أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - وَتِلْكَ حِكَايَةٌ أُخْرَى(مقاربة عروضية لميمية الشاعر المغربي محمد السليماني 1925/1868م)















المزيد.....

وَتِلْكَ حِكَايَةٌ أُخْرَى(مقاربة عروضية لميمية الشاعر المغربي محمد السليماني 1925/1868م)


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 16:34
المحور: الادب والفن
    


أولا_القصيدة:
أَبَعْدَ صَباحِ المشيبِ غرام
وبعدَ بلوغِ الأشُدِّ احتكام
وبعدَ مُمارسَتي لِلخطوب
تُؤلّمُني بأليمِ الملام
عجيباً أراها وقد عبست
وكادت تبوحُ بِمُرِّ الكلام
وأومضَ مِن قوسِ حاجبِها
سناءُ اعتياضٍ كحِدِّ الحُسام
وسحَّت مكاحِلُها حِبَباً
ودرّاً نضيداً حكاها الغمام
وشحّت وضنَّت بما يَنبغي
منَ المكرُماتِ وهمس السّلام
تَثنَّت وأنَّتْ وما ودَّعت
وماست كغُصنٍ رشيقِ القوام
وألقت بكفٍّ على قلبِها
وكفَّت بِيمُناها وبلَ انسجام
ومرّت تُكدِّرُ في عذلِها
أليفَ شُجونٍ برَتهُ السَّقام
وبعدَ العِتاب لَوَت جيدَها
فآنستُ منها خفيفَ ابتِسام
وقالت أما لكَ أن تَجتَني
فإنَّ آلملا كرَعوا في ازدحام
وكلُّ زمانٍ له خُلَّةٌ
فألْقِ دلاءَكَ بين العَوَام
وأنتَ سلكتَ سبيلاً عَفا
ولم تَتحاماهُ منذُ الفِطام
وهذا اليراعُ متى تَجتَني
بخِدمتِه ما تَرى مِن مَرام
فَقُم لِزمانٍ تُقارِعُه
أليسَت بَشاشتُه في انصرام
ولِلمجدِ ثوبٌ تمزّقُه
ضرورةُ مَن قد عَراهُ انخرام
وليس على الحُرِّ مِن حرَجٍ
إذا عزَّ ناصرُه في الكِرام
إذا لم تجِد لِلعلا سبَباً
فخُض في الخليط بغيرِ مَلام
ولُذْ بالكِرام وأينَ همُ
وأين ديارُهُمُ والخيام
وأين الألى لو بَدا فضلُهم
لأضحى نزيلُهمُ لا يُضام
فقلتُ وقد هاجَ فيَّ الجوى
وأدركني مِن صداها الأوام
دعيني فإنَّ العُلا بُغيَتي
فهل أجتدي جَذوةً من سَخام
ولستُ الغبيَّ فإنّي امرؤٌ
له همَّةٌ شأوُها ما يُرام

ثانيا_الشاعر في سطور:
محمد بن محمد بن الأعرج السليماني ( 1868 - 1925م)ولد في مدينة فاس بالمغرب، وفيها توفي.تلقى تعليمه عن والده،وعن عدد من شيوخ العلم في مدينة فاس.عمل بالتجارة في مدينة تلمسان بالجزائر،إلى جانب حرصه على الاستزادة من العلم اطلاعًا وكتابة.أسس نادي الشبيبة بمدينة تلمسان، إضافة إلى تأسيسه لأول مدرسة حرة في مدينة فاس عام 1922،ووضع دليلاً لها، ونظم برامج التعليم فيها....

ثالثا_إنتاجه الشعري:
له ديوان مخطوط في حوزة أسرته.وله عدد من المؤلفات منها:
_زبدة التاريخ وزهرة الشماريخ - تحقيق - عبدالرزاق بنواحي - كلية آداب - فاس 1997 - (مرقون)
_اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي حول المغرب(مطبوع)
_تسجيل المطالب لبغية الطالب.(في التراجم - مخطوط).
إلى جانب عددمن المقالات والمحاضرات في التاريخ وعلم الاجتماع نشر بعضها في جريدة السعادة.يدور شعره حول المدح الذي اختص به السلطان يوسف بن الحسن العلوي في العديد من المناسبات، وتلك حكاية أخرى...


رابعا_تأطير لا بد منه:
ظلت خصائص البعث والاحياء المشرقية هي نفسها المغربية، نتيجة تأثر هذه الاخيرة بالأولى، وهو أمر طبيعي بحكم شروط حضارية ثقافية تاريخية عاشتها علاقة الوشائج بين المشرق والمغرب طيلة مُدد من السنين، خصوصا وأن المغاربة ظلوا أوفياء لكل ما يأتيهم من الشرق العربي لتشبتهم بتوابتهم العقائدية في أصولها ومنابعها الأولى زمانا ومكانا؛ بيد أن هذه التشوق والإعجاب بكل ما له علاقة بالمرجعية الدينية العربية الاسلامية، لا ينسينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما للمغاربة من خصوصية؛ لذا وجدنا شعراءهم بالإضافة إلى إصرارهم نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين على محاكاة عيون الشعر العربي القديم بمفهومه التقليدي المتأصل في جذور التراث، وعملهم على آستحضار أغراض شعرية طالما نظم فيها شعراء العصر"الجاهلي"والأموي والعباسي كالمديح، والغزل، والرثاء والهجاء والحكمة، والتغني بالذات، والفخر بالفروسية والحماسة في المعارك والطابع البدوي المتين التركيب، الجزل اللفظ، المستقيم العبارة، المصيب الوصف، القوي الجرس، المتشبت بمبادئ عمود الشعر العربي من نضارة الكَلِمِ والمعنى الشريف ومناسبة المشبه للمشبه به وملاءمة المستعار له للمستعار منه، ونزوعهم نحو النزعة البيانية التصويرية بصور مادية حسية واضحة لا غموض أو لبس فيها؛ بالاضافة الى حرصهم على وظيفة تعبير الشعر عن روح عصرهم وبيئتهم نتيجة وعي الشعراء لدور الشعر الإصلاحي التوجيهي لخدمة الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة... بالإضافة الى هذه الخصائص المشتركة التي تأثر فيها المغاربة بنظرائهم المشارقة، فإنهم حافظوا على بصمات مغربية توارثها المغاربة عن أسلافهم من عصور الدول المتعاقبة على حكم بلاد المغرب، فكان هذا الشعر شعر فقهاء ديني وأداة للعلوم الفقهية الشرعية واللغوية يمارسه الفقهاء وعلماء الدين والقضاة يُتوجون به مداركهم ويُكَملون موسوعاتهم المعرفية كوسيلة عقلية لحفظ الشواهد في معرض علوم الآلة من نحو و بلاغة وأصول دين وفهم قرآن وحديث وتفسيرهما ورواية المثل السائر..فلم يكن الشعر لدى أغلب المغاربة، طيلة مساره التاريخي، مقصودا لذاته وإنما وسيلة لغاية رأوها كبرى مهمة وآعتبروها مقدسة..وآستمر هذا المنظور طيلة بداية القرن العشرين حتى الثلاثينيات منه، عندما بدأ الحديث بآحتشام عن الفن ونظم الشعر في ذاته لا وسيلة وآلة لفهم أو نقل معارف اخرى، ليتطور منظور المغاربة للوظيفة الشعرية نتيجة عدة عوامل منها التطور الذي حدث للبنية الاجتماعية والثقافية والفكرية في البلاد، إذ عملت الحركة الوطنية على بث الوعي في نفوس الناس في فترة الحماية الفرنسية، وشجعت على إنشاء المدارس والمعاهد العلمية، مما دعم وقوى أواصر التواصل بين المغرب والمشرق بوجهات نظر مغايرة لنمط العلاقة الكلاسيكية بين الطرفين، عن طريق البعثات الطلابية العلمية الى مصر خاصة والكتب والمجلات والصحف التي كانت تصل إلى المغرب من المنطقة العربية بانتظام...إلى درجة أن ظهرت في المغرب البوادر الأولى للشعر الوجداني، بلهَ الرومانسي إثر الاحتكاك الإيجابي بالثقافة الفرنسية والإنجليزية آنذاك..وتلك حكاية أخرى من حكايات التثاقف العمودي بين المغرب وأوروبا على غرار التعالق الأفقي بينه وبين بلدان المشرق العربي...

_خامسا:مقاربة عروضية:

☆البحر الشعري:
_المطلع:
أبعدَ صَباحِ المشيبِ غرام
وبعدَ بلوغِ الأشُدِّ احتكام

يُذكرنا مضمون هذا المطلع بمضمون مقدمة بائية الكميت الأسدي من الطويل:

طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ
ولاَ لَعِبَاً أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ
ولم يَتَطَرَّبنِي بَنضانٌ مُخَضَّبُ
وَلاَ أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرُ هَمُّهُ
أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعلَبُ
ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّة
أمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أم مَرَّ أَعضَبُ

وتلك حكاية أخرى من حكاية بعث وإحياء تقاليد وأعراف القصيدة العربية القديمة.. لنعد الى تقطيعنا العروضي...

أبعْدَ صَباحِ المشيبِ غرام
أبعْدَ/صَباحِلْ/مشيبِ/ غرامو/
فعول/ فعولن/ فعول/ فعولن
قبض/صحيحة/قبض/صحيحة

تفاعيلُ هذا الصدر من بحر المتقارب التام، بتكرار(فعولن)أربع مرات، بعروضة تامة صحيحة وحشو مقبوض..ولكن يبدو أن الشاعر عمد في أبياته التالية الى تقييد القافية خارقا قواعد السياق النحوي في أبسط تجلياته، فيجعل المرفوعات من الأفعال والأسماء والمجرورات مُسَكنة لتسلم القافية من عيوب آختلاف حركة الروي التي رصدها العروضيون المعياريون القدامى تحت طائلة مصطلح(الإقواء)الذي هو آختلاف حركة حرف الروي في القصيدة الواحدة كأن يأتيَ بيت مرفوع المَجْرَى وبيت آخر مجرورا، والمجرى في هذا التقعيد يطلق عادة على حركة الروي المطلق، ولنا في قول النابغة الذبياني مثال على هذا الإقواء بين كسرة الدال وضمته المتتاليتيْن:

مِنْ آلِ مَيَّةَ رَاْئِحٌ أَوْ مُغْتَدِي
عَجْلانَ ذَا زَادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ
زَعَمَ البوارحُ أنَّ رحلتنا غدًا
وبذاكَ خَبَّرنا الغرابُ الأسْوَدُ

وعلى أي، نحاول مقاربة أبيات القصيدة من خلال هذا المعطى الذي يمكن إيجاد مسوغ له تحت مسمى(الضرائر الشعرية)التي كثرت في قوافي ميمية السليماني حتى آنزاح فيها عن الإعراب النحوي السياقي الى حل التقييد الذي استوت فيها معمولات الرفع بالجر وما شابه، رغم حرص الفقهاء على ضبط الإعراب السياقي للألفاظ المنظومة...
فبإلاطلاق نقرأ:

وبعدَ بلوغِ الأشُدِّ آحتكامُ
وبعد/بلوغِلْ/أشُدْدِحْ/تكامُو
فعول/فعولن/فعولن/فعولن
قبض/صحيحة/صحيحة/صحيحة

وبالتقييد نقرأ:
وبعدَ بلوغِ الأشُدِّ احتكامْ
وبعد/بلوغِلْ/أشُدْدِحْ/تكامْ
فعول/فعولن/فعولن/فعولْ
قبض/صحيحة/صحيحة/علة القصر

فتفاعيل الأضرب هنا من بحر المتقارب التام،بتكرار(فعولن)أربع مرات،بضرب تام صحيح في صورة القافية المطلقة والضرب التام المقصور في القافية المقيدة المردوفة، مع حشو مقبوض؛ مما يجعلنا أمام مطلع من صورة بحر المتقارب التام الصافي الثماني، وهي الصورة التي يحضر فيها أكبر عدد من التفاعيل في بحر المتقارب، ومثله المتدارك في بابه، وذلك بتواتر أربع تفاعيل في الصدر ومثلها في العجز، على الشكل التالي:

فعولن فعولن فعولن فعولن(صدر)
فعولن فعولن فعولن فعولن(عجز)

ونلاحظ تشابها بين العروضة والضرب في كل شيء، لكن دون إحداث تغيير بزحاف أو علة في تفعيلة(فعولن) الخاصة بالعروضة كي تشبه الضرب، فآكتفى الشاعر في مطلعه هذا بظاهرة (التقفية)بترك عروضته صحيحة عوض تغييرها من أجل (التصريع)؛ مما يجعلنا نستنتج أن مطلع القصيدة مُقفى غير مصرع، وفي حالة تقييد القافية نجد أنفسنا أمام تصريع واضح في مطلع القصيدة...
وهذه صورة من ضمن صور أخرى يكون فيها المتقارب مجزوءا بحذف تفعيلة واحدة من العروضة ومثلها من الضرب، فيصبح البحر سداسي التفاعيل نتيجة تجزيئه:

فعولن فعولن فعولن:صدر
فعولن فعولن فعولن:عجز

ثم يتم تشطيره، بحذف شطر كامل منه، أي نصف البيت، ليتحول الى بيت من المتقارب المشطور بأربع تفاعيل عوض ثمانية التي تَسِمُ(التام)أو ستة التي تميز (المجزوءَ):
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن
إلخ.....
(كذلك هو شكل تفاعيل شطر واحد من المتقارب المشطور)، بعروضة هي نفسها الضرب...

والصورة الأكثر حذفا للأجزاء الصوتية في المتقارب، ومثله المتدارك، هي صورة البيت المنهوك، عندما تبقى فيه تفعيلتان لا غير:
فعولن فعولن
فعولن فعولن
فعولن فعولن
إلخ.....
كذا صورة البيت المنهوك التقليدية، العروضة فيه نفسها الضرب.بطبيعة الحال لا نتكلم عن تغييرات الزحاف والعلة التي تعتري التفاعيل عادة، فهي مُطردة الحدوث في أبيات مثل التي نظم عليها شاعرنا(محمد السليماني)أو غيرها من القصائد التقليدية.
ويمكن للشاعر في النظم التقليدي هذا أن ينتقي من هذه الصور ما يلائم نفسيته وشحنته وطاقته النفسية الانفعالية، فليس ذلك حصرا على شاعر دون آخر أو زمن معين أو تيار شعري ما دون غيره من الاتجاهات الشعرية والفنية؛ لأن مدار التعامل مع تفاعيل البحور مرده لذاتية الشعراء بالأساس ونفسياتهم وأمزجتهم وما يرومون تحقيقه من وراء مراودتهم النظم الشعري بهذا البحر أو بغيره.إن المسألة طبع بالأساس وتجارب ذاتية عاطفية إنسانية قبل تكون صنعة ودربة وتمرن ومداومة..
ولا يخفَى، أن ما أنجزته قصيدة التفعيلة الحديثة هي أنها وسعت من تلك الصور التي عايناها، فلم تقتصر على الصورة الثمانية بل أضافت اليها أجزاء صوتية أخرى لم تقتصر على ثمانية تفاعيل كحد أقصى، إذ نجد السطر الواحد في قصيدة متقارب شعر التفعيلة قد تصل الى تسع تفعيلات من(فعولن)أو عشرة أو إحدى عشرة تفعيلة أو اثنتا عشرة تفعيلة، بشكل لم نك نعاينه في صور القصيدة العربية القديمة ولا في نظيراتها الرومانسية.ومثل ذلك، قل مع الحد الأدنى من التفاعيل الذي يمكن أن يقتصر على تفعيلة واحدة في السطر الواحد أو جزء منها إذا عمد الشاعر التفعيلي إلى تزحيف أو إعلال تفعيلته بأن يجعلها جزءا من تفعيلة عوض تفعيلة كاملة عن طريق القصر(فعولْ)أو الحذف(فعو)أو البتر(فعْ)، الشيء الذي لم يكن متاحا في النمط القديم من النظم على المتقارب أو شبيهه المتدارك؛مما يجعلنا،ربما، نفترض أن قصيدة التفعيلة أكثر تسامحا في إباحة التجاوزات وأكثر رحابة من شقيقتها المحافظة على طريقة النظم القديم، وتلك حكاية أخرى من حكايات المتغيرات التي طرأت على القول الشعري العربي قديمه وحديثه...

ماذا لو عاينا بيتا آخر على سبيل المؤانسة، وليكن من وسط القصيدة:

وهذا اليراعُ متى تَجتَني
بخِدمتِه ما تَرى مِن مَرام

وهَاذلْ/يَراعُ/مَتَاتَجْ/تَنِي
فعولن/فعولُ/فعولن/فعو/
صحيحة/قبض/صحيحة/علة آلحذف

بخِدْمَ/تِهيمَا/تَرامِنْ/مَرامي
فعولُ/فعولن/فعولن/فعولن/
قبض/صحيحة/صحيحة/صحيح

إنه بيت تام من بحر المتقارب الثماني الصافي، بعروضة تامة محذوفة وضرب تام صحيح، لا تغيير،إذن، في البحر ولا عدد تواتر أجزائه الصوتية صدرا وعجزا..
هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار إطلاق القافية، والا سنتكلم مع تقييدها على إسكان الميم لتغدوَ القافية مردوفة مقيدة وضرب مقصور(مَرَامْ)حذف ساكن السبب الخفيف وتسكين ما قبله...

لِنُدَعِّمْ مُقاربتَنا بملاحظة خاطفة للبيت الأخير:

_ وَلَسْتُ آلْغَبِيَّ فإنّي آمْرُؤٌ

ولَستُلْ/فعولن/تفعيلة صحيحة
غَبِيْيَ/فعولُ/تفعيلة مقبوضة
فإنْنِمْ/فعولن/تفعيلة صحيحة
رُؤُنْ/فعو/تفعيلة بعلة الحذف

هي عروضة تامة محذوفة...

_ له همَّةٌ شأوُه ما يُرامُ

لَهُوهِمْ/ مَتُنْشَأْ /وُهَامَا/يُرامو/
فعولن/ فعولن/فعولن /فعولن/
ص /ص / ص /ص . تامة/

بضرب تام صحيح، وإذا قرئت القافية مُسَكنة روي الميم، تغدو مقيدةً(يُرَامْ) مقصورة (علة القصر)..

إذن، احتفظ البيت بصورة المتقارب نفسها في تمام أجزائه الصوتية دون زيادة أو نقصان؛ لتظل القصيدة موحدة البحر بشكل تام واحد لا آنزياح فيه...

☆القافية:قوافي القصيدة موحدة بروي موحد(ميم)كلها متواترة بحضور حركة واحدة بين ساكنيها، موصولة بمد(ي)صائت طويل ناتج عن إشباع مجرى حركة الروي الكسرة.وهي في أغلبها أجزاء من كلمة، مثل:
_كامي
_سامي
_لامي
_وامي
_مامي
_ضامي
_خامي
_رامي
_قامي
_يامي

...وهكذا دواليك طيلة القصيدة.وهي مطلقة مردوفة موصولة بمد مجردة من التأسيس...

وفي حالة التقييد:
_كامْ
_سامْ
_لامْ
_وامْ
_مامْ
_ضام
_خامْ
_رامْ
_قامْ
_يامْ

وبقليل من التدبر في قوافي الأبيات أعلاه نلفي نوعا من الموسيقى التي أضفت على القصيدة جمالية خاصة، على اعتبار أن القافية مقطع من المقاطع الصوتية في القصيدة تختلف فيما بينها بالنظر إلى الحركات والسكنات التي تُكَونها وَفْق التحديد الذي حدد به الخليل بن أحمدَ القافية، إلا أن شاعرنا آرتأى أن تكون ختمات أبياته متجانسة الأصوات والوقفات تماشيا مع مبدإ المجانسة والمؤالفة الصوتية التي آعتادت عليها الأذن العربية منذ القديم، ولعل طبيعة نفسية الشاعر وثقافته الفقهية ونزوعه الشرعي تجعله ميالا الى التجانس الصوتي وإن طالت مدده لأنه تجانس يساعد على الحفظ والاستظهار وضبط المعطيات ضبطا نقليا يسترجعه عالم الدين وقت حاجته إليه دون رجوع الى مدونات أو ما شابه...
وظيفة القافية هنا لا تخرج عن الوظيفة التقليدية في الدلالة على نهاية البيت الشعري، وربط أبيات القصيد فيما بينها لتشكل جميعها عقدا صوتيا واحدا.. القافية في كل خاتمة بيت مستقل هي تلك الواسطة التي يتم بها الانتقال بسلالسة من خرزة لأخرى داخل ذاك العقد، مما يجعلها تلعب دورا آخر جماليا تزيينيا؛ بالإضافة الى الوظيفة الدلالية بربط الأصوات التي تختتم بها الأبيات بدلالتها المضمونية وبإيحاءاتها وإحالاتها على نفسية الشاعر الذي يعتبر من الناحية الصوتية الناطق الأول لها والصادح بها منطوقةً شفهيةً مسموعة قبل أن تُدَوَّن في قراطيس تُقْرَأ.. وتلك حكاية أخرى من حكايات التعالقات الشفهية السمعية والبصرية الشكلية في مسار تطور القصيدة العربية قديما وحديثا في المشرق والمغرب...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدّيناصور وآلطّيطار
- آآآيَمَّااااا
- رَيْثَمَا نَصْحُو آلصَّيْحَةَ التي لا نَوْمَ بَعْدَهَا
- وَصِيَّةُ كَافْكَا
- كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك
- شَمَمْتُنِي
- وَطَفِقَ يَقْتَاتُ آلنُّجُومَ
- حَياةُ آلْمَطَالِعِ
- حَسَاءٌ أَبَدِيّ
- مَزيدًا مِنْ ثُغَاءِ بَاااعْ فِي مَزْرَعَةِ آلْمَتَاع
- نَقِيق
- اللعِينَةُ
- سَكَرَاتِ
- جرعة واحدة لا غير
- حُلْمٌ مُبَلَّلٌ
- لَحْظَةٌ وَكَفَى
- حَالَة مُسْتَعْصِية
- عَيْنَا فِيرْجِينْيَا
- شَغَفِي بِهَا
- لَا، لَمْ يَنْقَرِضْ بَعْدُ


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - وَتِلْكَ حِكَايَةٌ أُخْرَى(مقاربة عروضية لميمية الشاعر المغربي محمد السليماني 1925/1868م)