محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 12:16
المحور:
الادب والفن
أعود بعد هذا الغياب، إلى مقهى "منى" الواقع في أول طريق الواد.
أجلس في الفسحة الضيقة المحاذية لبلاط السوق. هنا في هذا المقهى كان آخر لقاءاتنا.
يظهر عمر فجأة في المقهى دون أن نعرف من أين جاء. نجلس في زاوية المقهى القصية كي لا يراه أحد المخبرين. كان يتدفق حماسة، ويعلن أنه لن يسلم نفسه لهم، وسوف يتدبر أمره للبقاء في هذه المدينة. يسألنا عن آخر أخبار اتحاد المعلمين، بل إنه كان يجازف بحضور بعض الاجتماعات معنا. يقطع أزقة فرعية كثيرة لكي يصل إلى البيت الذي كنا نعقد اجتماعاتنا فيه، قرب باب الخليل. ثم راح في الآونة الأخيرة يستشعر خطر الاعتقال، وكان ذلك يثير أعصابه، لأنه كان يدرك أن ثمة الكثير الذي عليه أن ينجزه.
لذلك، اختار أن يقطع النهر شرقاً لكي يعود من جديد. وهكذا فعل عمر، قطع النهر ولم يمكث هناك إلا بمقدار ما احتاجه من وقت لكي يتدرب على المهمة التي نذر نفسه من أجلها، ثم عاد محملاً بالأمل وبالإصرار، لكنهم كانوا له بالمرصاد، فلم يتمكن من البقاء طليقاً أي وقت يذكر.
أعود إلى المقهى الذي كنا نجلس فيه. عمر لم يعد موجوداً بيننا. وعلى مسافة عدة أمتار، مقابل المقهى تماماً، يقع حانوت العم عايد، ذلك الرجل المسالم، بالضحكة الخافتة التي لا تزعج طفلاً أو فراشة. وأنظر إلى داخل المقهى حيث يحتشد لاعبو الورق، ومدخنو النراجيل، وأتذكر كوكبة من رجالات قريتنا، الذين كانوا يمضون وقتاً غير قليل في هذا المقهى. لقد طواهم الموت، فلم يعد المقهى يحتضن ضحكاتهم المجلجلة، وأصواتهم الصاخبة، كلما دفعتهم إلى ذلك مشكلة مفاجئة، تحتاج إلى تدخل مباشر منهم، قبل أن يستفحل مداها ويتفاقم الشر بين المتخاصمين.
أعود إلى المقهى.
أغادره، بعد أن تتشابك في ذهني صور الذين غابوا، وتركوا المقهى يعاني من نقصان.
يتبع..
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟