أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران















المزيد.....


حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 6808 - 2021 / 2 / 7 - 02:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" أنتبه إلى يسارك أنه يمين، أنتبه إلى الأمام أنه خلف، عبدالرزاق الجبران


عبدالرزاق الجبران( مفكر عراقي من مواليد البصرة 1971، صاحب مشروع الوجودية الإسلامية، من مؤلفاته: لصوص الله، جمهورية النبي عودة وجودية، جمهورية الله جيندار سماء وجودية، جيندار السر الأحمر، الحل الوجودي للدين انقلاب المعبد، مبغى المعبد وشريعة المرأة، الرجل فقه الجسد). يمتاز الجبران بكتاباته بلغة أدبية سحرية شعرية ونثرية، وتدور أغلب مؤلفاته حول تأصيل وتأسيس للوجودية في الإسلام ويرى أن الوجودية التي وجدت في الغرب على يد أول روادها الذي تأثر به الجبران سورين كيركجارد(1813_1855) كانت موجودة في الإسلام، ويعتقد الجبران أن الأساس في الدين هو جاء للإنسان، ومن ابعده عن الإنسان هم الفقهاء والسلاطين الذين قادتهم المصالح الشخصية والأنانية، ويقول الجبران" نقوم بالدرجة الأولى باستعمال معولنا في هدم التشريع الكهنوتي وعموم المنظومة وفضحها، فهي تحمل اسس الحقيقة ولكن يضعها بألف طريقة وطريقة، سواء في التأويل أو في التحوير أو التزوير أو التهميش أو التجاوز والتغافل والأرشفة".(1) يستعمل الجبران فأسه في حفر ما هو غير مسموح به، ونعتقد أنه لا يستعمل فأسه لتهميش اليقينيات، وإنما يريد يهشم البناء الفاسد الذي بني على اليقينيات، ونلاحظ أنه في الكثير ما يعتقد أن المعبد والفقيه هو من سبب دمار الإنسانية وتخلف مجتمعها، وإن كنا نتفق معه في الكثير من المواقف ونتفق بأنه يوجد الكثير من رجال الدين من أفسدوا الأمم وخير مثال على ذلك صكوك الغفران والتشضي المستمر في الأديان، لكن كان الأكثر فساداً هم مدعين الليبرالية والألحاد، فالتاريخ الغربي شاهد على ما قام به مدعين الألحاد أمثال هتلر وغيره الكثير، ويبدو من كتابات الجبران أنه يعتقد أن الشر كل الشر موجود عند رجل الدين والمعابد، وهذا كلام غير منصف بحق الكثير من رجال الدين والفقهاء الذين اعطوا حياتهم مقابل الإنسانية، وحتى علي بن أبي طالب وابا ذر وغاندي الذي اعجب بهم الجبران هم كانوا عابدين ويعتقدون بالمعبد وأن لم يكن غاندي مسلماً، بل هو كان يحترم الدين ويعتقد بالدين، لكن للأسف كاتب ومفكر كبير مثل الجبران يبني تصوره على اشخاص لم يكونوا فقهاء بل أن اغلب آرائهم مشكوك فيها، وهنا الجبران يقيم محاكمة على أغلبها هي غير منصفة، لكن مع ذلك نعتقد مع الجبران أن الدين سرق من قبل البعض واستعمل لأغراض واطماع شخصية، وهنا الجبران من خلال كتاباته المنمقة بالأدب الجميل يريد أن يعود للإسلام الذي جاء به الرسول(ص)، وما طبقه الصحابة، لكن مشكلة الجبران هو يستعمل فأسه ولا يراعي حرمة المفردات، وهذا الأسلوب هو الذي دعي بعض الدول منع نشره كتبه. أن الجبران معجب جداً بأبو ذر وفي كتابه الحل الوجودي للدين انقلاب المعبد، يهدي كتابه هذا إلى أبو ذر ويقول: إلى نبي الفقراء إلى من مشى وحده ومات وحده وخرج على المعبد وحده، إلى أبي ذر وحده وحيداً بصدقه ورأيه وعصاه وخبزته وربذته وصحراه. ويعتقد الجبران أن مبدأ أبا ذر مرفوض إلى يومنا هذا من قبل الكهنة وهو" يؤخذ المال بالقوة من كدس الأغنياء، لأجل جوع الفقراء"، ويرى الجبران في أبا ذر هو صاحب أول معول، إذ كانت صلاته هدم الفقر، وخشي أبا ذر أن ما هدمه الرسول أن يرجع من جديد، فكان أول ناقد( هنا الجبران يذكر أول كافر، لكن أرتأينا أن نضع كلمة ناقد أفضل من كافر، وذلك أن كلمة الكفر هي كلمة مخصصة للألحاد، وهذه مشكلة الجبران يستعمل الألفاظ في غير محلها، أو لا يراعي حرمة الألفاظ المقدسة) للتغيرات التي حصلت بعد رحيل الرسول(ص)، ويعتقد أن أبا ذر وجوده نبوياً، فلطالما أوجد الرسل أنبياء يفوقون الأنبياء، فالنبي ليس من يصافح جبرائيل(ع) وإنما من يصفع الظلمة، وليس من يسمع الوحي، وإنما هو من ينطق الحقيقة، ويقارن أبا ذر بالأنبياء والنبي موسى(ع) ويعتقد أنه فاق النبي نبوة وفاق شجاعة النبي موسى(ع) شجاعة.(2)( لا نعتقد أن مقارنة الجبران بالنبي موسى(ع) وأبا ذر هي مقارنة، بل هي قياس مغلوط، النبي موسى كان شجاعاً وأيضا أبا ذر، المقارنة بينهم لا تصح وتدخل في باب القياس المغلوط، كل شجاعة لها وقتها وزمانها وتصرفها).
الوجودية عند الجبران:
يقدم الجبران نظرة وجودية للإسلام بالعودة إلى إسلام النبي(ص) والصحابة وتهديم كل ما بناه الفقهاء، والوجودية الإسلامية هي عينها التي قامت عليها كل الاحكام الصوفية التي خرجت على احكام المعبد، كما أنها المنطق الطبيعي لسنة الرسول(ص) واصحابه، وهي المنطق بين الشريعة والحقيقة، والوجودية الإسلامية لا تريد إلحاق الدين بالوجودية المعروفة لتكون وجهاً كيركجارياً أو سارترياً، الوجودية التي يسعى إليها الجبران هي مزيج من الثقافات والاتجاهات وتجارب دينية وأخلاقية وجمالية وصوفية وفلسفية وأدبية على طول التاريخ أنتجت معنى إنساني وجودي حياتي بمعاناتها الوجودية، وما يؤثر على الإنسان كحياة وكوجود وليس كمعبد وعلوم، لذلك أخذ الاسم الوجودي، وأيضا تأثر الجبران بالوجودية الغربية واعترافه بالوجودية الغربية وما لها من تأثير قوي، فهي مدرسة ارادت أن تكشف معنى الوجود الإنساني كي تعلم الإنسان إنسانيته ووجوده الحقيقي.(3) ويعتقد الجبران أن التحول من المعبد إلى قيم الوجود، لا يكون هجر المعبد، وهجر للدين الإلهي، وإنما هجر للدين البشري، وبحث عن الدين النبوي في قيم الوجود الإنساني، ويرى الجبران أن الصحابي بلال الحبشي اقتنع بهذا الدين، لأنه وجده إنسانوياً حياتياً، وليس لا هوتياً، فبلال لم يكن يبحث عن لا هوتين يعلمونه العبادة، وإنما عن إنسان يخلصه من العبودية، فالأزمة في حياته لم تكن أزمة لاهوت، وإنما وجودية في استعباده، ولم تكن مشكلة عقيدة، وإنما مشكلة ظلم ، لم تكن مشكلة سماء، بل مشكلة أرض، وبلال لم ينظم إلى الإسلام ويحتمل كل صخور قريش وسياطها بسبب لاهوتي معرفي، بل أنظم إلى هذا الدين الجديد، لأنه فقط يقول بظلامة العبودية، وأن الناس سواسيه فعجبه هذا منطق الحياة.( يصور الجبران أن الصحابي بلال كان طامعاً بالحرية ولا يهمه أي دين بل المهم الحرية، أن بلال تحمل صخور قريش وينادي بالله الأحد ولم ينادي بالحرية أو مفاهيم التحرر والمساواة، بل نادى بالله الواحد، أن مشكلة الجبران هي الفصل بين الدين والإنسانية، وهذا منطق مغالط وغير كامل لا يمكن بناء نظرية على مجموعة فقهاء مشكوك في أمرهم، بل يفترض من الجبران الرجوع إلى الفقهاء اصحاب الرأي العاقل، أن الدين الإسلامي لا يمكن فصله عن الإنسانية).(4)
مفهوم الدين عند الجبران:
إن الله(جل جلاله) قد سرق من اللصوص، ويريد الكهنة من الإنسان العودة إلى الله(جل جلاله)، وهم لم يعيدوا الله(جل جلاله) إليه، لن تعود البشرية إلى إنسانيتها حتى تتخلى عن كهنتها، فالله(جل جلاله) بيد الكهنة، وليس بيد الشعراء والعشاق، فهؤلاء للقلب والجمال وأولئك للحرب والمال، إن الله(جل جلاله) كاتب للحقيقة، ولكن مطابع الكهنة لا تقبله. ينتقد الجبران دين الفقهاء، ويعتقد إنه لم يقتل الإسلام ألا الفقه ولم يقتل المعبد إلا الكاهن، والدين هو دين الإنسان فالدين هو لتحرير الإنسان، وهو هنا يعلي من شأن الإنسان، فالدين الحقيقي هو الذي يرثه الإنسان من افعاله، وليس من الإرث الاجتماعي، فالرسول(ص) بعث التبشيرات للإمبراطوريات ليس للحكم عليها، وإنما لنشر العدل وبدليل إنه لم يذهب للحبشة لوجود حاكم مسيحي عادل فيها. لكن المشركين أثروا في وقتنا الحاضر بالمسلمين أكثر من الرسول(ص) فأحكام الفقه حالياً تنتمي إلى المشركين ونؤدي عبادتنا بعقل المشركين.( الجاهلية أُثرت وتأثر بالمسلمين أكثر من الإسلام والمشركين). ولكي تكون مؤمناً عند الجبران، فعليك أن تكفر بالمعبد وأن تنكر كل فقه واحكامه وسلوكه وتاريخه، بل الأمر بالمطلق كي تكون مع الحقيقة، فعليك أن تكفر بما اتفقت عليه البشرية من أشياء مازالت تسمى الحقيقة سواء كانت تاريخية أو دينيه أو قيماً، وأن الحقيقة الأكثر وجودية والأهم تاريخياً، هي أن الإنسان عبد لكهنوته وليس للاهوت، إذا لم يتبع متدين الله(جل جلاله) يوماً، ويتبعون رجال دين، تماماً كما لم يتبع متدين يوماً كتاب الله(جل جلاله) وإنما كتبهم فحسب، فالحقيقة المهملة وسط المعبد هي أن الكهنوت استعبد الله(جل جلاله) ولم يعبده، وأن الكثير انتقلوا إلى الإسلام بعقول أبي لهب وأبا سفيان، والأديان الحقيقة ليس تلك التي تملك إلهاً حقيقياً، وإنما تلك التي تملك إنساناً حقيقياً، وإن قيمة الإنسان ليس بنوع الآلهة وإنما بنوع الإنسانية، فالدين يقاس على قدر إنسانيتنا، وليس على قدر الألوهية، أي بقدر تبجيل الإنسان فيه وقدر كرامته وحريته ووجوده، وليس قدر تعظيم العبادة، والدين هو ما يمنح الحياة وليس ما يمنح إلهاً، وأن الرسالة الدينية لدى النبي لا تريد الدعوة لله( جل جلاله) كما هو دور الدعاة، وإنما هو دعوة للخير والإنسانية ، والرسالة لا تريد نبياً يبني معبداً لله( جل جلاله) وإنما نبي يبني قلباً للإنسان. أن مشكلة البشرية تقيس الله(جل جلاله) بالكاهن والدين بالصلاة والخير بالفقه، والله(جل جلاله) أكبر من أن يقاس بالكهنة، والنبي أكبر من أن يقاس بمصلي، ولكن المشكلة وهي نلتجأ إلى الله برجل الدين، مع أنه على رجل الدين أن يلتجأ إلى الله بنا، أنها البشرية دائما تخيط ثوبها بالمقلوب، فالمعبد هو من يقر الحقيقة، وهو عينها ولصها وناهبها وسجانها وفي عين محرابه، والمعبد يعيش على الكذب وليس على الصلاة، ويتساءل الجبران ما فائدة الدين هل الدين أن تقيم صلاة في المعبد، أم الدين تقيم إنساناً في الناس، فالدين الإسلامي سرق بعد رحيل الرسول، وخير من أكد ذلك الإمام علي(ع) " صار دين أحدكم لعقة على لسانه" فالمسلمون هم من ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق، واصبح الإسلام متمثل بالسلاطين واصبح أسوأ من الجاهلية التي حاربها الرسول(ص) وخير مثال ما حصل في واقعة الطف الأليمة، عندما أخذوا نساء أهل البيت (ع) سبايا، والسياط تنخر اجساد النساء والأطفال فكانت السيدة زينب(ع) تقول لهم أن لم تكونوا مسلمين كونوا عرباً، لأن العرب في الجاهلية في غزواتهم يحترمون النساء وليس من الشهامة ضرب المرأة، ولذلك جعل السلاطين والفقهاء القانون باسم الإسلام، في حروبهم الداخلية والخارجية، في جواريهم وعبيدهم، في نسبهم وحكمهم، في صلاتهم وحجهم، في خمرهم وعربدتهم. ويعتقد الجبران أن الدين ليس دفاعاً عن الألوهية، وإنما دفاعاً عن الإنسان، وليس عن الشريعة، وإنما عن الحقيقة حتى وأن كانت للمبغى على حساب المعبد، ولكن الناس لن تقبل ذلك، لأنهم غدوا نسخة كهنوتية أكثر عصبية من الكهنوت نفسه، إذ للأسف ليس كما تكون أنبيائكم تكونوا، وإنما كيفما تكون كهنتكم تكونوا، هكذا كان التاريخ بين الناس وكهنتهم، وهكذا تأسست كل القيم والقوانين والتقاليد، ووضع الكهنوت شريعة أرضية وسنوا لأجسادهم ونفوسهم قانوناً قاسياً، وحفروا لقلوبهم وعقولهم قبواً عميقاً مظلماً. لذا لن يكون التجديد مجدياً بإنقاذ وادي الإسلام، وإنما بإنقاذ النبي من الإسلام. ( نتفق مع الجبران أن الدين وجد للمساواة بين الناس، ولكنه كثيراً ما ينقد جميع طروحات الفقهاء، ويعتقد أن المعبد هو السبب الرئيسي بالتخلف الذي رافق الإنسانية، لكن العلمانية والأفكار الغربية التحررية صدرت الكثير من الطغاة، لكن الجبران هنا يعظم المساواة وحرية الإنسان على حساب العبادة، ونحن نعرف أنه يقصد الفقه المزيف لكن يفترض من الجبران التكلم بالخصوص وليس بالعموم ومراعاة الألفاظ المقدسة، العبادة هي واجب على الإنسان وذكرت في القران الكريم، ونعتقد وإن لم تذكر في القران الكريم، من شرف وحرية الإنسان شكر الله(جل جلاله) وذلك لأننا لا نمتلك شيء إلا بالله(جل جلاله)، أما الفتوحات الإسلامية وأن حصل فيها الكثير من الظلم وعدم مراعاة تعاليم الإسلام لكنها قياساً بالاستعمار الغربي والمغول والخ...، كان أرحم بكثير وذلك ما أكده المستشرقين الغربيون أنفسهم، فهذا غوستاف لوبون(1841_1931) يعتقد إنه لم يشهد التاريخ فاتحاً أرحم من العرب).(5)
مفهوم الكفر عند الجبران:
الكفر ليس هو التخلي عن المعبد وطاعة معبد آخر، وإنما هو التخلي عن القيم الإنسانية وطاعة القيم المتوحشة، وليس الكفر هو نفي وجود الله(جل جلاله)، بل ارتبط بقتل الإنسان وتجويع الإنسان ومحاربته كل هذا الافعال عين الكفر، لذلك ذكر في القران الكريم" قتل الإنسان ما أكفره" (سورة عبس، الآية 17 ) أن قضية الكفر هي قضية إنسانية وليس إله، لكن اعتبرها الكهنة هي بمجرد الخروج على سلطة المعبد، وهم بهذا سرقوا أيضاً حتى مفهوم الكفر.(6)
الدين والقلب عند الجبران:
يعتقد الجبران أنه لابد من اتباع القلب والضمير في رؤية الإسلام، لكن من المؤسف هو أمر الناس في انصياعهم للفقهاء، وملكوا قلب وعقل البشرية وتحسبه أنه تسليم لله، رغم أنه تسليم للكهنة ليس إلا، هذه هي مشكلة الناس، الله(جل جلاله) يصب الأنبياء والناس تشرب الفقهاء، ولن يجد الإنسان نبيه واحكامه إلا عن قلبه ومجساته، لأن القلب بقية الله(جل جلاله) وروحه التي نفخها في أبن آدم، القلب إله الإنسان وهو نبيه بالتالي، وديانة القلب تقوم في كل أسسها وغاياتها على الإنسان ووجوده، وليس المعبد ومكانته، إذ لم تكن غاية النبي تربية اللحى والحجاب والمساجد لتشير إلى الله(جل جلاله)، وإنما تربية قلوب تشير إلى الإنسان، لأنه ليس الله(جل جلاله) هو مشكلة الوجود، الإنسان هو مشكلته، كما أن النبي لا يكون لديه الفرد مسلماً بجعله في قلب المسجد، وإنما بجعله في قلب الإنسانية، وأن التدين في وعي الرسول هو كيف تغدوا إنساناً في الشارع، وليس كهنوتاً في المعبد، الله(جل جلاله) لا يريد معبد يعبد به، وإنما يريد إنساناً يحرر به وبعبارة ثانية( هم الله عباده وليس عبادته)، والنبي أرسل لنصرة بلال وليس لنصرة الله(جل جلاله). يدعوا الجبران لاعتناق منطق القلب، لأنه منطق إنساني لا يختلف عليه الشرقي ولا الغربي ولا الأسود ولا الأبيض، لا أهل الصحاري ولا أهل الجبال، بينما يختلف عليه المسجد والكنيسة، بينما منطق المعبد هو منطق طائفي جماعي وعصبوي، منطق الفرقة الناجية وتراث الأجداد والسلف الصالح، ومتى كان صالحاً وهو قد علم الناس القتل والصلاة في نفس المعبد، أما العقل وحده من يخون القلب، وفي هذا بالذات خان الفلاسفة العوام، لأن العوام وعموم أهل الله(جل جلاله) كانوا يمشون بقلوبهم، فعلمهم الفلاسفة أن يمشوا عليها، أن القلب مسلة الإنسان وعنوانه ووجوده وإليه يعود اسمه ودينه ومعارفه، وكل أزمة الحقيقة معه، لا عقل ولا فلسفة ولا فقه ولا إجماع بشري كل ذلك كذبة شرب بها الناس وما زالوا يشربون، وعنها شربوا كل دماء إخوتهم باسم ذلك الفقه وذلك العقل والاجماع. العقل يفسد الحقيقة أكثر ما يفسد الكاهن المعبد، لأنه نتاج بشري ولأن كل ما هو بشري متهم في أوساخه، والعقل البشري ما هو إلا ركام تاريخي من عقد البشرية ومصالحها وظروفها وجهلها وجبنها، والعقل لا يمكن أن يكون مفردة النقاء.(7)
الدين والدولة عند الجبران:
الدولة الدينية تقوم كل أسسها على حقوق الله(جل جلاله)، بينما الأساس الطبيعي للدولة هو حقوق الإنسان، والإنسان من يعيش في الدولة، وليس آلهة، وقضية الدين قضية القلب، ومسألة فرد وينبغي أن تحكمه قيم الذات لا سوط السلطان أو احكام الفقيه، أي أن الدين قانون داخلي، لا خارجي كما هو قانون اصطلاحاً، إذن قيمة الدين في أنه يؤسس لحاكمية الضمير، ويؤسس للوجود الداخلي لا الخارجي، ومن قواعد الجمهورية هي أن القلب إله الإنسان، ليس لأنه بقية الله(جل جلاله) في الإنسان، وإنما لأن الإنسان لا يجد نفسه إنساناً إلا به، ولا يمكنه تذوق الوجود أو الشعور بأنه موجود فعلاً إلا به، في حبه وفراقه وجماله، في الموت والهزيمة والانكسار وفي الكرامة والشهامة والمرؤة، لأن القلب وحده من يحدد تلك الاسماء لا العقل. وقد كان الرسول(ص) يريد قبول أفكاره الإنسانية كي تتحرر الناس وليس قبول نبوته لكي تتحول الأرض إلى معابد يصلي بها الناس، بل أن كان ولابد أن فليبقوا مشركين باللات والعزى، لكن ليكونوا إنسانيين مع الناس، لذا كانت أزمة أبي لهب مع النبي ليس لأنه سيهدم اللات والعزى وهبل، وإنما لأن الرسول(ص) سيساويه بعبده بلال الحبشي. ويفترض أن تكون جمهورية النبي لا تبني وجودها وقيمها على أهرامات الطين لتسجل على أنها حضارة، كما سجل العالم الحضارة الفرعونية والاهرامات، وإنما الحضارة تبني في الطين البشري أهرامات وأهرامات إنسانية لا فرعونية، أي تبني أمثال الحسين وأبا ذر، وليس مثل خوفو وخفرع ومنكورع، والغريب أن البشرية تفتخر بتاريخ الاهرامات والفراعنة التي بنيت على الظلم والاستعباد واحتقار الناس والقتل الجماعي، وأن مقياس الجمهورية هو الفرد لا الحضارة، ولأن الحضارة كانت دائماً بمعنى جماعي قيمها تقوم على الحفاظ القومي، دون المبالاة بقيم الفرد، فالمهم مصر لا المصري، الإسلام لا المسلم والدين وليس الإنسان والمسجد وليس الجياع، وهو عكس ما كان يريده الرسول(ص) وهو أن يغدو الفرد هرماً ولتبقى الخيام لرمالها، لكن للأسف اسس المسلمون جمهورية للظلم والاستعباد، أما جمهورية النبي تريد أن تبني الإنسان وصناعته، وليس صناعة المدن والجماعات والإمبراطوريات، كما يتفاخر المسلمون بالفتوحات علماً أنها فتوحات السلاطين وليس المسلمين. دائماً كانت مشكلة الوطن هي سلطته، كما أن مشكلة الدين هي رجاله، وعنهما يبدوا أن هنالك سنه تاريخية لا تحيد عادة في الدين والوطن، إذ ينتهي الأمر دائماً مع الزمن أن يدفع النبي ضريبه رجاله، كما يدفع الشعب ضريبة سلطته، ويفقد النبي دينه برجاله كما يفقد الشعب وطنه بسلطته، فلا يبقى مذاقاً للدين ولا للوطن، حينها تأتي سنة المنفى بحثاُ عن النبي والوطن في التيه، ولكن منفى الدين داخلي وتيهه كذلك، على عكس الوطن بمنفاه الجغرافي، الوطن تعود إليه بقدميك، ولكن الدين لن تعود إليه إلا بقلبك، وفي كل الأحوال الرجعة دائماً دامية سواء في القدم أو في القلب. ويدعوا الجبران لاعتناق حكومة مثل حكومة الأمام علي(ع)، ويرى أن الأمام علي بتواضعه وزهده وارتضاه بالسكن في بيت متواضع قد ألغى فكرة السلطة، فلم يجد الأمام علي(ع) بالإمارة حقاً استثنائياً في المال والأرض، فبقى له ما للجميع، ولم يقبل بقصر الأمارة في الكوفة ونزل في بيت يملكه أفقر فقراء الكوفة، وكان معارضوه يتجاوزون عليه إلى حد السب، فلا يبطش بهم ولا يمنع عنهم المال، لأنه يراه أمر شخصي، وما بيده من حكم ليس سلطة ولا ملك، فالسلطة ملك للناس، وبذلك لا وجود للسلطة في جمهورية النبي، هناك نظام ضابط يوكل إليه الأمر، أي هناك مجموعة من الشعب مكلفة بنظام الشعب، وبالتالي لا وجود لحاكمية دينية ولا حاكمية علمانية. لهذا لم يمارس النبي(ص) دوراً سلطوياً في المدينة، ولم تكن لنبوته شكلاً من ذلك، بقدر ما كان مقيماً لنظام المدينة، ولم يفرض اللحى ولم يقطع الرؤوس ولا منع فناً، ولم يجبر على دين. أن النبي(ص) لم يجلب أحداً لدينه بالسيف ولم يرغم أحداً على السير معه، كما لم يرغم أحداً على البقاء معه، وكان النبي يفضل أن يمشي وحيداً بالله(جل جلاله) خير من أن يمشي بجيش معاوية عائداً بجيش من الجواري، وأن ما أوصى به النبي(ص) من تحرير الناس عاد استعباد لهم بعد حين، وما أرسله من رسائل إلى قيصر وكسرى في ترك استعباد الناس زاد عليه متبعيه، وأن الله(جل جلاله) أرسل دينه من أجل بلال كي يتحرر، وليس من أجل مأذنة المسجد الحرام كي تبنى، وهكذا توسعت مساجدنا وتكبل بلالنا. مسكين النبي(ص) متهم في حياته وفي مماته، في مكة كما في الدنمارك.(8)
مفهوم الزواج والطلاق عند الجبران:
يعتقد الجبران أن مشكلة الزواج هي بيد المعبد والكاهن، ولا يصح الزواج ألا بهما، وأن مشكلة الكاهن ليس هو أن يحرم الزواج بين أناس لا تجتمع اديانهم، بل أن مشكلته هو أن يحلل الزواج بين أناس لا تجتمع قلوبهم، وهذا المشكلة مارسها المعبد بالزواج وبذلك نشر الزنا، ومشكلة الكاهن هو أنه لا يعرف الحب لذا لا يمكن أن يعرف الزواج وهذا هو أهم اس بديهي، والكاهن حينما شرع الزواج وجعله خاصية المعبد لا القلب، كان مشركاً بالحقيقة ومخموراً بالحمق، لأنه كان متوسماً للخطيئة في عين عقده لزواجهما وساقياً بكأس الزواج مفاهيم الخيانة والأنانية والحقد والعبودية والعهر والفوضى والتيه. ويعتقد الجبران أنه دون أي حقيقة روحية بين الجسدين يبقى الأمر زنى ولو حضرت معابد الأرض كلها، فما لا توحده القلوب لا يمكن أن توحده المعابد. أما الطلاق فهو مفهوم بكل بداهة هو مفردة عبودية، ولا تكون إلا للعبد، أنها نمط من أنماط العبودية، والمؤلم في المنطق الكهنوتي هو أنه يقوم بطمس المثالية النبوية في نبذ الطلاق، وأن قضية الطلاق لم تكن مشكلة معرفية بقدر ما كانت مشكلة عرفية.( كثيراً ما نلاحظ الجبران في كتاباته متهجم جداً وبشكل خاص على الفقهاء، ويستعمل النقد كثيراً، ولا نراه يطرح حلولاً، والنقد أيسر من الحل، فالنقد سهل المنال، فمثلا في قضية الزواج يعتقد الجبران أن الزواج لا بد أن يكون من خلال التلاقي القلبي، وهل على المجتمعات أن تدع بناتهم تقيم علاقات، إلى أن تلتقي مع شخص يلتقي قلبها مع قلبه؟ الزواج هو بناء وشراكة واحترام أن توفر الحب كان جيداً، وأن لم يتوفر سيتوفر بناءاً على الاحترام، الزواج ليس مسألة قلبية، فكم من الاشخاص ألتقوا قلبياً وبعد مدة انفصلوا، وذلك بسبب عد تلائم الظروف وعلى أغلبها وهي عدم احترام مؤسسة الزواج، كان في الازمنة الماضية يسمى أول يوم للزواج هو يوم البناء، والآن يسمى ليلة الدخلة، وبمعنى ليلة المتعة، وهذا المفهوم الخاطئ للزواج هو من أدى إلى كثرة حالات الطلاق، أن الاحترام والحب صفتان غير مرتبطتان، حيث أن وجدت الأولى وجدت الثانية، فمثلاً العامل أو الموظف الذي يعمل مع مديره يستطيعون أن يبنوا مؤسسة رصينة بالاحترام وبدون الحب، وهكذا حال الزواج هو مؤسسة عمودها الاحترام وفرعها الحب. أن ما يدعوا له الجبران هو قضية طوباوية لم تتحقق بتاريخ الإنسانية ولا سوف تتحقق، أن مشكلة الجبران متأثر بقصص العشاق ويعتقد ممكن الزواج أن يقوم على قصص الحب، أما دعوة الجبران إلى نبذ الزواج الذي يقام في المعبد ومن قبل رجل الدين، فإذا لم يقام في المعبد، أو من قبل رجل الدين أين يقام وكيف يكون؟).(9)
الهوامش:
1_ينظر عبدالرزاق الجبران: لصوص الله(إنقاذ اليوتيوبيا الإسلامية)، ص12.
2_ينظر عبدالرزاق الجبران: جمهورية النبي( عودة وجودية)، ص113.
3_ينظر المصدر نفسه، ص188_189_190.
4_ينظر عبدالرزاق الجبران: الحل الوجودي للدين( انقلاب المعبد)،الانتشار العربي، بيروت، ص9_10.
5_ينظر عبدالرزاق الجبران: لصوص الله، ص3_5_12_23. وأيضاً عبدالرزاق الجبران: جمهورية الله(سماء وجودية، جيندار)، ص11. وأيضاً عبدالرزاق الجبران: مبغى المعبد، الانتشار العربي، بيروت، 2011، ص5_6. وأيضاً عبدالرزاق الجبران: جمهورية النبي، ص8_11_39_42.
6_ينظر عبدالرزاق الجبران: لصوص الله، ص5.
7_ينظر عبدالرزاق الجبران: جمهورية النبي، ص12_13_15_27_28_35.
8_ينظر المصدر نفسه، 29_30_31_51_53_61_125_149_155_198.
9_ينظر عبدالرزاق الجبران: مبغى المعبد، ص7_14_16_17.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في فكر قاسم أمين
- الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه
- الثقافة عند سلامة موسى


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران