أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة23














المزيد.....

ظل آخر للمدينة23


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6724 - 2020 / 11 / 5 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


وحينما أرسلتني بعد ذلك بأسابيع، لشراء السكر من حانوت القرية البعيد، شعرت بالمسؤولية وأنا أعود بالسكر إلى البيت. بدأت أولى قطرات المطر تتساقط. أدركت ما الذي سيحدث لي لو انهمر المطر بكثافة، فأعود إلى البيت وقد ذاب جزء من السكر الذي أحمله. سرت مسرعاً، ولم يسقط المطر إلا على شكل رذاذ عابر، ثم انقطع، فلم يحدث لي ما ينغص علي يومي ذاك.
وبالنظر إلى سوء الأحوال، كان سوق الباشورة، الواقع في البلدة القديمة، محطّ أنظار الكثيرين من أبناء قريتنا والقرى المجاورة. هناك، يعثر المرء على كميات لا حصر لها من الملابس القديمة التي تباع بأسعار رخيصة، وبوسعه أن يختار قطعة الملابس التي تلائمه. ومع ذلك، فلا يندر أن يشتري الأهل لأولادهم معاطف كبيرة الأحجام، فتظهر حقيقة مصدرها، إلا أنها كانت مصدر مباهاة، وبخاصة أمام أطفال اعتادت أمهاتهم أن "يسكّجن" لهم معاطف من البطانيات القديمة ذات اللون الرمادي الكئيب.
لا أذكر أنني زرت هذه السوق في سنوات الطفولة المبكرة، ولا أذكر أن أبي اشترى لي ملابس منها رغم أن حالتنا لم تكن تسر البال.
أما حالة جدي لأمي فلم تكن سيئة؛ غير أنه لم يفارق البرية طوال حياته، يسكن في بيت من الشعر، ينصبه على رؤوس الجبال صيفاً، وفي سفوحها البعيدة عن مهب الرياح شتاء. وقد كان سريع الانفعال، شديد الغضب، لا يرحم أحداً من أبنائه الذين كانوا جميعاً في خدمته. كانت جدتي مكلفة بحلب الأغنام والعناية بها كلما عادت من المرعى. غير أن قسوة جدي اضطرتها إلى هجره، فارتحلت إلى حي الصلعة، لتقيم بالقرب من ولديها اللذين هربا من قبل.
أول الهاربين، كان خالي الكبير، لأن جدي كان يعاقبه، كلما ارتكب خطأ أو اشتكى عليه أحد. يربط حبلاً طويلاً على وسطه، ثم يدليه في بئر مهجورة خالية من الماء، ويحبسه فيها، فيظل أياماً لا يأكل ولا يشرب إلا ما كانت جدتي تستطيع بالخفية أن تهرّبه إليه من خبز وماء، ثم يفرج عنه جدي، وينتشله من البئر، ليعود إلى حبسه بعد ذلك من جديد. وأنا أختزن في ذاكرتي كل هذه الوقائع والحكايات، وجدي لأمي كانت له حياة بدائية بكل المواصفات.
***
أصبح أبي مختاراً للعشيرة بعد أبيه، ولم ينقطع عن العمل في دائرة الأشغال كلما وجد فرصة سانحة لذلك، وكان في الوقت نفسه يزرع أرضنا الواقعة في حي الشيخ سعد، قمحاً وشعيراً، يحصده هو وأمي، ثم يدرسه ويذريه، ويجمعه في أكياس. كان يصاب بالمرض بين الحين والآخر، لكثرة الجهد الذي يبذله، ولقلة الاحتراس، فيمضي في المستشفى عدة أسابيع، أشعر أثناءها بالوحشة والفراغ، فليس معي في البيت سوى أمي وأخواتي وأخي الصغير، فينتابني إحساس غامض بأنني مسؤول عمن حولي وأنا لم أتجاوز الثانية عشرة من عمري بعد.
آنذاك، تزوّجت عمتي للمرة الثانية، بعد طلاقها من زوجها الأول بسنوات، من رجل يكبرها في العمر، فلم يرق ذلك جدي وبقية الكبار في العائلة، ولم يحضر زفافها إلا أحد أعمامي. وخطر ببالي -احتفاء بالمناسبة- أن أقلد الكبار، فحملت المسدس الذي يقتنيه أبي، فلم يلتفت إلي أحد، ما جعلني عرضة للارتباك. وانتقلت عمتي للإقامة مع زوجها في حي الشيخ سعد، وظلت تعيش فيه حتى ماتت بعد عودتي إلى الوطن بخمس سنوات، فلما حاولنا نقل جثمانها، من بيتها الواقع في الضفة الغربية، إلى مقبرة القرية الواقعة داخل حدود القدس، التي أعاد الإسرائيليون ترسيمها بحسب رغباتهم التوسعية، رفض ذلك، جنودهم المرابطون غير بعيد عن المقبرة.
تحاورت معهم وبرفقتي اثنان من أبناء عشيرتنا هما الشيخ محمد حسين، إمام المسجد الأقصى (المفتي العام فيما بعد)، والكاتب جميل السلحوت، ولم ينقذ الموقف سوى ضابط يعرفه الشيخ محمد، بحكم عمله في الأقصى، فسمح لنا بدفنها في المقبرة، وشدّد على ضرورة الحفاظ على الهدوء ومغادرة المكان، لمن لا يحملون هوية القدس من المشيعين دونما إبطاء.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة22
- ظل آخر للمدينة21
- ظل آخر للمدينة20
- ظل آخر للمدينة19
- ظل آخر للمدينة18
- ظل آخر للمدينة17
- ظل آخر للمدينة16
- ظل آخر للمدينة 15
- ظل آخر للمدينة14
- د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه
- ظل آخر للمدينة13
- ظل آخر للمدينة12
- ظل آخر للمدينة11
- ظل آخر للمدينة10
- ظل آخر للمدينة 9
- ظل آخر للمدينة8
- ظل آخر للمدينة7
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة23