أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل قانصوه - مقابر و منازل (2)














المزيد.....

مقابر و منازل (2)


خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)


الحوار المتمدن-العدد: 7314 - 2022 / 7 / 19 - 13:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لقد تحولت و تغيرت مقبرة القرية ، بل أكاد أقول أنها تنكرت لأصلها فتبدو صلة الوصل المعروفة ، بين القرية و المقبرة ، مضطربة يعتريها الغموض ، فكأن القرية قحلت و ان المقبرة أرض مبوّرة تتسع باستمرار ، حيث صارت تغمر اربعة اضعاف مساحة المقبرة ما قبل الطوفان . بكلام آخر تحولت إلى مقبرة توسعية بلاحدود ، مثل الكثير من أوجه العيش و مظاهره التي باتت ميزتها الرئيسية في هذا الزمان ، المبالغة غير المحدودة و اللامنطق ، و الغرابة .
يصعب على المرء أن يتخيّل المساحة التي من المحتمل أن يغمرها " طوفان مقبرة " القرية في الخمسين سنة القادمة . فتمددها متواصل دون توقف ، إلى حد أنها اقتربت من البيوت في قلب القرية القديمة ، الأصليبة و باتت تهدد حواكيرها . رُصّت القبور الرخامية رصا فلم تُترك بقعة للعشب او لشجر السرو و الكينا ، ناهيك من أن بعض الفراغات بين القبور رصفت هي أيضا بالبلاط .طبعا ردمت بئر الحمير ، فلقد خلت القرية تقريبا من الماشية و غيرها من الحيوانات الأليفة.
تبدل القبر شكلا و باطنا ، حيث استبدل الحجر الصخري بالحجر اللإسمنتي في بناء تجويف المدفن و بالتالي ضاقت الشقوق في سطحه و جدرانه عما قبل .
و اللافت للإنتباه أيضا في مقاربة هذه المتغيرات التي طرأت على مخطط المقبرة ، أو ما أسميناه " المجمّع " ، هو تشييد نادِِ حسيني ثانِِ ، . أ غلب الظن أن ذلك تحقق بمساهمات مالية و عينية ( مواد بناء ) قدمها اشخاص أثرياء و مؤسسات إجتماعية و تجارية و سياسية ، ليس من سكان القرية و حسب وإنما من خارجها أيضا ، على عكس النادي الأول الذي تحمّل كلفة بنائه السكان العاديون ، الفلاحون و صغار الموظفين ، بالعملة الوطنية .
تجدر الملاحظة في هذا السياق ، انه ليس مستغربا ، منذ سنوات 1980 ، توازيا مع تراجع قوات الإحتلال و انسحابها ، أن يرى المرء صورة " الزعيم " معلقة على الحائط في صدر النادي ، فوق المنبر و فوق رأس المتكلم في مناسبة دينية أو غير دينية ، خصوصا و أن التماهي بين السلطة الدينية و سلطة الحكم بلغ منذ ذلك التاريح أقصى درجاته . تحسن الإشارة أيضا إلى أن قوات الغزو دخلت قرى جبل عامل و نواديها و أعتقلت أبناءها في معسكر التجميع الذي أقامته على ارض بلدة إنصار ، و هدمت في كل قرية تقريبا ، عددا من المنازل إرهابا .
نصل بعد استعراض هذا المشهد ، بين اليوم و الأمس ، إلى تحديد الإشكالية التي قادت إليه و إلى تلمس انعكاساته على مجتمع القرية نفسها التي ألمحنا إلى أنها قحِطت ، شأنها في ذلك شأن البلاد عموما . و لكن كما نبهنا أعلاه إلى أننا لا ندعي الإلمام بعلوم لا نلم بها ، و أن ما نحن بصدده هو مقاربة " مواطنية " إذا جاز التعبير ، انطلاقا من فرضية أن ما نثيره من تساؤلات تعني المواطن عموما ، ينبني عليه أن دراستنا لا تعدو كونها مقدمة للنقاش و الحوار . فنحن لا ندعي أن أراءنا علمية مثبتة و مؤكدة.
يحق لنا إذن أن نتساءل أين سيتوقف تمدد المقبرة ، فهل يعقل أن تسير الأمور على هذا المنوال دون البحث عن حل عقلاني ؟ السؤال الثاني هو عما إذا كان يوجد حجة أو مبرر للإستغناء عن الشجر و عن الحجر الصخري في هيكلة السرداب الداخلي للقبر ، يشمل السؤال أيضا رصف الممرات بالبلاط ؟ و هذه كلها عوامل تطيل مدة احتباس الرطوبة و العفن في التربة . و هناك سؤال ثالث ذو صلة ، بخصوص النادي الحسيني الثاني الذي تظهر عليه ، دون شك في ذلك ، معالم فخامة السلطة الدينية ، أضف إلى التبرعات جاءت في أغلب الظن من جهات بعضها " لا يُعرف من اين لها هذا "
خلاصة القول في هده النقطة ، أن مسألة المقبرة هي في الوقت نفسه مسألة مؤهلات لتولي الإدارة و التنطيم . أما فيما يتعلق بالناديين ، فإنهما يعبران عن الإزدواجية المعروفة ، الموروثة ، عائلتان ، حزبان ، سلطتان ، و عن ميل معروف أيضا إلى طلب المساعدة من أية جهة بصرف النظر عن أصلها و فصلها و عن مصادر لأموالها ، وعدم الإعتماد على النفس .
يمكننا توازيا مع المتغيرات و المتبدلات التي استوقفتنا في هذا البحث ، أن نلاحظ انعكاساتها في خطط البناء و التنطيم المدني . فاللافت للنظر أن السكان يهجرون القرية القديمة الأصلية و يطلبون السكن في منازل جديدة مبنية على الأراضي الزراعية ، و أحيانا على أراض كانت مشاعا ، مخصصة لرعي الماشية . مجمل القول أن منازل الأحياء تقام على الارض الزراعية في حين أن حواكير البيوت القديمة تركت للموتى .
تتوجب الإشارة هنا إلى أن الكثير من المنازل تبدو من الخارج جميلة و فخمة ، ولكنها لا تكون احيانا متناسقة مع المهنة التي يمارسها المالك . بعضها يشبه القبور الرخامية ، المزركشة ، خصوصا تلك التي يحيط بها سور عال تضيئه ليل نهار عشرات المصابيح الكهربائية التي يغذيها مولد خاص ، بينما بيوت الناس من حوله غارقة في ظلام دامس .
و في مختلف الأحوال ، فإن إحتلال الأراضي الزراعية و مراعي الماشية ، حفّض الإنتاج الزراعي إلى أدنى مستوى ، أضف إلى أن سوء توزيع مياه الشفة ، شجع ،كما هو الحال في مسألة الطاقة الكهربائية ، القبضايات على استخراج المياه الجوفية ، و هي بالقطع ملوثة ، و بيعها للناس .
نحن لا نملك معلومات بيانية موضوعية عن الوضع الصحي ، و لكن على الأرجح ان المتوسط العمري في البلاد تراجع ، بسبب المواد الإستهلاكية العديمة الجودة ، يتجسد ذلك بازدياد الأصابة بالاورام الخبيثة و بامراض الشرايين ، ناهيك من تأثير تلوث البيئة على الصحة نتيجة عدم معالجة النفايات ، وخصخصة الكهرباء والمياه ، لصالح اصحاب الصهاريج و المولدات .(انتهى)





#خليل_قانصوه (هاشتاغ)       Khalil_Kansou#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابر و منازل -1-
- الوقت المقتطع
- التطبع و التطبيع -7-
- عن الفكر و الموقف في السياسة في حكم العراق و بلاد الشام .
- كيف أخْتلقَ - الشعب الإسلامي - فرنسا نموذجا
- فرقعة في أوكرانيا و أرق و جوع و عطش وظلام في الشرق الأوسط
- الحائط المسدود ، الدولة اللاوطنية (2)
- الإعصار
- نكران الوطن
- الولايات المتحدة و سياسة السّلب والتسليح و التدمير و التعمير
- عن الوباء السابق و الحالي و القادم
- عن الدين و الدولة ـ 2 ـ
- ملحوظات على شاطئ النورماندي
- العنف غير المتماثل
- الدولة اللاوطنية
- عن الدين و السياسة
- في مرحلة تفكيك الدولة !
- حروب الاطلسي في دول العروبة !
- الحروب الغشومة
- الحرب العبثية


المزيد.....




- بروفيسور يقول إن ترامب يفتقد إحدى أدوات القوة الرئيسية.. ما ...
- متجر شاي وقهوة عمره 400 عام يواجه الإغلاق في أمستردام مع ارت ...
- الكرملين يستضيف مهرجان الطريق إلى يالطا
- الدفاع الروسية في حصاد الأسبوع: إصابة أنظمة استخبارات إلكترو ...
- المخابرات المركزية الأمريكية تدعو الصينيين في مقطعي فيديو لل ...
- حادثة طعن بمحطة القطارات المركزية في أمستردام
- الحصبة تتفشى في خُمس الولايات الأمريكية وعدد الحالات يقترب م ...
- -الشاباك- يعزز وسائل حماية نتنياهو
- الصليب الأحمر الدولي: الاستجابة الإنسانية في غزة على وشك الا ...
- حكومة أوكرانيا تحيل إلى البرلمان اتفاقية المعادن للمصادقة عل ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل قانصوه - مقابر و منازل (2)