|
ذكرى يوم الأرض/ -هنا باقون ما بقي الزّعتر والزّيتون-
الطايع الهراغي
الحوار المتمدن-العدد: 7204 - 2022 / 3 / 28 - 23:08
المحور:
القضية الفلسطينية
"الثورة الفلسطينيّة قامت لتحقيق المستحيل لا الممكن" (الحكيم جورج حبش) "فلسطين الذاكرة، ومن ينساها فقد أصابه خرف في الشّرف والانتماء" (محمد الرّطبـــان ) "نحن نقف مع فلسطين لا لأنّنا فلسطينيّون أو عرب، بل نقف معها لأنّها امتحان يوميّ لضمير العالم." (إبراهيم نصر الله)
1/ "دم الزّيتون بعض من شراييني" يوم الأرض هو حدث سنويّ يُحتفل به في كلّ أنحاء العالم . ولكنّه بالنّسبة للفلسطينيّين( ويُفترض أن يكون كذلك بالنّسبة للعرب العاربة) حدث استثنائيّ منذ واقعة "النّحس الأوّل". احتجاج على مصادرة سلطات الاحتلال لآلاف الدّونمات من أراضي مناطق 1948 (عرب الدّاخل) في الجليل والمثّلث والنّقب. الثّلاثين من آذار/ مارس 1976، يأبى الشّهر إلاّ أن يختتم أيّامه باحتفاليّة هي تغريدة الفلسطينيّين وصلاتهم، نشيدهم الرّسميّ غير المحرّف. تصغر الدّولة، تتصاغر وتضيق مساحتها ، يتكوّر الجرح على الجرح ليحرم الشّامتين فرصة التّكرّم بمواساة بليدة هامدة كجثّة يُراد سلخها بعد ذبحها. تكبر الثّورة وتتّسع حدائقها. صرخة الأرض، عرس الشّهداء، عرس التّعب الفلسطينيّ، المهر دم وروح، دفق شريان، نشيد من باطن الأرض يتلو الأسرار الدّموية وبها يبوح، يفضح أكبر مؤامرة صمت، فضيحة العصر،بها تلطّخ وجه العالم،هي في جبين التّاريخ وصمة عار.وفي تاريخ العرب ذّلّ وصغار.
في يوم الأرض، لمّا تزلزل الأرض زلزالها تتلاشى حيرتنا القاتلة.يلبس الحقد حلّته الجميلة .ينزع عنه ما علق به من شرور.يحلّق في سماء الإنسانيّة . يكفّ الحزن عن أن يكون تمسكنا أقصى مداه أن يراوح بين لوعة الالتياع ومكابدة الأسى وتقبّل التّعازي. يتوحّد الحزن والثّأر والعناد. ينزاح الشّكّ ويتبدّد، وينتصب اليقين بردا وسلاما على من تاهت به الدّروب ،تشعّبت عليه الثّنايا. خذله نفر من بني جلدته، صخبهم "ملأ الدّنيا وشغل النّاس"، لمّا أرادهم له عونا ونصيرا صنعوا له بئس المصير وكانوا له خصما خصيما . رام بهم بعضا من نصر فكانوا عليه "نِـعم" الخصم. عندما تنفجر الأرض غضبا يسهل على الفلسطينيّ الفرز بين من بكى ومن تباكى، ويزداد تيقّـنا من وجاهة ما جزم به شاعرهم"أن تكون فلسطينيّا يعني أن تصاب بأمل لا شفاء منه" ( محمود درويش)، أمل كلّما عنك نأى وزاد بعادا منك زاد اقترابا، تجسيما لحلم ناجي العليّ كما جسّده في رسوم حنضلة الطّفل الذي يرفض أن يتخطّى طفولته ما دام يرى العودة بحجم مسافة الثّورة " الطّريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة.إنّها بمسافة الثّورة" لا بمسافة وضيق الدّولة . الأرض "الوهم" الواقعي الذي تُزال فيه الحجب، يتساوى فيه الحلم المجنّح والحقيقة الدّامغة،فتفوز بما بدا لغيرك هذيانا، أن تقيم قصورا من الأوهام الجميلة جمال أحلام الطّفولة وأروع.الهيام بها هو الجرم الوحيد الذي يتنافس العشّاق وعابرو السّبيل في اقترافه بتلذّذ. الخطيئة الأبديّة التي يأبى أدم إلاّ أن يرتكبها دون أن يعتريه ندم أو إحساس بخجل. سلاح به يثبّت حقّه في اقتراف ما اشتهى من فظيع الآثام دون حسيب أو رقيب،في أن يكون له قمر يرعاه ويراقبه على مدار اللّيل ويحزن إن هو أفل . قمر يحميه من فضيحة أن يموت مرّتين. في شهر آذار تتفجّر الحقيقة ساطعة، تعلن في القبائل اندثار بلادة البيان وركاكة البلاغة التي ما قتلت ذبابة. لمّا سقطت خديجة قاسم شواهنة شهيدة ذات يوم من أيّام الغضب الفلسطينيّ، يوم تدشين الاحتجاج الاحتفاليّ لفسطينيي الدّاخل اكتمل آذار،عانق الأرض وبها توحّد، مريم المجدليّة باتت فلسطينيّة، يسوع المسيح تدثّر بالعباءة الفلسطينيّة، صنع من جزمة أفقا، قفل الرّبّ عائدا من منفاه تلبية لنداء "أمّنا الأرض" ففي كلّ شبر متّسع لأكثر من أغنيّة وما لا يحصى من المواويل. لمّا يحتضن الشّهيدُ الشّهيد ترتوي من دمه الأرض، ويكاد يسبق دمعها دمعه.تداري حزنها وتثور خجلا من اكتواء أمّ الشّهيد، من امرأة شيّعت جثمان زوجها ولم تنزو في ثياب الحداد. وارت ابنا من أبنائها أديم الأرض وغالبت دمعا على الخدّين همّ أن يسيل. أعلنت فرحا داميا خالطه الشّجن فزاد على بهائها بهاء.
2 / "هنا باقون ما بقي الزّعتر والزّيتون" خديجة قاسم شواهنة، 23سنة، استشهدت في ّالحيّ الحزين" في سخنين، صبيحة الإثنين30 مارس1976 . إليها تنشد الأرض ما انفلت من نشيدها الأوّل: خديجة "لا تغلقي الباب / لا تدخلي في الغياب"( محمود درويش)، لا توغلي في متاهات العتاب، تناثر دمك - وما توزّع بين القبائل وما تفرّق بين العشائر-، احتلّ شبرا من أرض فيها يقيم الرّب لاجئا، اختلس من الشّبر ما عليه أقام رسما لقبر، كتب عليه من الحروف ما به يستدلّ على أنّ القبر هو فعلا قبرك لا قبر غيرك، والأرض أرضك والحلم حلمك والحزن حزنك وجزءا من الكون كونك، والرّبّ ما عاد لاجئا منذ استطاب المقام في بقعة أرض هي أرضه وأرضك. فصار كلّ شيء على ما يرام. ترتدي الأرض جنون الفكرة عساها تفلت من كيد المكان وأسره ومحن الزّمان والتياع عاشق الأرض من الحرمان. تلقّنه نشيده الجديد: لا أنت بالطّريد، ولا أنت بالشّريد، أنت فقط مصاب بداء أنّى لك منه الشّفاء.سكن ضلوعك وبها استبدّ. فليس لك منه فكاك. داء عضال،لا عنوان له غير الإبحار في ملكوت المحال للقبض عمّا بدا دوما محالا. ما قالته الأرض لخديجة: خديجة رجاء لا تخوني الوصيّة، بالدّم كُتبت ونُقشت على الزّند –زندك- وشما ،لا تبرحي التّلّ، مكان لا تحميه أنّى له أن يحميك؟ وعشق لا تفنى فيه كيف يفنيك؟ لا تعتذري عن خيانة ما انفكّت تراودك عن نفسها، اقترفتها يوما ما في كامل وعيك لكي لا تتسوّلي من أحد، ممّن خدعوك وعلى جراحك رقصوا، مددا، لكي تحتلّي ما عليه تساومين وفي سبيله تقاومين وتجزمبن أن لا سبيل للتّفاوض على ما يستحيل على الأرض أن ترتضيه مجال تفاوض، يوم أقسمتُ أن لا تصالح على ما يفسُد يوم يصبح مدخلا لجدال حول فنون وموجبات التّصالح.
ومازال صوت فيروز الملائكيّ ، شهرزاد العصر، جارة القمر "العمود السّابع لبعلبك" كما يلقّبها– بكثير من الزّهو- اللّبنانيّون على اختلاف مذاهبهم وتعدّد طوائفهم ودياناتهم- هادرا غضبا ساطعا، منه تنفطر السّماء ويزبد صوت الرّعد، صوت الجرح العربيّ المفتوح "سنرجع يوما إلى حيّنا".سيعلن الرّبّ في رحلة تمرّده على منفاه لمّا تعانق الرّوح الجسد وبه تتوحّد وفيه تذوب: الرّحلة شاقّة وطويلة "على قصيري النّفس أن يتنحّوا قليلا"[الحكيم جورج حبش]. سيلقّن عباده آيات فرقانه الجديد" أين هي الأرض غير المحتلّة في الكون؟ وأين هي الأرض المحتلّة في الثّورة؟. (محمود درويش).
3/ من أين ندخل في الوطن؟ سيحتار المتيّمون بعروس المدائن، بكنائس القدس، بأزقّة حيفا، بمفاتيح عكّا في فرز أقدس الأمكنة وأكثرها اتّساعا لتجميع ما بقي من بقايا أشلاء موتاهم. ففي كلّ آن وحين أغنيّة لشهيد.في كلّ شهر علامة فارقة .سيختلفون في لون "أيّامهم" وطعم لياليهم وعدد قوافل قتلاهم. فكلّ أيّامهم ترحال وكلّ لياليهم مروق عن المعتاد، رحيل في سفر.سفر في رحيل. كيف سيفرزون الأحياء من الأموات؟ كيف؟ وشاعرهم منذ أبحر في تخيّلات الشّعر وتمرّده وعربدات الشّعراء وهيامهم بات متيقّنا تماما أنّ بعضا من شهدائهم عمدا يتماوتون دوما ولا يموتون أبدا " متماوت . قلها وفاجئنا بأغنيّة جديدة/ لم يبق عندنا وقت للموت...."(سميح القاسم في رثاء معين بسيسو). وبقي لنا كلّ الوقت للحياة . سيحتا ر الفلسطينيّون في رحلة حلّهم وترحالهم من أين يتسلّلون في الوطن وإلى الوطن. من حزن الأرامل؟ من أهازيج الأطفال يسبّحون "إنّا هنا باقون ما بقي الزّعتر والزّيتون"؟ من أزجال القوّالين ؟ من ملاحم الشّعراء؟ من أنين الفقراء؟ من أحلام الشّهداء؟ من صفقات ملك على عرش استوى، أغراه الكرسيّ فانتشى؟ من شرفة الصّبايا ؟ أنّى لهم أن يتوافدوا على وطن اعتادوا أن يتسرّبوا إليه من ثقب الهزائم، من عربدة المهزومين، من مسارب أحكِم عليها الطّوق، من شعارات جوفاء صدئة تتلوها أصوات مبحوحة لأمراء عروشهم قصب، زعيمهم كالهرّ -إن حكى- يحكي انتفاخا صولة الأسد. يوم يكون الفلسطينيّ على موعد مع ذاكرته ليخطّا دفاتر "الوقائع الغريبة" سيحتار: من أين يبدأ؟من كان له سندا؟ من كان عليه عبئا؟ أيّ أرض تتّسع لجحافل شهدائهم؟ أيّ مكان أليق بهذا الشّهيد أوذاك؟ وكلّ شبر اكتسى من القداسة ما يجعل الرّبّ يغار على "جنّات عدن". وعرفاتهم في دراما التّرحيل من بيروت لمّا سُئل: والآن إلى أين؟أجاب:إلى القدس. وأديبهم أميل حبيبي، ألم يوص بأن يُكتب على قبره "باق في حيفا"؟. وحكيمهم جورج حبش، هل يليق به مكان معيّن دون غيره؟ وسميح القاسم، ألم يناج فقيده محمود درويش أخاه الذي لم تلده أمّه "خذني معك" ؟ فهل يليق أن لا يتقاسم القبر مع توأم روحه؟ ودلال المغربي، أيّ شبر من أرض سيقبل أن لا تكون عليه ضيفا ليضمّها في اتّحاد صوفيّ قد ييعثها من جديد لتروي قصّة الجمهوريّة التي أسّستها ذات يوم في حافلة؟ وغسّان كنفاني الذي تناثرت أشلاؤه في بيروت؟ هل يُبقى على بقايا ما دُفن في بيروت؟ أم توزّع بين العاصمتين، بيروت الفسطينيّة والقدس العربيّة؟
#الطايع_الهراغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس، تراكم المعضلات وانحباس الآفاق
-
08 مارس العيد العالميّ للمرأة/ ألف تحيّة لأيقونات الحرّيّة.
-
فداحة المشهد السّياسيّ في تونس / جريمة قتل الفعل السّياسيّ
-
09 سنوات على استشهاده / شكري بلعيد حيّ لا يموت.
-
وإذا الموؤودة سئلت/ بونابارت يُبعث حيّا
-
وفاء للمناضلين/الذّكرى الثّانية لرحيل منصف اليعقوبي.
-
هذيان النّقد المنفلت من عقاله
-
الذّكرى 11 للثّورة التّونسيّة / هذه البلاد بلادي.
-
كورونا السّياسة في تونس/ شطحات سياسيّة في الأزمنة القيسيّة
-
الطّاهر الحدّاد في ذكرى وفاته السّادسة والثّمانين/ الذّاكرة
...
-
هل أتاك حديث البيْعة؟؟
-
فصل المقال في ما بين البيعة والبدعة من غريب الاتّصال
-
زلزال 25 جويلية/ محنة الفعل السّياسيّ في تونس
-
راضية النّصراوي/ راهبة النّضال ومصدح الحرّيّة
-
في نقد اليسار في تونس/جائحة النّقد المنفلت من عقاله
-
النّخبة في تونس/متى تطير السّمرة وتحضر الفكرة؟؟
-
-تونس المريضة حسّا ومعنى-/ عنق الزّجاجة ومرض التّوهّم
-
خصوصيّات التّجربة التّونسيّة وعذاباتها
-
تونس/جوائح الأمّيّة السّياسيّة
-
دفاعا عن الثّورة التّونسيّة / متى نطلّق الأوهام؟؟
المزيد.....
-
الشرطة الأمريكية: قتيل و9 مصابين بإطلاق نار قرب جامعة ولاية
...
-
مصادر لـCNN.. إيران تحذر أمريكا ودول المنطقة من أنها سترد عل
...
-
وزير داخلية الكويت يثير تفاعلا بفيديو له في الشارع شخصيا يشر
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف آليات وتجمعات عسكرية إسرائيلية وتحقي
...
-
غارات إسرائيلية بالطيران والمسيّرات على لبنان (فيديو)
-
خبير: أكثر ما قد يحصل عليه زيلينسكي من روسيا في قمة السلام خ
...
-
كيف تتغير طريقة اتخاذ القرارات المالية مع التقدم بالعمر؟
-
الأوضاع في غزة تهيمن على جوائز بايو الفرنسية لمراسلي الحرب
-
هان كانغ أول كورية وآسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب
-
الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني وزير الداخلية القطري
المزيد.....
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
المزيد.....
|