أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة 51















المزيد.....

ظل آخر للمدينة 51


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7348 - 2022 / 8 / 22 - 14:12
المحور: الادب والفن
    


يمكن استشفاف بعض ملامح الحالة الراهنة في القدس الشرقية، من مقاهيها التي أغلقت أو التي ما زالت في طريقها نحو الإغلاق. يمكن أيضاً، ونحن نتتبع أحوال المقاهي، الإلماح إلى الثقافة التي تخيم على فضاء المدينة، وتدلل على ما استجد فيها من تطورات سلبية وأوضاع.
لتوضيح ذلك، لا بد من التحدث عن مقاهي القدس قبل هزيمة حزيران (يونيو) 1967، لأن ذلك يلقي الضوء على الوضع الذي آلت إليه هذه المقاهي بعد اثنتين وأربعين سنة من الاحتلال. التحدث عن المقاهي يعيد إلى الذاكرة، أيام ازدهار النشاط السياسي في المدينة، وخصوصاً أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، حيث اعتاد نشطاء الأحزاب الجلوس في المقاهي والترويج للسياسات التي تتبناها أحزابهم. وجرت الاستفادة في الوقت نفسه من المقاهي التي تتسع لعدد كبير من الناس (مقهى «زعترة» داخل باب العامود مثلاً) لعقد الاجتماعات الحاشدة للمرشحين لانتخابات البرلمان الأردني، حينما كانت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية آنذاك.
ولدى تبلور حركة أدبية مرتبطة بظهور مجلة «الأفق الجديد» المقدسية، خلال النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، شهد بعض مقاهي القدس حضوراً لمثقفين وأدباء من أبناء المدينة ومن خارجها، اتخذوا من هذه المقاهي أماكن لجلوسهم ولحواراتهم، سائرين في ذلك على النهج الذي سار عليه كتاب عرب وأجانب، كانت لهم مقاهيهم المختارة في مدن مثل بيروت والقاهرة ومدريد وبراغ. غير أن هذا الحضور لم يلبث أن اضمحل مع إغلاق المجلة ووقوع هزيمة حزيران.
قبل الهزيمة، كانت المقاهي تشكل مع النوادي ودور السينما والمكتبات والفنادق والمطاعم، مظهراً من مظاهر النزوع المدني المرافق لنهوض الطبقة الوسطى، وما يستتبع ذلك من ميل إلى الترفيه عن النفس والتسلية، ومن علاقات اجتماعية منفتحة، وتواصل مع الأصدقاء وقضاء وقت ممتع معهم، حيث يمكن لهؤلاء الأصدقاء - إن لم يذهبوا إلى السينما أو إلى المطعم - قضاء وقت في المقهى للعب الورق، ولتدخين التمباك الذي يوضع على رؤوس النراجيل وفوقه جمرات النار، في أوقات ما بعد العصر وحتى ساعات ما بعد المساء.
وأما في ساعات النهار، فالمقهى لم يكن يخلو من زبائن دائمين من الشيوخ المتقاعدين، الذين لا يطيقون البقاء في البيوت، وما يعنيه ذلك من رتابة وضجر. ولم يكن المقهى يخلو من قرويين قادمين إلى المدينة للصلاة في مسجدها الأقصى، أو للتسوق أو لبيع الخضار والفواكه ومنتجات الماشية من جبن وحليب وألبان. ولم يكن يخلو كذلك من شباب عاطلين من العمل، ومن معلمين وموظفين من أبناء الطبقة الوسطى الخارجين من دوامهم اليومي، أو ممن يقضون بعض أوقات إجازاتهم الصيفية أو غير الصيفية في المقاهي، التي لا تكلفهم سوى القليل من النفقات.
تميزت مقاهي القدس آنذاك، وخصوصاً تلك الواقعة في أسواق البلدة القديمة، بطاولاتها القصيرة الأرجل التي تتساوق في القصر، مع كراسي القش التي تصطف حول الطاولات، وبأجهزة المذياع التي تبث الأغاني ونشرات الأخبار، وبالعاملين فيها من النادلين ذوي الأصوات الممطوطة المنغمة، التي كانت تعطي المقاهي نكهة ذات وقع خاص. والمحظوظون من زبائن المقاهي هم أولئك الذين كانوا يسبقون غيرهم إلى الجلوس في الفسحات المكشوفة المتاخمة للأسواق، حيث تطيب لهم مراقبة الخلق الذين هم في غدوّ ورواح.
وخلال السنوات الست عشرة الماضية، أي منذ بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة الحواجز حول القدس، ومن ثم ببناء جدار الفصل، أخذت مظاهر الاضمحلال تعتري شتى مناحي الحياة في المدينة. وقد تفاقمت هذه المظاهر وازداد خطرها مع إخفاق السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها بلدان العروبة والإسلام، في إيلاء اهتمام أكبر بالقدس، وفي التصدي لإضعاف الوجود العربي الفلسطيني فيها، تمهيداً لتهويدها.
يضاف إلى ذلك تهميش الطبقة الوسطى الفلسطينية، وإضعاف تأثيرها السياسي والثقافي، لأسباب عدة، منها انسداد أفق تسوية الصراع العربي/ الفلسطيني - الإسرائيلي، وتشوه البنية الطبقية للمجتمع الفلسطيني، ما أدى إلى تراجع الثقافة الديموقراطية بتجلياتها العقلانية والتنويرية، والنكوص إلى حالة من تردي الوعي، استفادت منها الجماعات الأصولية ونجحت في كسب تعاطف فئات واسعة من الناس، ومن ثم قامت بملء الفراغ الناشئ عن تدهور مكانة القوى القومية واليسارية، هذا التدهور الذي أدى بدوره إلى إضعاف النزوع المدني، كما هو الحال على نحو واضح في مدينة القدس، وإن كانت له مظاهره المتفاوتة، في بقية مدن البلاد.
لذلك، لم يعد ثمة فضاء مدني يتيح للمقاهي فرصة للازدهار المنشود. فالمنتمون إلى الجماعات الأصولية، ما عاد المقهى يجتذبهم لتعارض رسالته الدنيوية مع رسالتهم الدينية. وأبناء الطبقة الوسطى أصبحوا أكثر قلقاً على المستقبل، وما عاد المقهى وارداً في حسابهم كما كان في السابق، خصوصاً مع ضعف التواصل الاجتماعي وسوء الأحوال الاقتصادية وانعدام الأمن في ظل الاحتلال. والقرويون ما عادوا قادرين على دخول القدس بسبب الحصار المفروض عليها. ناهيك عن أن الحياة في المدينة تضمحل كل يوم قبيل حلول المساء.
ومع تنامي الظواهر المؤدية إلى الاضمحلال، تحوّلَ عدد من مقاهي البلدة القديمة إلى محال للأحذية كما هو حال مقهى «زعترة». وتحول مقهى «صيام»، ومقهى «منى» داخل باب العامود إلى محلين للملبوسات، في حين بقي مقهى «صيام» الواقع في أول عقبة السرايا على حاله، بعد أن بليت كراسي القش التي لم يعد أحد معنياً بإنتاجها، ما اضطر صاحب المقهى إلى استخدام كراسي البلاستيك، التي تضفي على مقهاه طابعاً هجيناً مغايراً لطابعه التقليدي الأصيل.
وأما مقهى باب العامود فقد بقي على حاله، وهو أقرب ما يكون إلى الكافتيريا التي تقدم لزبائنها أنواعاً من العصير، إلى جانب المشروبات الغازية والقهوة والشاي، والأمر نفسه ينطبق على مقاهي باب الخليل وحارة النصارى، وعلى مقهى «الباسطي» في طريق الواد، حيث أصبحت هذه كلها أقرب إلى محلات الكافتيريا التي تستقبل السائحات والسياح، وهم قلة قليلة على أية حال.
فيما بقي مقهى «جابر» ومقهى «ناصر» داخل باب الساهرة، محافظين على طابعهما التقليدي، حيث النراجيل والزبائن ذوو الدخل المحدود من أبناء المدينة، الذين يقضون الوقت في لعب الورق أو طاولة الزهر، أو في الاستماع إلى الأغاني وفي التعليق العابر على بعض الأمور.
والمعضلة نفسها تتكرر خارج البلدة القديمة من القدس. فإذا استثنينا مقهى «الروضة» ومقهى «الراجح» اللذين حافظا على طابعهما التقليدي، فإن مقهى «الشعب» القريب من محطة الحافلات، تحول إلى معرض الشعب للأدوات المنزلية، ومقهى «العمال» الواقع في أول المصرارة، اجتزأ صاحبه ثلثي حيزه السابق، وجعل منهما محلاً لأجهزة الهاتف النقال، ومحلاً للمواد التموينية.
وفي حال بقي الأمر على هذا المنوال، فسوف تشهد القدس إغلاق المزيد من مقاهيها أو تحويلها إلى محال للأحذية أو للملبوسات، بعد أن أصبح الإقبال على المقهى التقليدي ذي الأجواء الخاصة غير ذي بال.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة50
- ظل آخر للمدينة49
- ظل آخر للمدينة48
- ظل آخر للمدينة 47
- ظل آخر للمدينة46
- ظل آخر للمدينة45
- ظل آخر للمدينة44
- ظل آخر للمدينة43
- ظل آخر للمدينة42
- ظل آخر للمدينة41
- ظل آخر للمدينة40
- ظل آخر للمدينة39
- ظل آخر للمدينة38
- ظل آخر للمدينة37
- ظل آخر للمدينة36
- ظل آخر للمدينة35
- ظل آخر للمدينة 34
- ظل آخر للمدينة33
- ظل آخر للمدينة32
- ظل آخر للمدينة31


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة 51