أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - حب بلون الغرق















المزيد.....

حب بلون الغرق


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7345 - 2022 / 8 / 19 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


الساعة الآن الثانية عشرة ليلًا إلا دقيقة واحدة ..
بدأ العد التنازلي .. ثلاثة ثوان .. ثانيتان .. ثانية واحدة شطرت الزمن إلى ما قبل وما بعد .. تعالت صيحات الناس كأنها عدوى سرت بينهم .. أخذوا يقبلون بعضهم محتفلين باستقبال عام جديد .. أنا الوحيد بينهم كنت أنظر من أعلى جسر بونت دي زار وهو يعكس أنوار المفرقعات التي رسمت أشكالًا رائعة وغريبة على صفحة النهر .. بدت السماء رصاصية كئيبة .. شعرت كأني مثقل بالدموع دون رغبة في البكاء وقلبي يصدح حزنًا ..
هذا هو الشتاء الرابع الذي يمر عليّ هنا وحيدًا ..
من وسط الصخب والضجيج .. تناهى إلى سمعي صوت امرأة تناديني باسمي ..
التفت بسرعة .. كأني بالشمس تولد من حضن الفجر بعد ليلة ممطرة ..
تسمرت في مكاني .. شفتاي بدأت تهمس بصوت ليس لي .. أحقًا ما تراه عيني ؟!
معطف الفراء غطى جسدها ورأسها لكنه لم يستطع إخفاء ابتسامة عينيها ..
تقدمت نحوها غير مصدق مادَا يدي لمصافحتها .. فاجأتني وارتمت بجسدها في أحضاني .. جسد حلمت به ليال طوال فيتلاشى عند الفجر حلمي ويزول ..
اعتصرتها بين ذراعي .. كأنني في جزيرة وبان لي في الأفق قارب نجاة ..
سرنا ساعات .. أصابعها تملأ فراغ أصابعي لتسمح للحياة في التدفق ثانية .. أحسست بالليل لنا وحدنا .. كلما سرنا من جنب حديقة دخلنا فيها .. وإذا كان جسرًا مررنا فوقه .. أخبرتني أسفها لسماعها خبر فقدان زوجتي في حادث سيارة ..
لم أخبرها بتتبعي لأخبارها منذ رفض والدي تزويجي منها لأنها لا تليق باسم العائلة فتزوجت ابنة عمي حفاظًا على الجاه والثروة ..
قوانين العائلة لا يجب تجاوزها ولو على حساب مشاعري ..
وددت أخبارها بدونها عشت أحزان الوحدة .. تراجعت لأن عينيّ اعترفت لها اعترافًا صامتًا ..
أخبرتني بإنجابها لابنها الثاني .. لم أعلق .. رغبت في أن أبدو متكاملًا .. لا كمن يأكل لقمة الموت ليعيش ..
وأنا منشغل بسماع وقع خطواتها قالت لي سأخبرك سرًا .. منذ سماعي بعملك في سفارتنا والأمل لم يفارقني لحظة في لقياكَ .. ربما لقاؤنا الليلة ليس صدفة ..
ضغطت على كفها وعبرنا الشارع العريض .. وصلنا باب المبنى الذي أسكن فيه ..
شعرت بالعشق الأول يركلني .. مع كل ركلة يتفجر الانبهار مني .. هل أعاند القدر ثانية فأعود لأسير تحت ظلال الموت مرة أخرى ؟ هل أترك تربة باريس المتجمدة تلتهم سنابلي الخضراء ؟
مسحت خدها بيدي .. تبادلت عيوننا القبل وشفاهنا الكلمات .. قلت لها:
أخبرتني أشجار الدردار سألقاكِ ثانية ..
ونحن نرتقي السُّلم سألتني بغرابة:
- هل مصعد البناية معطل ؟
وضعت ذراعي حول كتفها هامسًا:
- أريد للأماكن مشاركة فرحتي بِكِ .. لتحتفظ ذاكرتها بعطركِ ..
ابتسمت .. فأينعت المروج في الأفق ..
بانت تباشير الفجر الذي أخبرني بولادة نهار جديد مكتمل الأطراف ..
خلعنا معاطفنا وكأننا نخلع الوجع والأسى .. نظرت إلى قوامها فاختلطت عليّ المواسم ..
اخترت موسيقى هادئة تفصلنا عن العالم ..
همست لي وهي تحيط رقبتي بذراعيها:
- في كل صّباح مضى أنظر لصورتك لأجدد ولائي لعينيكَ .. لذكراكَ .. لهفة أول لقاء .. لرعشة أول نبضة متمردة غادرت أحضان قلبي لتستقر في قلبك ..
همست لها وذراعي تعتصران خصرها:
- غيابكِ حولني لـغيمة رمادية وها أنا استعيد حماسة قلبي من جديد ..
التقت شفاهنا ..
قبلتنا الأولى كانت إعلان حياة .. غدت الأشياء من حولنا أجسادًا لأرواح كانت حبيسة منذ آلاف السنين وتحتفل معنا الآن بنيل حريتها ..
حملتها بين ذراعي قاطعًا الممر المؤدي لغرفة النوم ..
سألتني:
- كيفَ عرفت أننّي حلمت بهذه اللحظة ؟
- لأنني في الحلم كنت معكِ ..
أعلنت أجسادنا العصيان على الظلم .. خلعت أوزاره .. ها هي تعود للحياة ثانية بلون السماء المضيء .. بلون البحر .. بطعم الغرق ..
حين التصق جسدي بجسدها .. شعرت بالحبِ حد الإعياء ليحولني إلى كتلة صلدة .. نار والأبواب مشرعة .. كنت أريد لعن كل شيء .. أحاول الاختباء فلا شيء يحتمل حضوري لأنني الآن فقط أدركت قيمة وجودي .. متأخرًا شممت وردة مشاعري .. وقفت قبالة ذاتي .. لأشهد كيف تتخلق الحياة
شعرت بالأنا الأخرى وانا أنظر لعينيها وهما كطوق نجاة .. صرختْ نوارسي وهي تنذر بالعاصفة .. جسدي قارب يتأرجح وسط البحر قذفته الأمواج بقوة على الساحل .. فافترش الرمل والتحف السماء .. أما أحلامي فتركتها تتناسل على الساحل الآخر ..
.......................
استيقظت مفعمًا بالحيوية .. لدي من الكلمات ما يكفي العمر الباقي ..
الساعة تشير إلى الرابعة عصرًا .. أغمضت عيني لأستعيد شريط ما حصل .. كل شيء من حولي اكتسب لونًا لم أعرفه وشكلًا أخبرني إن وراء الحياة التي عشتها حياة لم أعرفها من قبل .. اختلطت رائحة المكان برائحة الشتاء المتفردة ..
بحثت عنها في المنزل .. لم أجد أثرًا يخبرني إنها كانت هنا .. انتابتني رغبة في الصراخ .. خانتني المعاني لتفسير ما حدث ..
صوت المطر المتسرب عبر النوافذ ينقر في رأسي .. ليقول لي إن ما تسمعه ليس مجرد ظاهرة فيزيائية بل ضربات القدر الذي منحني آخر معاقله لأنعم بعدها بالموت ..
صمت الأبواب والجدران كان شاهد زور على ما حصل بالأمس ..
ألقيت بجسدي على الأريكة .. وضعت رأسي بين كفيّ ، الوقت تجمد بين أصابعي ..
لولا أنها نسيت شالها لظننت أن ما حدث محض حلم لم يكتمل ..
أمسيت كطائر محبوس بين عقارب ساعة لا تريد التوقف ولا تسمح للطائر بالتحليق .. كل ثانية تمر تلدغ جسد الطائر المسكين فيئن دون أن يكترث له أحد ..
انسابت دموعي حين تذكرت إنها لم تترك رقم جوالها أو أي شيء يدل عليها ..
قبل مقابلتها كنت أعرف وجهًا للحزن .. الآن عرفت أن لحزني ألف وجه ..
مرت شهور منذ الليلة التي أهداني فيها القدر حبة مسكن ليعود بعدها الألم أشد قسوة ..
بدأ الليل يحفر عميقًا على جبيني بقدر المسافة التي تفصلني عنها .. بقدر الكلمات العالقة في حنجرتي التي تورطت بأسئلة لا تجد لها جوابًا .. ليصبح الصمت رياضتي والتأمل هوايتي ..
أنهكت نفسي في العمل فهو الملاذ الآمن من ذكريات لا يوقفها شيء عن التدفق .. كلما أمسكت سيجارة أشعر بها بين أصابعي وإذا نظرت إلى النجوم أراها في الضوء المنبعث البعيد .. وقع خطواتها على السُّلم ما زالت ترن في أذني ..
تلك الليلة .. وأنا استعطف النوم لينقذني من القلق الذي هيمن عليّ .. سمعت طرقاً خفيفًا على الباب ..
هرعت بلهفة .. إنها هي .. لقد عادت لي .. مددت يدي في العتمة لعلي أتلمس شيئًا .. عادت يدي خائبة لا تحمل سوى الظلام ..
عشية رأس السنة .. وجدت نفسي أقف عند الجسر نفسه .. عالقًا بسقف ذكرياتي .. اتأرجح مع الوقت .. أبحث في أنوار القمر المنعكسة على نهر السين العجوز لعل صوتها يأتيني مرة أخرى ..



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول الفجر
- ترتيلة
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي - 5 -
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي - 4 -
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي -3 -
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي -3-
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي - 2 -
- خصائص البطل التراجيدي في العرض المسرحي - 1 -
- دائمًا ما يغريني ..
- زفاف وطن
- أنت عمري
- ولم تزل الرسالة في كتابي
- للحياة
- حينما ولدت
- على حافة الاعتراف
- الوهم
- الليلة الأخيرة
- تصدير الموت
- محمداوي وصابرين
- رسائل سرية


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - حب بلون الغرق