يكن لإيران و تركيا و إسرائيل و السعودية .. نفس المكانة التي تحتلها اليوم في صراعها للسيطرة علي المنطقة . . بل لم نكن نسمع عن إمارات الخليج والكويت و قطر و عمان و أموالهم و غازهم و بترولهم .. و كنا نتصور لجهلنا و حمقنا أن العالم يدار من القاهرة.. تاج العلاء في مفرق الشرق
بمرور الوقت .. تغيرت مصر .. لقد فقدت إسمها و أصبحت الجمهورية العربية المتحدة الإقليم الجنوبي .. ثم طردوها من سوريا .. و تعثرت في اليمن .. و سقطت في سيناء بعد حرب إستغرقت ساعات محدودة مع إسرائيل ..
وإنشغلت في بلواها لسنين .. فنسيت .. دورها في الحياد الإيجابي و مكانتها في الشرق .. و أصبحت إما منحازة للإتحاد السوفيتي تنفذ سياسته في المنطقة في مقابل السلاح و الحماية .أو تابعة لأمريكا كجمهورية من جمهوريات الموز التي تسيطر عليها
مصر أصبحت دولة من دول العالم الثالث الفقيرة المتخلفة عن عصرها بعشرات السنين .. التي تبحث عن المعونات و القروض من كل من هب و دب .. و ديونها تتراكم لتتجاوز المليارات (بالفايظ ) بحيث تقدم كامل ما يحصله جباتها من ضرائب كفوائد للقروض
و سقط التابو .. لم يعد الخلق (( يقفون و ينظرون جميعا كيف تبني قواعد المجد وحدها )).. بل يحزنون من ..أجلها و يسخرون من صلفها وهم يزودونها بطعامها و دواءها و سلاحها كمعونة أو قروض ..و لا يضعونها في إعتبارهم عند الحديث عن القوى المتصارعة للسيطرة علي المنطقة حتي علي مستوى لعبة كرة القدم .
التحول الذى حدث منذ نظم حافظ إبراهيم هذه القصيدة إستغرق سبعين سنة .. لنخرج نهائيا من المنافسة و نترك تاج العلاء لاخرين .. لقد تعثرنا .. و سقطنا .. و تأخرنا .. و الشرق يتقدم بإضطراد .. حتي أن أربع دول منه أصبحت لها أنياب ذرية ( الصين الهند باكستان إسرائيل ) و الخامسة في الطريق ( إيران )
أسباب تحول الحلم لكابوس ..تتلخص في عاملين .. أحدهما غرور العسكر المسيطرين علي الحكم و إحتقارهم للشعب و إنفرادهم بالسلطة .. مع سيطرتهم علي مفاصل الإقتصاد.. و السياسة و الإعلام و الفن و الرياضة و السقوط بها إلي مستوى قدراتهم العلمية و الإدارية .. ثم تقديم الخطاب الديني علي أساس .. أنه الخطاب الوحيد المسموح به في الساحة .
و بذلك تحولت أضواء التنوير الكليلة التي أضاءت في النصف الأول من القرن العشرين و أعطت لسكانه الأمل ..إلي إظلام سياسي و إقتصادى قاسي وخطاب ديني رجعي ( لا فرق في رجعيته بين المسلمين و المسيحيين ) ..
و لم تعد مصر تنتج .. و غير قادرة علي القتال .. ولا يسمع فيها صوت إلا الأنين من سوء الأحوال و ثقل الأعباء الإقتصادية..و التذمر من نير حكم الديكتاتورية و تحكمها في أبسط أمور الحياة .
البعض يتصور أن بإنشاء القصور و ناطحات السحاب .. و المونوريل و القطار السريع .. و المدن الرقمية .. سنعود لنصبح درة العلاء في مفرق الشرق ..و الحقيقة إذا كانت الأمور تقاس بالإنشاءات تصبح (قطر ) هي المرشحة بعد أن إستعدت لإستقبال كأس العالم في كرة القدم عام 2022 .. ..و إن كان العلاء سيختار لنفسه مكانا في الشرق فسيكون الصين ...
مصر لم يقدر الإله بعد مماتها .. و لكن إذا حدث ..فهذا طبيعي مع العثرات التي واجهتها ..و الشرق سيرفع رأسه بعدها .. بلاش غرور يا عم حافظ إنت متعرفش ولاد بلدنا اللي حكمونا عملوا فينا إيه ..!!



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخر المناضلات المحترمات
- كوابيس الشيخوخة والوطن
- شيلو الرف أبو ذمة كاوتش
- مدن الطغيان الشرقي
- السيطرة علي عقول الأغلبية
- محطة كهرباء نووية في مصر
- الحصاد المر لإنقلاب 23 يوليو
- لم يعد للكلام المكتوب معني
- تيار الفساد أصبح تسونامي .
- يحي شلش و كتابة في التوجيه المعنوى
- و كان الفنان أكثر صدقا .
- الحياة صعبة .. و ممرضة
- مصر و عصور إضمحلالها(16)
- مصر و عصور إضمحلالها(15)
- مصر و عصور إضمحلالها( 14)
- مصر و عصور إضمحلالها (13 )
- مصر و عصور إضمحلالها (12 )
- مصر و عصور إضمحلالها(11)
- مصر و عصور إضمحلالها(10)
- مصر و عصور إضمحلالها(9)


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - صدمات التفكير المنطقي