أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية















المزيد.....



مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 7353 - 2022 / 8 / 27 - 14:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


Haider Jawad Al-Sahlani
The concept of loyalty in Josiah Royce s moral philosophy
المقدمة:
هذا البحث هو محاولة لمعرفة مفهوم الولاء في الفلسفة الأخلاقية عند جوزايا رويس، وقد كان لهذا الفيلسوف دوراً هاماً في بناء المجتمع الأمريكي، والذي دفعني للبحث عن هذا المفهوم، هو ما نعيشه اليوم من تعدد الولاءات، وقد طرح رويس مفهوم الولاء بسبب تشعب الولاءات، وقد نجح الشعب الأمريكي في بناء ولاء واحد هو الوطن، وأن كان للفرد ولاءه الخاص، إلا أن ولاء الوطن هو الولاء الأول، ويعد رويس من الفلاسفة الذين عاش مشاكل عصره، وشاركها بمشاركة فعالة وإيجابية، وهدف الولاء عنده ليس الوعظ والإرشاد، كما هو سائد في الفكر الأخلاقي، بل فهم الطبيعة البشرية على ما هي عليه، وبهذا يكون رويس من الفلاسفة الذين احدثوا تغيراً اساسياً في النظرة لمفهوم الولاء وبناء المجتمع، وبذات الوقت وظف مفهوم الخير المطلق والمثل العليا لصالح بناء المجتمع.
يتفق الباحثون على النظر إلى الفيلسوف الأمريكي جوزايا رويس، كأحد أبرز فلاسفة الأخلاق في القرن التاسع عشر، بل أن كثيرين منهم يعتبرونه في مقدمة الذين وجهوا النقد العميق والمنهجي لقيم الحداثة وعيوبها الأخلاقية، ولعل أهم ما في شخصية رويس في مجال الفلسفة الأخلاقية أنها دخلت على خط التجربة التاريخية للعلمانية لتعيد الربط بين الفلسفة والدين، وبالتالي بين القيم الدينية الإلهية وشؤون الإنسان الدنيوية، ولو طالعنا اعماله الفلسفية وأنشطته الأكاديمية فإننا سنقع على جانب شديد الأهمية ويتعلق بمنزلة الإنسان في الوجود، وتحديداً في ما يتعلق منها بنظريتي الولاء والتبصر الخلقي، كنظريتين تشكلان أساس مذهبه الأخلاقي والفلسفي.
جوزايا رويس سيرة وفكر:
ولد جوزايا رويس( 1855_1916)، في مدينة سيرا نيفادا، بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكانت عائلته من المهاجرين الإنجليز وممن اكتسبوا ثروتهم في الحركات الغربية للرواد الأمريكيين في عام 1849، وفي حديث له نشر في المجلة الفلسفية في فيلادلفيا عام 1916، يجيب على سؤال حول نشأته، فيقول: " ولدت في مدينة تكبرني بخمس أو ست سنوات، ويعمل سكانها بالتنقيب في المناجم، وما زلت أفكر في وصف والدي لها، بأنها مجتمع جديد، وكنت أنظر للآثار الخاصة بالمنقبين، وجذوع الأشجار الضخمة المقطوعة هناك، ومقابر عمال المناجم".(1)
درس الفلسفة وسمع قراءة الإنجيل من والدته وتعلم القراءة، وفن الجدال من إحدى أخواته البنات، التي كانت تكبره بثلاث سنوات، وكان عنيداً ويميل إلى التمرد ، وتأثر بنتائج الحرب الأهلية الأمريكية، وباغتيال لينكون، وهذه الاحداث أدت إلى اهتمامه في الوطن ، وشعر لأول مرة في حياته بمدى سلطة المجتمع على الفرد، بسبب ما عاناه من ندرة الاصدقاء، ولعدم معرفته لألعابهم، فكون انطباعاً كئيباً عن المجتمع واشار إليه في كتابه (مشكلات المسيحية) عند مناقشته لمذهب بولس عن الخطيئة الأولى، وحصل على درجة بكالوريوس الآداب من جامعة كاليفورنيا، ببيركلي في عام 1875، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة جونز هوبكينز في عام 1878، ثم درس في جامعة هارفارد في عام 1882 ،وحصل رويس على منصب في جامعة هارفارد في عام 1884، وبقي هناك حتى وفاته في 14 سبتمبر 1916.(2)
يمتاز منهج رويس بربط بين الخبرة العلمية والاتجاه العملي، الذي يعد ميزة الفكر الأمريكي، وبين الهدف الثابت، والمستمر للبحث عن وحدة اساسية تضم كل الأشياء من ناحية أخرى، فلقد أدرك المعنى الصحيح للروح العملية بأن أضفى عليها بعدها الأخلاقي وحاول تحقيقه في مذهبه الفلسفي واضعاً في اعتباره المحافظة على موقفه النقدي، وتحقيق نوع من الموازنة بين النظرة الشاملة والكلية للأشياء وبين تأكيد الجوانب العملية لها.(3) و يعتمد رويس في كتاباته على اسلوب المحاضرات، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة ربط الأفكار وتشتت الموضوعات والميل للإسهاب والتكرار، حتى يتم ربط المحاضرة بسابقتها، واسلوبه في معظمه سجالي ويقوم على افتراض التساؤلات على لسان المعترض الذي دائماً ما يواجه بالرد وافتراض اعتراضه من جديد، وتأتي مؤلفاته على شكل حوار ذاتي فهو حوار بين الذات ونفسها، ويعرض أفكاره كأنه يتحدث عن رؤية شخصية، فيغلب طابع الأسلوب الإنشائي الذي يخاطب الوجدان قبل العقل، ويثير الحماس قبل التحليل ويحاول إشراك القارئ في حل الإشكالات الفلسفية، فيتأمل ويقترح ويتساءل ويطالب القارئ بملاحظة أفكاره في الواقع وفي حياته العامة، حتى يثبت أن فلسفته ليست نظرية خالصة ،أو عميقة كما يتهمه البراجماتيون، بل فلسفة عملية ديمقراطية، ويحلل المقالات الأدبية والقصص والمواقف الحياتية، فيمزج الفلسفة بالأدب والشعر، ويستنتج المثل العليا والقيم الأخلاقية، ويقترب من المنهج التجريبي واستنباط الأفكار من الواقع، ويتجاوب مع المناهج السائدة في عصره.(4)
فلسفته:
جاءت فلسفة رويس كمحاولة لحل المشاكل الاجتماعية التي عاشها المجتمع الأمريكي، فالفلسفة وليدة عصرها والظروف الاجتماعية والسياسية، فلا انفصال عن فكر وواقع ولا وجود لفكر منعزل، أو فكر يجتر الماضي ويحيا فيه، أو يتطلع لمستقبل ويحيا في الآمال، وبذلك يعالج رويس هذه الإشكاليات عبر محاولته التأليف والتركيب بين فلسفات واتجاهات معينة، أو عبر موقفه النقدي أحياناً والتأويلي أحياناً أخرى من اتجاهات فلسفية معينة.(5)
المثالية، تعتبر المثالية بالنسبة لأمريكا بعثاً جديداً وتيار فكري يسعى لتحقيق النهضة، جنباً إلى جنب مع البراجماتية، فظهرت في امريكا يقظه فكرية بدأت كما بدأت النهضة الأوربية بنوع من التحرر الفكري من سيطرة الكنيسة وآمنت بالمثالية الألمانية كقوة لإصلاح الدين والأخلاق، فآمنت بالله عن طريق العقل لا العبادة، وركزت على دراسة كانت وخرجت منها أربعة مدارس وهي مذهب الشخصية( يوردن باركربروان 1847_1910) والمثالية التأملية أو الموضوعية (جيمس أدويل كراتيون) والمثالية الدينامية (جورج سلفستر مورس 1840_1889) والمثالية المطلقة( جوزايا رويس).(6) والفلسفة المثالية عند رويس قادرة على إقامة دين بلا طقوس وبلا عقائد بالية حجرت العقول وأثارت الصراعات والحروب، والمثالية دين العقل ودين كل عصر، ولا تعارض مثالية رويس العلم ولا تقف حجرة عثرة أمامه، وإنما تجعل للعلم مكانة، والعلم أول مراحل المعرفة الحقيقة، وليس هناك غير طريق الفلسفة، الذي يكشف وحدة العالم، لذا جاءت فلسفته مثالية مطلقة واحدية تسير في تيار المثالية بصورة عامة، وفي تيار الفلاسفة الكانتين، أو من يسمون بالفلاسفة بعد كانت بصورة خاصة، وتحاول حل إشكالات الفلسفة الكانتية، كالفصل بين العمل والنظر والانا العارف والأخلاقي وإشكالات أفكار النفس والله، والشيء في ذاته، واستمر يحاول حل إشكالية المثالية المطلقة بذاتها، التي ظهرت مع فختة وشيلنج وهيجل وشوبنهاور، وانتهى بالمثالية الواحدية، فجعلت الوعي الإنساني محور أساسياً للشعور الديني وقبول الوحي، وجاء المطلق شخصاً يشارك الإنسان فيه، ولا كيان له بدون الأفراد.(7)
المعرفة، يعتقد رويس أن المعرفة نوعان، معرفة بالوصف ومعرفة بالتقدير، وليس هناك تفرقة بين العملية المعرفية وأدواتها من جهة الإرادة، وأما مصادر المعرفة فهي ثلاث، الحس والعقل والإرادة، والمعرفة مدركات حسية وتصورات وتأويلات، وبذلك يدخل رويس الإرادة ويعطي لها دوراً اساسياً بوصفها عنصراً ثالثاً لعنصر المعرفة، فالمعرفة نشاط إيجابي، إذ يقوم الفرد بعملية تنظيم للانطباعات الحسية التي يستقبلها من الخارج، فتحدد المعرفة حسب رد الفعل الذي يتم استقباله، وتتضمن عمليات الفكر نوعاً من رد الفعل تجاه المادة الخام التي يتم الحصول عليها من الخارج، فلا يتحول الانطباع الحسي إلى افكار بدون انتباه، ولا يتم تحقيق المعرفة بدون الانتباه داخل العقل للفكرة المراد تحقيقها، ويؤثر الانتباه على الحالة العقلية وعلى توجيه قوى العقل لإدراك العلاقات المرتبطة بموضوعه، ولما كان الانتباه لا ينفصل عن الإرادة، فإنه يستحيل فصل المعرفة عن الإرادة، ويؤكد رويس أن ليس هناك حقيقة خارجية تأتي من المعطيات الحسية، وإنما يبني الفرد في داخله فكرة عن العالم الخارجي الذي يرغبه.(8) وبذلك يرفض رويس الفصل بين الذات والموضوع، أو ما يسمى بعلاقة الفكر بالموضوع في نظرية المعرفة فالحكم بصحة أو خطأ فكرة ما لا يتوقف على وجود أو عدم وجود الموضوع المستقل، الذي تشير إليه الفكرة في الخارج، وإنما يتوقف على فصل التفكير التي تتم بواسطة اختيار الموضوع، التي يجب أن تثير إليه الفكرة، فلا توصف فكرة ما بالصواب أو الخطأ، إلا بالإشارة إلى الموضوع الذي تكون الفكرة لنفسها، فإنها لا تكون صادقة أو كاذبة، فالفكرة لها معنى داخلي ومعنى خارجي، وليس هناك تناقض بينهما، لأن المعنى الخارجي للفكرة يكون في حقيقته عبارة عن جانب لمعنى باطني مكتمل، فإذا كانت الأفكار تجسيداً ناقصاً للإرادة، فإن العالم الخارجي الواقعي، يكون التجسيد الكامل لها، ومن الواقع أن نظرية رويس المعرفية، تميزت بالتأكيد على أن المعرفة الوصفية، ليست المعرفة فهناك المعرفة التقليدية وعلى صلة العملية المعرفية بالإرادة جاءت نظريته مزجاً من كانت وشوبنهاور ووليم جيمس، أو توفيقاً بين التجريبيين والعقليين من حيث مصدر المعرفة والواقعيين والمثاليين من حيث نتائج المعرفة، فجمعت بين الحس والعقل وبين الوصف والوجوب.(9)
التأويل، يعتقد رويس أن التأويل عبارة عن مسلك عقلي يمثل طريقة مختلفة في التفكير، ويتبعها المفسرون بصرف النظر عن الموضوعات التي يفسرونها، ومن هنا يتضح أن التأويل عند رويس كعملية عقلية يختلف عن العمليات العقلية المعرفية الأخرى سواء في العلاقات أو الغايات أو الأهداف، فالبحث عن معنى التأويل هو البحث في الفرق بينه وبين العمليات المعرفية الأخرى، ويقدم لنا رويس التأويل كنوع ثالث لمعرفة الموضوعات التي لا يمكن إدراكها إدراكاً حسياً أو عقلياً، وبالتالي يكون التأويل هو عملية معرفية مستقلة، ولا تحقق بدونها معرفة الفرد لذاته أو للأخرين، وتقوم هذه العملية المعرفية على اطراف ثلاثة وهي المفسر والموضوع والمستفيد، بحيث تنتقل هذه العملية العقلية من المقارنة بين الفكرتين، والوصول إلى فكرة ثالثة تتوسطها، وغالباً ما نستعمل الحدس للوصول إلى هذا النوع من الفكر.(10) وهنا نجد رويس يقترب من هيجل في الفكرة ونقيضها والخروج بفكرة ثالثة جديدة ويصبح الفكر حركة دائرية ضمن المنطق الهيجلي، وبذلك يؤكد رويس أن التأويل يعتبر احد العمليات المعرفية وإن دراسته تساعد في فهم البحث الميتافيزيقي لطبيعة وحقيقة المجتمع، فلا بد من معرفة مكوناته والاساس النفسي لعملية التأويل، والمتمثل في المقارنة باعتبارها عملية فكرية وحالة شعورية واضحة، أي صورة أولية ثالثة، فبما أن التأويل عملية معرفية اجتماعية، فلا بد من دراسة طبيعة مجتمع التأويل ودلالته النفسية والأخلاقية ورسم صورة للمثل الأعلى الذي يرشد المسؤول المحبب للمعرفة باعتبارها قيمة أخلاقية ودينية لمجتمع التأويل، الأمر الذي يوضح لنا كثيراً فكرة المجتمع المثالي، ويوضح الخطوط العامة لميتافيزيقا التأويل، وهنا يجيب بأن التأويل هو عمل الفلسفة الرئيسي، وأن كل انحراف عنه يؤدي إليه بالضرورة فيستطيع الإنسان القيام بالتأويل دون الحاجة إلى الآخرين.(11)
الوجود، عند رويس هو ما يكون واقعاً ويختلف أو يتعارض مع ما قد تقترحه أفكارنا اللحظية في لحظة معينة، فالوجود معناه الظهور في العالم الخارجي بما يعبر عن المعنى الكامل الذي تتضمنه وحدة فكرية منظمة، أي أن الوجود عند رويس جاء مؤكداً لنظرية قدم العالم، فالعالم ليس مخلوقاً من العدم، بل جاء تجسيداً لفكرة وإرادة أو هدف متحقق، فإذا كان العالم يعبر عن إرادة المطلق والإرادات البشرية فإن العالم حينئذً هو عالم الله وعالم الإنسان في آن واحد، فنجد هذا التفسير مطابقاً للتفسير المسيحي، ويحل لنا إشكالية الخلق من العدم.(12)
رفض رويس وجود الجوهر الروحي، كما رفض وجود الجوهر المادي، وكما حول الطبيعة إلى اتفاق حول الذات إلى مقولة أخلاقية، فالواقع الاجتماعي اساس الواقع المادي والروحي، وليس هناك جوهر روحاني يسمى ذاتاً، فالذات هدف ومهمة يلتزم الفرد بتحقيقها، وبذلك ألغى شعور الفرد بذاته من الداخل، ولا يعرف الفرد شعوره بذاته إلا من المقارنة مع الأخرين، ولا جود لذات الفرد إلا في المجتمع، ويحقق الفرد ذاته من خلال المقارنة الاجتماعية، فالذات خبرة اجتماعية، والإنسان صنيعة المجتمع، وليست مبدأ معرفياً أو أخلاقياً، وإنما مقولة أخلاقية يجب على الفرد أن يخلق ذاته، وكذلك عالج رويس نظرية الوجود والإشكالات الفلسفية لنظرية التطور، وأهمية الوعي الإنساني والأخلاقي لاستقامة هذه النظرية، وأنه لا بد من وجود مثل أعلى يحكم من خلاله على التطور، وما يترتب عليه من إشكالات دينية وفلسفية، تتعلق بخلق العالم، وكيف يكون المطلق علة الوجود، وكيف تخضع الطبيعة، باعتبارها العالم المطلق لنسق تطوري، تحول الوجود إلى غاية، فلا وجود إلا إذا كان مقصوداً ، فالواقع مكمل للفكر، ولا انفصال بين الفكر والواقع ويمكن القول عموماً بأن حل هذه الإشكالات جاء متسقاً إلى حد كبير مع مفاهيم العقيدة المسيحية.(13)
مؤلفاته، رويس له العديد من المؤلفات من أهمها، أهمية التحليل المنطقي(1881)، الجانب الديني للفلسفة(1885)، دراسة للشخصية الأمريكية(1886)، روح الفلسفة الحديثة(1892)، مفهوم الله(1897)، دراسات في الخير والشر(1898)، العالم والفرد(1900_1902، جزأين)، مفهوم الخلود(1900)، الوضع الحالي لمشكلة الدين(1901)، مدخل إلى علم النفس(1903)، علاقة مبادئ المنطق بأسس الفلسفة(1905)، فلسفة الولاء(1908)، مشكلات الجيل ومشكلات أمريكا(1909)، وليم جيمس ومقولات أخرى عن فلسفة الحياة(1911)، مصادر البصيرة الدينية(1912)،مبادئ المنطق(1912)،مشكلة المسيحية(1913، جزأين)، الحرب والتأمين( 1914).(14)
الفلسفة الأخلاقية عند رويس:
فلسفة الأخلاق بصفة عامة، هي فلسفة توضح معنى الخير والشر وما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم البعض وفق قواعد ومعايير من شأنها أن تتيح لنا أن نحكم على اعمال الناس بالخير والشر، وهكذا تهتم فلسفة الأخلاق بتحديد الشيء الذي يمكن أن تعده خيراً أقصى ، وفلسفة الأخلاق ليست مجرد دراسة للعادات والشمائل البشرية، وإنما هي دراسة لقواعد السلوك ويقصد بها تصوير الأخلاق المثلى أو الكاملة، فليس المهم في الأخلاق أن تعرف كيف يحيا الناس في الواقع، بل المهم أن نعرف كيف ينبغي أن يحيوا، وبذلك بقيت الأخلاق إلى عهد قريب مبحثاً فلسفياً نظرياً يتداوله الفلاسفة ويخوض فيه علماء الأخلاق باعتباره علماً معيارياً.(15)
أن المذاهب الأخلاقية قد عانت على مر التاريخ من تضارب وصراع المثل الأخلاقية ذاتها، ومن تناقض هذه المثل في الواقع، فيصر كل مثالي على أن مثاله الأخلاقي هو المثال الصحيح، وبذلك يعتبر رويس أن مشكلة الأخلاق الرئيسية تكمن في عدم القدرة على البرهنة عن سبب اختيار مثال خلقي معين دون آخر، أو صعوبة التمييز بين مثال وآخر، وتواجه الفلسفات الأخلاقية التي تقيم الأخلاق على الوجدان، مفهوم الضمير، وإذا كان الضمير يصلح في مجال الأخلاق العملية، فإنه لا يصلح في مجال الأخلاق النظرية، وبالتالي لا يستطيع التمييز بين الصحيح والخطأ، وليس مثالاً ولا يعد اساساً واضحاً لأي مثال خلقي ولا يستطيع التمييز بين مثال وآخر.(16) ومن هنا فهو يقوم على المشاعر فلا يحل المشكلات بقدر ما يخلقها، ولا يمكن بناء نظرية أخلاقية قائمة على الغرائز والضمير، بل لا بد أن تكون على العقل، فالغرائز لا تتصف بالمعقولية، ونلجأ إليها في حياتنا العملية بوصفها بديل للعقل، ولكن فعلها لا يمكن أن يتصف بالخيرية، فالنظرية الأخلاقية عند رويس لا بد أن تكون مبنية على اساس مشترك، لذلك هو يفند كل النظريات التي ترى في الأخلاق قائمة على مبدأ الثواب والعقاب أو الخلاصة، أو قائمة على الواجبات العملية، والقانون الأخلاقي لا يعتمد على الوقائع المادية ولا يتحدث عما هو كائن، وإنما ينبغي أن يكون فيبقى الوجوب قائماً، ويكمن الاصلاح المجتمعي برأي رويس بالرجوع إلى تأثير الأخلاق التي هي علم المثل الأعلى، والعلم الذي يبحث في افكار الإنسان من جهة صوابه وخطأها، وعلاقتها بالخير والشر، أما الشك والمآسي عند رويس فهي اساس متين للأخلاق، إذ الشك الأخلاقي عند الفلاسفة أدى إلى التشاؤم أو القول بعدم جدوى المثل العليا، فقد أكد شوبنهاور على عدم جدوى الحياة، ووجدت البوذية أن الشعر الحديث اتجه للقول بفراغ الحياة الخلقية، وبذلك شكلت الانفعالات العنيفة الحالات النموذجية للوعي الأخلاقي.(17)
يؤمن رويس بأن البصيرة الخلقية ، هي التي ترشد الإنسان نحو الخيرية وتحقيق أكبر قدر من الانسجام والوحدة بين الأفراد وبين الغايات الأخلاقية المتصارعة، فترشد الإنسان نحو المثل الأعلى، الذي لا يستمد قيمتها من واقع يكشف عنه، أو من عاطفة ذاتية يرغبها، وإنما من ذاته، فالبصيرة هي نوع من المعرفة ويعرفها رويس ويقول:" معرفة توحد بين مجموعة من الوقائع في مجال معين، وتضم مجموعة معينة من المعارف في وحدة معينة، وتحقق إدراك معنى معين، وتتضمن حالة من الاقتراب الشديد من قبل الفرد الحاصل عليها تجاه موضوعاتها تمكنه من إدراكها بصورة واضحة".(18) ويلخص رويس موقفه من الأخلاق من خلال مفهوم البصيرة الخلقية:
1_ البصيرة الخلقية تتمثل في إدراك الطبيعة الباطنية الحقة، لإرادات متعارضة معينة كائنة في هذا العالم بالفعل.
2_البصيرة الخلقية المطلقة، تستطيع أن تدركها ولكن لا تستطيع الحصول عليها كاملة.
3_ تتضمن البصيرة الخلقية بطبيعتها الرغبة في تحقيق الانسجام بقدر الإمكان بين الإرادات المتصارعة والكائنة في العالم، والتي يتم ادراكها في لحظة البصيرة.
4_ تتضمن البصيرة إرادتين متعارضتين، مثل إرادتي وإرادة الغير، وأيضاً تتضمن الرغبة في العمل.
5_ البصيرة الخلقية تعبر عن نفسها في سلوك.
6_ تتضمن البصيرة الخلقية الرغبة في الفعل وتضع في اعتبارها كل نتائج الفعل على كل الغايات التي قد تتأثر بهذا الفعل.
7_ تعارض البصيرة الخلقية كل صور الدوغمائية الأخلاقية التي تقول بغاية أخلاقية واحدة فقط.
8_ البديلين للبصيرة الخلقية هما:
أ_ المذهب الدوغمائي الأخلاقي الذي يرفض تماماً كل محاولة لوضع اساس للأخلاقية غير رغبته الخاصة وغير المنطقية.
ب_ المذهب الكلي الأخلاقي، وله صيغة أو صورة أولية للبصيرة الخلقية والتي يتم الانتقال منها بالتأمل لتحقيق البصيرة الكاملة.
9_ لا يوجد هناك أي وسيلة للتميز بين الصواب والخطأ، إلا ما تقول به المذاهب الدوغمائية بوصفه الغاية الأخلاقية الوحيدة من ناحية، وما تقول به البصيرة الأخلاقية من ناحية أخرى، وتبينه بوصفه تعبيراً عما تضمنه.(19)
الخير والشر:
يرفض رويس أن يكون هناك عالمين للخير والشر واعتبارهما ثنائية التناقض أو التقابل في الكثير من الاشياء، إذا أن هناك أفراداً يؤمنون بالخير كفضيلة إلا أنهم يقتحمون عالم الشر لتمرير مصالحهم في المجتمع، وهذا التأرجح في الذات بين عالمين متناقضين هو الذي يشكل خطراً على الذات البشرية، فتداخلت العوالم واختلطت واصبح الكائن يشعر بالتخبط وضياع واحباط ينتهي بمجاراته للآخر، فعالم الخير ليس عالم البراءة الكاملة ولا هو تجاهلاً للشر، وإنما احتواءه والتغلب عليه، وأن ثنائية الخير والشر ليست عبارة عن النقيض ونقيضه، وإنما تختزن من اسباب ودوافع لأن يكون الخير فضيلة والشر رذيلة، فإن كانت الاسباب ذات دوافع خيرة عمت الفضيلة، وإن كانت الاسباب ذات دوافع شريرة عمت الرذيلة، لذلك دافع الخير سببه الحد من الرذيلة ودافع الشر سببه قتل الفضيلة، وبذلك أن مفهوم الخير والشر تحدده القيم الاجتماعية والدينية الراسخة في وجدان المجتمع.(20) و يفسر رويس وجود الشر بأن الله لم يرد للعالم بشرور بطريقه عابثة، بل أراد الشر لكي ينتج الخير الأعظم، ويقدم رويس أمثلة منها قصة النبي يوسف(ع) ويرى أن خيانة أخوته له، هي من أظهرت نبوته، وينتج عن ذلك أن الشر هو من يبني الحقائق والمثل العليا، والشر ليس نقيضاً وإنما اتجاه يساهم في بناء ومعرفة الخيرات العظمى، والشر ليس من الله ولا يوجد في العالم نتيجة الرضا الإلهي، وإنما يوجد في كائن له وجوده المستقل تماماً عن الله وعن أي فرد آخر.(21)
الاخلاق والدين( مقاربات ومفارقات):
يعد رويس من فلاسفة الأخلاق الذين أرادوا أن تصبح الأخلاق كبديل للدين، إذ يعتقد رويس أن الدين يبحث عن المساواة والعدل المجتمعي والخلاص للإنسان لكن هذا الخلاص لا يتحقق بظل الصراعات الدموية المتناحرة حول مفهوم الدين، فاعتقد كما اعتقد قبله الكثير من الفلاسفة بأن الأخلاق ممكن أن تكون كبديل وضمير مجتمعي حي يؤدي بالبشرية إلى الخلاص، وهنا رويس ينظر للدين كشريعة للحياة الدنيا، أي بمعنى هو لا ينظر للدين بعد وفاة الإنسان، فرويس براجماتي أكثر من كونه مثالي، وهذه الصفة السائدة للفكر الأمريكي، وأراد أن يجعل من الولاء على غرار مفهوم الواجب عند كانت.
يرى رويس أن الدين والأخلاق يسيران جنباً إلى جنب، حتى في الحالات التي تظهر فيها تعارض بين هذين النمطين، إذ اصحاب المذهب الاخلاقي وضعوا الأخلاق كبديل للدين، ويرون أن الإنسان لا يستطيع الحصول على ما يجاوز قدراته الإنسانية، ولا الاقتراب من السماء، فالإنسان يستطيع أن يعمل للإنسان، مهما كانت درجة صعوبته أو تعارضه مع شعوره الطبيعي بالكسل أو البلادة، وأن الحل الصحيح هو وضع مفهوم أخلاقي كبديل للدين، مثل ما فعل كانت عندما وضع مفهوم الواجب كبديل للدين، ويؤكد اصحاب المذهب الأخلاقي، أن الاهتمامات الدينية التي تتجه نحو البحث عن أشياء غامضة لا أمل في الحصول عليها وتشكل عقبة ضخمة تعترض قيام حياة أخلاق صحيحة وجادة، فالأخلاقيون يرون برجال الدين بأنهم كسالى وعدم جدوى وجودهم، فليس دينهم إلا حماساً فارغاً ونشاطاً لا معنى له ولا قيمة، وسواء كانوا متصوفة أو يؤمنون بالحياة النظرية الخالصة فسلوكهم سلوك الساعين للذة، ويقدسون الفن من أجل الفن، ولا يعلمون شيئاً عن الواجب، و يقللون من قيمة طبيعتنا الإنسانية، وهم باحثين عن نور لم يظهر أو نفوس أنانية تسعى لنيل هبات من الفضل الإلهي، وبذلك يؤكد اصحاب الفكر الأخلاقي بأن واجبنا هو واجبنا وليس هناك شيء غير ذلك، ويعتقدون أن كل من يؤمن بوجود الخير الأعلى وتحقيقه في العالم الواقعي، يحاول أن يتهرب من القيام بواجبه الأخلاقي.(22) أما اصحاب الفكر الديني، فيرون أن الأخلاق لا تستطيع تحقيق الخلاص الذي لا يتم إلا عن طريق افعال قوة إلهية، فالفعل الإلهي وحده المنقذ ودونه لا يوجد إلا الهلاك، والخير يكون في صورة مجتمع مسالم ومتصالح وحياة ميسرة، وفي الشعور بوجود الله، أو التأمل الهادئ في نمط من أنماط الجمال، فأصحاب المذهب الأخلاقي مشرعين لا يؤمنون بوجود الخير الأعلى، ويأسوا من الفضل الإلهي، وهم مثيرين للمتاعب والعقبات امام تحقيق السلام الروحي، و الأخلاق لا يمكن وحدها أن تحقق الخلاص، وأن طريق الخلاص ليس متاحاً، والدين هنا خبرة فعلية، والخير الأعلى موجود والطريق إليه واضح.(23)
أما رويس ينظر للدين كقيمة أخلاقية فيقول: " الدين يجب أن يكون على صلة بالسلوك ويستحيل وجوده بدون غاية، أخلاقية يدعو لها".(24) ويشبه رويس الدين الذي لا يوجد فيه قيمة أخلاقية" كسفينة غير صالحة للإبحار، أو بنك مفلس، أو منجم مهجور، يخدع المؤمنين به ويتظاهر بإرشادهم لأخلاق معينة".(25) ويدخل رويس أيضاً الأخلاق في باب اثبات وجود الله فيستند لإثبات وجود الله على القيم الأخلاقية والمثل العليا، واعتبار الضمير الأخلاقي دليل على وجود الله، فالله موجود وخير علة وجوده المثل العليا، كما أن وجود الشر لا يعني عدم خيرية العالم، بل يعد دليلاً على وجود فكر شامل والذي هو المطلق، ويعتقد رويس أن الدين والمذاهب الأخلاقية ما هي إلا تأملات عقلية تؤثر في علاقتنا الاجتماعية، وبالمقابل يمكن الاعتماد على قاعدة عملية تؤدي بنا إلى الخلاص ويعبر عن هذه القاعدة بقوله" لا تسعى داخل ذاتك أو تبحث في خبرتك الاجتماعية عن الحقيقة الكلية، سواء كانت هذه الحقيقة تنطلق بإرادتك وطبيعتها، أو بكيف تحصل على أهدافك".(26) ولكن رويس في موضع آخر من كتاباته يشير إلى وجود تناقض واضح بين وجهات نظر الأخلاق والدين لمشكلة الحياة، فالقيمة الأخلاقية ترتكز على فكرة الواجب وتدور حولها، فتسعى القيمة الأخلاقية إلى تحديد الاعمال الخيرة والاصرار على القيام بها، أما القيمة الدينية فتركز على معنى الحاجة، وإذا ما تم اشباع الحاجة، يتم البحث عن الذي أشبعها، أو يمكن أن يشبع الحاجات، فيسعى الاهتمام لقلب المساعدة أو يتمتع بوجود الخلاص. ويتضح لنا أن رويس يفكر بطريقة عملية تخدم المجتمع، فمثلاً عندما ينظر للدين ليس على سبيل الإيمان بالخالق والعيش بحياة هانئة بعد الموت، بل على سبيل أن يرشد الدين لقانون أخلاقي معين وينمي شعور المجتمع بالولاء لهذا القانون، وبذلك يكون الدين عملياً ووجدانياً ونظرياً، ويعلمنا كيف نسلك وكيف نشعر وما نعتقد به، ويعلمنا الاعتقاد بوصفه وسيلة لتحقيق تعاليمه بالنسبة للفعل والشعور أو الوجدان.
يطرح رويس مفهوم الولاء للتوفيق بين الداعين لاعتناق الدين والداعين لاعتناق الأخلاق، فيقول: " الولاء لا يمكن أن تنظر للولاء على أنه مجرد فضيلة أخلاقية، وإنما يكون في جوهره عقيدة ودنيا، لذلك يعد الولاء مصدراً للبصير الأخلاقية ومصدراً للبصيرة الدينية، وتعد الروح الحقة للولاء في جوهرها مركباً كاملاً من مجموعة من الاهتمامات والقيم الأخلاقية والدينية، فتكون القضية موضوعاً دينياً، لذلك تقضي روح الولاء على الصراعات بين الأخلاقيين وتوفق بينهم وبين المدافعين عن الفضل الإلهي، فتقدم في وحدتهم طريقة يمكن بها تعريف المثل الأعلى الذي تسعى إليه خبرتك الشخصية وحاجاتها، أو قد تؤدي إليه خبرتك الاجتماعية حين تسعى لتحقيق خلاصنا، ولما يدركه عقلنا بوصفه يشكل وحدة إلهية لمعنى العالم، ولما تطلبه الإرادة العقلية أن تخدمه بوصفه إرادة الله، وحين تثابر على القيام بالخدمة ينكشف لك الولاء ليس من خلال البصيرة الأخلاقية، وإنما من خلال البصيرة الدينية أيضاً.(27)
الولاء:
الولاء في اللغة هو الموالاة، وتقع الموالاة على جماعة كثيرة، وهي من والى القوم وهي ضد المعاداة، والمولا يكون هو الرب والمالك والسيد، والولاية هي النسب والنصرة.(28) ويقول الراغب الاصفهاني(ت1108) "الولاء والتوالي يطلق على القرب من حيث المكان، ومن حيث النسب ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة ومن حيث النصرة والاعتقاد".(29) وفي الاصطلاح الولاء هو النصرة والمحبة والاكرام والاحترام.(30) وقد ذكر معنى كلمة الولاء في القرآن الكريم في أكثر من آية ومنها قوله تعالى" الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات" سورة البقرة، من الآية (257). ويدخل الولاء أيضاً في عمل الشركات، لذلك ظهر مصطلح الولاء المهني والتنظيمي، ويعتبرون الولاء منهج وطريق حياة بالنسبة للشركات التي تسعى إلى تأسيس قاعدة صلبة من العملاء، فتتجه خدمات الشركة إلى هذه القاعدة، وتسند إليها مشروعات الشركة وإنجازاتها ، لذا فمعدلات الاحتفاظ بالعملاء ليس أرقاماً فارغة، بل هي المعيار الذي يكشف مستوى الأداء.
الولاء هو محاولة لأعلاء من شأن قيمة الفلسفات الداعية للوحدة البشرية المناضلة في سبيل تحسين السلوك الإنساني وتعديل مزاجه في تعاملاته مع الأخرين وبناء مجتمع أخلاقي قوامه التسامح والتعايش وقبول الأخر وفتح نوافذ الحوار واحترام خصوصيات الغير بقدر، و يسمح باستيعاب فكرة أننا نتشارك ذات المصير في هذا العالم الذي شوهته أنانية البشر وأفقدت جماليته الطمع المستبد والنفوس الساعية لتحقيق مجد مصطنع يشبع غرور البشر ويزيدهم استعلاء وقوة، وأن فكرة الولاء المشترك لا يعني قتل روح التمييز والتفرد في مقابل الانتصار لفكرة التواري والانزواء تحت مظلة الجماعة المعتمة، إنما هو دعوة لخلق اسباب التنافس النزيه، ورد الإنسان إلى طبيعته الخيرة التي جبل عليها في محاولة لإنقاذ المجتمع الإنساني الآيل للزوال، ومعالجة روحه المريضة التي أرهقتها الصراعات من أجل القوة والجدارة في عالم يقصي الضعفاء ولا يعترف إلا بمنطق المنافع الشخصية، وذلك كله بهدف بناء مجتمع حضاري يعطي للبعد الأخلاقي والقيمي والجمالي اعتبار في تكوينه لرؤية كونية عالمية مشتركة.(31)
يوصف الولاء بأنه دمج الذات الفردية في ذات أكبر كالأسرة والجماعة والوطن، و قديماً ارتبط مفهوم الولاء بالسلطة والحرب، خاصة في النظم الفكرية وبالأرض والمحافظة عليها في البيئة الزراعية والقبلية أو العشيرة في البيئة الصحراوية، وأخيراً بالدولة ونظامها وسياستها، وقد بات الولاء إحدى القيم الأخلاقية التي يطالب الفرد بالتمسك بها، وبالرغم من ذلك دائماً ما يثير مفهوم الولاء مشكلات كثيرة، منها ما يتعلق بطبيعته الخاصة ومدى الحاجة إليه، وما إذا كان فطرياً أو مكتسباً، ومنها ما يختص بأنواع الولاء وصفات القضايا التي يتم الولاء لها، وأخيراً منها ما يرتبط بما يسمى بتعارض الولاءات والصراع بينهما، ومع تطور المجتمعات وتعصب العلاقات بين أنظمة المجتمع، أكتسب مفهوم الولاء أهمية كبرى لعلاقته بتماسك المجتمعات وتطورها، وظهرت أهمية مراجعة القيم الخلقية لمواكبة هذا النمو والتطور.(32)
يساعد مفهوم الولاء في تطور المجتمع بكل جوانبه، لأن الفرد صاحب الولاء لا يراقب في عمله لكي ينجح، فمن الممكن مراقبة العامل من الخارج إلى أخر ما هو معروف من عناصر الإرادة الناجحة، ولكن يبقى هناك جانب الإتقان في العمل والتفاني فيه، أو ما يسمى بروح العمل، وقديماً حاولت الأخلاق الدينية الاهتمام بسريرة الفرد وحياته الباطنية، والاعتماد على مساندة الخوف من الله، إلا أنها لم تنجح في ضبط بواعث الفرد، ثم بحث الفلاسفة بما يسمى الضمير الأخلاقي الذي يوجه سلوك الفرد ويحاسبه، إلا أن القول بالضمير زاد المسألة غموضاً، فلا يعلم الفرد مصدر هذا الضمير ولا دوره وباتت المذابح ترتكب، بسبب صراع الضمائر، أو الفصل بين النظر والعمل، أو بين المصلحة الذاتية والمصلحة العامة، فاختلفت المفاهيم وتصارعت المثل العليا، فطرح رويس مفهوم الولاء بوصفه الغذاء الروحي للأمة، فاذا كانت قضايا التنمية وزيادة الانتاج والديمقراطية وحرية المرأة ووحدة الأمة ومحو الأمية وحقوق الفرد، من القضايا المهمة والملحة لنهضة المجتمع، فإن الولاء أفضل طرق إنجازها وتحقيقها، والولاء يربط الأمة بتاريخها ويحقق التواصل بين أجيالها ويوحد شعبها بقادتها، والولاء يمد القضايا بمقومات الحياة، فهو روح القضية ويحقق التواصل بين الماضي والحاضر، والقضية التي يتم الولاء لها تحقق وحدة الأمة وتاريخها، والولاء يستوعب التغيير والتجديد، فلا يتمسك بالماضي لمجرد الحفاظ على القديم وثبات العادات السلوكية، وإنما ينفتح على القضايا التي تعبر عن مطالب الجماهير. ومع ذلك يكون الولاء في كثير من الاحيان مفهوم خطر جداً ويصل إلى درجة الفتك بالمجتمعات، فكثير من الحروب تكون بسبب الولاءات سواء كانت داخلية أو خارجية، ولذلك قامت العديد من الدول تضع في مقررات الدراسة وضع مادة الوطنية، وذلك لحصر الولاء للوطن فقط.(33)
النقد المستمر للمنظومة الأخلاقية والدينية، والتشكيك المستمر لقيمتها، وما نتج عن هذا التشكيك من تفكك مجتمعي، هو الذي دعى رويس لصياغة مفهوم الولاء وطرحه كبديل لمنظومة أخلاقية، إذ النقد يؤثر على التماسك المجتمعي، وأيضاً يؤثر على البرامج العلمية والعملية، و يعيق المجتمع من التقدم والتطور، وبالفعل أن الشعوب العربية لم تصل إلى نهضة تطورية ، بسبب صراع الولاءات المتشعبة، وعدم نجاحهم في وضع قانون وضعي يستمد قانونه من الإسلام والعروبة، ويراعي الأقليات المتواجدة في الوطن العربي، بل نعتقد أن الكثير من المفكرين العرب، أرادوا الاصلاح من داخل المؤسسة الدينية، وذلك من خلال تعدد القراءات، وهذه القراءات هي حتماً ستخطأ البعض ومما تؤدي إلى تشعب الدين وتعدد قراءاته، وهذا ما نلاحظه أن القراءة الدينية أدت إلى تشتت في الهوية الإسلامية، ونعتقد أن الشعوب العربية لو أرادت التطور والتقدم عليها أن تنتهي من الصراعات الفكرية حول مفاهيم الدين والأخلاق، واللجوء إلى التفكير الذي يبني المجتمعات، فمثلاً الثورة الفرنسية لا نعتقد هي كانت نتاج حركة مارتن لوثر، بل هي من نتاج الفلاسفة والمفكرون مثل فولتير ومونتسكيو والخ.. لكن للأسف في وطننا العربي غالبية المفكرون هم قراء للفكر التراثي، وبالتالي محاولاتهم المستمرة لإعادة صياغته مع التقدم العلمي الحاصل، لن يجدي نفعاً ذلك أبداً، بل ترك هذا الفكر وجعل كل الآراء المطروحة محترمة هو الحل الأنجح.
يرى احمد الانصاري في مقدمته لكتاب فلسفة الولاء، أن الولاء ليس مجرد نظرية أخلاقية ارادها رويس نسترشد بها، أو مبدأ خير في ذاته، وإنما يمهد الطريق للكشف عن حقيقة الوحدة الروحية، وبذلك لا يصبح الولاء مجرد قاعدة أخلاقية بقدر ما هو وسيلة للسمو الروحي وكشف حقيقة أبدية وإدراك لعالم مجاوز للعالم الإنساني.(34) وبذلك رويس يرى أنه لو لا صلب المسيح والآمه كما تقول المسيحية لما استمرت المسيحية، ولما تحقق الشعور بالرضا والسكينة، والولاء عند رويس له جانب ميتافيزيقي، لأنه محاولة لإدراك الإنسانية، من وجهة نظر أعلى مجاوزة لحياتنا، ونرى من خلالها منظماتنا الاجتماعية عبارة عن وحدات شخصية وفعلية للوعي، وعلى ذلك أن رويس يطرح مفهوم الولاء ليس على اساس المفهوم الديني، أي التضحية أو الزهد بالحياة، وإنما الولاء عنده هو العمل وتحويل النكبات التي مر بها الشعب إلى مثل عليا، فالولاء لا يظهر لنا فقط بوصفه مجرد مرشد في الحياة، وإنما بوصفه كشفاً عن علاقتنا بالحياة.
يعتقد رويس أن مصطلحات مثل التفاني وتكريس الذات لا تعبر عن الولاء، أو تكون كلمة مرادفة لها، فقد يكرس الفرد حياته للبحث عن السعادة أو يتفانى في السعي لها، ولكن لا يعني أنه يحيا حياة الولاء، أو صاحب الولاء، وكذلك كلمة الوفاء أيضاً لا تعبر عن الولاء، فما هي إلا جانب من جوانب الولاء، والولاء يشمل الوفاء ولا يعني وفاء الكلب لصاحبه إلا مجرد لمحة من الولاء، أو مجرد جانب من الخلق، الذي يعبر عن نفسه تعبيراً كاملاً في حياة الولاء الكاملة والعاقلة، ونفس الكلمة يمكن أن يعبر عن كلمة الإخلاص وأيضاً كلمة الاستغراق، فأصحاب الولاء تستغرقهم قضاياهم، ولكن الإنسان الغاضب أيضاً يكون مستغرقاً في انفعال غاضب، وكذلك يوصف صاحب الولاء بالثقة وإمكانية الاعتماد عليه، ولكن الساعة توصف أيضاً بإمكانية الاعتماد عليها، فلا تعبر هذه الكلمة تعبيراً صحيحاً عن الطبيعة الإرادية للولاء.(35) وينظر رويس للولاء على أنه خدمة اجتماعية فمثلاً الراهب الذي يعبد الله ولا يقدم للمجتمع شيء ،هذا كما يعتقد رويس فيه جانب من الولاء، لكن ليس كل الولاء ، فالولاء خدمة اجتماعية تخدم عديد من الأفراد، وأيضاً ذو طبيعة دينية فلا تخلو روحه من مسحة دينية.
الولاء عند رويس يمثل نظرية أخلاقية، وتبنى على شطرين، الشطر الأول هو المثل العليا، والشطر الثاني أخلاقيات المجتمع الواقعية، وهذه النظرية تحث المجتمع على العمل والكف عن الصراعات التي أدت بأوروبا في وقتها إلى الضياع، فقد أدرك الفكر الأمريكي أن العمل هو مصدر سعادة الإنسان، ويقدم رويس الولاء بوصفه سلوكه شخصياً وحلاً للتناقض لوجودنا الطبيعي ويوجهنا باتجاه القضية المستحقة للخدمة، ويوضح لنا في انفسنا الإرادة التي تسعد بتقديم هذه الخدمة.(36) ويقول:" لكي احيا حياة الولاء، لا بد أن اختار الولاء الذي يتفق مع شخصيتي وينبعث منها".(37) وإن عدم الولاء عند رويس يعني انتحاراً، فالولاء يشكل شخصيته الأخلاقية، أما الذي لا يعتنق الولاء يشبه رويس كمثل سفينة محطمة الأشرعة وتتأرجح عبر الرياح فلا وجود لأي حرية.(38)
يتضح لنا أن رويس قارئ للتاريخ بشكل جيد وحكيم، فهو ذو الاصول الأوربية، والتي ملئت بالعصور الخامس والسادس والسابع والثامن عشر بالدم والتناحر الطائفي والاستعمار، فهو يريد أن يبني مجتمع متطور ويحقق الرفاهية للمجتمع، فأراد أن يبني المجتمع الأمريكي من خلال العمل والعمل وحده، والعزوف عن التناحر المدمرة للشعوب، ومن هنا كان عليه أن يجد مفهوم يجمع المجتمع تحت راية واحدة وهدف واحد، وهو مفهوم الولاء والذي اعتقد فيه هو قادر على جمع المجتمع تحت شعار وطن واحد، ولذلك لا تجد رويس يدعوا إلى فكرة دينية واعتناقها من قبل الموالي، بل في غالبية طرحه يعتبر الولاء الحق هو الوطن وللأفكار العملية التي تبني المجتمع، والولاء عند رويس ليس فرض لقضية ما، فكل شخص مستقل في قراره الأخلاقي يستطيع أن يرفض، وبالمقابل يستطيع أن يحيا متحرراً من كل مصادر القلق وعدم الرضا النفسي، ولذلك غالباً ما يقضي الولاء على التردد، لأن من الواضح أن قضية الولاء توجه الفرد لما يجيب القيام به من افعال، ويتجه الولاء إلى تحقيق وحدة الحياة واستقرارها وثباتها، لكن هناك عوامل تسبب بضياع الولاء في المجتمع، وهو علاقة السلطة بالشعب، فانفصال السلطة عن الشعب وعدم مشاركة الفرد في القرارات السياسية المصيرية وعدم مراعاة السلطة التنفيذية لمصالح الأفراد، يؤدي إلى شعور الفرد بالاغتراب وتقل درجة ولائه، وتصبح قوى السلطة أشبه بقوى الطبيعة، وينظر لها الفرد بوصفها قوى جبرية قاهرة ، وبذلك تتحول العلاقة بينها وبين الفرد إلى علاقة سيد بعبد، وتصبح أخلاق العبيد على قمة الفضائل، وبذلك نصل إلى نتيجة أن الولاء عند رويس هو الآتي:
1_ الولاء، يربط الأمة بتاريخها، ويحقق التواصل بين أجيالها ويوحد شعبها.
2_ يمد الولاء قضايا الأمة بمقومات الحياة، فهو التربة التي تنبت فيها كل مقومات المجتمع العصري.
3_ الولاء هو محور الفضائل كلها، وروح الأخلاق العاقلة.
4_ يحقق الولاء فرصة تحقيق الذات، وحلاً لتناقض وجودنا الطبيعي، وحلاً للتناقضات الكبرى، كالتناقض بين العدل والرحمة.
5_ الولاء لا يعني العبودية، بل هو إرادة حره.
6_ الولاء الريفي هو أكثر عقلانية وجاد في السعي للنهضة، ويرى رويس أنه لا بد أن يكون الولاء الريفي هو النموذج الذي يحتوي به.
7_ الولاء هو الشيء الوحيد الذي يحقق كل الأهداف والغايات العاقلة.
يعرف رويس الولاء عدة تعريفات منها، الولاء هو" التفاني الإرادي والعملي الدائم، من قبل فرد ما تجاه قضية معينة". وهنا يتصف الفرد بالولاء:
1_ إذا كان لديه القضية التي يتجه بولائه لها.
2_ عندما يهب نفسه لخدمتها طواعية.
3_ عندما يعبر عن هذا الإخلاص والتفاني للقضية بطريقة عملية مقبولة وبخدمة القضية بصورة فعالة ودائمة.(39)
وأيضاً له تعريف ثاني الولاء هو " إرادة تجسيد الأبدي أي الوحدة المجاوزة لحياة الإنسان في صورة افعال تقوم بها ذات إنسانية، أو بمعنى آخر يتفق مع المنهج البراجماتي، وهو إرادة الاعتقاد في شيء أبدي والتعبير عن هذا الاعتقاد في الحياة الإنسانية لفرد ما".(40)
ويعرفه في موقع آخر الولاء هو" الإرادة، أو الرغبة في إظهار الأبدي قدر الإمكان، أي الوحدة الواعية الشاملة والمطلقة للحياة في صورة أفعال يقوم بها إنسان أو ذات فردية".(41)
قضية الولاء:
القضية التي يراد منها الولاء، هي قضية لا تضم مجرد مجموعة من الناس، وإنما تعبر عن روح واحدة تسري فيهم جميعاً، وبذلك يؤمن رويس أن الولاء لا بد أن يكون لقضية اجتماعية تخدم الإنسانية، لذلك لا تجد رويس يدعوا إلى الولاء الديني الذي يعتقد فيه بأنه سبب في سيل الكثير من الدماء والتناحر بين الطوائف، لكنه مع ذلك يدعوا للولاء الديني الداعي لوحدة الإنسانية واعطاء الحياة الإنسانية قيمة روحية واكسابها مسحة دينية إلهية، إذاً القضية التي يجب عليك الولاء لها، لا بد أن تجمع مجموعة من الأفراد وتوحد بينهم، برابطة اجتماعية معينة، وتتصف في بعض جوانبها بأنها قضية لا شخصية، أو مجاوزة لحياتهم أو تفوق اهتماماتهم، وفي نفس الوقت تعبر عن اهتمام شخصي لكل فرد من الأفراد الذين تجمع بينهم.(42) فيقول رويس: " القضية المستحقة للولاء، يجب أن ينظر إليها على أنها شيء أكبر من ذاته الخاص وخارج إرادته الفردية، وتوحد بينه وبين مجموعة من الأفراد، وتربطهم برابطة اجتماعية معينة، كرابطة الصداقة أو الأسرة أو الدولة، ولذلك تظهر القضية التي يكرس لها الفرد حياته، على أنها ذاتية طالما أنها تخصه وتخص أناساً آخرين، وفي نفس الوقت غير شخصية أو مجاوزة لحياته الخاصة، إذا نظر إليها من وجهة نظر إنسانية وربما عدداً كبيراً جداً من النفوس في وحدة اجتماعية عليا".(43) وبذلك يحدد رويس قاعدة الولاء وهي" عليك خدمة قضيتك بصورة تجعل كل من يتأثر بخدمتك أكثر ولاء لقضيتك ولقضية كل القضايا، أي وحدة كل المخلصين واصحاب الولاء".(44) ويحدد رويس بعض الصفات لطالب الولاء منها:
1_ يجب عليك الولاء.
2_ عليك اختيار قضية معينة، أو نسق من القضايا، تجعل منها موضوعاً خاصاً لولائك، ويحدد مهمتك في الحياة.
3_ ابدأ اختيار قضيتك الخاصة، بطريقة حاسمة، ثم عليك أن تظل محافظاً عليها، ومخلصاً لها.
4_ المبدأ العام للولاء، الذي تخضع له كل الاختيارات الخاصة للقضايا، هو " عليك أن تكون على ولاء للولاء".(45)
هناك عدة قضايا تستحق الولاء، والقضية التي من الممكن أن تصبح ممكنة للولاء، هي التي تحقق الوحدة لحياة عدة أفراد، ومن أمثلة هذه القضايا المستحقة للولاء:
1_ الصداقة التي تربط عدة اصدقاء في حياة حميمة واحدة.
2_ الأسرة التي تربط حياة اعضائها في رابطة واحدة.
3_ الدولة التي لا يكون اعضاؤها مجرد مجموعة من المواطنين المنفصلين، وإنما تضمهم حياة واحدة تستحق من المواطن الولاء لها.(46)
الولاء والفلسفة:
يبدأ كتاب فلسفة الولاء لرويس بعرض لطبيعة الولاء، وتوضيح مدى حاجة الإنسان إليه ومحاولة بيان اساس الحياة الأخلاقية وطبيعة القانون الخلقي ومدى الحاجة لمعايير أخلاقية جديدة ترتبط بالحياة العملية، إلى اكتشاف المعاني الحقيقية للأخلاق التقليدية القديمة ، ويقول رويس " لقد عنونت هذه المحاضرات بفلسفة الولاء واعترف صراحة أني استلهمت هذا العنوان اثناء قراءتي للعمل المتميز للعلامة في علم الاجناس الدكتور رودولف شتاين وكتابه المعنون بفلسفة الحرب، فلقد كانت فكرتا الحرب والولاء فكرتين بينهما علاقة وثيقة".(47) ويعلل ويشرح رويس كلمة الولاء بقوله " المقصود بعبارة فلسفة الولاء، أن أبين أولاً أننا نعتبر الولاء هنا مبدأ أخلاقي، ولأن الفلسفة تتناول المبادئ الأولى، وتعني ثانياً أننا نرغب في دراسة المسألة دراسة نقدية وعملية في نفس الوقت، والفلسفة في جوهرها ما هي إلا نقد للحياة، ولا يمكن أن نطلق صفة الولاء على كل عمل، لأن مفهوم الولاء نسبياً، ويتضمن دائماً وجود موضوع معين، وقضية معينة".(48)
مفهوم الولاء يؤكد على الصلة بين الفلسفة المثالية والحياة العملية، وعلى ارتباط الفلسفة بهموم الفكر والوطن، وقد حاول رويس صياغة هذه النزعة العملية صياغة مثالية، وإذا كان وليم جيمس عمل على إحياء هذه الروح بمنطق عمل براجماتي، تمثل الفردية المقام الأول ولكل فرد معياره الخاص للصدق، وله تجربته الدينية الخاصة، فقد حاول رويس بعث هذه الروح بصهر الشعوب والأجناس التي كونت المجتمع الأمريكي في وحدة واحدة، وأن كان جيمس قد ربط قيمة الفرد بنتائج هذا العمل، فإن رويس قد جعل من مبدأ الولاء للولاء مقياساً لقيمة الفرد وحلاً لمشكلة ولاء المهاجرين، وأن كان وليم جيمس قدم حلاً للمشكلة الدينية والأخلاقية التي ظهرت نتيجة الحرب الأهلية الأمريكية، وتشكك الأفراد في قيمة الأخلاق الدينية التقليدية، وقال بالأشكال المتعددة للخبرة الدينية كحل عملي، وبديل لفقدان ثقة الأفراد في الدين التقليدي، فإن رويس قد أقام فلسفة الولاء لمعالجة مشكلة المسيحية وتحقيق الوفاق بين الدين والأخلاق، فأستبدل الولاء بالمحبة وأسس فلسفة أخلاقية عقلية، ونظرية في الواجب والضمير، فجاءت فلسفة الولاء حلاً للفتنة السياسية ودعوة للوحدة الاجتماعية.(49) وأن مبدأ الولاء عند رويس لا يتعارض مع الفردية أو المذهب الفردي أو المثالية، ولم ينكر رويس إيمانه بالمذهب الفردي، وإنما حاول صياغته بصوره لا تتعارض مع التماسك الاجتماعي فبات المجتمع مصباً لرغبات الأفراد وغاياتهم وليس سلطة قاهرة عليهم. ويقول رويس" فلسفتنا عن الولاء تهدف إلى شيء أكبر وأكثر ثراء من مجرد تحقيق السعادة الإنسانية لبعض الأفراد، فأصحاب الولاء يخدمون شيئاً أكثر من الحياة الفردية".(50)
الولاء في جوهره فلسفة حاضنة للإرادة والعمل الجماعي، فالولاء بتعبير رويس هو حب الفرد للجماعة واستعداد فطري للانخراط في تجربة الحياة الجماعية بغية تحقيق ما يسمى بالوحدة الأثيرة أو الجماعة المحبوبة ، فالإنسان في جوهره ذو تركيبة غرائزية تدفعه نحو التعاون الاجتماعي والميل للغيرية، كما أشار إلى ذلك برغسون وعديد من الفلاسفة من أمثال دوركهايم وماكس شيلر وغيرهم، ممن اعتقدوا أن الاتحاد البشري ينمو ويغذي المجتمعات، الاستعداد للعيش وسط جماعة سعياً لتحقيق الضبط المجتمع وبناء مثل قيمية مشتركة بين أفراد الجنس الواحد، فما نشهده في العالم اليوم من طغيان النزعة الفردية وارجاع قوام الحياة الإنسانية واساسها للذات الفردية المتميزة عن غيرها من الذوات بدعوى من التحرر والتقدم، ولا يجد مبرراته في طبائع الإنسان الفطرية المتجذرة والمتأصلة في خلجات تجربته الشعورية، إنما مرد ذلك وأصل حصول الإنسان على قدر من الذكاء الاصطناعي ممثلاً في المنجزات العلمية ما جعله يتصرف بقوته العقلية على نحو أناني جرده من طبيعته الخيرة، فأخذ يستعمل عقله المكتسب لأغراض تضر المجتمع وتواجه الإرادة العامة للمجتمع الإنساني، والولاء كما بينه رويس ليس مجرد انفعال وإحساس عشوائي أو ردة فعل تصاحب احداث خارجية متفرقة نابعة من شعور المرء بالخوف من فقدان مركزه ضمن الفضاء العام الذي يتواجد فيه، أو أنه حالة شعورية يبديها الإنسان بدافع الشفقة والتعاطف، بل هو إمكانية خلاقة يسهم في ربط مصير مصالح الأفراد المشتركة في خدمة الصالح العام بحيث تصبح الغايات التي يبدي كل فرد الولاء لها نسقاً يكون لكل واحد مكانه فيه في انسجام مع بقية الأفراد، ولا تتعارض أفعال كل شخص مع ولاء الأخرين. وقدم رويس فعل الولاء كبديل عن الوضع المتشظي الذي وصل إليه المجتمع الأمريكي، وكناظم يضبط سلوك الأفراد ويعطيها بعداً أخلاقياً، وأن فعل الولاء ذو قيمة إنسانية يستميل النفوس ويوقد فيها شعلة لا تنضب للتحقيق التلاحم بينهما، والعمل على تفعيل دوره في العلاقات الإنسانية واتخاذه منهج عملي تبنى عليه تعاملاتنا مع الغير، وبذلك الولاء هو رغبة حقيقية واخلاص نابع من الذات، يختاره الفرد ويتمسك به في كل الاحوال ويترجمه عملياً، والولاء ليس عاطفياً بل أنه بني على العقل وتصاحبه العاطفة أيضاً، والقضية التي تعطيها الولاء لا بد أن تكون قضية مستمرة وباقية وحسنة، كمثل ولائك لوطنك، فالوطن له قيمة كبرى، ويجب أن ينظر للولاء على أنه شيء أكبر من ذاته الخاصة، بمعنى خارج إرادته الفردية ويجب أن توحد بينه وبين مجموعة من الأفراد وتربطهم برابط اجتماعي.(51)
الولاء والدين:
يستطيع الإنسان تحقيق خلاصته بالبصيرة الدينية التي يمثل الولاء مصدرها الرئيسي، فالولاء طريق الخلاص، ويؤدي الولاء الديني إلى إشباع الحاجة الفردية للخلاص لتحقيق التوافق النفسي وإنجاز المطالب الاجتماعية التي تبحث عن الخلاص عن طريق الاتحاد بالأخرين وإشباع حاجة العقل للنظرة الشاملة والكاملة للحقيقة، وإنجاز هدف الإرادة بمطابقة نفسها مع القوانين التي تحكم الحياة، ويوفق الولاء بين قول الأخلاقيين بالأفعال طريقاً للخلاص وقول المؤمنين بالفضل الإلهي، فتتوحد الدوافع الدينية والأخلاقية، ويحل الصراع بين الواجب والدين، وتتحقق المحبة والعدل، فيكون الولاء مصدراً للبصيرة الدينية والأخلاقية، ولا يحتاج دين الولاء إلى جهد أو تدريب فلسفي أو دلالات أو معجزات، بل هو دين يحقق الألفة مع إرادة العالم والإرادة الإلهية، فيشعر الإنسان بالرضا حين يقوم بالأفعال، والولاء ليس مجرد عاطفة، بل رغبة وإرادة وإخلاص من جانب الذات، ولا بد للولاء أن يجد صورته في قضية إنسانية، ولا يمكن أن ينظر له فقط مجرد فضيلة أخلاقية، وإنما يكون في جوهره عقيدة ودينياً ويتمثل الولاء في صورة اكتشاف موضوع معين تشعر أنه يأتي إليك من الخارج ومن الأعلى، تماماً مثلما يقال عن المصدر الإلهي أو النصيحة الإلهية، لذلك لا يعد الولاء مصدراً للبصيرة الأخلاقية فقط، بل بالبصيرة الدينية أيضاً، وروح الولاء تقضي على الصراعات بين الأخلاقيين وتوفق بينهم وبين المدافعين عن الفضل الإلهي، ويبين لك الولاء العالم الروحي والإرادة الإلهية، ويحقق الشعور بالراحة في العمل وبالسلام يتحقق المثل الأعلى، ولا يحقق لك الولاء بما يسمى عند الصوفية الغيبية أو السكرة، ولكنه يبين لك القانون الذي يحكم كل العالم العقلي.(52)
يمثل الولاء عند رويس المصدر الرئيسي للدين وإلى جانب الخبرة الذاتية والاجتماعية والعقل والإرادة، فالولاء طريق الخلاص، ويتحول الدين إلى أخلاق ممزوجة بمسحة صوفية، وتتمثل الخبرة الدينية في البحث عن المثل الأعلى، ولا يتجه الإنسان للدين نتيجة وحي من الخارج أو من حاجة لا شعورية، وإنما من أحساس الإنسان بالعزيمة والندم والرغبة في الصدق، ويوجد هدف أعلى للحياة والحاجة للنظرة الشاملة، فالاهتمام الديني شيء إنساني خالص يشعر به كل إنسان وليس قاصراً على فئات معينة، وبذلك تعود للإنسانية قيمتها، ويصبح الدين مطلباً إنسانياً عاماً يدركه الإنسان بعقله وإرادته.(53) ويقول رويس: " تهدف فلسفة الولاء إلى شيء أكبر وأكثر ثراء من مجرد تحقيق السعادة الإنسانية لبعض الأفراد، فإنها علمتنا أنه لا وجود لمثل هذا الخط الفاصل بين الإنساني وما يبدو مجاوزاً، مثلما كانت تدعي هذه المحاولات للعقل بين مجالات الدين ومجالات الأخلاق، فأصحاب الولاء يخدمون شيئاً أكثر من الحياة الفردية".(54) وبذلك الولاء يمكن أن يكون مصاحباً ومرتبط بالولاء الديني، أي بمعنى يؤمن بقضية اجتماعية ويساهم في العمل بها، وفي نفس الوقت يؤمن أن هذه القضية هي ما يحث عليها الدين، فبالتالي تصبح القضية ليس فقط تحقق الجانب العملي للمجتمع وتسهم في تحقيق الرفاهية للمجتمع، بل أيضاً تكون عبادة للخالق.(55)
أن البحث عن المثل الأعلى أو البحث في صفات الله ، باعتباره المثل الأعلى الذي يحتذي به في السير على نهجه، هذه القضية يرى رويس أنها ولدت الكثير من الصراعات والدماء والتشتت المجتمعي، وأن البعض يعتقد أنه لن تصل إليه، ويعطي رويس قاعدة عملية لوضع مثل أعلى للإنسان وهو الكف عن البحث في المثل الأعلى، لأن ذلك يولد خلاف كبير والاكتفاء بالسير على سلوكه، فرويس يرى أن الأديان مهمتها واحدة، وهي جعل المجتمع متجانس وعملي، وأن التفكير في كيفية الخلاص وتقديم تأويلات أدت إلى تشتت المجتمعات، لذلك أن المثل الأعلى الذي يدعو له هو مجرد ظاهر للمجتمعات، وهو السير على نهجه، فالمجتمع عند رويس قادر على السير بمقتضى المثل الأعلى، واتباع طريق النور الذي وهبته البصيرة الخلقية.(56)
الولاء والمجتمع:
تدور فلسفة رويس في فلك الحياة الأمريكية ومحاولة علاج مشكلاتها الاجتماعية والفوارق الاجتماعية وتعدد العقائد والأصول المختلفة لأفراد الشعب الأمريكي.(57) والولاء كما يعتقد رويس هو من يحقق الخير للمجتمع ويقلل الفوارق بين المجتمع، و الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي ولا يحيا من دون العواطف الاجتماعية والوجود مع الآخرين، الأمر الذي يتطلب منه دائما التضحية في سبيل هؤلاء الآخرين، ويقوم الولاء بالتأكيد على أهمية تلك التضحية، ولوجودها ومن خلالها يحقق الأنا أعلى درجات إعلاء الذات، ولا يعتقد رويس بالولاء الذي يكون مصاحباً للعنف والظلم، إذ بعض الولاءات تكون مبنية على الشر بدافع الوحدة، مثل دولة تستعمر دولة أخرى وتوصفها بصفات مشينة، هذه عند رويس ليس ولاء، فالولاء عند رويس هو من يحقق نوعاً من الخير الروحي للفرد، ويتضمن نوعاً من الاختيار الحر الذاتي، ولا يحمل الولاء أي عداء لأي مجتمع، ونلاحظ هنا رويس كان يدعوا إلى نبذ الاستعمار، فهو القادم من الدول الاوربية التي ملئت الدنيا بالاستعمارات، ويدعوا إلى نبذ الاستعمار، وبذلك يبين أن الولاء ليس الاستعمار أو الدفاع عن الباطل، بل هو اختيار حر، وتتجه كل الكائنات الإنسانية العاقلة نحوه، وتستطيع تعلمه والتدريب عليه والاستفادة منه، ويعد فضيلة عملية اساسية ومتاحة لكل إنسان، لكن رويس لم يعش طويلاً ويرى أن ما كان ينظر له نجح، لكنه سرعان ما سيطر الطمع التجاري عليهم وبدأ الإنسان الأمريكي الحديث يفكر بالمال مها يكن الثمن، وبذلك قادت الدولة الأمريكية الهارب من الاستعمار حملات استعمارية للسيطرة على التجارة العالمية.(58)
يدعوا رويس إلى بناء المجتمع الأمريكي على غرار المجتمع الياباني، إذ رويس يشيد بالمجتمع الياباني الذي كان معجباً بولائه لقضيته الوطنية، والرافض لكل أنواع الظلم والاستبداد، فالساموراي الياباني لم يفقد شعوره الذاتي للوطن على الاطلاق، ولم يقبل الطغيان ، و تم تدريب الولاء الساموراي والقائم على التعاليم القديمة للبوشيدو على حرية الفكر والتعبير حتى جاء الإصلاح الحديث فتحولت الولاءات القبلية إلى نوع من التفاني النشيط للأمة كلها ولمتطلباتها وحاجاتها الحديثة، وأن هذا التفاني هو ما جعل هذا التحول السريع والرائع لليابان أمراً ممكناً، فالولاء الياباني ليس مجرد أداة في يد الطغاة، ولم يكبت الولاء الياباني المذهب الفردي، لأنه من المؤكد أن التحول الحديث والنهضة اليابانية قد اعتمدت على نحو كبير على الأبداع الذاتي والمرونة الفردية والأخلاقية.(59)
التدريب على الولاء:
الولاء يمكن اكتسابه بالتدريب، وفي مقدور كل الناس تعلم الولاء ،ويجب أن يتم مساعدتهم على التقليل من الغربة التي يشعرون بها تجاه نظامهم الاجتماعي، ويعتقد رويس أن التدريب على الولاء لا بد أن يصاحب الإنسان منذ صغره، وتعليمه على حب الوطن والتركيز على مشتركات الوطن، وعند تدريب الأطفال على الولاء يجب على المدرسين تجنب الدعوة لأي نوع من أنواع الولاء، قبل وصول الطفل للمرحلة المناسبة له، وتكوين الأرضية المناسبة، أي وجود تطور لمجموعة من العادات الاجتماعية التي تعد أساسية لقيام الولاء، ولا بد أن يكون لدى الفرد المادة المناسبة للشخصية الأخلاقية، قبل اكتساب الضمير أو نضج ضميره، وهناك محاولة من الأطفال على التربويين استثمارها وهي تمثيل دور الأبطال والحلم بالأعمال العظيمة، وتمثيل الفنون التصويرية والتمثيل والتعقيل التي يمارسها الأطفال عادة بصورة تلقائية لا تعد في حد ذاتها مجموعة من الصور الخيالية المسببة للمتعة والسعادة للأطفال، وإنما نوعاً من التمهيد الأولي للتدريب على المقدرة الحقيقية لفهم الطبيعة الحقة للقضايا الاجتماعية التي يعتمد عليها الولاء فيما بعد، فالولاء هو نوع من تعقيل الحياة الإنسانية أو تحويلها إلى مثل أعلى، ولما كان الولاء يتضمن سلوكاً، فإن خيالات الطفولة تعد مجرد إعداد للولاء ولسلوكه ثم يأتي الولاء الحقيقي فيما بعد، ويعد رويس تدريب الصغار أصعب بكثير من تدريب الكبار، وأن إتقانه عند الصغار سيؤثر على قوة ولائهم عندما يكبرون، ويشترط أن تكون هناك صناعة تمهيدية لأسس الولاء، منها: القدرة على التصور والإدراك لأي قضية اجتماعية يراد التفاف الجيل الجديد حولها، وأن يدرب الفرد على الحسم واتخاذ القرار والالتزام والوفاء بالسير فيه، وهنا تصنع الإرادة المتطورة للفرد، وأن تكون المناهج التربوية تتصف بالصبر لتنتقل بالفرد الى حالة التهيؤ للولاء في سن المراهقة، لذا ينصح رويس التربويين بأن يبتعدوا عن العجلة ويقرر هنا أنه لا يمكن خلق حالة الولاء إلا بعد سن المراهقة، و أن تدريب الأطفال على تمثيل دور البطولة لأبطال تاريخيين، لا يجب أن ينظر إليه نظرة نهائية، ولكنه يمهد نوعا ما في خلق الاستعداد للولاء، وذلك بأن يؤشر على شخوص قد يصلحوا أن يكونوا مثلا أعلى للأطفال بعد نضجهم، وعلى المربين في المدارس، أن يحترموا وفاء الأطفال لبعضهم البعض، ولا يضغطوا عليهم ليصبحوا جواسيس على الآخرين، فهذا يدمر قاعدة تأسيس الولاء المستقبلي لدى الطفل، وفي مرحلة المراهقة، تتسارع الخطى لتكوين الولاء الأولي، وهنا يبرز دور الموجهين التربويين في تطوير تلك التمارين من الولاء نحو الولاء العام لأهداف فاضلة، فتعاون أولياء الأمور ومربي الصفوف، يحد من أن يتحول الولاء إلى ولاء يضر بالمجتمع، فبدلا من أن يكتسب الفتى عادات تتعلق بتعاطي المخدرات والجنوح، فإنه بالإمكان حثه على الانخراط في أندية رياضية تجعل الفرد فيها يلتزم بقوانين اللعب وأخلاقياته، أو مراكز شباب تنمي المهارات الثقافية والكشفية وغيرها.(60) ويمكن تلخيص نظرية التعليم عند رويس كالآتي:
1_ أن تدريب الأطفال على الولاء، يجب على المدرسيين تجنب الدعوة، لأي من أنواع الولاء قبل وصول الطفل للمرحلة المناسبة لمثل هذا النوع.
2_ أن فنون التصوير والتمثيل التي يشاهدها الطفل لا تعد في حد ذاتها مجموعة من الصور الخيالية المسببة للمتعة والسعادة للأطفال، وإنما تعد نوع من التمهيد الأولي للتدريب على المقدرة الحقيقية لفهم الطبيعة الحقة للقضايا الاجتماعية، التي يعتمد عليها الولاء فيما بعد.
3_ التدريب على تربية الأفكار وتنظيم طويل للفكر، إذ لا بد أن يكون قادراً على تصور معنى القضية الاجتماعية.
4_ الولاء يكتمل في مرحلة النضج وسن الرشد، وهنا يحتاج الفرد على التدريب الفردي للولاء، ويتم على ثلاث نقاط وهي:
أـ التأثير الشخصي للقادة ، فإن كان القائد يتمتع بمواصفات تعج بالفضيلة، فإنه سيصبح مثلا أعلى للأفراد الذين هم تحت قيادته، والعكس صحيح.
ب_ وجود قضية ذات قيمة عليا، أي جعل تلك القضايا التي يلتف حولها الأفراد مهضومة من عقولهم، وتتناسب مع القاعدة الخلقية المتبعة في المجتمع الأكبر، وقد تكون القضية التي تستدعي الولاء عادية في ظاهرها، كالاندفاع من أجل فوز فريق رياضي مثلا.
ت_ التدريب العملي الشاق والمتواصل، وعدم الاكتفاء بالرغبة في تحقيق مثل تلك الأهداف، فلذلك تكون الجيوش بتدريب جنودها المستمر في حالة أفضل من تلك الجيوش التي تكتفي بحب الوطن، وهذا ينسحب على الأنشطة الرياضية التي لا يتغيب لاعبوها عن التدريب، حيث يتطلب الأمر منهم النشاط المستمر.(61)
أما تعليم الولاء عند رويس يتطلب ثلاثة أمور:
1_ يجب أن تساعدهم على المحافظة على قدراتهم الجسدية والمادية والعقلية، وكل قواهم وممتلكاتهم التي تعد أشياء ضرورية لممارسة الولاء.
2_ يجب توفير الفرص لولائهم وذلك بالمشروعات الفكرية التي إذا ما تم الولاء لها، يستطيع أن يؤمن لهم أقل الظروف التي تؤدي إلى صراع الولاءات، وتقدم لهم في نفس الوقت الفرص المختلفة لربط القيم الاجتماعية بقيمة الولاء.
3_ يجب أن تبين لهم بوضوح أن الولاء أفضل الخيرات الإنسانية وأن الولاء للولاء، يعد التاج الحقيقي لكل أنواع الولاءات.(62)
أهم النتائج:
بعد هذا البحث في مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية، يمكننا ايضاح أهم النتائج التي توصلنا إليها, على الرغم من أن المهمة ليست يسيرة ، نظراً لموسوعية رويس والتي تقتضي من الباحث أن يكون ملماً بكامل فلسفة رويس.
1_ تدور فلسفة رويس في فلك الحياة الأمريكية ومحاولة علاج مشكلاتها الاجتماعية والفوارق الاجتماعية ،وتعدد العقائد والأصول المختلفة لأفراد الشعب الأمريكي، لذا جاءت فلسفة رويس كمحاولة لحل المشاكل الاجتماعية التي عاشها المجتمع الأمريكي، و يعالج رويس هذه الإشكاليات عبر محاولته التأليف والتركيب بين فلسفات واتجاهات معينة، أو عبر موقفه النقدي أحياناً والتأويلي أحياناً أخرى من اتجاهات فلسفية معينة.
2_ الفلسفة المثالية عند رويس قادرة على إقامة دين بلا طقوس وبلا عقائد بالية حجرت العقول وأثارت الصراعات والحروب، والمثالية دين العقل ودين كل عصر، ولا تعارض مثالية رويس العلم ولا تقف حجرة عثرة أمامه، لذا جاءت فلسفته مثالية مطلقة واحدية تسير في تيار المثالية بصورة عامة، وفي تيار الفلاسفة الكانتين، أو من يسمون بالفلاسفة بعد كانت بصورة خاصة، وتحاول حل إشكالات الفلسفة الكانتية، كالفصل بين العمل والنظر والانا العارف والأخلاقي وإشكالات أفكار النفس والله، والشيء في ذاته.
3_ الأخلاق عند رويس، هو ما ينبغي أن يكون ، ويكمن الاصلاح المجتمعي برأي رويس بالرجوع إلى تأثير الأخلاق التي هي علم المثل الأعلى، والعلم الذي يبحث في افكار الإنسان من جهة صوابه وخطأها، وعلاقتها بالخير والشر.
4_ لا يؤمن رويس بأن هناك عالمين للخير والشر واعتبارهما ثنائية التناقض أو التقابل في الكثير من الاشياء، ويفسر رويس وجود الشر بأن الله لم يرد للعالم بشرور بطريقه عابثة، بل أراد الشر لكي ينتج الخير الأعظم.
5_ رويس من فلاسفة الأخلاق الذين أرادوا أن تصبح الأخلاق كبديل للدين، والأخلاق ممكن أن تكون كبديل وضمير مجتمعي حي يؤدي بالبشرية إلى الخلاص، فالدين والأخلاق يسيران جنباً إلى جنب، حتى في الحالات التي تظهر فيها تعارض بين هذين النمطين، إذ الدين يجب أن يكون على صلة بالسلوك ويستحيل وجوده بدون غاية أخلاقية يدعو لها.
6_ الولاء هو محاولة لأعلاء من شأن قيمة الفلسفات الداعية للوحدة البشرية المناضلة في سبيل تحسين السلوك الإنساني وتعديل مزاجه في تعاملاته مع الأخرين وبناء مجتمع أخلاقي قوامه التسامح والتعايش وقبول الأخر وفتح نوافذ الحوار واحترام خصوصيات الغير بقدر.
7_الولاء عند رويس ليس فقط مجرد فضيلة أخلاقية، وإنما يكون في جوهره عقيدة ودنيا، لذلك يعد الولاء مصدراً للبصير الأخلاقية ومصدراً للبصيرة الدينية، وتعد الروح الحقة للولاء في جوهرها مركباً كاملاً من مجموعة من الاهتمامات والقيم الأخلاقية والدينية، ، لذلك تقضي روح الولاء على الصراعات بين الأخلاقيين وتوفق بينهم وبين المدافعين عن الفضل الإلهي.
8_ الولاء ليس مجرد نظرية أخلاقية ارادها رويس نسترشد بها، أو مبدأ خير في ذاته، وإنما يمهد الطريق للكشف عن حقيقة الوحدة الروحية، وبذلك لا يصبح الولاء مجرد قاعدة أخلاقية بقدر ما هو وسيلة للسمو الروحي وكشف حقيقة أبدية وإدراك لعالم مجاوز للعالم الإنساني.
9_ الولاء يحقق التواصل بين الأجيال، و قضايا الأمة بمقومات الحياة، فهو التربة التي تنبت فيها كل مقومات المجتمع العصري، ومحور الفضائل كلها، وروح الأخلاق العاقلة، و يحقق فرصة تحقيق الذات، وحلاً لتناقض وجودنا الطبيعي، وحلاً للتناقضات الكبرى، كالتناقض بين العدل والرحمة.
10_ القضية المستحقة للولاء، يجب أن ينظر إليها على أنها شيء أكبر من ذاته الخاص وخارج إرادته الفردية، وتوحد بينه وبين مجموعة من الأفراد، وتربطهم برابطة اجتماعية معينة، كرابطة الصداقة أو الأسرة أو الدولة، ولذلك تظهر القضية التي يكرس لها الفرد حياته، على أنها ذاتية طالما أنها تخصه وتخص أناساً آخرين.
11_ الولاء في جوهره فلسفة حاضنة للإرادة والعمل الجماعي، فالولاء بتعبير رويس هو حب الفرد للجماعة واستعداد فطري للانخراط في تجربة الحياة الجماعية بغية تحقيق ما يسمى بالوحدة الأثيرة أو الجماعة المحبوبة ، فالإنسان في جوهره ذو تركيبة غرائزية تدفعه نحو التعاون الاجتماعي والميل للغيرية، والولاء يحقق الخير للمجتمع ويقلل الفوارق بين المجتمع.
الهوامش:
1_ينظر جوزايا رويس: مبادئ المنطق، ترجمة احمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2002، ص25( مقدمة المترجم). وينظر أيضاً رواد الحسيني: جوزايا رويس فيلسوف التبصر الأخلاقي، مجلة الاستغراب، بيروت، العدد4، 2016، ص262.
2_ ينظر جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة(نقد لأسس السلوك والإيمان)، ترجمة احمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ص4_5(مقدمة المترجم). وينظر أيضاً جورج طرابيشي: معجم الفلاسفة، دار الطليعة، بيروت، ط3، 2006، ص334.
3_ ينظر رواد الحسيني: جوزايا رويس فيلسوف التبصر الأخلاقي، ص254_255.
4_ ينظر جوزايا رويس: العالم والفرد( المفاهيم الأربعة التاريخية في الوجود)، ج1، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2008، ص7( مقدمة المترجم).
5_ ينظر رواد الحسيني: جوزايا رويس فيلسوف التبصر الأخلاقي، ص260. وينظر أيضاً جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة ، ص3_4 (مقدمة المترجم).
6_ ينظر جوزايا رويس: محاضرات في المثالية الحديثة، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2003، ص7_8(مقدمة المترجم).
7_ ينظر جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة ، ص9_10.
8_ ينظر المصدر نفسه، ص12_13.
9_ ينظر المصدر نفسه ، ص13_14.
10_ ينظر كمال ذويبي: التأويل المثالي للوجود في فلسفة جوزايا رويس، مجلة الإبراهيمي للآداب والعلوم الإنسانية، جامعة برج بوعريريج، الجزائر، العدد1، المجلد، 2، 2021، ص111_112.
11_ ينظر جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة ، ص14_15.
12_ ينظر كمال ذويبي: التأويل المثالي للوجود في فلسفة جوزايا رويس، ص129.
13_ المصدر نفسه، ص113_114.
14_ رواد الحسيني: جوزايا رويس فيلسوف التبصر الأخلاقي، ص263.
15_ ينظر اسعد السحمراني: الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة، دار النفائس، بيروت، ط1، 1988، ص9.
16_ ينظر كمال ذويبي: إشكالية الأخلاق المثالية في الفلسفة الأمريكية جوزايا رويس أنموذجاً، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد بوضياف، الجزائر، العدد11، 2016، ص54_57.
17_ ينظر المصدر نفسه، ص59.
18_ جوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2007، ص18.
19_ جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة ، ص138_139.
20_ ينظر كمال ذويبي: إشكالية الأخلاق المثالية في الفلسفة الأمريكية، ص56.
21_ ينظر المصدر نفسه، ص64.
22_ ينظر جوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ص124_125.
23_ ينظر المصدر نفسه، ص121_122_123.
24_ جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة، ص32.
25_ المصدر نفسه، ص32.
26_ جوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ص129.
27_ المصدر نفسه، ص139_140.
28_ ينظر محمد بن سعيد القحطاني: الولاء والبراء في الإسلام، الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط7، 1995، ص87.
29_ الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن، تحقيق وضبط، محمد سيد الكيلاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ص533.
30_ ينظر أبي عبدالله عامر عبدالله فالح: معجم ألفاظ العقيدة، مكتبة العبيكه، الرياض، ط1، 1997، ص443.
31_ ينظر جوزايا رويس: فلسفة الولاء، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2002، ص12_13(مقدمة المترجم).
32_ ينظر المصدر نفسه، ص5_9(مقدمة المترجم).
33_ ينظر المصدر نفسه، ص8_9(مقدمة المترجم).
34_ ينظر المصدر نفسه، ص23(مقدمة المترجم).
35_ ينظر المصدر نفسه، ص143_144.
36_ ينظر المصدر نفسه، ص51.
37_ ينظر المصدر نفسه، ص91.
38_ ينظر المصدر نفسه، ص132.
39_ المصدر نفسه، ص39.
40_ المصدر نفسه، ص19.
41_ المصدر نفسه ص189.
42_ ينظر المصدر نفسه، ص122.
43_ المصدر نفسه، ص55.
44_ جوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ص189.
45_ جوزايا رويس: فلسفة الولاء، ص122.
46_ المصدر نفسه، ص81.
47_ المصدر نفسه، ص37.
48_ المصدر نفسه، ص37_38.
49_ ينظر المصدر نفسه، ص20_21( مقدمة المترجم).
50_ المصدر نفسه، ص200.
51_ ينظر المصدر نفسه، ص55_56_57.
52_ ينظر جوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ص14_15(مقدمة المترجم).
53_ينظر المصدر نفسه، ص14(مقدمة المترجم).
54_ جوزايا رويس: فلسفة الولاء، ص200.
55_ ينظر المصدر نفسه، ص202_203.
56_ ينظر جوزايا رويس: الجانب الديني للفلسفة، ص124_125.
57_ينظرجوزايا رويس: مصادر البصيرة الدينية، ص16(مقدمة المترجم).
58_ ينظر جوزايا رويس: فلسفة الولاء، ص80_81.
59_ ينظر المصدر نفسه، ص64_65.
60_ ينظر المصدر نفسه، ص146_147.
61_ ينظر المصدر نفسه، ص147_151.
62_ المصدر نفسه، ص128.
Abstract
This research is an attempt to find out the concept of loyalty in the moral philosophy of Josiah Royce. and This philosopher played an important role in building American society. and What prompted me to search for this concept is the multiplicity of loyalties we live in today. and Royce put forward the concept of loyalty because of the complexity of loyalties, The American people have succeeded in building one loyalty, which is the homeland, and if the individual has his own loyalty, the loyalty to the homeland is the first loyalty. and Royce is considered one of the philosophers who lived through the problems of his time and shared them with active and positive participation. And The goal of loyalty to is not preaching and guidance, as is prevalent in moral thought, but rather an understanding of human nature as it is. Thus, Royce is one of the philosophers who brought about a fundamental change in the perception of the concept of loyalty and building society, and at the same time he employed the concept of absolute goodness and ideals for the benefit of building society.
Researchers agree to look at the American philosopher Josiah Royce, as one of the most prominent moral philosophers in the nineteenth century, Indeed, many of them consider him to be at the forefront of those who -dir-ected the deep and systematic criticism of the values of modernity and its moral defects. Perhaps the most important thing about Royce’s personality in the field of moral philosophy is that she entered the line of the historical experience of secularism to reconnect between philosophy and religion, and thus between divine religious values and worldly human affairs. and If we look at his philosophical works and academic activities, we will fall on a very important aspect related to the status of man in existence. and Specifically with regard to the theories of loyalty and moral insight, two theories that form the basis of his moral and philosophical doctrine.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ ...
- الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
- موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
- موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
- مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
- بيل جيتس
- فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)
- الطبيب الثائر، جيفارا
- زها حديد وفن العمارة التفكيكي
- دجلة
- العمل التطوعي ، الثقافة الغائبة
- ظاهرة التفاهة
- المنطق عند جوزايا رويس
- مفهوم الولاء عند جوزايا رويس
- مفهوم البطل عند توماس كارليل
- فلسفة العلم واللاعلم عند كارل بوبر
- مفهوم الإرهاب


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية