أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - مساهمة الليبرالية في التمدن الأنساني وإنهاء عصرالأدلجة والديكتاتوريات















المزيد.....

مساهمة الليبرالية في التمدن الأنساني وإنهاء عصرالأدلجة والديكتاتوريات


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7382 - 2022 / 9 / 25 - 04:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك ثلاثة محطات تاريخية تستحق التوقف عندها بعمق كونها مثلت ثلاثة نقلات نوعية في تاريخ التمدن الأنساني الحديث شملت تقريبا كل ابعاده الحقوقية والفكرية والأقتصادية والسياسية . و يمكن القول ان مانعيشه اليوم من عالم تسود في اغلب مناطقه مفاهيم الحضارة والمدنية يعود الفضل فيها الى المنهج الليبرالي الذي استند الى فلسفة الحقوق والحريات الفردية والعامة في انجازاصلاحات جذرية في المجتمعات خلال المائتي العام الأخيرة وساهم بتطويرانظمة حكمها ومؤسساتها ومجتمعاتها مدنيا وحضاريا وسياسيا.
كانت النقلة الفكرية والحضارية الهامة الأولى قد سبقت الثورة الفرنسية وهيأت لها، حيث خاض الفكر الليبرالي ، الخارج للتو من رحم مرحلة التنوير العقلي في القرن السابع عشر بأحلال العقل والعلم محل التبعية والتغييب الفكري الديني، معركة الحقوق وأهمها اقرار مفهوم المواطنة وحقوقها ، وبدء المعركة الأجتماعية باصلاح نظم الحكم وتحويلها من تحالف ملكي – ديني اقطاعي ، يستمد شرعيته من البابوات والمراتب الدينية العليا بتتويج الملوك ،لنقل هذه الشرعية الى المواطنين ضمن ممارسة حقوقهم الأنتخابية. وتم اقامة اول جمهوريتين على اساس هذه الحقوق نهاية القرن الثامن عشر، الفرنسية والأمريكية ، تتبنى دساتير تتضمن حقوق المواطنة ملزمة ومقيدة على الحاكم والسلطات وتكتسب شرعية حكمها من خلال برلمانات ينتخبها الشعب، كما تتبنى فصل السلطات وانهاء وضعها في يد واحدة وتحت سيطرة الحاكم.
لقد استمرت هذه الحركة الأصلاحية الهامةعلى امتداد القرن التاسع عشرالى كل اوروبا وتأسيس مبدأ شرعية الحكم المستتندة الى دستور يضمن حقوق المواطنة واجراء انتخابات عامة وضمان حرية الأحزاب في المنافسى ( أي ضمان الحريات الفكرية والأعلامية للمجتمع) وسادت الحركة الدستورية التي قادها الفكر والمنهج الليبرالي عشرووصلت حتى القيصرالروسي والنمساوي والخليفة العثماني والشاه الأيراني حيث اضطرت جميعها مع نهاية القرن التاسع عشر القيام باصلاحات دستورية انهت التفويض الديني الأقطاعي لشرعية الحكم فيها وحولتها الى حكومات تمثل الشعب من خلال احزابه وممثليه في البرلمانات . ان مبادئ الليبرالية الفكرية والسياسية الحقوقية كانت وراء هذه النقلة التاريخية الأولى في تاريخ البشرية ان يستمد الحكم شرعيته من ممثلي الشعب المنتخبين الى البرلمان ، ونجحت الليبرالية في خلق نظام القطبين الشعب وبرلمانه من جهة والسلطة الحاكمة التي عليها اكتساب شرعيتها منه على الجانب الآخر.
اتت المرحلة القادمة بعد الأنتقال الى المجتمعات الصناعية ،وخصوصا مع بداية القرن العشرين، حيث بدأت مرحلة جديدة من التحضر الأنساني بتفتح الأبداع الأنساني بتحرير العقل من الدين لينطلق في مغامرته المتعطشة لوضع العلم في خدمة الأقتصاد وزيادة الرفاه الأجتماعي، وبدأت الأختراعات والأبتكارات تجد طريقها سريعا وتباعا الى الحياة ، ورأى الناس امكانية الأنتقال بين ليلة وضحاها مثلا من العربة الى السيارة، اشارة لدخول عصر جديد مبشر وانبثاق قوة اجتماعية جديدة وهي الأستثمار في الأبتكارات والأختراعات وتحويلها الى التصنيع والأنتاج الواسع مع ما تتطلبه من تطوير اوسع للمهارات سواء في العملية الأنتاجية او في تنظيم الأدارة المالية والأنتاجية والتسويقية اوتطوير البنى التحتية كالمواصلات والأتصالات او بناء الطرق ومحطات توليدالطاقة. كما شهد القرن الأثراء الكبير والسريع الناتج عن الأستثمارات وظهور طبقة جديدة من الرأسماليين والصناعيين و الماليين والأداريين في المدن مرتبطة بالتصنيع. يمكن دعوة هذه المجتمعات الجديد بثلاثية القطبية ، حيث يقف الرأسمال بقوته الصاعدة ، والشعب بمواطنيه واحزابه، والسلطة الحاكمة بملوكها ومؤسساتها الدستورية . كل يرى في الأخر غريما له ولكن يحتاج اليه، الرأسمال يريد الربح دون قيود من السلطة والشعب، والسلطة تريد التوسع بسلطانها لتضع الرأسمال والشعب تحت سيطرتها، وعموم الشعب تطالب بالعدالة الأجتماعية وتحسين ظروف معيشها وايقاف جشع الرأسمال وصلاح انظمة الحكم لتبتي مطالبها ومصالحها. انها معركة صعبة لا طرف رابح فيها والخسارة للجميع ان خرجت عن حدودها التي رسمها الأصلاح الليبرالي الدستوري في القرن التاسع عشر. وبرزت هذه الأستقطابات بشدة في النصف الأول من القرن العشرين حيث هزت الحكومات الدستورية، بل وفلشت بعضها من جذورها وانتجت انظمة ديكتاتورية بنوعيها القومي الفاشي ،حيثما وصلت احزاب اليمين القومي في دول اوربا الى السلطة لتتحالف مع الرأسمال لقمع الليبرالية السياسية والأجتماعية وحركاتها المطالبة بالأصلاح، او وصول احزاب اليسارالراديكالي الى السلطة التي قوضت الرأسمال وانهته كقوة اجتماعية واقتصادية كما تم بعد ثورة اكتوبر الأشتراكية عام 1917 في الأتحاد السوفياتي ، وفي كلتا الحالتين تم القضاء على منظومة الحقوق والحريات المدنية والعامة وقامت انظمة الأيديولوجيات التي استخدمت المصالح القومية أو الطبقية لتبرير سلطاتها وانظمتها الديكتاتورية. لقد امتدت هذه الصراعات بحدتها طوال النصف الأول من القرن العشرين بحروب اهلية كما في الأتحاد السوفياتي وبعده في المانيا وبعدها في اسبانيا ، وقيام حربين عالميتين كارثيتين. اثبتت هذه الأحداث المدمرة في النصف الأول من القرن العشرين هول الأستقطاب الأجتماعي ونتائجه المدمرة ، وحاجة المكونات الثلاثة الفاعلة في اية دولة صناعية ( الرأسمال وطموحاته، السلطة وطموحاتها ، الشعب وتطلعاته) لأيجاد لغة ومساحة مشتركة تحقق لكل طرف طموحات تنتهي بضمان عدم هدم الأخر ، لحاجته له، فالرأسمالي يحتاج ترفيه الشعب لكي يستهلك كما يحتاج للسلطة لحمايته ، والشعب ايضا يحتاج الرأسمالي للتشغيل والعمالة والى السلطة لكبح جموح وجشع الرأسمال ، وعليه بدأت لغة بل احلال تكامل المصالح بدل صراعها ، وتحويل دور السلطة لتقوم بدور المنظم الأداري والقانوني لهذه المصالح المشتركة وجعل مؤسسات الدولة بعيدة عن التسيس الأيديولوجي كي تستطيع انجاز دورها في ادارة الدولة والمجتمع ، فالرأسمال يخشى ان تم ادلجة السلطة ان يتحول الحكم لصالح اليسار الراديكالي كما في الأتحاد السوفياتي، والشعب يخشى ان يتحول الحكم الى سلطة ديكتاتورية تتحالف مع الرأسمال ضده كما تم في المانيا النازية، وهنا اتت اهمية ودور المنهج الليبرالي في طرح مفهوم الأستمرارية التراكمية في انجاز سياسات الأصلاح الأجتماعي التدريجي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكان الليبراليون يقودون شعوبهم ويثقفونها اين وماهو ونوع الأصلاح القادم ويحصلون على الدعم الأنتخابات ليقرونه كتشريعات في البرلمانات منها مايهذب ويقلم اظافر الرأسمال تدريجيا وتحلب أموال اكثر منهم لتمويل سياسات اجتماعية لم تحلم بها الشعوب سابقا مقابل ضمان حقوق الرأسمال بالعمل والتوسع الذي اصبح كالحصان يركض والدولة تحصد من ركضه لتمويل توسيع خدماتها ولتطوير مجتمعاتها ، وكلما ازدادت الأستثمارات والأعمال ازدادت الدول ثراء وتمويلا اكبر للخدمات والبنى التحتية والأجتماعية ( قارن ذلك بانهاء دور الرأسمال الوطني في بلداننا النامية تحت اسم الأشتراكية والتأميم حيث قامت باستثماره في الخارج او تهريبه وحرمت مجتمعاتنا من التشغيل خارج الدولة والسلطات القمعية وانهت دوره في رفع المهارات وجني الضرائب لتمويل وتوسيع الخدمات والبنى التحتية ) .
في المعادلة الليبرالية الجميع رابح ، فالدولة تخاف من الرأي العام ومن الرأسمالي بان واحد ان قام مسؤوليها أو موظفيها بسوء استغلال للمال العام ،المستحصل من الضرائب سواء من الرأسمالي او من الأفراد ، فبتوفر الليبرالية وحريات الرأي والتظاهر والصحافة والأحزاب والأعلام، تجبر على الأستقالة ، وعلى احزابها الأقصاء عن الفوز والوصول الى السلطة والحكم ، ووضع المسؤولين والموظفين الفاسدين تحت اشد القوانين صرامة. بنفس الوقت يخاف الرأسمالي من السلطة ومخالفة قوانين العمل والأستثمار والتشغيل حيث ستواجهه السلطات قضائيا وقانونيا وتحلبه غرامات بعشرات الأضعاف وتحد من حريته في العمل والأستثمار، وتخاف السلطات نفسها من خروج الرأي العام عليها واسقاط حكوماتها ان تهاونت مع الرأسمال في خرقه للقوانين او شهدت فسادا سلطويا او سياسيا منها او مسؤوليها او موظفيها ، انها معادلات كفوءة قام بتطويرها منهج الحقوق والحريات الليبرالي الذي يوفر الأسس اللازمة لبناء وتطوير انظمة حكم كفوءة ، وتطوير المجتمعات وفق احترام الحقوق الفردية والمصالح العامة وتطبيق الأصلاحات التي يطالب بها الرأي العام وفرض كفاءة ونزاهة وشفافية وديمقراطية وعدالة في عمل وخدمات السلطة ومؤسساتها.
امتد الأصلاح الليبرالي لأنظمة الحكم وادارة المجتمعات والأقتصاد ليشمل معظم بلدان اوروبا اليوم في هذه المرحلة الثالثة مابعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الأتحاد السوفياتي نهاية القرن العشرين وانتقل بنموذجه الى بلدان خارجها مثل اليابان والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وماليزيا وعشرات البلدان غيرها التي كانت أو اصبحت مهيأة للأنتقال الى المجتمعات الأنتاجية واستفادت من الدرس الذي قدمته الليبرالية في اوروبا في تجاربها واهمها ابعاد مجتمعاتها عن التطرف السياسي والأنصراف الى تطوير اقتصادياتها وتطوير انظمة حكمها ومؤسساتها ومجتمعاتها وفق مبادئ الحقوق والحريات بعيدا عن التؤدلج القومي او الديني او الماركسي.
د. لبيب سلطان



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود اليسار الليبرالي وأفول الماركسي ..قراءة نقدية
- النظم الرأسمالية : مصطلح فارغ المعنى والمحتوى في واقع اليوم
- قراءة في تجربة التسيس والحكم الشيعي في العراق-1
- ألقضاء العراقي رجعي ومسيس ومتستر ودمر بقايا الدولة
- حول العلاقة بين الماركسية والليبرالية-3
- حول العلاقة بين الماركسية والليبرالية-2
- حول علاقة الماركسية بالليبرالية-1
- لماذا لا تنزل جماهير اوسع رغم المطالب الوطنية للصدر
- اجهاض ثورة 14 تموز وراءه غياب مشروع لبناء دولة أهدمتها
- معادات الغرب منهج رجعي-3
- معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي-2
- معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي-1
- ألرجعية الفكرية البنيوية للماركسيين العرب
- الدفترالمهرب من سجن الحلة لقصائد النواب
- قراءة في معركة الشعبين اللبناني والعراقي الأنتخابية
- لا خير في نظام عالم جديد تقيمه ديكتاتورية بوتين
- بوتين لن يكون اخر ديكتاتور لروسيا ..الخيارات أمام العالم
- 9 نيسان اليوم الوطني لأسقاط ديكتاتورية صدام بين المنافقين وا ...
- مالذي أكتشفه العالم في عدوان بوتين على أوكرانيا
- لولا بوتين لظهرت روسيا قطبا دوليا جديدا وعظيما


المزيد.....




- المنظمة الدولية للهجرة: مقتل 49 مهاجرا وفقدان 140 آخرين قبال ...
- غريفيث لـCNN: نأمل في -تأثير- قرار مجلس الأمن بشأن غزة.. وال ...
- -التوبة مطلوبة والمغفرة نادرة-.. جولة حصرية داخل معسكرات احت ...
- مقتل 6 شبان فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي غرب جنين
- جدل عقب إعفاء الحريديم من الخدمة بالجيش
- ساليفان: سنعمل مع إسرائيل على تحقيق حل الدولتين
- -عشرات صواريخ الكاتيوشا والتصدي لطائرات حربية وغيرها-..عمليا ...
- انتهاء برنامج -InteRussia- التدريبي للصحافيين الأجانب في قنا ...
- العاهل الأردني: إدخال المساعدات أولوية
- قتلى وجرحى من الجيش الإسرائيلي في تفجير منزل مفخخ في رفح


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - مساهمة الليبرالية في التمدن الأنساني وإنهاء عصرالأدلجة والديكتاتوريات