|
ورطة السّياسة في تونس: غطرسة الحاكم/ تخميرة النّخبة
الطايع الهراغي
الحوار المتمدن-العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 18:12
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
"المثقّف من يستطيع عقله مراقبة نفسه". (ألبيـــر كامــو) "المثقفّون لديهم مشكلة /عليهم تبرير وجودهم". (نعــوم تشومكسـي) "ألقينا الحبّ إلى العلماء فلقطوا إلاّ ما كان من سفيان(الثّوريّ) فقد أعيانا فرارا". (أبو جعفر المنصور)
الشّعب التّونسيّ ككلّ أمم المعمورة مِِنعته أو نكبته في نخبته.فإمّا أن تصنع ربيعه إذا التقطت اللّحظة وتذكّرت دوما ما يمليه عليها ما تراكم من إرث محلّيّ وإنسانيّ، وإمّا أن تصنع خريفها وخريفه لمّا تطلّق ما به يحقّ لها أن تكتسب حقّ الانتساب إلى عالم النّخب. شعب حكِم عليه أن يكتوي بإكراهات اليوميّ. وغدرته صروف الزّمان بأن ابتلي بجائحتين: +++ حاكم مريض بملازمة مرتبة الهواية ، من "أفضاله" : التّجاهل المطلق والمطبق للفروق بين بهرج الخطاب وموجباته وإكراهات السّياسة ومتطلّباتها، وككلّ حاكم جادت به الأقدار وعبث الصّدفة ونفخت فيه الشّيع المبايعة وهم أنّه وافد من خارج السّيستام ومارق عليه بات ملزما بالاعتداء على التّاريخ والانتقام منه بنسف محطّاته .التّاريخ انبلج يوم اعتلى سيادته العرش.فلا تاريخ غير 17ديسمبر – لدغدغة مشاعر المريدين- و 25جويلية ليلة هبوط الوحي والاستشارة الوطنية التي باتت مرجعا من مراجع بناء الدّستور. ما عدا ذلك زيف وتزوير /التفاف وتلاعب بإرادة الشّعب .ككلّ من هو من خارج التّاريخ لا يرى في الأحزاب والمنّظمات والهيآت إلاّ أشباحا وأجساما غريبة من نسل إبليس. المكتسبات التي لا يد له فيها ولا بصمة ( مجلّة الأحوال الشّخصيّة/ مدنيّة الدّولة / المواطنة/ مكانة وموقع المرأة ) رجس من عمل الشّيطان وعبث نخب تّدعي اعتناق الحداثة والالتصاق بالعصر،مخلّفات تركة ثقيلة. "الدّستور روح وليس مجرّد مؤسّسات"/ الأهمّ النّيّة كمفهوم حديث في فقه وفلسفة صياغة الدّساتير، بموجبها يصبح الأهمّ ما هو معشّش في ذهن الحاكم وما رسخ في أحلام المؤيّدين لــ"لطخة" 25جويلية ،لا ما هو مدوّن في النّصّ. والرّئيس حباه الله بجملة من الخصال فهو نظيف و"يخاف ربّي" ويكره من يتقرّب من الإله أكثر منه، رهانه أن يحتكر تأويل الشّريعة ومقاصدها مع الابتداع المقصود للتّماثل بين مقاصد الشّريعة ومقاصد الإسلام . +++ نخبة خائنة لذاتها، معقّدة من إعمال العقل ومعادية لأبسط أبجديّات التّفكير حتّى في بعده الغريزيّ، هوايتها استعداء إرثها . انتصبت ناطقا رسميّا لما تخيّله غيرها تعبيرا عن إرادة الشّعب باستلهام قصوويّ لما يُوحَى للشّيخ الرّئيس كما ورد في لوحه المحفوظ من خطابات ومراسيم وشروحات وتصريحات، نخبة تبرّر ما لا يُبرّر/ اعتنقت الأوهام ولاكتها حتّى صدّقت أنّها الحقّ والحقيقة. تساير شطحات الحاكم وتتفنّن في إخراجها وتجمّل هرطقاتها / تلبس جبّة واعظ السّلطان فتتحوّل إلى زائدة دوديّة ضررها مضمون وفائدتها معدومة/ اصطفافها البقريّ أنعش غريزة مرض التّفرّد ومراكمة الحاكم للسّلطات والاستهزاء بشهوات من عمّدوه سلطانا أوحد. صاغ لها دستورا على مقاسه فهلّلت وكبّرت وأحاطته بهالة من القداسة وهجّنت كلّ من أشار إلى أخطاء لفرط فظاعتها تفقأ العيون. ولمّا نقّحه سيادته لكثرة ما فيه من أخطاء واعتدء بدائيّ على اللّغة والتّواريخ تخمّرت وأصابها الهذيان بعبقريّة الرّئيس الذي تفطّن إلى ألاعيب إبليس المتحالف مع طوابير الفساد فوسوس لراقن الدّستور بتسريب أخطاء لإحراج الأستاذ. وفات اللّعين إبليس أنّ العناية الإلهيّة ترقب بعين لا تنام أحلام صاحب الجمهوريّة الجديدة. طوبى للنّخب وللأمّة الإسلاميّة وبدرجة أقلّ الشّعب التّونسيّ بحاكم هو الفيلسوف واللّغويّ والواعظ والشّارح والفقيه والمفسّر والمؤرّخ. في انتظار مواهب وإبداعات أخرى. . والسّيّد الرّئيس بما أوتِي من حنكة وفطنة وعلم غزير احتاط للأمر قبل وقوعه.فلِمَ لا يدخل السّباق لوحده ليجنّب أنصاره محنة التّخمين وبدعة التّنجيم فيضمن الفوزالمبين يوم الخامس والعشرين. وهو يوم إثنين به تفتتح الأمّة اليوم الأوّل من جمهوريّة سعيّد؟ وأيّ جدوى من تكبّد مشقّة الاصطفاف في طوابير، هي ساعة الحشر، في درجة حرارة ليس مستبعدا أن تكون قياسيّة نصرة لسيادته في حربه المقدّسة ضدّ كفّار قريش ليكون للفوز المبين بريقه ووجاهته. حفل 25جويلية لجملة من الأسباب نتائجه معلومة سلفا بما يخلع عن السّباق روعة الاكتواء والتّمتّع بالإبحار في عالم التّكهّنات. لقد أهمل الأستاذ الرّئيس تكريم من تكبّدوا مشاقّ السّفر إلى سقيفة قصر الضّيافة وأهوال سهر اللّيالي وطولها لإخراج الدّستور في أبهى حلّة. أذلّهم ليكونوا عبرة لمن يعتقد في لحظة زهو أنّه قادر على تمثّل ما يجول في ذهن شيخ القانون الدّستوريّ وصانع فرحة25 جويلية. أمّا من جعلوا من موضوع التّطبيع أصلا تجاريّا فقد خذلهم بقصديّة ساكن قرطاج بجرح مشاعرهم ومع ذلك ، وربّما لذلك، فقد أبت عليهم أخلاقهم العربيّة الأصيلة أن لا يرتضوا غير دستور الجمهوريّة الجديدة – كائنا ما كان- رهانا وبديلا. وأقسموا أن لو وضعوا الشّمس على يمينهم والقمر على يسارهم على أن يتخلّوا عمّن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ما فعلوا، شماتة في الإخوان وعملاء الإخوان وأزلام الإخوان ومن لم يصدّق بعد أنّ الخير في ما ارتآه الرّئيس. فهؤلاء جميعا طابور ما قبل 24جويلية مهما ادّعوا وتفنّنوا في مراكمة أسباب الامتناع.
"صمـت دهـرا ونطـق كفـرا" يحصل أن يعيد التّاريخ نفسه مهما تفنّن الفلاسفة والثّوريّون في الجزم بأنّ ذلك أن وقع ففي شكل مهزلة. في بلدان العرب العاربة -حيث السّياسة والعقلانيّة إذا تعايشا ففي ما يشبه تنكيد الضّرائر- يُلوى عنق التّاريخ ليكرّر نفسه في قالب ملهاة مأساويّة كاريكاتوريّة. لمّا أفضت الخلافة إلى عثمان بن عفان أتى أبو سفيان صخر بن حرب قبر حمزة فوكزه برجله وقال "رحمك الله أبا عمارة ." لقد قاتلتنا على أمر صار إلينا ". بإمكان الحبيب اللّوز والصّادق شورو والحبيب خضر- صقور النّهضة - أن يهمسوا في أذن راشد الغنّوشي الذي أعيته الحيلة في تمرير دستور الخلافة، فلم يجد بدّا من المخاتلة والالتجاء إلى الوصفة السّحريّة : التّوافق، في انتظار لحظة قد تأتي رضي بما سيظل غصّة في الحلق وهمّا في القلب ،بإمكانهم أن يزفّوا إليه البشرى: قُــرّعينا أبا سميّة وأعزّ الله أمير المؤمنين وسيّد الأكرمين قيس السّعيد. فقد أعاد الأمانة إلى أصحابها . أبشرْ/ عاد الدّرّ إلى معدنه. إنّ الصّبح ليس ببعيد وإنّ غدا لناظره قريب.
"تعـدّدت الأسبـاب والمـوت واحـد" إذا كان أمر الخلافة بعد وفاة الرّسول -كحدث فارق ومفصليّ في تاريخ العرب والمسلمين- قد حُسم في سقيفة بني ساعدة في مشهد طبع تاريخ العرب والمسلمين ولا زال فإنّ معضلة دستور الجمهوريّة الجديدة – ما بعد الخلافة- وباعتماد مقاصد الشّريعة تجنّبا لما ساد اجتماع السّقيفة من هرج ومرج لم يُحسم في قصر الضيافة وإنّما رُحّل إلى بيت صاحب الحكمة تلافيا لمآسي التّنابز بالألقاب وتفتيت وحدة الأمّة. وتفعل الحكمة بالنّخب ما لا تجنيه الحماقة على الجاهل: سئل أحد الفقهاء عن حدّ الغباء. أجاب" سألتني عمّا لا حدّ له". ولا زالت نخبنا – أدام الله سداد رأيها- من باب البحث عن تعزيّة والتّماثل مع نرجسيّتها وطمعها ورضاها بوضعيّة الدّون لا مع محيطها تواسي نفسها بالسّباحة في مستنقع الأوهام وتشييد سور إسمنتيّ مسلّح يعزلها نهائيّا عن كلّ إمكانيّة تفكير. بقدرة قادر وبفتوى مقلوبة على قفاها بات عدم تزكيّة الاستفتاء - بما هو مبايعة لدستور قُـدّ على المقاس- يساوي آليّا إحياء النّهضة وأزلامها . وهي تغريدة من خارج التّاريخ .فالأمر مستحيل حتّى كاحتمال افتراضيّ.فالاستفتاء سيُمرّر أيّا كانت نتيجته ونسبة المشاركين فيه واتّجاهات التّصويت. والرّابح الوحيد هو الشّيخ الرّئيس الباحث عن تسويق شخصه بعد أن ضمن تمرير دستوره. مبعوثو سيادته (وعمّال الورشات) يعلمون علم اليقين كما صرّحوا بذلك في ماراطون غزواتهم للمنابر الإعلاميّة وفي إطلالاتهم التّي أرادوها طمأنة للتّونسيّين على وجاهة دستورهم وثوريّته وعلى مستقبل الجمهوريّة الجديدة، يعلمون أنّهم مجرّد ديكور مهمّته إضفاء الشّرعيّة على أمر دبِّر بليل. ومع ذلك لم يتأخّروا في تجميع ما يسمح للرّئيس بالحديث عن لجنة مطلوب منها صياغة مشروع دستور لم يجد الرّئيس حرجا في إحالته إلى سلّة المهملات . بكائيّاتهم وهلعم بعد انتصار الرّئيس عليهم كقوم ضالّين أقرب إلى المراثي التي يعتقد أصحابها أنّها تفي الفقيد حقّه عندما تندبه بحرقة بحثا عن براءة ذمّة و توهّما لطهوريّة . بعد هستيريا التّفاجؤ بما أتاه صاحب الدّستور طارت السّكرة وحضرت الفكرة.وأجمع ضيوف قصر الضّيافة على أنّه من حقّ الرّئيس أن لا يستنير بأيّ رأي،رغم أنّ الدّستور الحالي لو قُدّم إلى أنبل الأنبياء لحملهم حملا على الغطرسة والتّجبّر ولمكّنهم من أيّ تأويل يريدون لما يرومون تطبيقه.. فالتّغنّي بمقاصد الشّريعة السّمحة السّمحاء( الإسلام لمن أراد) الذي اعتبره الموالون فتحا مبينا ليس إلاّ هرطقة مكرورة تفتح الباب على مصراعيه لغيرها من أشنع التّأويلات لأنّ البحث في المقاصد يظلّل محاولة في الحدّ من الإطلاقيّة، تأويل من تأويلات سيخضع حتما إلى طبيعة وثقافة وارتباطات الماسك بالسّلطة.فماذا إذا كان الأمر يتعلّق بدستور يُفترض أن ينظّم العلاقة التّعاقديّة بين المواطنين وبين الحاكم والمحكوم لعشريّات.؟ الأصل في الدّساتير الوضوح وليس الغموض، الإقرار وليس ترك المجال للتّأويل ونقيضه. الدقّة وليس الإنشاء، المباشريّة وليس الإيحاء.
#الطايع_الهراغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
50 عامـا علـى استشهــاد غسّــان كنفانـي
-
عذابات السّياسة / النّخبة التّونسيّة وذبح المفاهيم
-
الحوار الوطنيّ في تونس/ حضور الغائب وغياب الحاضر
-
الحركة النّقابيّة في تونس/ إعصار التّحدّيّات
-
وداعا مظفّر النّوّاب / وداعا شاعر -البذاءة.-
-
صرخة شيرين أبو عاقلة
-
تونس/جريمة مصادرة الفعل السّياسيّ
-
تونس المريضة بحكّامها وأوهام نخبها
-
تونس: اختلاط المفاهيم وتعوّص المخارج.
-
تونس: انسداد الأزمة والرّكض نحو المجهول
-
ذكرى يوم الأرض/ -هنا باقون ما بقي الزّعتر والزّيتون-
-
تونس، تراكم المعضلات وانحباس الآفاق
-
08 مارس العيد العالميّ للمرأة/ ألف تحيّة لأيقونات الحرّيّة.
-
فداحة المشهد السّياسيّ في تونس / جريمة قتل الفعل السّياسيّ
-
09 سنوات على استشهاده / شكري بلعيد حيّ لا يموت.
-
وإذا الموؤودة سئلت/ بونابارت يُبعث حيّا
-
وفاء للمناضلين/الذّكرى الثّانية لرحيل منصف اليعقوبي.
-
هذيان النّقد المنفلت من عقاله
-
الذّكرى 11 للثّورة التّونسيّة / هذه البلاد بلادي.
-
كورونا السّياسة في تونس/ شطحات سياسيّة في الأزمنة القيسيّة
المزيد.....
-
العدد 574 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 573
-
الفصائل الفلسطينية: حرب الابادة بحق اهلنا في شمال غزة ارهاب
...
-
عام من معاناتهن.. المرأة الفلسطينية تواجه حرب الإبادة
-
اللقاء الجهوي الأول المنظم من طرف المكتب السياسي لحزب التقدم
...
-
الفصائل الفلسطينية:تصعيد العدوان وحرب الابادة شمال القطاع ار
...
-
نجدد المطالبة بالإفراج عن معتقلي التضامن ومعتقلي الرأي وعلى
...
-
«لا للتهجير..سوف نبقى هنا».. إجتماع مجلس عائلات جزيرة الوراق
...
-
المحكمة العسكرية تجدد حبس 42 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ «ح
...
-
مصادر لبنانية: طيران الاحتلال يستهدف بلدة البيسارية واطراف ا
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|