محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7427 - 2022 / 11 / 9 - 06:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لغاية دلوقت مش قادر أصدق إن دة حصل في مصر كأنه كابوس سوف نستيقظ و نتخلص منه ..الدولار اللي كان ب25 قرش .. أيام الملكية.. أصبح ب 24 جنية .. في الأيام الغبرة دى .. يعني قيمة الجنيه الشرائية تدنت 100 مرة خلال 80 سنة فقط و أصبحت تساوى ما كان يشتريه قرش صاغ مطبوع علية جلالة الملك فاروق بطربوشه الأنيق .
هذا الوضع الذى عاصرت تطوراته بحكم طول عمرى .. و كنت واعيا بما يدور حولي .. و صل إلي درجة لا يستطيع كهل مثلي أن يستوعبها .. البيضة أم نصف قرش ( تعريفة ) بقت بثلاثة جنيهات .. لقد تدنت القيمة الشرائية للمائة جنية الحالية لمستوى ما كان يشتريه جنية زمان .. و أصبحت الألف و المليون مبالغ بسيطة تنفق في سهرة .. اما المليار فأصبح علي رأى البعض (( مثل ورق الكوتشينة )) .
فلنتابع كيف حدث الإنهيار وتطور سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصرى .. من زمن القوة و العز .. رغم تحكم الإستعمار .. في إقتصاد البلد (فقد كنا ننتج أكلنا و ملابسنا و نغطي معظم إحتياجاتنا محليا ).. إلي زمن الفساد و السقوط و الإذلال بعد أن أصبحنا نستورد كل شيء من الخارج .. حتي الفول و القمح و الملابس و الدواء مع سيطرة المليارديرات الكومبرادورات علي السوق و تهريب أموالنا للخارج و الوقوع في فخ صندوق النقد بتنفيذ مشاريع فنكوشية لبناء أعلي سارية علم و أفخم قصر . و أغلي طائرة رئاسية أو قطار سريع أو مونوريل تستهلك مليارات الدولارات دون عائد .
في عام 1939 أيام الملكية كان سعر الدولار لا يتجاوز 0.2 جنيه، .. وبعد مرور 10 سنوات .. أى 1949 وصل إلي 0.25 جنيه.
مع بداية الخمسينيات وحتى عام 1967 سجل سعر صرف الدولار 0.38 جنية
و رغم هزيمة في اليمن وسيناء و فقد للسلاح .. و إعادة بناء الجيش المصرى و التحصينات و خضوعنا لإقتصاد الحرب .. فلم يرتفع سعر الدولار.. و ظل حتي بعد مرور 10 سنوات أخرى أى عام 1978 لا يصل لاكثر من 0.40
ومنذ عام 1979 وحتى عام 1988 أى لعشر سنوات ثالثة ..قفز سعر صرف الدولار بسبب إنفتاح السادات الإستهلاكي و إغراق السوق ببضائع مستوردة من نحو 0.40 جنيه إلى نحو 0.60 جنيه
و من عام 1989 وحتى عام 1990 زاد سعر صرف الدولاربسبب نهب مليونيرات زمن مبارك المستمر لثروة مصر ليصبح 0.83 جنيه .
نصف قرن شهد زوال الملكية .. و إنقلاب العسكر .. و تغير النظام إلي رأسمالية الدولة ( الإشتراكية ) .. ثم الإنفتاح الساداتي و النهب المباركي ( فاروق ، محمد نجيب ، عبد الناصر ، السادات ، و عشر سنين من حكم مبارك ) .. كانت مصر قادرة الا تجر إلي مخاضات الدخول في شبكة علاقات السوق الراسمالية و تعليمات الخبراء الأمريكان .. فلم يتجاوزقيمة الدولار الأمريكي فيها عن الجنيه المصرى .
مع بداية التسعينيات إستسلم مبارك و وزارة عاطف صدقي (1986 – 1996 )و بدأ النظام بتنفيذ توصيات و تعليمات البنك الدولي.. يعقبها الانهيارات المتتالية للجنيه المصري .. حيث تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي لاول مرة الجنيه .. فسجل عام 1991 نحو 1.50 جنيها .
ثم بدأت دراما تدهور قيمة الجنيه ..التي كان يقودها عاطف صدقي .. اللة يجازيه .. تتسارع ..فخلال عام واحد فقط أى في عام 1992 قفز سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري ليسجل ضعف قيمته ( نحو 3 جنيهات.) ..
عاطف صدقي و من بعده عاطف عبيد ثم مصطفي مدبولي .. رؤساء وزارات سيقف التاريخ أمامهم كثيرا يلعن أيامهم ..كعلامات علي درب الإنهيار للإقتصاد المصرى و قيمة الجنيه .
في العام التالي، أي عام 1993 ارتفعت قيمة الدولار ليسجل نحو 3.33 جنيه... و إستمر هذا لبداية الألفة الجديدة .. ليصبح سنة 2000 نحو 3.40 جنيه.. تزيد في عام 2001 لنحو 3.75 جنيه.
لياتي دور وزارة عاطف عبيد (1999– 2004 ) .. و لجنة السياسات، والمجلس الأعلى للسياسات.التي يرأسهما جمال مبارك ( 2002 – 2011 ) علي تفعيل توصيات للبنك الدولي .. و صندوق النقد
خلال عام 2002 وصل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري نحو 4 جنيهات .. وفي عام 2003 قفز سعر صرف الدولار ليسجل نحو 4.60 جنيهاً وفي عام 2004 سجل نحو 5 جنيهات .
وزارة أحمد نظيف (2004 – 2011 ) آكملت المهمة فبنهاية عام 2005 سجل سعر صرف الدولار نحو 5.75 جنيهاً ..و إن كان منذ ذلك الوقت وحتى قيام إنتفاضة يناير 2011 لم يتجاوز سعر صرف الدولار أكثر من 6 جنيهاً .
الشعب المصرى ثار .. بسبب سوء الأحوال الإقتصادية .. في زمن مبارك و لجنة سياسات إبنه .. و بدلا من أن يتغير الوضع لافضل جاء الطوفان علي مرحلتين .
.الأولي مع حكم كبار الضباط بعد تنازل مبارك عن الحكم لهم .. زاد فيها سعر الدولار ليصبح 8 جنيه ((من 5.933 جنيه عام 2011، إلى 6.056 في 2012 وإلى 6.899 جنيها في نهاية ديسمبر 2013، حتى استقر عند 7.73 في يوليو 2015، وظل ثابتا نحو 3 أشهر، حتى ارتفع إلى 7.783، جنيها ))
ثم مرحلة السقوط العظمي .. و هزيمة الإقتصاد المصرى أمام ضربات السوق الرأسمالي .. عندما سيطر الضباط المليارديرات.. وحكومة مصطفي مدبولي ( 2018- 2022 ) الموالية لصندوق النقد و البنك الدولي علي مقدرات الدولة و فرضوا فرضا سياسة ما يسمي بالإصلاح الإقتصادى .
ففي نوفمبر 2016 زاد الدولار من 8 جنية إلي 13 جنية .. في صدمة تعويم مفاجئة .. ثم تدهورالوضع السيء بسرعة مذهلة إلي ألأكثرسوءا .. حتي وصل في نوفمبر 2022 ..أى خلال ست سنين عجاف إلي 24 جنيه متضاعفا ثلاث مرات .
لقد قامت القيادة الجديدة بدم بارد بذبح المصريين وإغتيال إقتصادهم.. و تنفيذ الأدوار غير المستحبة التي إمتنع عن تأديتها من سبقهم .. مضحية بإحتياجات الناس ليعيشوا زمنا لم يرى مثيل له في العصر الحديث من الفقر و العوز و الصراع .. بينما عناصر منهم ترفل في عز ما تتيحه لها سرقاتها و سحب دماء الغلابة من ثراء و أبهه و فخامة .
لقد كان المجتمع قادر أن يقاوم و يصارع أباطرة الإقتصاد العالميين .. حتي حكمه من يتصور أن القصور و ناطحات السحاب أهم من التعليم و الصحة .. و أن الإصلاح معناه إقامة مشروعات ذات جدوى إقتصادية و إجتماعية منخفضة بدلا من تطوير الزراعة و تشجيع الصناعة . و زيادة الصادرات عن الواردات .
اليوم لا نعرف إلي أين يتجه سعر الدولار الأمريكي في مقابل الجنية المصرى .. و لكن يبدو أن ألأمر يسير في طريق منحدر حتمي مع الفوضي الإقتصادية بسبب البذخ في الإنفاق علي إنجازات وزارة مدبولي و مهرجاناته الممرضة.. ليصبح شبح ما حدث للجنية السوداني و الليرة اللبنانية و الدينار العراقي .. امر لا يمكن تجاهله
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟