أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة50














المزيد.....

ظل آخر للمدينة50


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7336 - 2022 / 8 / 10 - 19:36
المحور: الادب والفن
    


عند نهاية سوق باب خان الزيت، يستطيع السائر في خط مستقيم أن يخطو خطوات عدة في فضاء مكشوف، ليجد نفسه في أول سوق العطارين. أما إذا انعطف ناحية اليسار، فسيجد نفسه في طريق عقبة السرايا، التي تشبه طريق الجبشة، في خلوها من ازدحام الناس، لندرة المحلات التجارية فيها. فليس ثمة سوى مقهى في أول الطريق.
أجلس على أحد كراسي القش في المقهى، وثمة من حولي عدد من أبناء الحي، من الكهول الذين جاءوا لتمضية وقت الفراغ. وثمة سائحات وسياح يجلسون في الفسحة المبلطة ببلاط قديم، وهم يدخنون النراجيل، وعلى وجوههم نشوة الذي يعيش تجارب جديرة بالتذكر في زمن لاحق.
من أمام هذا المقهى الذي يتجاوز عمره المائة عام، كنت أمر ومعي فتحي الشقاقي، فيصل العفيفي، وعادل عيد، متجهين نحو مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي تقع في نهاية طريق عقبة السرايا. كان فتحي لم يزل في بدايات شبابه، تعمر صدره أحلام كبيرة، لم تتبلور على نحو نهائي إلا فيما بعد. نعبر الطريق مسرعين كي لا يبدأ وقت الحصة الأولى، فنصل إلى طلابنا متأخرين. وفي ساعات ما قبل المساء، نغادر المدرسة على مهل، إما عبر الباب المفضي إلى طريق الواد، وإما عبر البوابة المفضية إلى طريق عقبة السرايا، نجتاز الطريق ونحن منهمكون في نقاشات لا تتوقف، ونظل نقطع الأسواق والشوارع حتى نصل إلى مقهانا الذي اهتدينا إليه مؤخراً، في شارع عمرو بن العاص.
الآن، أجلس في هذا المقهى الواقع في أول عقبة السرايا، أستشعر وقع سنوات خلت، وأناس كثر مروا من هنا، ثم ما لبثوا أن مضوا. كان فتحي الشقاقي واحداً من أهم من عرفوا هذا الطريق وساروا فيه.
أحتسي القهوة، وأنا أتأمل الناس القلائل الذين يعبرون الطريق. وأستطيع تمييز أهل الحي من غيرهم من المارة انطلاقاً من ملاحظتين اثنتين: فأهل الحي، ولا سيما المتقدمون في السن منهم، لا يمكن أن يجتازوا المقهى من دون أن يطرحوا السلام على الجميع، بسبب المعرفة الأكيدة وطول الجوار. أما العابرون من غير أهل الحي، فإنهم يجتازون الطريق دون أن يشغلهم أمر المجاملات الاجتماعية، فتراهم يمرون وهم مشغولون في أحوالهم يفكرون فيها، وأحياناً ترى بعضهم، يجتاز الطريق بمفرده، وشفتاه تتلفظان بكلام متصل، فتحدق فيه ومن حوله، لتكتشف أنه إنما يحدث نفسه.
أما الملاحظة الثانية التي تميز أهل الحي، فتتمثل في الخروج المتأنق، في ساعات ما بعد العصر إلى شوارع المدينة التي تقع خارج السور، فترى الملابس ما زالت محتفظة ببهائها لم "يجعلكها" سفر أو قيام أو قعود، وتكاد تلحظ من المشية المتئدة، ومن نظرات الأعين التي يوزعها العابرون والعابرات في فضاء الطريق، فيما إذا كانوا من أهل الحي أو من غير أهله، فيتملكك إحساس بالعرفان تجاههم، لأنهم يضاعفون من جو الإلفة المخيم على المكان، ويضفون بحركاتهم المتزنة المحسوبة، عذوبة تجعل للوقت طعماً آخر.
غير أن لاعب كرة القدم في فريق المدرسة الرشيدية أواسط خمسينيات القرن العشرين، الذي كانت له ملامح الممثل جاك بالانس، جعلني متشككاً فيما إذا كان من سكان هذا الحي، فقد اجتاز الطريق بمشية تنم عن استمرار عشقه للرياضة بالرغم من تقدمه في السن، ولم يلتفت إلى الجالسين في المقهى لطرح السلام عليهم، فاعتبرته من غير سكان الحي، ولم أجزم في الأمر بسبب معرفتي لسلوكه المترفع الذي ينأى به عن مجاملة أقرب الناس إليه، ولم أتوقف كثيراً عند هذا الأمر، ولم أفكر بالاستفسار من أحد أبناء الحي عنه، ولم يقم أحد منهم بالتعليق عليه، فاعتبرت الأمر منتهياً كأنه لم يكن أصلاً، وواصلت تأملاتي، ثم لم ألبث أن نهضت بعد أن طال مكوثي في المقهى.
سرت هابطاً في طريق عقبة السرايا، التي تحف بها بيوت قديمة لها بوابات صغيرة، فوق بعضها يافطات تتحدث كل واحدة منها عن كبير العائلة، الذي عاد بالسلامة من الديار الحجازية بعد أن أدى فريضة الحج. اقتربت من بوابة مدرسة دار الأيتام الإسلامية التي عملت فيها مدرساً العام 1971، تأملت جدران المدرسة التي تطل على الطريق بحجارتها الهرمة، فلم أتوقف طويلاً عندها. مضيت مبتعداً وأنا أسمع ثرثرات الطلبة، الذين لم يخرجوا بعد من المدرسة.
ثرثرات مبهمة كأنها قادمة من مكان سحيق.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة49
- ظل آخر للمدينة48
- ظل آخر للمدينة 47
- ظل آخر للمدينة46
- ظل آخر للمدينة45
- ظل آخر للمدينة44
- ظل آخر للمدينة43
- ظل آخر للمدينة42
- ظل آخر للمدينة41
- ظل آخر للمدينة40
- ظل آخر للمدينة39
- ظل آخر للمدينة38
- ظل آخر للمدينة37
- ظل آخر للمدينة36
- ظل آخر للمدينة35
- ظل آخر للمدينة 34
- ظل آخر للمدينة33
- ظل آخر للمدينة32
- ظل آخر للمدينة31
- ظل آخر للمدينة30


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة50