أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه















المزيد.....



الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 6788 - 2021 / 1 / 14 - 23:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" الدولة هي أبرد وحش من بين جميع الوحوش الباردة، نيتشه، هكذا تكلم زرادشت"
المقدمة:
إن إشكالية الدين والسياسة موجودة منذ القدم فقد كان الحاكم في الحضارات القديمة يمثل نصف إله، أي أنه لا يستطيع أن يحكم بدون الدين، وقد كان الدين والسياسة محور اهتمام الفلاسفة والباحثين والمفكرين، فقد انشغلوا بالعلاقة بين الدين والسياسة ،وقد ظهر بعض من المفكرين ينادون بفصل الدين عن السياسة، والأساس في ذلك هو التخلص من طمع الكنيسة واستحواذهم على مقدرات الشعب إلى درجة التخمة في أملاكهم والسيطرة الكاملة على إدارة الدولة، أذ لا يمكن لأي شخص تبوء منصب إلا بمباركة الكنيسة، وهنا ظهرت دعوات للفصل بين السياسة والدين والسبب هو عدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين الفئات، فظهرت العلمانية ومن ثم الليبرالية وظهرت اتجاهات الألحاد بالعلن، وفي الحقيقة هنا الغرب نجح في ذلك، لكن مع ذلك بقى الدين موجود ويمارس في سياسة الدولة إلى يومنا هذا لكن بحدود بسيطة مثل مراسيم تقلد رئيس الدولة، وهنا نذكر أن العرب بعد التطور الغربي، يرى كثير من الباحثين أنه علينا بالعلمانية وفصل الدين عن السياسة، وقد ظهرت اتجاهات من أهمها السلفية والذي يرى هذا الاتجاه أذ أردنا التطور فعلينا التمسك بالسلفية أي دين الصحابة الأوائل، والاتجاه الثاني التطوري وهو العلماني والذي يحث على نبذ الماضي والأخذ بالحضارة الغربية ومنتجها، والاتجاه الثالث هو الاتجاه التوفيقي والذي يرى أنه علينا أن نأخذ من التراث ما يجعلنا نواكب التطور الغربي، والاتجاه الرابع هو الاتجاه القومي والذي يرى على الأمة أن تأخذ بمشتركات الأمة كالدين والعرق واللغة لتوحيد الأمة وبناء حضارة توازي حضارة الغرب، وقد ظهرت آراء كثيرة ذهبت إلى أنه لابد من أن تكون لدينا ثورة تنويرية في الدين كما حدث في أوربا، وبدورنا نعتقد أن على العرب أن يتذكروا الأوائل من الصحابة في الاسلام، على الرغم من وجود خلاف بينهم، إلى أنهم استطاعوا بناء دولة قوية بثقافتها وحضارتها واقتصادها، فعلينا أتخاذ الصحابة الأوائل قدوة لنا لبناء الدولة. وبذلك إن إشكالية العلاقة بين السياسة والدين ليست جديدة في الفكر السياسي، فهي تواكبه منذ نشوء الفلسفة في مهدها اليوناني، والتي تمحورت حول محورين: الدين والأيديولوجيا، فالدين بصفته القاعدة الاعمق للتفكير ولتحديد السلوك، شكل منذ نشوء التقاليد اليهودية والمسيحية محدداً شرعياً ورئيساً للسلطة والعلاقات الناجمة عنها، أما الأيديولوجيا فقد عوضت المرجعية الدينية في المجتمعات الغربية منذ عصر التنوير، إذ أزاحت سلطة الكنيسة وكرست مفاهيم العلمانية ومعيار التمثيل والانتخاب لتحل محله معيار قداسة الحاكم وسلطته الإلهية، وبعد المرور من مرجعية الدين إلى مرجعية السياسة، ظهرت في الغرب إشكالية أخرى، هي إشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني. وتقدم هذه الإشكالية حول طبيعة العقد الاجتماعي الذي ستقوم عليه الدولة. ويقدم لنا غوشيه صورة عن العلاقة بين الشأن الديني والشأن السياسي، انطلاقاً من تاريخ الأفكار أو تاريخ اللاهوتيات، وربط ذلك بتاريخ الممارسات الاجتماعية، والتنافس الحاد بين مبادرة الأمير والمبادرة الدينية، ضمن سياق الروابط المستقلة للقوى، ليصل إلى الفرضية القائلة ببروز السياسي في الغرب خارج إطار الدين. وقد كان لكل من البناء الديني والسياسي مداه الخاص، وكان كل واحد منهما يتحدد بالآخر إلى أن فرض استقلالية عنه، وهكذا انبثقت ثنائية السلطة، سلطة زمنية وسلطة روحية. أن فكرة العقد الاجتماعي وفكرة رفعة القانون وفكرة التمثيل، وهي المقولات التي سيطالب بها الشعب لاحقاً باسم بسط الحقوق السياسية، التي جاءت نتيجة خروج السياسي من المدى الديني، بعد ان أفلح البابا في أن يفرض على الامبراطورية لزوم الرجوع إلى الشعب ومحاصرته ضمن ميدان سياسي، وبذلك أن هناك شيء يجمع السلطة والدين، ولا يمكن فهمه فهماً تاماً إلا بدءاً من اللحظة التي ترضى فيها بأن نعتبرها ثمرة تحول للبنية القديمة للتمثيل، بين التمثيل التجسيدي في زمن الآلهة والتمثيل التفويضي في عالم المواطنين المتساويين. أن التغيرات التي تشهدها السياسة والدين، تشكل اختباراً لإعادة الصياغة الشاملة للعلاقات ما بين العام والخاص. والقاسم المشترك بين الدين والسياسة هو الاعتقاد ، ولكن الاعتقاد الديني والاعتقاد السياسي ليسا متطابقين، فكل واحد منهما يحتاج إلى مجال خاص يتبلور فيه وينتج فيه مفاعيله الخاصة.(1) وقد بدأ يظهر التفريق بين الانتماء إلى المدينة والانتماء إلى الكنيسة، وكذلك التفريق بين الإنسان كعضو من أعضاء الإنسانية والإنسان المؤمن العضو في المسيحية،. وهكذا بدأت تتلاشى فكرة الثنائية الزمنية والروحية لتقوى فكرة استقلالية السياسة. وبدأت تنمو بذور فكرة العلمانية التي تتلخص بالتالي: السياسي موجود بذاته ومحكوم بما يصنع هويته، وهو متباين عن المدى الديني ولا ينظم من قبل الله(جل جلاله) بل يخضع لقوانين الطبيعة التي تتحقق بواسطة العقل. وسن القانون الذي ينظم المدى السياسي الذي يعود إلى الشعب، ولا يملك سلطة الإكراه، إلا إذا عمل بواسطة القانون ولمصلحة الجماعة بأكملها، إلى جانب فكرة العلمانية ظهرت فكرة الدولة الحق ومبدأ الشرعية وفكرة الحق الطبيعي. أما في ما يتعلق بالعلاقة بين الفرد والجماعة أو الطائفة، والعلاقة ما بين العام والخاص، لابد من الإشارة إلى أن الفرداوية شكلت علامة من علامات التاريخ الغربي، وأساس كل عمل اجتماعي فيه، لقد اختلطت الحداثة السياسية مع تحرير الفرد من الخضوع للمطلق ومع الصراع بين الفردية والشمولي، لنصل في النهاية إلى بناء دولة الفرد المواطن وخلق مقولة الشخص العام خشية أن تصل الجماعة الاجتماعية إلى حال التشتت والتفتت بين الأشخاص، إنها أساس فكرة التمثيل وفكرة التفويض اللذين يعززان استقلالية السياسي، ويجعل من الحاكم الزمني الممثل الطبيعي للجماعة وصاحب السلطة المطلقة المستندة إلى الصالح العام، أذن تأتي السلطة السياسية من التفاعل بين الأفراد وتأتي العلمنة من التمييز بين إرادة الله(جل جلاله) وإرادة الإفراد. أما الكنيسة فهي مجموعة أفراد مؤمنين، ولم تعد فكرة الحق الإلهي في الحكم مقبولة من أحد. وقد قادت هذه المفاهيم والمبادئ إلى فكرة العقد الاجتماعي، فالمجتمع البشري هو تلاقي في الإرادات الفردية ولا ينتظم إلا بتنسيق هذه الإرادات واجتماعها، وذلك من خلال تطبيق الميثاق الاجتماعي وهذا ما يقدم مفهوماً جديداً للتمثيل، فالممثل هو ممثل المواطن والدولة، هي دولة المواطنة ودولة التوافق والتفويض.(2)
مارسيل غوشيه سيرة وفكر:
ولد الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي مارسيل غوشيه عام (1946_؟)، في منطقة الماش الفرنسية، من أب عامل طرقات وأم تعمل في الخياطة، غادر غوشيه وهو في الخامس عشر من العمر إلى وسط المدينة، وتلقى تعليمه في مدرسة المعلمين العليا، ودرس الفكر السياسي عام(1968)، وقد رسمت لقاءاته الفكرية مع زوجته الطبيبة النفسانية غلاديس سوين واخرين من المفكرين مساراً غير معهود، لكنه مسار موسوعي. وقد عمل في التدريس ومن ثم انخرط في العمل النقابي، وتعرف على الأجواء السياسية التي كان يخيم عليها أنصار الشيوعية من جهة، ومناهضي ستالين من جهة أخرى، ومن ثم اهتم بالفلسفة من جانبها السياسي، وقد حضر ثلاث شهادات في الوقت نفسه، في الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، وكان غوشيه في العشرينات من العمر عندما نصب الطلبة والعمال مع شرائح عديدة من المثقفين متاريسهم في شوارع باريس، خلال شهر مايو من عام(1968)، وقد سميت بثورة الطلاب، ورأى في تلك الأحداث تعبيراً عما كان يفكر فيه، حول ضرورة صياغة نظرية لتاريخ بديل، مما شكل أحد مشارب البحث في العديد من أعماله، ولم يتردد غوشيه في تكرار القول" عشت تلك الحركة مايو_1968، بكثير من السعادة والحماس". وقد كان غوشيه يقطع مسافة(300،كيلو متر) للمشاركة في المظاهرات الاحتجاجية. يشغل مارسيل حالياً منصب مدير البحوث بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وفي مركز بحوث السياسة(ريمون آرون) وفي الوقت نفسه يتولى رئاسة تحرير مجلة (Le Debat). ويحتل غوشيه مكانة مركزية في الفكر الراهن، فقد قدم عشرات الكتب للمكتبة الفكرية، حول موضوعات عصرية مثل الحداثة والديمقراطية، وقد اهتم بالفكر السياسي والعلاقة التي تحكم عمل السياسيين، ويعد غوشيه أبرز المدافعين عن الديمقراطية والحريات الفردية، فلم تمنعه حالة الطوارئ التي يمر بها العالم جراء جائحة كورونا من أن يجدد إيمانه بالمبادئ نفسها التي دافع عنها من خلال مجلته الشهيرة(الجدل)، أومن خلال حضوره المكثف في وسائل الاعلام، أو من خلال المواقع الإلكترونية، فيعتقد غوشيه أن هذا الوباء لا ينبغي أبداً أن ينسينا حقيقة أن الديمقراطية تظل دوماً حلاً لكل المشكلات، بما في ذلك الطارئ منها. ويعتبر غوشيه من المهتمين بالسياسة، ومن أبرز الفلاسفة المعاصرين، الذين دافعوا في اتجاه تقوية التنظير المعرفي الإبستيمولوجي للعلمنة، حيث التحق بنظرية نزع السحر عن العالم التي ابتكرها ماكس فيبر،وأن كانت لها اصول في فلسفة نيتشه حول الدين. عمل غوشيه منذ البداية في الفلسفة السياسية، ويرى أن هناك وجود نوع من التباين بين ما يعرفه السياسيون وبين ما يقولونه علناً، وبالتالي يصبح السياسيون ليسوا أنفسهم عندما يتحدثون في مكتب أو جلسة مغلقة، وعندما يتحدثون أمام عدسات التصوير، ذلك بفعل خوفهم من الانزلاق في الحديث وإعلان نوع من اللجوء إلى الصمت، وهو ما يعبر عنه بالجملة التالية السياسيون هم سجناء قناعاتهم، وأفضل ما يمكنهم فعله هو ان يلوذوا بالصمت. ومن أهم مؤلفاته،( فك السحر عن العالم، التاريخ السياسي للدين_1985)، و(الدين في الديمقراطية_1998)، و(الشرط السياسي_2005)، و(من أجل فلسفة سياسية للتربية_2013)، و(نشا الديمقراطية، أو مجيئ الديمقراطية في أربعة اجزاء، يتناول في الجزء الاول الثورة الحديثة ويحدد معالم المشروع العام للحداثة، والجزء الثاني يتناول أزمة الليبرالية، أما في الجزء الثالث يدرس الأنظمة الدكتاتورية في القرن العشرين، والجزء الرابع يتناول من العام 1970 إلى وقتنا الحاضر).(3)
الدين:
كان الدين يسهم في تنظيم الجماعة، وفي تنظيم الدولة والدين هو من يرسي القواعد العامة، أذ سلطة الدين منزلة من عند الآخر وتهبط من فوق، وتفرض من نفسها من فوق بإرادة البشر، لكن الثورات الحديثة أعادتها إلى الأرض( الثورة الإنجليزية وبعدها الثورة الأمريكية، ثم الثورة الفرنسية ووضعتها على مستوى الإنسان أكثر من ذلك، وسوف تعمل تلك الثورات على جعل السلطة تنبثق من تحت، عوضاً عن الإتيان بها من فوق، وسوف تجهد على إنشائها بناء على فعل واع ينبع من إرادة المواطنين). ويرى غوشيه إن الخروج من الدين، لا يعني التخلي عن المعتقد الديني، وإنما الخروج من عالم يكون الدين فيه بحد ذاته منظماً بنيوياً، يوجه الشكل السياسي للمجتمعات ويعين البنية الاقتصادية للرباط الاجتماعي، وهذا القضية تندرج في إطار يتناقض مع فهم الظاهرة الدينية من منطق البنية الفوقية، فالمجتمعات الخارجة على الدين هي بالتحديد المجتمعات التي يمكن فيها اعتبار العامل الديني بنية فوقية بالمقارنة مع بنية تحتية تعمل في غيابه على نحو تام، وهذا خطأ، بيد أن خداع النظر هو ملازم لبنية المجتمعات الحديثة، وبالمقابل في المجتمعات التي سبقت هذا الحدث، يشكل العامل الديني جزءاً لا يتجزأ من النشاط الاجتماعي، فالخروج من الدين هو في المحصلة الانتقال إلى عالم يستمر وجود الأديان فيه، ولكن ضمن شكل سياسي وتنظيم جماعي.(4) وأن الخروج من الدين لايزال مستمراً، فالخروج من الدين في أوربا يتواصل من حيث كان قد ابتدأ ، بل هو يصل إلى نسبة مذهلة، أذ تسجل انهيار بالعبادات والتراجع في الانتسابات، وتناقض الارشادات الربانية، وقبل كل شيء ربما اضمحلال المؤسسات الدينية، فالكنائس لم تعد فعلياً تتمتع بالسلطة في تحديد الإيمان ولا تستطيع فرض أركان العقيدة، وذلك حتى في نظر أولئك الذين لا يزالون يعتبرون أنفسهم أتباعهم المخلصين، وهي أقل شأناً من ذلك بكثير في ما يتعلق بتحديد الخيارات السياسية أو ضبط الأخلاق. ويذهب غوشيه أنه بعد الثورات على الكنيسة بدأ المفكرون بقبول وطرح اراء حول الدين وأي دين يقبل، فبدى لهم أن الاخلاق هي المعيار الوحيد لقبول الدين، وصحيح أنه ليس للدولة دراية بشؤون الدين ولا تمتلك أي ديانة، ولكن ذلك لا يدل بالضرورة على عدم اكتراث كامل من جانبها يقودها إلى أن تقبل من دون تميز أي مذهب يعرض نفسه على الناس تحت أسم الدين، فلابد للدولة أن تحكم عليها من المنظار الاخلاقي. والمهم في الدين هي القدرة على تقديم فكرة شاملة للعالم وللإنسان وقادرة على البرهنة على صحة الخيارات الشخصية والجماعية بشكل تام ونهائي، ولابد أن يكون لدينا دين في حدود معينة، يدخل في محل معيار ملزم وهو توافق هذه الرؤية للعالم مع الرؤية الديمقراطية السياسية ويحدد هذا المعيار اسم عقائد مدركة وعقلانية.(5) ويرى غوشيه أن الديمقراطية قوضت الدين، فأدى إلى انسحاب الدين من العالم المعاصر، ومن جهة اخرى تسببت الثورة العلمية في تراجع المنظور الديني للعالم المادي وهو ما أضعف تأثير الدين على التفكير العلمي ومناهج تفسير العالم المادي، وأن انسحاب الدين يظهر بشكل أكبر في الحقل السياسي والعلمي، حيث الدين منسحب تماماً إلا على صعيد المجال الخاص، ولكن مع ذلك يحافظ الدين على البعد الروحي.(ونحن بدورنا لا نوافق غوشيه على طرحه انسحاب الدين عن العالم المعاصر، فكثير من الدول تحكم بالدين، ويكون أصل قوانينها الدين، وعلى الرغم نرى في الحكومات التي تدعي الحكم بالدين هي غير موفقه ومنصفه اتجاه شعبها). ويناقش غوشيه في عالم الحداثة، وتشكلها وتأثيرها على مصير الدين من منطلق أساسي يعتبر فيه أن زمن الحداثة الغربية وخاصة المجتمع الأوربي، هو زمن الخروج من الدين، ويعني غوشيه بالخروج من الدين ليس تهميش للدين ولا تمثل قطيعة مع الإيمان بالله، ولا تعني أن الناس باتوا لا يؤمنون بالله فهم لم يكونوا أقوياء الإيمان من قبل في كل الاحوال، إن إحدى أولى المؤشرات الصارخة على الدخول في الحداثة بصفتها خروجاً من الدين هي الإصلاح البروتستانتي الذي ولد رد فعل على ما عرف بالإصلاح الكاثوليكي. والدين عند غوشيه هو في اصله دين البشر للعالم الآخر وللكائنات العلوية وللقوى الفائقة، والدين يتضمن أولاً مبدأ الخارجية، أي القول بأن المجتمع يستمد قوانينه من خارجه لا من ذاته، ويتضمن ثانياً مبدأ المغايرة، أي القول بأن البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشر مثلهم، ويتضمن ثالثاً مبدأ الانفصال، أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره، بين الجماعة والمبدأ المؤسس والمشرع لها. وهذا البنيان الكامل للدين اخذ بالتفكك شيئاً فشيئاً في مجهود استغرق خمسة قرون وصولاً إلى عصرنا، بموازاة الإصلاح الديني، ثمة حدث برز على أنه معاصر، هو ظهور السياسة الحديثة الذي ولد على مدى قرن كامل مفهوم الدولة الحديثة، ويمكن أذن أن نرى كيف أن مساراً سياسياً ومساراً دينياً يغيران معطيان الإيمان بشكل كلي، في هذا السياق الخطي للتاريخ، وقد احتلت السياسة الجغرافية التنظيمية والمعرفية التي كان الدين يسكنها، ويستمد قوته في المجال العام، وتشكيل وعي الإنسان، ومن ثم تجدد الوعي الاجتماعي بالتغير الحاصل، ونزع الطابع اللاهوتي عن مسار التاريخ، ومعه تسقط التبعية الدينية، وأنتقل الفرد والمجتمع إلى عصر عرف تحولاً كبيراً للايديولوجيا بتعبيراتها الجذرية والمعتدلة خلال الثلاثين سنة الماضية، مما أدى بدوره إلى إدخال الدين في عالم الاستقلالية الديمقراطية المعاصرة. وبذلك يرى غوشيه أننا نجد أنفسنا في عصر يتجه فيه المعتقد الديني إلا يكون سياسياً، فيما يتجه المعتقد السياسي ألا يكون دينياً، وهذا يدخلنا في عصر جديد من تاريخ الإنسانية، يتميز بحسب أطروحة غوشيه بأربع خصائص أساسية يمكن أجمالها فيما يلي:
1_ تراجع الدين في تكوين مؤسسات الدولة والمجتمع المعاصر.
2_ خصخصة الدين، واحتلال البعد الفردي للدين مكان الصدارة أمام المعتقد الجماعي ودوره في الحياة العامة الأوربية خاصة.
3_ الفردانية الدينية، حيث أصبح الدين تفسيراً وممارسة، يخضع لنوع من التصور الفردي، بعيداً عن مفهوم الجماعة للدين الذي كان سائداً إلى حدود القرن التاسع عشر.
4_ الابتعاد عن الممارسات الدينية الكنسية، حيث ظهرت سلوكيات غير مؤسساتية للدين تؤمن بالنسبة الدينية، وتخرق النسق المعرفي الكنسي للدين، ويظهر ذلك في موجه الخروج الكبير عن نمط المنظومة الدينية، باعتبارها نسقاً واحداً وثابتاً ولا يتحقق الإيمان إلا بالتبعية الدينية للكنيسة، إذ أثبتت الدراسات المتعددة في مختلف الدول الأوربية، ازدياد مهماً في نسبة المتدينين المخالفين للثقافة الدينية والسلوكية للكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية.(6)
ومع ذلك لايزال المعتقد الديني يخط مساره دون أن يفقد مكانته الضمنية، في التفاعلات المجتمعية في زمن الحداثة والفردانية المعلمنة، ومن المؤشرات القوية على ذلك عودة الدين للمجال العام، وكذلك ظهور موجات جديدة من الأصوليات الدينية المركبة، التي تختلف عن الدين التقليدي المعروف تاريخياً، وفي هذا السياق يمكن للأصولية الدينية أن تغوي هؤلاء الشباب ويعتبرون قضيتهم شيئاً نبيلاً، إنهم يشعرون في أعماقهم بأنهم يتحولون إلى أشخاص جديري بالتقدير ويصبحون شخصيات قلقة من خلال إنكار ذواتهم كأفراد وفقاً لمعاييرنا المعتادة، ولهذا يجب التنبيه إلى الحل العلمي لظاهرة الإرهاب في وسط الشباب، والذي يكمن في إيجاد سبل لتحقيق الفرد ذاته وسط مجتمع معقد التنظيم ومتعدد التفاعلات، وهذا منوط بداية بالتفكير المتعمق حول التعليم. ويرى غوشيه في الإسلام هو عقلنة للفكرة التوحيدية، أي أنه يقوم على تصور عقلاني للكائن المطلق، أذ أن الإسلام لا يتناقض مع الحداثة السياسية التي تكونت خارجه، وذلك لأنه يتضمن فكرة الفصل بين الديني والسياسي، والمذهب الإسلامي هو أكثر عقلنة، وينتج عن ذلك مذهب توحيدي أكثر جذرية وأكثر صرامة من مذهب اليهود الذي يقوم على عقيدة الشعب المختار، ومن مذهب المسيحيين الذي يقوم على عقيدة التجسيد، ويذهب غوشيه إلى وجود نزعة فلسفية في الإسلام، وأرادت من فكرة الله(جل جلاله) إبرازها من زاوية العقلانية، وكان ثم عدد كبير من الفلاسفة عملوا على بلورتها، ولكن هذا الفلسفة سرعان ما خفت نورها بعد توهج رائع، وذلك لعدة أسباب بسبب عدم تسامح الفقه، وبسبب النزعة الحرفية في قراءة النص. والفلسفة الإسلامية عقلانية في مقدماتها، لكن هذا العقل يذهب نحو الإيمان، ويقود إلى التأمل الصوفي لمعطى الوحي. والإسلام ليس غريباً عن الثقافة الغربية لوجود قرابة عميقة، بين هذا الدين والمسيحية باعتبارهما دينين توحيديين، حتى ولو أنه من داخل هذين الدينيين هناك اختلاف عميق في المضامين الدينية، ويرى في الإسلام ليس دينياً مقاوم للعلمنة.(7) ويعتقد غوشيه أن عودة الاسلام السياسي في العالم العربي والاسلامي هي الخطوة الأولى في مسألة خروج الدين نهائياً من على اصعدة السياسة والاجتماع والاقتصاد، وهذا بالفعل ما حدث مع بعض الحركات الاسلامية السياسية التي تقلدت رئاسة بعض الدول ولم تستطع مواكبة وإدارة الدولة بظل العولمة المنتشرة، فأدت إلى سقوطها.
السياسة:
يرى غوشيه أنه يجب على التنظيم السياسي لا يحدد سلفاً بالدين، فالدين ليس أساسياً و لا شائعاً، والتنظيم السياسي لا يسبق إرادة المواطنين ولا يعلو عليها، لأن قناعتهم تعد شخصية بالجوهر، كذلك لا يخضع التنظيم السياسي لغايات دينية، فهو على العكس يجب أن يفهم بطريقة تسمح بتعايش غايات عدة مشروعة، وضرورة أن تكون الدولة حيادية تجاه الدين، وأن فصل الدين عن السياسة، أعطى دافعاً لتعظيم السياسة، وأججت المواجهة مع فريق الانصياع إلى المقدس، وأدى إلى فهم النظام الذي يمكن البشر أنفسهم من وضع قوانينهم الخاصة بهم، أذ قامت مجابهة بين السياسة والدين، ومن ثم ظفرت السياسة بالفصل بين المجتمع المدني والدولة، وكان تحقيق الفصل يفترض كبت الإيمان القديم الحاضن في المجال الخاص، من خلال التأكيد على أن السياسة هي الحاضنة الجديدة له.(8) وقد أهتم غوشيه بالدين لأن هو المحرك الاساسي للمجتمع، وأهتم بالسياسة لأنها هي من تنظيم المجتمع، ويفرق غوشيه بين السياسة والسياسي، أما السياسة، وهي تعني الأنشطة التي تدور حول السلطة التمثيلية، أي السلطة الشرعية في مجتمعاتنا تلك السلطة التي تأتي عن طريق الانتخاب من قبل المواطنين وتتطلب سلسلة كاملة من الشروط( من حرية الصحافة إلى وجود الأحزاب والمناقشات العمومية) إلا أن المجتمعات الليبرالية تريد إعادة كل شيء إلى السياسة، وفي هذا المنظور تنتج الحريات الفردية سلطة تمثلها رغم كونها سلطة محدودة بتلك الحريات الأولية، فالحريات الفردية هي الأساس. فيما يقتصر دور السلطة على الحفاظ على شروط إمكانية اشتغال مجتمع السوق، مجتمع يتولد من تألف حريات الفاعلين. أما السياسي، فهو شيء آخر مختلف تمام الاختلاف، إنه ما يسمح للمجتمع بالتماسك، وهو موجود منذ الأزل، ووظيفة السياسي هي إنتاج كينونة المجتمعات البشرية، والسياسي يضمن سيطرة المجتمعات على ذاتها.(9)
الدولة:
إن الدولة الغربية الحديثة التي سوف تقوم على مبدأ العقد الاجتماعي والديمقراطية التمثيلية والديمقراطية العلمانية، لابد وأن تعتنق التعددية( التعددية الفردية وتعددية المجتمعات)، ولا يمكن لها أن تكون شمولية على الإطلاق، ذلك أن دينامية المجتمعات المنضوية في هكذا دول تؤدي إلى خلق تجمعات اجتماعية، اقتصادية ، دينية، ذات طابع سياسي، هذا التجمعات تحدد نفسها كل على حدى، تجاه كل التجمعات الأخرى، لتشكل مجتمع ما نسميه في ما بعد بالمجتمع المدني الذي سوف يتمايز عن الدولة. ويرى غوشيه أن دولة الإنسان هي من صنع الإنسان، ومنذ ظهور الدولة، وجدت معها نقطة في قمة الهرم، وهي نقطة الوصل بين السماء والأرض، ويرى غوشيه في الملكية هي جسدت هذه النقطة. والدولة لم توجد بتاتاً لخدمة الدين، وإنما وجد الدين لخدمة الدولة، المصلحة العامة هي القاعدة التي يجب أن يبني عليها كل شيء في الدولة، الشعب أو السلطة العليا التي تؤمن على سلطة الشعب، هو الوحيد الذي له الحق في الحكم على توافق أي مؤسسة مع الصالح العام، مهما كانت هذا المؤسسة، وينص البند الأول من القانون المدني الخاص بالإكليروس على" أن القديس بطرس والذين تعاقبوا بعده من البابوات وحتى جميع رجال الدين لم يتلقوا من الله(جل جلاله) سوى النفوذ الذي سوف يسري على الأمور الروحانية التي تعني بالسعادة الأبدية وليس بتاتاً السلطة على الأمور الدنيوية والمدنية، ويجب على الملوك والحكام ألا يكونوا خاضعين، في ما يتعلق بالأمور الدنيوية، إلى أي نفوذ كنسي، وذلك بأمر من الله(جل جلاله) وألا يتم تعينيهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بواسطة سلطة رؤساء الكنيسة، وأن لا يكون بإمكان رعاياهم أن يعفو باسم تلك السلطة من واجب الخضوع والطاعة لهم، أو يحنثوا بيمين الإخلاص لهم". ويستعرض غوشيه مراحل الثورات والحركات على الكنيسة، فيرى أن ثمرة هذا الثورات، هي التي أوصلت أوربا على الاخص إلى ثمرة الديمقراطية، ومن ضمن الثورات، ثورة عام(1688) في بريطانيا التي أسقطت حكم الحق الإلهي المطلق الذي كان مكرساً في بريطانيا منذ عام (1660)، ومن ضمن الحركات أيضاً هو الاعتراض على القرار البابوي عام(1713) وهذا الاعتراض يقوم على دعوة السلطتين بشكل صارم، ومن الداخل إلى القيام بواجبهما على السلطة الروحية واجب العودة إلى صفاء عقيدتها، وعلى السلطة الدنيوية واجب استقلالية سلطتها في ما يخص امور الدين. وفي عام(1801) تم الاتفاق بين الكنيسة والحكومة الفرنسية في خضوع الكنيسة خضوعاً كاملاً للسياسة السائدة، وتقوم الكنيسة بدور بدائي داخل المجتمع، والمجتمع لم يعد بتاتاً من صلاحياتها، ويؤكد الاتفاق على العودة إلى حرية المعتقدات، لكن في إطار تحريم العمل المؤسساتي للكنيسة، وبذلك شكل نزعة الانفصال عن الكنيسة العامل الذي أسهم إسهاماً كبيراً في تمجيد الدولة والرفع من شأنها. فالدولة في خدمة المجتمع المدني، وهي من تصيغ الغايات العليا التي من شأنها العام ان تنشر تحت رايتها، ومن وظيفتها الحكم وتأمين التعايش السلمي بين المجتمع.(10) يريد غوشيه أن يعيد النظر في مسألة الدولة بالاستناد إلى تحليل الظاهرة الدينية في المجتمعات البدائية، وأن مفتاح مسألة الدولة ينبغي أن يبحث عنه في الجذور العميقة للواقعة الدينية، ذلك أن فهم السبب الذي من أجله أراد البشر بأجمعهم أن يكونوا مدينيين، والسبب الذي جعل المجتمعات أيضاً تصر على أن تعقل بان علة وجودها تتعلق بشيء مغاير لها، معناه فهم السبب الذي جعل قيام الدولة أمراً ممكناً في لحظة من لحظات الصيرورة الإنسانية _ الاجتماعية. أن تأسيس الدولة لم يكن متوافقاً مع بعد اجتماعي لم يسبق له أن ظهر على الاطلاق، وإنما مع تحول لبعد كان يوجد أصلا في صميم المجتمع، فالدولة هي الوجه الجديدة ، وظهرت نتيجة الانقسام الداخلي في المجتمع، فالدولة لم تظهر في المجتمعات التي تملك سيادة على نفسها، والحرية في تنظيم شؤونها والقدرة على أن تتغير طوعاً بفعل لعبة التراضي العام، ولاشك بأن حدوث الدولة يمثل تحولاً شاملاً في طريقة ادارة المجتمع لانفصاله عن البؤرة التي تكسب معناه وشرعيته. وأيضاً التغيرات في الدائرة الدينية هي السبب في مجيء الدولة، ويرى غوشيه، أنه لا أنجاز للدولة من دون تصفية الدين، وأن كانت الدول الأولى تملك جذورها في الدين، فأن المنطق الداخلي لنمو المقدرة الأولية يقضي بتقويض الدين.(11)
الديمقراطية:
إن الديمقراطية هي التعبير الرسمي الذي أطلق على الحالة السياسية التي سادت أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، وكلمة ديمقراطية تدل مبدئياً على حكومة الشعب، والديمقراطية لفظ مؤلف من لفظين يونانيين أحدهما(ديموس) ومعناه الشعب، والآخر(كراتوس) ومعناه السيادة، فمعنى الديمقراطية هي سيادة الشعب، وهي نظام سياسي تكون فيه السيادة لجميع المواطنين لا لفرد أو لطبقة واحدة منهم، ولهذا النظام ثلاثة أركان، الأول سيادة الشعب، والثاني المساواة والعدل، والثالث الحرية الفردية والكرامة الإنسانية. وقد اكتسبت معاني مختلفة نوعاً ما ، لتتحول في نهاية المطاف إلى غاية سياسية، وهي العمل على أن يستعيد المجتمع البشري التمتع بالخيار الذاتي على المستوى الجماعي، وذلك بأن تكون السياسة مشروعاً للاستقلالية أي التحرر من أثر العامل الديني. ومع ذلك ترفع الديمقراطية من شأن الديانات وتميزها عن باقي السلطات الأخلاقية والروحية، فهي تشدد على الوظيفة المطلوبة من الديانات تأديتها وتنقذها من خطر اختزالها إلى مجرد ثقافات ويتم ذلك عبر إيضاح ما هو أبعد من التراث والعادات والتقاليد، إنها تحيي فيها الجوهر عبر الدعوة العلمية إلى الإصغاء إليها في غزارتها وعمقها الروحي، والعودة بها إلى أفاق دنيوية، مع الاستجابة التامة لأبعادها الدينية، ومن الواضح أن الديمقراطية تدار بقواعد اخلاقية متجذرة في المعتقدات الدينية، ومنظومات القيم المؤسسة على الدين أدى إلى انصهار الدين في الديمقراطية بعد أن حصل تحول ضمني في محتوى العقيدة، ودفع بعدد كبير من المتدينين الذين يطمحون إلى أن يكونوا مواطنين صالحين مع بقائهم مؤمنين مخلصين، إلى الالتحاق بالركب الديمقراطي. والديمقراطية لم تجد سبيلاً إلى الاستقرار إلا بدءاً من اليوم الذي اكتشفت فيه أنه من الضروري القبول بالفارق من أجل تقدير الوفاق، بدلاً من البحث بلا جدوى عن التطابق، فالارتباط الميتافيزيقي بين السلطة والمجتمع أبعد من أن يقرب بينهما بل هو عملياً يفصل بينهما، وكلما توفرت المطابقة بينهما في الجوهر كلما أزداد الفارق الوظيفي بينهما. وأن ما دفع بالديمقراطية إلى أن تكتشف نفسها، وأن تؤكد نفسها ضمن إطار المجتمعات المفعمة بالإيمان، ويسأل غوشيه كيف تصنع ديمقراطية من رجال دين؟ أن حل هذه المسألة أدى بطريقة محتومة إلى قيام صيغة خاصة، لإدراك سياسة الاستقلالية، وهكذا فإن أي فكرة عن الديمقراطية، لا يمكن أن تفهم إلا إزاء نقيضها وتبعاً للدور الذي نعطيه للدين. وهدف الديمقراطية هو أن يسترجع المجتمع البشري حقه في إدارة أسباب وجوده وغاياته. وتحت راية الديمقراطية بدأت التحولات في المجتمع المدني، تحولات على صعيد المعتقد الديني، وتحول المعتقد إلى هويات، وتحول الانتماءات والارتباطات إلى مكونات الهوية الفردية، وبعيداً عن الانتماءات الطائفية الماضية والخضوع للتقاليد، ولقد جرى إعادة تحرير اجتماعي للفرد، تبعاً لحقوقه أو مصالحه، أذ قامت الهويات على الطريقة الجديدة من خلال توصل الفرد إلى التحرر من خصائصه الفردية، وتعوده اعتناق المفاهيم السائدة لدى الجماعة التي ينتمي إليها، وهذا يعود إلى مقتضيات العلاقة مع الآخر، وضرورة الانضواء في مجال مشترك يعاد صياغته من جديد، وعلى ذلك فإن الفضاء الاجتماعي الجديد لهذه الهويات ينتظم عن طريق الاختلاف وفي الوقت نفسه يكمن جوهر هذه الهويات في الانطواء داخل مجال تعددي، وأن تحول الديانات إلى هويات نتاج التعددية الديمقراطية المدفوعة حتى النهاية إلى نقطة تفقد عندها كل نزعة شمولية معناها. وأن مشروع الديمقراطية هو مشروع الاستقلال والتحرر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لذا يصطدم بشكل مباشر أو غير مباشر بالثقافات العتيقة والأديان والهويات المتشظية للجماعات والايديولوجيات السياسية، التي تعبر عن نفسها دائماً بالعنف والعنف الرمزي، وتشكل مأزقاً كبيراً للتجارب الديمقراطية في المجتمعات. ويرى غوشيه أن مفهوم الخروج من الدين، هو الدخول في الديمقراطية، واندماج الأديان في الحداثة وتكيف العقائد الدينية مع المعطيات الشرعية للعالم الديمقراطي، فالخروج من الدين لا يعني التخلي عن المعتقدات الدينية، وإنما الخروج من عالم اجتماعي يكون فيه الدين بحد ذاته منظما بنيوياً، يوجه الشكل السياسي للمجتمعات، فالديمقراطية تقوم أساساً على استقلال المجال السياسي عن المجال الديني، وتتضمن استخدام قوانين وضعية لإدارة شؤون الدولة والأفراد.(12) وأن ما يسمح لقياس الظاهرة الديمقراطية في أبعادها كافة هو فقط اعتماد إعادة صياغة عامة لمفاصل الحقل العام، التي من خلالها ننتهي من الخضوع وطاعة الآلهة، هذا هو الشرط للنظر بتماسكها الكلي، وبعمقها التنظيمي وديناميكتها الداخلية. ويرى غوشيه أن الديمقراطية الحالية كانت نتيجة عدة عوامل أسهمت في الوصول إلى هذا الحد، ومنها مشروع ما بعد الحداثة، الذي كان من دون أدنى شك، ومهما كانت العبارة قابلة للجدل، قلب ما كنا نعتقد أننا نعرفه عن الحداثة رأساً على عقب. و الديمقراطية في وقتنا الحاضر لم يعد لها أعداء، فالكل تنادي بالديمقراطية( نتفق مع غوشيه بهذا الصدد، فأكثر الدول تدعي أنها بلاد الديمقراطية، وأكثر الدول لا توجد فيها ديمقراطية حقيقية كما يريدها الشعب) والديمقراطية وأن لم يكن لها أعداء من الخارج، فلقد انبثق لها اعداء لم نكن نتوقعها من الداخل، أذ تسكن في آلية هذا النظام نفسه، الذي أصبح مسلماً به، تغيرت الديمقراطية بقدر ما ربحت، أذ من خلال تأسيسها كرست لنفسها تناقض غير ملموس بأكلها من الداخل، ويرى من أسباب تدهورها هو تكريس حقوق كل فرد يؤدي إلى نزع الملكية من الجميع، وأن كونية الحقوق لا تتلاءم مع خاصية الأطر السياسية حيث تنطبق، وحيث تساق لتدمير شروط تجسيدها الخاص، أي مغالاة هذه الديمقراطية التي تدفع لقطع يديها قبل أن تبتر ساقيها لكي تكتمل بشكل أفضل. والديمقراطية تعرضت لأزمة بسبب تقدمها، ولكن مع ذلك بعد الأزمة ستنمو من جديد، والديمقراطية هي من أنتجت الهويات، وأحدثت تغيرات عميقة بين الدولة والمجتمع، وأن العجز الذي يقضم الديمقراطية، هي بسبب عوائق بنيتها التحتية التي لا تفهمها، وهي دائماً تجد نفسها منهكة بمستقبل لا تريد أن تعرفه، إنها فريسة مشكل التشكيل. وأن الأزمة التي تمر بها الديمقراطية لا تنزع المصداقية عن شكلها، بل إنها تفرغها من المعنى، فالديمقراطية أضحت في مجتمعاتنا الغربية مجرد كلمة تخفي ورائها الخطاطة الفردية والسلطة الاقتصادية، مؤكداً بأن الحل يكمن في استعادة السياسة بدورها، ومؤكداً على ضرورة القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية. ويرى غوشيه أن الديمقراطية عندما تمنح الحرية لأفرادها تنتج فوضى اجتماعية تستحيل أدارتها، وكيف يمكن تغليب الإرادة العامة في مجتمع تتصادم فيه المصالح الشخصية في كل الاتجاهات ويصبح فيه الصراع الطبقي محور الحياة العامة، فالديمقراطية هي الاستيلاء على الحكم، من خلال الإرادة العامة ويكون فيها فريقان، فريق كسب الحكم وفريق لم يكسبه وهو الفريق المعترض، ويكون هذا الفريق بعد خسارته يكون شعاره الأمة، ويتخلى عن أحلام إصلاح المقدس لاعتناق المبدأ الحديث. ولكن مع الأسف هذا الأنظمة الرديئة المنهمكة، هي التي ستنجح في تلبية حاجة السيطرة التي أوجدتها هي ستنجح في إعادة تشكيل نفسها، والارتقاء بتأن وألم إلى مستوى المهمة التي أنيطت بها.(13) وأن مهمة الديمقراطية هي أن تحول المجتمع إلى مجتمع سيد يتحرر الاقتصاد والفرد ومجمل العملية القائمة على ثقة متجددة في آلية الإصلاحات الاجتماعية، وأن تقدم الديمقراطية لا يردع، فهو يجرد الطوائف السياسية وينزع القدسية عن السلطات ويحولها بعزم إلى أعضاء من الشعب.(14) وأخيراً يرى غوشيه أن الديمقراطية مشروع لم يكتمل بعد.
عصر الهويات:
يرى غوشيه أن عصرنا هو عصر الهويات، فالديمقراطية الجديدة قد تحولت إلى هويات، ما يعني في الوقت ذاته طريقة أخرى للاندماج فيها من الداخل، وطريقة أخرى للانتماء إليها من الخارج، والذاتية الفردية هي من تضع الهوية، أن التعقيد الديمقراطي الذي يعمل على إعادة تأهيل المواد القديمة وليس بطريقة الإحياء الصريح لمعطيات قديمة عف عليها الزمن، وهذا يعني أنه قبل أن نتخوف من ظهور المجتمعات الناهضة، علينا من أن ننتبه إلى عامل الذاتية الذي يعمل في داخلها ويقوض ادعاءات التقليد لديها. ففي قلب التحول الجاري في العالم الديمقراطي يجري إعادة تقييم لهذا العالم يمليه غياب الأنظمة المخالفة له، وما يعيد تشكيل صورة استقلالية الجماعة البشرية عن الدين، هو واقع أن التبعية للدين توقفت عن امتلاك معنى سياسي مقبول، لم يعد تجسيد الخضوع للعالم الآخر في سلطة دنيوية يعني شيئاً لأحد أو مقبولاً من أحد. لقد استطاع الإخلاص الآلي للدولة أن يقوم مقام تعليل الوجود أو الإصابة عن الغايات النهائية، وذلك على مستوى كل فرد، في وقت لم يعد هناك أي أوامر إلهية ترسم مستلزمات العيش المشترك وتبني موجهات الفعل ومعايير السلوك، وهكذا قامت فكرة العلمانية، أي سياسة الاستقلال عن الدين، بالدور الرئيسي في رفعة الدولة. وتغلغل الروح الديمقراطية داخل فكرة الاعتقاد ذاتها، كانت النتيجة تحول المعتقدات إلى هويات دينية بعد أن تم التفريق الكامل بين التسامح، بوصفه مبدأ سياسي، وبين التعددية باعتبارها مبدأ فكري، وهنا قد ظهر تعريف جديد للهويات الدينية، أنه تعريف دنيوي يميل إلى وضعها في مصاف الثقافات بمعناها الأعم، أي مجموعة أنماط السلوك المتوارثة اجتماعياً والفنون والمعتقدات والمؤسسات ومنتجات العمل الإنساني. هذه الهويات لا تتوجه بالأولوية نحو السماء، وإنما همها الأساسي هو تحديد هويتها على الأرض، إن تحول الديانات إلى هويات هو نتاج التعددية الديمقراطية، وأن الطوائف الدينية تسعى إلى الانصهار الاجتماعي وإلى تأكيد هويتها وترغب في أن يتم الاعتراف بها بصفتها مكوناً لا جدال فيه من مكونات المجتمع، وعلى عكس القاعدة القديمة التي تفضي بالتخلي عن المميزات الخاصة للدخول في المجال العام، أذ ترغب الهويات الجديدة بشكل عام والدينية بشكل خاص، في اعتبارها من ضمن المجال العام بسبب هويتها الخاصة بالذات، وترغب في أن يتم الاعتراف بها على هذا الأساس. إن السلطة السياسية محمولة بشكل طبيعي على الاعتراف بهذه الهويات، ذلك أن التحول الجوهري في السياسة يميل إلى أن يبعث في هذه الهويات الدينية مجدداً مكانة ومنفعة جديدتين وفقاً لحاجات المجال العام بالذات، وذلك باعتبارها نظريات عامة في المعرفة وعقائد شاملة. أن تحول المعتقدات إلى هويات هو ثمن التعددية التي ذهبت إلى أبعد حدودها، ويصبح عندها أي تبشير بالدين مستحيلاً، وهذا ما يفسر التماسك الصلب والمرن في الوقت نفسه الذي تبديه هذه الهويات، إنها متصلبة من دون أن تكون عدائية، والمعتقد أمر يبرهن بالحجج، والهوية لا تبغي الإقناع، وهي في الوقت نفسه لا تقبل المعارضة، وهي لا يحركها من الداخل إيمان يسعى إلى فرض نفسه وبالمقابل هي متصلبة في وجه الخارج، في ما يتعلق بموضوع الاعتراف. ويرى غوشيه أن تحديد الهوية في هذا الوقت يختلف عن الماضي، فالمنطق المنظم هو منطق التعددية الراديكالية، كل أمرئ يعلم بأنه ليس في خصوصيته سوى جزء من كل أوسع تكون التعددية فيه غير قابلة للتجزئة، إنه ينهل منها الرغبة في تأكيد تميزه، على قدر رغبته في تأكيد وجوده، وفي أن يكون هناك إقرار صريح وعلني بأنه جزء فاعل في المجموعة، إذاً لتحديد الهوية الشخصية معنى إلا وفقاً للانعكاس الاجتماعي الذي يتخطاها، وتكمن الجدة في أنه على عكس القاعدة القديمة التي كانت تقضي بالتخلي عن المميزات الخاصة من أجل الدخول في المجال العام، تصبح الهوية الخاصة هي الأساس الذي يدخل المرء باسمه في المجال العام، ينطبق هذا المنطق على الهويات بشكل عام، ولكن الهويات الدينية تطبقه في شكله الأشد وضوحا بسبب الدور الخاص الذي تحافظ عليه أو تستعيده. ويرى غوشيه أن الدين الجديد بدأ يتشكل أو يأخذ هوية فردية مستقلة، أذ التدين الهوياتي يؤدي دون قصد إلى علمنة الحياة، لأن اشتغاله المتضخم بالدين، يحول الدين في نهاية المطاف إلى دائرة مصالح حادة الاطراف أو ربما مشروع هيمنة لا يختلف عن الايديولوجيات السياسية العادية التي تستهدف الهيمنة بشكل صريح.(15)
أهم نتائج البحث:
1_ الدين ليس مجرد بنية فوقية أو تعبير ايديولوجي، وإنما هو اصل سياسي، فتصور العلاقة بين الدين والسياسة يتلخص بأن الدين اساس الدولة، وبأن الدين امكان وجود الدولة، وأن مسألة الدولة ينبغي أن يبحث عنها في الجذور العميقة للواقعة الدينية، ذلك أن فهم السبب الذي من أجله أراد البشر بأجمعهم أن يكونوا مدينيين والسبب الذي جعل المجتمعات أيضاً تصر على أن تعقل بأن علة وجودها تتعلق بشيء مغاير لها، معناه فهم السبب الذي جعل قيام الدولة أمراً ممكناً في لحظة من لحظات الصيرورة الإنسانية والاجتماعية، فيعتقد غوشيه أننا مدينون إلى الآلهة ولكائنات ذات طبيعة مختلفة عن طبيعتنا، بأن نكون ما عليه اليوم من بناء دولة وسياسة، وليس الدين بحد ذاته مؤسسة خرجت من العدم ثم انتقلت بمادتها إلى مؤسسة دولة، بل انبثقت عن بنية اجتماعية أكثر بدائية، وبالتالي فمن الاصح القول أن اساس الدولة هو نفسه اساس الدين.
2_ يعيد غوشيه فهم الدين عبر تقصيه للأساس الذي قام عليه الاعتقاد الديني، فإنه في الوقت نفسه يعيد النظر بمختلف التفسيرات التي قدمت للدين من منطلق نفسي أو ذهني أو مادي، ويتفق مع دوركهايم في مقاربته للدين من منطلق اجتماعي، ولكنه يفترق عنه في تصوره السبب الذي جعل المجتمعات البدائية تسير في الطريق الديني، فبينما كان دوركهايم يماثل بين المجتمع والدين بحيث يبدو هذا الأخير من مقومات الاجتماع، لا يرى غوشيه في الدين عنصراً ملازماً للمجتمع بصوره أبدية، بل ينظر إليه بوصفه اختياراً وتأسيساً، وهذا التأسيس لا يفهم برأيه إلا من خلال فكرة الدين، فالدين هو في اصله دين البشر للعالم الآخر وللكائنات العلوية الفائقة، وفكرة الدين هي التي حسبما يرى غوشيه لإدراك طبيعة السلطة وللوقوف على ماهية الاجتماع ذاتها وبيانه، وفي هذا الإطار يتمثل المعتقد الديني التنظيم الاجتماعي، والدين معطى لنا ومفروض علينا من جهة متعالية، فنحن نتقبل النظام الذي يشدنا بعضنا إلى بعض وعلينا أن نتقبله كما تلقيناه، بهذا المعنى تكون مجتمعات الدين مجتمعات تقليدية، وهذا الدين ولى دون رجعة ومجتمعاته باتت من الماضي ليس فقط في العالم المتقدم بل في معظم أنحاء العالم.
3_ أن مفهوم الخروج من الدين لا يعني عند غوشيه هو التخلي عن المعتقد الديني، إنما هو خروج عن التنظيم الديني للعالم، وهو ليس نهاية الاعتقاد الديني وممارسة شعائره الخاصة بل نهاية الدور الاجتماعي للدين، ومفهوم الخروج من الدين لا يناهض الدين في جوهره وإنما يعادي المطامح الدنيوية للنخب الدينية، ويحدد للمؤمنين الاحتفاظ بإيمانهم الشخصي وبالإخلاص للعالم الآخر مع امكانية دخولهم المجال السياسي المشترك والمستقل عن الدين في هذا العالم المعاصر كون السياسة لا تندرج في ذات الدين أو نظامه المعرفي، ويعني هذا المفهوم ضمان حرية الأديان والطوائف والجماعات الدينية في تنظيم بدون وصايا الدولة ودخول المدني حيث أن هذا الفصل بين الدين والدولة يحمي الجماعات الدينية من تسيس الدين، أو تديين السياسة واستقلال كل منهم عن الآخر، ومع ذلك يعتقد غوشيه أنه لا يزال الخروج من الدين مستمر، بدليل انخفاض وانهيار العبادات والتراجع في الأساسيات وتناقض الارشادات الربانية، وأن مسألة الخروج لم تعد ظاهرة غربية بل اصبحت ظاهرة عالمية، وببساطة شديدة كان ذلك بتأثر العولمة.
4_ ضروري أن تكون الدولة حيادية تجاه الدين، وقد أهتم غوشيه بالدين لأنه هو المحرك الأساسي للمجتمع، وأهتم بالسياسة لأنها هي من تنظيم المجتمع، وأن ظهور الدولة ارتبط مع الدين ولابد من أن تكون الدولة مرتبطة بالدين وجسد هذا الارتباط هي الدولة الملكية، والدولة لم تجد لخدمة الدين، وإنما وجد الدين لخدمة الدولة.
5_يعتقد غوشيه أن الديمقراطية تدار بقواعد اخلاقية متجذرة في المعتقدات الدينية، ومنظومات القيم المؤسسة على الدين، وقد انصهر الدين في الديمقراطية وهدف الديمقراطية هو أن يسترجع المجتمع البشري حقه في إدارة أسبابه وجوده، وتحت راية الديمقراطية بدأ التحول في المعتقدات الدينية والتطورات الاقتصادية وظهور الهويات الفردية والثورات العلمية. فالديمقراطية قوضت الدين ومن جهة أخرى تسببت الثورة العلمية في تراجع المنظور الديني للطبيعة والعالم المادي، وهو ما أضعف تأثير الدين على التفكير العلمي ومناهج تفسير العالم المادي، وبه يظهر وبشكل واضح أن الدين يعرف تراجعاً في هذين البعدين( المعرفي والتنظيمي، السياسي) بسبب مناهج التسيس المعاصرة، ومناهج البحث العلمي التي بدأت تتبلور في بردايغم يعيد هاجس أو إيمان ميتافيزيقي، وقد أخذ العلم خصوصاً مع اوجست كونت بعدم الأخذ الدين كأساس المعرفة حول العالم ومنذ ذلك أصبح العلم بمناهجه التجريبية الوضعية التي لا تتعاطى إلا ما هو مادي، وأصبح ذلك هو السبيل الوحيد بالنسبة لإنسان الحداثة لفهم العالم في ابتعاد عن كل مقولات الأديان، ويظهر انسحاب الدين بشكل أكبر في الحقل السياسي والعلمي حيث الدين منسحباً تماماً إلا على صعيد المجال الخاص. ويعتقد غوشيه أن الديمقراطية تعطي للمواطنين حرية وتعبير عن أفكارهم، حيث لا يلزم بأي دين، بل يختار دينه وأفكاره بإرادته الحرة، وهو ما يتوافق مع البعد الروحي للأديان السائدة في المجتمعات الحداثية، وعلى الدول أن تحمي حقوق وحرية الفرد في اختياره للدين الذي يجده مناسباً، بل تحرس ممارسته من طرف المؤمن بها. ويعتقد غوشيه أن الديمقراطية تعرضت لأزمة وهي من أنتجت الهويات بسبب عدائها لبنيتها التحتية، واصبحت الديمقراطية تخفي ورائها السلطة الاقتصادية.
6_ يعتقد غوشيه أن هذا العصر هو عصر الفردية عصر الهويات، وأن التبعية الدينية لم تعد تشكل الهويات، بل التبعية الميكانيكية والآلية والاقتصادية قد حولت المعتقدات إلى هويات وهو ثمن الفردية التي ذهبت إلى أبعد الحدود والدين بدأ يأخذ ويتشكل ويأخذ الهوية الفردية، وأن ما يعود هو الهوية وليس الدين، والمجتمعات الديمقراطية تتجه من توحيد المواطنين ضمن متحد سياسي إلى التعددية، أي وجود مجموعات بشرية ضمن الإطار العام للدولة تتمايز هوياتياً، سواء كان هذا التمايز قائماً على الدين أو العرق أو الجنس أو الميل الجنسي، هذا التمايز ليس عودة الدين، بل هو مكمل لخروج الدين، فميل الناس إلى إعادة انتاج رموز ثقافية لا يعني أنهم أعادوا بناء مجتمعات الدين القديمة، بل هم حولوا معتقداتهم إلى هويات، ويعيشون ضمن حالة اجتماعية تقر بشكل مبدأي بالمتحد السياسي الدنيوي الذي ينظم علاقات جميع الهويات دون أن تطغى أحدها على الأخرى، الاعتراف بهوية الاخر هنا هو شرط مبدأي للاعتراف بالهوية الذاتية، وبالتالي فلا يوجد دين ناظم للرابطة الاجتماعية ولا يمكن أن يوجد، وألا ستنهار بنية التعدد الهوياتي من أساسها، وتسعى الهويات المتجاورة إلى كسب اعتراف الدولة وتطالب بإعطائها مساحة لتمارس فيها تطوراتها عن ذاتها، بما يكسبها وجوداً موضوعياً في أعين أفرادها إلا أن هذا الوجود الموضوعي لا يعني أنها باتت قادرة على تحديد مصائر أفرادها بشكل تام، فلا وجود لأي حيز قادر على ضبط الأفراد بشكل متعالٍ كما كان سائداً في عصر الدين.
ABSTRACT
Gauche occupies a central place in current thought, he has presented dozens of books to the intellectual library, on modern topics such as modernity and democracy, has been interested in political thought and the relationship that governs the work of politicians, and Gauche is the most prominent advocate of democracy and individual freedoms, did not prevent him from the state of emergency that the world is going through as a result Corona s pandemic is that he renews his faith in the same principles he defended through his famous magazine (Controversy),´-or-through his extensive presence in the media,´-or-through websites, so Gauche believes that this epidemic should never forget us the fact that democracy is always a solution to all Problems, including urgent ones Gauche is considered interested in politics, and among the most prominent contemporary philosophers, who advocated the strengthening of epistemological epistemology of secularization, where he joined the theory of de-magic of the world invented by Max Weber, although it had origins in Nietzsche s philosophy of religion. Gauche worked from the beginning on political philosophy, and he sees that there is a kind of disparity between what politicians know and what they say publicly, and therefore politicians become not themselves when they speak in an office´-or-closed session, and when they speak in front of the lenses of photography, because of their fear of slipping into the conversation And declaring a kind of resort to silence, which is expressed in the following sentence: The politicians are prisoners of their convictions, and the best thing they can do is to be silent.
الهوامش:
1_ ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية(مسار العلمنة)، ترجمة شفيق محسن، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ص7_8_9_29_95.
2_ ينظر المصدر نفسه، ص10_11.
3_ينظر مارسيل غوشيه: الإسلام والديمقراطية(حوار مع غوشيه)، ترجمة منوبي غباش، بحث منشور على شبكة الانترنيت، مؤمنون بلا حدود. وأيضاَ مارسيل غوشيه: سمة العالم الحديث(الجهل) بحث منشور على شبكة الانترنيت، الاستغراب.
4_ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية، ص27.
5_ينظر المصدر نفسه، ص27_29_30_33_34_68_131_132_133.
6_ينظر مارسيل غوشيه: العودة الديني أو مفارقته(حوار مع غوشيه)، ترجمة الحسن علاج، بحث منشور على شبكة الانترنيت، الحوار المتمدن.
7_ينظر مهدي جعفر: مارسيل غوشيه وأطروحة انسحاب الدين من العالم المعاصر، بحث منشور على شبكة الانترنيت، مدونات الجزيرة.
8_ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية، ص31_32_33_24_95.
9_ينظر فارس إيغو: مارسيل غوشيه والثورات العربية، بحث منشور على شبكة الانترنيت، الحوار المتمدن.
10_ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية، ص11_12_24_28_53_56_57_58_126.
11_ينظر مارسيل غوشيه: العودة الديني أو مفارقته.
12_ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية، ص7_13_14_16_30_41_84_85.
13_ ينظر مارسيل غوشيه: نشأة الديمقراطية(ج1، الثورة الحديثة)، ترجمة جهيدة لاوند، دراسات عراقية، ص6_10_14_15_17_18_22_24.
14_ينظر مارسيل غوشيه: نشأة الديمقراطية(ج2، أزمة الليبرالية)، ترجمة جهيدة لاوند، دراسات عراقية، ص15_16_28.
15_ينظر مارسيل غوشيه: الدين في الديمقراطية، ص12_13_14_15_113_117_118_121_123



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة عند سلامة موسى


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه