أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد















المزيد.....



موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 7210 - 2022 / 4 / 4 - 23:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" المستبد هو ذلك الذي يقطع الشجرة، لكي يقطف ثمرة منها، مونتسكيو."
المقدمة:
الاستبداد وباء فتاك تصاب به بعض الأمم، وهو أسوأ أنواع الإدارة السياسية وأكثرها خطراً على الإنسان وتأخير للعمران وتمزيقاً للأوطان، والاستبداد لا يراعي كرامة الإنسان أو حرمة الأديان، ومواطن الحكومات المستبدة يتميز غالباً بالسلبية والتشاؤم والقلق وعدم الاستقرار، فلا وجود للطاقات البناءة أو الإبداعات، وهكذا تحرم البلاد من عطاءات أبناءها والمجتمع الذي يتحكم فيه الاستبداد، هو مجتمع خامل ومعطل ومتراجع في كافة مرافق الحياة ويسوده التخلف وتسيطر عليه الخرافة وتنعدم فيه القيم وتموت فيه الفضيلة، وتقتل حوافز الأفراد وطموحاتهم، ويحول المجتمع إلى جثة هامدة ينال منها العقاب، وتنهشها الذئاب ويهددها الأغراب، ويعتقد البعض أن ارسطو(384_322ق.م) أول من استعمل مصطلح الاستبداد وقصد به ذلك النوع من الحكم الذي يعامل الرعية على أنهم عبيد، فالمستبد يعتقد أن الدولة والبشر ملك شخصي له، وليس لهم سوى السمع والطاعة، أما في الفكر الغربي الحديث، فقد وصف مونتسكيو(1689_1755) الاستبداد بأنه الحكم الذي يسوده شخص واحد وكل شيء في الدولة يسير على هواه ووفق إرادته، أما في الفكر العربي فكان عبدالرحمن الكواكبي(1855_1902) هو أول من أفرد كتاب له وحدد هذا المفهوم وتتبعه تاريخياً وحدد مظاهره وآثاره.
أن مفهوم الاستبداد من المفاهيم التي وجدت عملياً وليس نظرياً كباقي المفاهيم مثل المدينة الفاضلة أو غيرها، بل أن أغلب المفكرين السياسيين والفلاسفة، أرادوا التخلص من الاستبداد بأي شكل من الأشكال وقد وضعوا وطرحوا عدة أنماط من الحكومات للتخلص من الاستبداد، وقد دفعت البشرية دماء كثيرة جداً للتخلص من هذا النظام، أذ أن في السابق كانت أغلب الحكومات هي ميزتها الاستبداد إلا ما ندر، وإلى الآن موجودة الحكومات الاستبدادية، لكنها تختلف عن السابق إذ في السابق كان يقولها صراحة بأن الحاكم المستبد هو السيد ، أما الآن المستبد يتلون بلون الديمقراطية والتي هي غير موجودة بالأساس، والاستبداد ليس خاص بالسياسة فقط، بل من الممكن رؤية رب العائلة مستبد أو مدير الشركة مستبد والموظف مستبد والعامل البسيط مستبد، وبذلك أن الاستبداد هو مفهوم سلوكي متعلق بالإنسان، أما كيفية القضاء على الاستبداد هو بالتأكيد التعليم وتنوير الإنسان بالعلم، وزرع ثقافة الاعتقاد بأن الإنسان مصيره واحد وخلق من أجل العبادة وبناء الأرض، ولم يخلق من أجل صنع أم القنابل والقنبلة الهيدروجينية.
الاستبداد:
يعرف الاستبداد في اللغة بأنه الانفراد بالرأي دون المشاورة مع الغير، ودون الرجوع إلى أي أحد فيكون المستبد هو الحاكم والسلطة والمشرع، ويعتقد محمد عبده(1849_1905) أن المستبد هو الذي يحكم بما يفضي هواه، وافق الشرع أو خالفه، أما الكواكبي يعتقد في الاستبداد هو أسوأ أنواع الأنظمة وأكثرها فتكاً بالإنسان، ويسود الظلم والطغيان في المجتمع، مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجودها، وإلى تعطيل الطاقات وهدرها وإلى سيادة النفاق بين مختلف فئات الشعب حكاماً ومحكومين، وبذلك الاستبداد جريمة كبرى في حق الإنسانية، فهو يهدم إنسانية الإنسان ويحول الناس إلى عبيد فقدوا قيمهم، فلا أمانة ولا هدف ولا شجاعة، بل يعيش الإنسان في الكذب والنفاق والتملق والرياء والذل والمهانة، ومحاولة الوصول إلى الأغراض من أحط السبل، ويتحول المجتمع في عهد الاستبداد إلى عيون وجواسيس يراقب بعضهم بعض، ويرشد بعضهم على بعض، وأخ يرشد على أخيه وجار يكتب التقارير عن جاره، ومرؤوس يكتب زيفاً عن رئيسه، والمستبد كان طوال التاريخ موضوع للكراهية والخوف، ولم يكونوا أبداً موضوع اعجاب إلا من الجهلاء والحمقى، ومهما ينجزه المستبد فلا قيمة لأعماله إذ يكفي أنه دمر الإنسانية، فالحكم الاستبدادي يخلو من كل فضيلة، إنه نظام يقوم على خوف المواطنين ويلقي بالناس في هوة الذل والمهانة، ويحافظ وجوده بسفك الدماء، والطاعة التي يطلبها من رعاياه هي الطاعة العمياء، أما التربية والتعليم في النظام الاستبدادي لا تهدف إلا تكوين أفراد يدينون بالولاء والطاعة والاخلاص إلى الحاكم ويتميزون بالطاعة العمياء في تنفيذ أوامره، وهكذا يميل الاستبداد إلى هدم الدولة ذاتها بهدم إنسانية الشعب الذي هو أساس هذه الدولة. ومن تعريفات الاستبداد:
الاستبداد من الظواهر الاجتماعية وهو ثمرة للعديد من العوامل المتداخلة منها الذاتي والموضوعي، والداخلي والخارجي والاقتصادي والثقافي.
الاستبداد، هو تفرد في الرأي وفي الشؤون التي تخص الجماعة، وبالتالي هو احتكار أو اغتصاب لحق الجماعة في أبداء رأيها، وفي النهاية فهو طغيان واعتداء على الآخر.
تعريف الكواكبي للاستبداد، هو صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو الحكم الذي يتصرف في شؤون الرعية كما يشاء، بلا خشية أو حساب. وأيضاً يعرفه بأنه غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة.
تتجلى معاني الاستبداد في:
1_ الحكم الذي يسرف في استعمال القوة.
2_ السيطرة السياسية التامة بواسطة حاكم فرد.
3_ الحكم الذي يستهدف المصلحة الخاصة للطاغية وبطانته.
4_ الدولة البوليسية التي تكون السيادة فيها للحاكم وليس للقانون.
5_ الحالة التسلطية المتمثلة في امتداد قوة الدولة الحديثة، واختراقها الشديد للمجتمع المدني واحتكارها لمصادر القوة والفعل والسلطة.(1)
الحكومات الاستبدادية:
1_ حكومة الطاغية، الواقع أن كلمة الطاغية( ( Tyrant)لم تكن تعني بالضرورة في بداية استعمالها حاكماً شريراً، لكنها فيما بعد وعلى يد الفلاسفة اليونان بدأت الكلمة تحمل معنى الاستبداد ، ومن صفات العامة لحكومة الطغيان:
أ_ الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريقة غير مشروعة، فيمكن أن يكون قد أغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات، أو القهر أو الغلبة، وهو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً.
ب_ يتحكم في شؤون الناس بإرادته ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم.
ت_ لا يعترف بقانون أو دستور بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم، وما يقوله هو أمر واجب التنفيذ، وما على المواطنين سوى السمع والطاعة.
ث_ يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته.
ج_ لا يخضع للمساءلة والمحاسبة ولا للرقابة، بل هو الرقابة والقانون وهو قانونه الشخصي.
ح_ يرهب الناس بأساليب القمع والتجويع، لذلك لا يجدوا ملجأً إلا له والتملق له.
2_ حكومة الدكتاتور، أن مصطلح الدكتاتور (Dictator) روماني الأصل، ظهر أول مرة في عصر الجمهورية الرومانية كمنصب حاكم ويتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائية وتخضع له الدولة، وتعني الحكومة الدكتاتورية، هي النظام الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات ويملي أوامره وقراراته السياسية، ولا يكون أمام الشعب إلا الخضوع والطاعة، وحكومة الدكتاتور والطغيان ممكن أن يتمثل في مجموعة، أما المستبد فقد يكون متمثل في فرد، وقد كان لكلمة الدكتاتور معنى مختلف في مجلس الشيوخ الروماني، فارتأى مجلس الشيوخ الروماني، أنهم بحاجة إلى شخص واحد يتخذ القرارات في بعض الأوقات، وكان للدكتاتور سلطة على جميع السياسيين وبإمكان الدكتاتور الروماني تغيير القانون والدستور، ولكنه ليس بإمكانه استقلال المال العام باستثناء ما يمنحه إياه مجلس الشيوخ.
3_ الشمولية: شكل من أشكال التنظيم السياسي يقوم على إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات في الكل الاجتماعي( المجتمع أو الشعب أو الأمة أو الدولة) عن طريق العنف والإرهاب ويمثل هذا الكل قائد واحد يجمع في يديه كل السلطات، وهو في الغالب شخصية كاريزمية له قوة سحرية على جذب الجماهير ولهذا يلقبونه بالزعيم، وأن مصطلح الشمولية مصطلح جديد استعمل في الثلاثينيات من القرن العشرين، والأمثلة كثيرة على هذا النظام مثل نظام موسوليني(1883_1945) في ايطاليا وهتلر(1889_1945) في المانيا، وقد عبر شكل هذا النظام بقول موسوليني " الكل في الدولة ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولة، فالفاشية شمولية والدولة الفاشية تشمل جميع القيم وتوحدها، وهي التي تؤول هذه القيم وتفسرها، إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلها" وبذلك أن النظام الشمولي كتلة واحدة ولا تقبل بمبدأ فصل السلطات أو بأي شكل من أشكال الديمقراطية، وكل معارضة لهذا الكل تحطم بالقوة فلا رأي ولا تنظيم ولا تكتل خارج الدولة، ومن صفات النظام الشمولي:
أ_ تتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابع الشرعية، وتلتزم الشمولية بالمبدأ القائل إن الاساس الوحيد لقبول شرعية النظام هو قبول المحكوم بالحاكم وموافقته عليه.
ب_ إرادة الزعيم هي إرادة الشعب ويثبت القادة الشموليين إن إرادتهم هي إرادة الشعب، ويلجأ الزعماء الشموليين في العادة إلى الاستفتاء العام.
ت_ الزعيم يعبر عن الشعب وباسم الديمقراطية، وهنا يظهر ضعف الديمقراطية، لذلك الكثير من الفلاسفة رفضوا الديمقراطية مثل افلاطون(427_347ق.م) وتوماس هوبز(1588_1679)، أو البعض اعتقد أن الديمقراطية لم تكتمل بعد مثل مارسيل غوشيه(1946_؟)، فالديمقراطية يسهل عملية التلاعب بها، وتتمثل الديمقراطية بحكم الأغلبية وبالتالي الأقلية لا تحصل على حقوقها، لأن القاعدة الأساسية للديمقراطية وهي الأغلبية، لذلك يعتقد جون ستيوارت مل(1806_1873) أن الديمقراطية هي طغيان الأغلبية، وهذا الطغيان أدهى وأمر من كثير من ضروب الاضطهاد السياسي، ومن ثم فإنه لا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم وإنما الحاجة ماسة إلى حمايته من طغيان الرأي العام، أن مل يصف سيكلوجية الأغلبية وتصرفاتها بأنها لا معقولة، وهو ما سيعبر عنها علم النفس فيما بعد باسم (غريزة القطيع)، ولقد أدرك الاستبداديون هذه الحقيقة فاتجهوا إلى مشاعر الناس لا إلى عقولهم وإثارة مشاعر الناس بالخطب والحماس والشعارات الكبرى. (من الطرافة نذكر هنا أن أغلب رؤساء الوطن العربي في ما مضى كان شعارهم عند استلام الحاكمية في لدولة، هي إثارة مشاعر الشعب حول القضية الفلسطينية، أما في الوقت الحاضر وهو الوعد بالديمقراطية ومحاربة الفساد والعيش الكريم، والأثنان لم نحصل عليهما لم تتحرر فلسطين ولم نقضي على الفساد والاستبداد، وإن كنا نعتقد وللإنصاف أن الدول العربية افضل نسبياً من السابق).
4_ السلطة المطلقة ( Absolutism ): وتعني الحكومة المطلقة نظرياً وعملياً، أو الحكومة التي لا يحدها حد من الداخل، وينبغي التفرقة بين الحكومة المطلقة والسلطة المطلقة، فالسلطة متضمنة في الدولة باستمرار، وقد تحدها سلطات أخرى والحكومة يمكن أن تكون مطلقة حتى دون استيلائها على السلطة المطلقة، وهي تكون كذلك عندما لا تكون هناك كوابح دستورية، فلا يخضع أي تصرف لها للنقد أو المعارضة باسم الحكومة، وأن هذا الحكم يدل الآن على الحكومات التي تمارس السلطة بلا مؤسسات نيابية أو كوابح دستورية، وهذا الحكم تم التحاقه أبان القرن التاسع عشر بوساطة نابليون بونابرت(1769_1821)، لكنه يتميز عن الشمولية بأنه لا توجد فيه رقابة شاملة على كل وظائف المجتمع، وإنما يعبر عن سلطة للحكومة لا تتقيد بقيد.
5_ الأوتوقراطية( Autocracy) تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطة في يده ويمارسها على نحو تعسفي، وقد يكون هناك دستور وقد تكون هناك قوانين تبدو في الظاهر أنها تحد سلطة الحاكم أو ترشده، غير أن الواقع أنه يقدر يبطلها إذا شاء، أو يحطمها بإرادته، والحكم الأوتوقراطي هو دائماً حكم الفرد الواحد، أي لا حزب أو مؤتمر.(2)
المستبد:
كلمة المستبد (Despot مشتقة من الكلمة اليونانية ديسبوتيس Despotes) التي تعني رب الأسرة أو سيد المنزل، أو السيد على عبيده، ثم خرجت من هذا النطاق الأسري إلى عالم السياسة، لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلة لسلطة الأب على أبناءه في الأسرة، أو السيد على عبيده، وقد ظهر مصطلح المستبد أول مرة أثناء الحرب الفارسية الهيلينية في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد كان ارسطو هو الذي طوره وقابل بينه وبين الطغيان، واعتقد إنهما ضربان من الحكم يعاملان الرعايا على أنهم عبيد، واصبح مصطلح المستبد عند ارسطو يعني رب الأسرة والسيد على عبيده وملك البرابرة الذي يحكم رعاياه كالعبيد، أما البيزنطيون فقد كانوا أول من أدخل المصطلح إلى قاموس السياسة وكانوا يطلقونه كلقب شرف على الحاكم، أما الكسيوس الثالث أنجليوس (1153_1211) جعل هذا اللقب أعلى الألقاب السياسية مرتبة بعد لقب الإمبراطور، أما مكيافيلي(1469_1527) يعتبر أول من قارن بينه وبين الطغيان، عندما قابل النظام الملكي في أوربا الاستبدادي، بالطغيان الشرقي في الدولة العثمانية، فالمستبد هو من يتفرد برأيه، فقد يكون مصلحاً يريد الخير ويأتيه، أما الطاغية فيستبد بالظلم والمعاصي، وقد يلجأ في طغيانه إلى أتخاذ القوانين والشرائع ستراً له، ويطلق الطاغية في الأغلب على السياسي ومن يتولى سلطة الدولة، أما المستبد فقد يكون حاكماً أو يكون رب الأسرة أو عالم أو معلم أو موظف، فالمستبد يطلق على كل شخص مستبد في طبعه.(3)
يسيطر المستبد على السلطة بالقوة أو التحايل، ويسعى بعد استلامه السلطة التخلص من كل الذين ساعدوه بالوصول إلى السلطة، ويحاول افتعال الازمات والحروب للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ويعمل المستبد على تكوين مملكة من التابعين له وينفذون قراراته، ويجبر الأخرين على السمع والطاعة، فليس هناك رأي معارض، ومن يعترض يكون مصيره النفي أو السجن نتيجة تهم وهمية، ويحاول المستبد أن يجعل من فريقه الحكومي، مجموعة من اللصوص والجهلاء، لكي تسهل عليه مهمة السيطرة عليهم، فيملي عليهم ما يريد وأن خالفوه فيكون مصيرهم القتل أو السجن، ونتيجة لهذا الظلم الذي يمارسه المستبد ظهر مصطلح اغتيال الطاغية، وقد نادت به بعض النظريات السياسية الإغريقية والرومانية كرد فعل على سوأ استعمال الطغاة والمستبدون لسلطتهم، أما في العالم العربي فقد انقسم العلماء فيما بينهم إلى فريقين، فريق يرى وجوب الصبر والنصح والتقويم للخليفة الظالم، والثاني يرى وجوب الخروج عليه بالقوة واستبداله.
المستبد العادل (المستنير):
ظهر هذا المصطلح في الفكر السياسي الأوربي، واستعمله في البداية المؤرخون الألمان للدلالة على نظام معين في تاريخ أوربا الحديث، والمستبد العادل هو من يعتمد في نظام حكمه على العقد الاجتماعي، ويعتبر فردريك الثاني(1712_1786) ملك بروسيا( من1740إلى 1786) هو النموذج للملك المستبد العادل، فقد أهتم بإصلاح الامة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً.(4) وقد اعتقد بعض المفكرين العرب مثل جمال الدين الأفغاني(1838_1897) ومحمد عبده، أن الحل والنهوض بالمجتمع العربي يتطلب مستبد عادل ، فيقول الأفغاني" لن تحيا مصر ولا الشرق بدولة، إلا إذا أتاح الله(جل جلاله) لكل منهما رجلاً قوياً عادلاً يحكمه بأهله على غير تفرد بالقوة والسلطان". لا نعتقد أنه يوجد هناك مستبد عادل بل من الممكن أن يكون هناك مستبد مستنير، وفي الحقيقة المجتمع العربي يوجد فيه الكثير من الحكام المستنيرون، لكنهم ليس عادلون، وأعني هنا ليس عادلون في توزيع مناصب الدولة أما مع المجتمع هم هنا مستنيرون ويساهمون في بناء بلدانهم، والحقيقة أن البعض منهم جعل دولهم في مصاف الدول المتقدمة .
أما الاستبداد في الوطن العربي، فيعتبر حالة عامة وسمة أساسية تطبع الحياة السياسية العربية، فلقد ساهمت الأنظمة العربية في تبديد الكثير من ثروات الأمة العربية وأنفقت أموالاً طائلة في شراء وتكديس اسلحة لن تستعمل إلا لقهر شعوبها، كما ساهم الاستبداد العربي في تجذر التجزئة والفرقة بين الشعوب العربية وأفرغت مفهوم الوحدة القومية من مضمونه، وجعلت من الوحدة العربية مستحيل تنفيذه، وقد نجحت الأنظمة الاستبدادية السياسية في منطقتنا في تحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات ميته سياسياً وفقيرة اجتماعياً واقتصادياً، ولذا غدت قليلة الفاعلية والأثر ليس فقط في احداث العالم، بل في قضايا العرب المصيرية إلا على نحو سلبي وعقيم ،وقد عاش الشعب العربي تاريخ طويل جداً من الاستبداد، إلى درجة أنه اعتقد المفكرون الغربيون وهم على خطأ بأن الشعب العربي لا يمكن أن تستقر حالته السياسية إلا بنظام الاستبداد، فهذا مثلاً ارسطو ومونتسكيو يعتقدون أن النظام الاستبدادي بالنسبة للشرق حالة طبيعية، أما للغرب فهو نظام خطير، فالشرق لا تصلح له إلا الحكومات الاستبدادية، لكن يبدو أن الشعب العربي إلا الآن يعاني من الاستبداد فكلما سمحت له الفرصة أي الاستبداد تجده يطل برأسه هنا وهناك، وتارة نجده يلبس الاستبداد عباءة الدين وتارة يلبس عباءة العلمانية والليبرالية، ونعتقد أن الاستبداد كان في الوطن العربي يشكل حاله أو ظاهرة اجتماعية خطيرة، لكن في وقتنا الحاضر بدأت المجتمعات العربية بنبذ فكرة الاستبداد، فمثلاً تجد الكثير حالياً من النساء تستطيع تقرير مصيرها وخاصة في قضية الزواج، وإن لم نصل إلى المستوى المطلوب من نبذ الاستبداد لكن اعتقد أن الفكر الغربي المتنور استطاع أن يؤثر على المجتمعات العربية، من خلال وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي.
الاستبداد عند الرفاعي:
يفهم الرفاعي من الاستبداد من خلال تأثيره على المجتمع، فالاستبداد يأثر على جميع قضايا المجتمع سواء المعيشية أو الابداعية،، وهو بنية نفسية واجتماعية وثقافية ودينية واقتصادية وسياسية عميقة، تظهر آثارها النفسية والسلوكية على كل إنسان في المجتمع ، فهو كالسرطان الذي يتفشى في الجسم البشري، فلو انتشرت خلية منه تفتك بكل ما تصل إليه، و سلطة الاستبداد نسيج اجتماعي معقد، تعمل كل مؤسسات الدولة على توليدها، ويوظف المستبد بخبث أفراد المجتمع لحياكة سلطته، كل حسب مهنته ومهارته وطاقته، و الاستبداد يخفي كل معالم الحضارة فيقول الرفاعي بعد عودته إلى العراق بعد عام 2003، وجدت " كل شيء جميل اختفى، كل شيء متميز تلاشى، كل شيء مضيء انطفأ، كل شيء منظم تبعثر، كل شيء عميق تسطح، كل شيء عقلاني أمسى لا عقلانيا، كل شيء انساني لم يعد إنسانيا ،الفكر لم يعد فكراً، الشعر لم يعد شعراً، الأدب لم يعد أدباً، الفن لم يعد فناً، الثقافة لم تعد ثقافة، الاقتصاد لم يعد اقتصاداً، السياسة لم تعد سياسة، التدين لم يعد تديناً ، والأخلاق لم تعد أخلاقاً، وقتئذ أدركت شيئا من خطايا الاستبداد، والآثار التدميرية الفتاكة للأنظمة التسلطية الشمولية، وتخريبها لبنى الحياة الروحية والأخلاقية والعقلية".
أن من خطايا الاستبداد أنها ترسخ شعور الإنسان بأنه بلا كرامة، وأنه شخصية تافهة، فإنه يعجز عن المساهمة بأية عملية بناء، أو الاضطلاع بمهمة مميزة في الحياة، كما ينطفئ كل ما يمكن أن يحلم به، وتذبل كل أمنية وأمل يستشرف من خلاله المستقبل، والانسان كائن لا يمكنه العيش والمشاركة في صياغة العالم مالم يحلم، ويتطلع الى غد بديل، وترتسم فيه صورة مغايرة لواقعه الراهن، و الاستبداد المتواجد في السلطة يسري من الحياة السياسية الى العائلة، فتتغلغل مفاهيمه في القيم الأبوية وعلاقات القربى، بين الزوج وزوجته، والأب وأبنائه، ويتفنن رب الأسرة في مهارات ترويض وإخضاع أفراد أسرته، حتى يمسخ شخصية الطفل، ويطمس ما لديه من تلقائية وعفوية، ويقضي على روح التساؤل الفطري، والنواة الجنينية للنزوع النقدي في تفكيره، ويستأصل ممكنات الإبداع والابتكار في عقله، وتتواصل عملية الترويض والتلقين متوسلة بشتى الأساليب، وطالما تتوكأ على العنف الجسدي، والعنف اللفظي، ومختلف ألوان العنف الرمزي، ويستحيل الناشئة الى وعاء معبأ بمقولات الخضوع والاستسلام، ورفض كل ماله صلة بالحرية، وتبني ايديولوجيا الاستبداد المناهضة للحرية والدفاع عنها، فالاستبداد يترك آثاره في المجتمع و لا يمكن التخلص منها بالتخلص من المستبد، بل يترك آثاره المقيتة على المجتمع ، و أي نظام بديل مهما كانت نزاهته وإخلاصه سيفشل في الانطلاق بعميلة بناء جديدة مالم يهتم بمعالجة التشوهات الحادة والرضوض العميقة في شخصية الفرد والمجتمع، وهو ما نراه ماثلا في الأنظمة البديلة في العراق وبلدان الربيع العربي من انهيار مريع لتلك البلدان، إنما هو امتداد لتركة النظام الماضي، ولتلك البنية الراسخة للاستبداد التي لا يتوالد منها سوى الفشل والفوضى والعجز المزمن، أي أن الأمطار السوداء اليوم إنما هي من غيوم استبداد الأمس.( أن اعتقاد الرفاعي بأن الاستبداد يترك آثار كبير على المجتمع، هو في الحقيقة اعتقاد صائب، لكن مع ذلك الدول التي ذكرها الرفاعي هي تخلصت من الاستبداد من ما يقارب العقدين من الزمن بالنسبة إلى العراق، وهذه المدة كفيلة بأنتشال العراق وبناءه فالدولة كما يحدثنا التاريخ تستطيع بناءها بعقد من الزمن من الناحية العمرانية ومن الناحية السكانية والمجتمعية، ومن الأمثلة على ذلك دولة الإمارات بدأ الاعمار فيها بالسبعينات، ومنذ الثمانينات بدأ التطور فيها، أما دول الربيع العربي، ويبدو أن الرفاعي لا يعتقد بهذا الربيع، في الحقيقة أن من منجزات الربيع العربي هو اظهر لنا جيل لا يهاب الموت، فشباب الربيع العربي وقفوا أمام رشقات البنادق، ولم يتراجعوا سواء في العراق أو الدول الأخرى، ويؤمن بالحرية والانفتاح وغير مغلق ولا يؤمن بالقدسيات الزائفة، وأيضاً ولد لنا من الربيع العربي عبدالفتاح السيسي وقيس سعيد، فقد وقف الرئيسان بوجهة الظلم، والأثنان قاما بعزل سياسيين الرجعية والتخلف).
يصنع الاستبداد نمطه الخاص للتدين والحياة الدينية، وهو نمط تدين يمثل ضداً للتدين والحياة الروحية والأخلاقية الصحية السليمة، فهو تدين ممسوخ، يشبه كل شيء إلا التدين الحقيقي الأصيل، تدين مسموم يفتك بالحياة الروحية والأخلاقية للفرد والمجتمع، ويكون بيئة يتوالد فيها على الدوام التطرف والتعصب والارهاب، بغطاء وقناع يخلع عليه شكلاً دينياً، و تدين يفزع من الاختلاف والتعددية، ويشدد على نفي الآخر واستبعاده، و تدين لا يعرف التسامح واحترام كرامة الكائن البشري، و تدين مسكون بطمس الذات وتفريغها من كينونتها وهويتها الشخصية، و تدين فقير لا صلة له بوظيفة الدين العميقة في حياة الشخص البشري، ورسالة الدين في منح الحياة معنى، وإرواء الظمأ الأنطولوجي، وفي فضاء الاستبداد تشيع حياة دينية مسجونة بمعتقدات ومفاهيم مغلقة، وتتغلغل في الوعي واللاوعي الفردي والجمعي ثقافة دينية لا تعرف معاني الحريات والحقوق، و الإنسان الذي يعيش في نظام مستبد يعيش قلقاً خائفا مذعوراً، وبدلاً من أن يكون الدين في حياته ملهماً لطمأنينة القلب وسكينة الروح، ومصدراً لإيقاظ الضمير الأخلاقي، يتحول الدين إلى مصدراً للتخويف والاكتئاب والقهر والإذعان والتركيع، وتتحول الأخلاق في الاستبداد استبدادية، ويشيع النفاق السلوكي، فالاستبداد من أخبث خطايا السلطة، لأنه يفسد كل شيء يستحوذ عليه، وهو بطبيعته لا يبقي شيئاً في حياة الفرد والمجتمع من دون أن يستحوذ عليه، وبذلك تتحول السياسية في الاستبداد مهنة من لا مهنة له، أما العلماء والخبراء المختصون في الدولة، والنظم السياسية، والإدارة، والاقتصاد، والنظام المالي، ومختلفِ العلوم والمعارف الحديثة، فلا حضور لهم في بناء الدولة وإدارتها، وإن حضروا لا يمتلكون سلطة اتخاذ قرار، ويبقى دورهم هامشياً يضعهم المستبد حيثما يشاء في ما يشبه الديكور لسلطته.
الاستبداد يتغلغل في النفس البشرية ويلبث مترسباً في أعماقها، ويتغلغل في مختلف مرافق المجتمع، ويعيد إنتاج العلاقات وكل شيء على وفق ما يرمي إليه، بنحو يجعل الناس مستعدين للاستعباد، ويذعنون للاستبداد بشكل طوعي بعد موت المستبد، وتعمل السلطة في الاستبداد على أن تعتمد التربية في العائلة والمدرسة والمجتمع التلقين، ويشل التلقين العقل ويعطّل التفكير، ويطفئ الروح ويميت الإيمان الحر، وبالتلقين والتكرار تظهر الأوهام والخرافات والأكاذيب كأنها حقائق، ولا تنشد التربية والتعليم في الاستبداد تعليم التفكير، وترسيخ مبادئ الحق في الاختلاف، والحق في الخطأ، والحق في الاعتذار عن الخطأ، بل تنشد تكريس الطاعة العمياء والإذعان والرضوخ والعبودية الطوعية، عبر تنميط شخصية التلميذ، وإنتاج نسخ بشرية متماثلة، تفتقد ملامحها الشخصية وبصمتها الخاصة، فيتوالد الاستبداد بوصفه نتيجة طبيعية لكل ذلك.
من خطايا الاستبداد أن أكثر من زعيم في معارضة المستبد يصاب بأكثر عاهاته، المستبد هو النموذج الذي يتمثل الزعيم المعارض شخصيته، ويعتنق معتقداته ويحاكي سلوكه من حيث لا يشعر، فلو ظفر المعارض بالسلطة لاحقاً يظهر الاستبداد على سلوكه ومواقفه في صورة (استبداد مقنع)، وفي الاستبداد المقنع يعيد الزعيم البديل تأهيل رجال محترفين كان يستخدمهم المستبد في مهمات قذرة، ليقترف هؤلاء مختلف الخطايا بغية ترسيخ سلطة هذا الزعيم، والنموذج المستبد يلبث غاطساً في لا وعي الزعيم المعارض حتى اليوم الأخير من حياته، وعلى الرغم من أن المستبد كان الضد لمثال النظام والسلطة الذي كان يبشر المعارض الشعب به. ومن خطايا الاستبداد أيضاً تجفيف منابع إلهام الانتماء للأرض، وتقويض الهوية المشتركة الجامعة لكل مكونات المجتمع الأثنية والدينية والطائفية، وتبديد ذاكرة الوطن العريقة، واسكات النداء الذي يعزف لحن الأرض ويتحدث لغتها الحضارية، مما يضطر الناس للاحتماء بهوياتهم الأثنية والدينية والطائفية، ومغادرة ذاكرتهم وهويتهم الوطنية المشتركة، ولا يمكن العودة للهوية والذاكرة وانبعاثهما مجدداً إلا بوضع استراتيجية علمية ذكية تتضمن برامج ثقافية وفنية واعلامية واجتماعية.
المستبد يستثمر التراث والهويات العرقية والمعتقدات الدينية وكل ما يرسخ تسلطه بدهاء، فيثير فزع الطوائف ويستعدي بعضها ضد البعض في الوطن الواحد، بإذكاء الضغائن والأحقاد الراقدة في الذاكرة العتيقة، وتفجيرها بصخب دعائي يثير غرائز الثأر والانتقام، ويزج الطوائف والإثنيات في نزاعات لا تنتهي، ويجيش فيها الكل في مواجهة الكل، ولو هلك المستبد تبقى البنية الكامنة للاستبداد راسخة، ونرى آثارها في كل ما حولنا، و أمطار النار التي تحرق البلاد في حياة المستبد لن تختفي بعد هلاكه، ‏ما دامت غيومها يوقدها مخزون التعصبات والكراهيات والأحقاد ‏التي تدجن الجمهور عليها وتطبع سنين طويلة، ويتحول الماضي في الاستبداد إلى ماضي المستبد، الحاضر حاضر المستبد، المستقبل مستقبل المستبد، الأيام أيام المستبد، الفرح فرح المستبد، الحزن حزن المستبد، الثقافة ثقافة المستبد، الآداب آداب المستبد، الفنون فنون المستبد، و في الاستبداد تسود الرتابة والتشابه، و يغدو الزمن تكرارياً، والحاضر فيه يستأنف أسوأَ ما في الماضي، المستقبل فيه يستأنف أسوأَ ما في الحاضر، و يبدأ كل شيء من حيث انتهى، وينتهي كل شيء من حيث بدأ، البدايات تكرر النهايات، والنهايات تكرر البدايات، و في الاستبداد كل شيء يتكرر، وتتوقف حركة التطور، لأن قوانين التطور ينفيها الزمن التكراري، والتكرار يبدد الشغف في الحياة، وتندثر معه قدرة الكائن البشري على الخلق والإبداع، وفي الاستبداد يكون كل شيء كفيلم يكرر نفسه آلاف المرات، ويتوقف الزمن الشخصي، ويمسي الإنسان كائناً محنطاً، والمستبد يتكلم كثيراً بالسياسة والدولة والقانون والوطنية، ويشغل الناس بالشعارات الصاخبة، لكنه عملياً يعبث بالحياة السياسية فيهشمها، ويبدد موارد الوطن بحروب عبثية، ويفكك الأسس المركزية للدولة، ويطرح الرفاعي حلاً للتخلص من آثار الاستبداد، ويرى أنه بعد هلاك المستبد نحتاج إلى إعادة بناء مقررات التربية والتعليم في ضوء فلسفة تبنى على الحقوق والحريات، وبناء وعي علمي بتاريخنا يفضح التواطؤ مع المظالم الشنيعة في ممارسات الخلفاء والسلاطين وانتهاكاتهم للكرامة البشرية بمختلف أشكالها، والكشف عن الاضطهاد والتنكيل والعذاب الذي كان يعيشه الرقيق، والسلوك المتوحش في أسواق النخاسة وبيع البشر والمتاجرة بهم كسلع يجري عرضها في الأسواق كما تعرض الأشياء والسلع المادية، وفضح مظالم الحكام المستبدين واستعبادهم للناس، إذ لا يمكن أن يتغير المجتمع ويتطور مالم يتم تفكيك البنى العميقة الكامنة للاستبداد، وفضح ما يتركه من عناصر مميتة في حياة الفرد والمجتمع، ولا يزول الاستبداد بزوال المستبد، بل بتجفيف منابعه في التربية والتعليم، ونمط التدين، والثقافة والفنون والآداب والاعلام، والعمل على تفكيك كل ما ينتج الاستبداد من بنى عمودية ورأسية راسخة في المجتمع، واعادة انتاجها في سياق أفقي.
يعتقد الكثير من الفلاسفة الغربيين أن الشعوب العربية لا يمكن تكوين دولة لهم إلا بالاستبداد، فالاستبداد عند الشعوب العربية هو واقع لا يمكن تغييره، إذ يرى الفلاسفة أن الشعوب العربية حكمت وتحكم بحكومات استبدادية، وهذه الحكومات طبيعية بالنسبة للشعوب العربية، وفي الحقيقة هو من قال بهذه النظرية ومن يفكر فيها إلا يومنا هذا ويدعم الحكومات الاستبدادية العربية، هو يحمل العنصرية بكل أشكالها، فالعرب على يديهم ظهر القانون ومثال على ذلك قانون حمورابي في العراق، وهنا الرفاعي يرفض هذه النظرية ويعتقد أنه لا نرث الاستبداد في جيناتنا، وهو ليس قدراً حتمياً لمجتمعاتنا، وليس سجناً أبدياً لشعوبنا، كما يشاع في البلدان الغربية و بلادنا، ويعمل على تغذيته بقناعة أو بلا قناعة بعض الكتاب والأدباء، فالإنسان في مجتمعاتنا كامل الإنسانية، لا يحتاج كالسفيه إلى من يتولى تدبير شؤونه، هو إنسان تام الأهلية ليس محجوراً عليه، ليس ربع إنسان أو نصف إنسان أو شبه إنسان، و تكرار هذا القول محاولة واعية أو غير واعية لاستمرار الاستبداد وشرعنته.(5)
الهوامش:
1_ ينظر إمام عبدالفتاح إمام: الطاغية (دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي)، عالم المعرفة، الكويت،1996، ص76_272_273. وأيضاً عبدالرحمن الكواكبي: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تقديم اسعد السمحراني، دار النفائس، بيروت، 2006، ص7_16_17.
2_ ينظر إمام عبدالفتاح إمام: الطاغية، ص47_48_50_51_ 60_ 63_64_65_66_ 67_ 71.
3_ ينظر المصدر نفسه، ص46_52_54_55_56.
4_ ينظر المصدر نفسه، ص72_73.
5_ينظر عبدالجبار الرفاعي: الدين والنزعة الإنسانية، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ط3، 2018، من ص63إلى ص72.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
- مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
- بيل جيتس
- فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)
- الطبيب الثائر، جيفارا
- زها حديد وفن العمارة التفكيكي
- دجلة
- العمل التطوعي ، الثقافة الغائبة
- ظاهرة التفاهة
- المنطق عند جوزايا رويس
- مفهوم الولاء عند جوزايا رويس
- مفهوم البطل عند توماس كارليل
- فلسفة العلم واللاعلم عند كارل بوبر
- مفهوم الإرهاب
- مفهوم الاستبداد
- حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران
- المرأة في فكر قاسم أمين
- الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد