بمناسبة الذكرى المائة وسنتين على ثورة العشرين الباسلة في العراق في 30/حزيران/ 1920

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7294 - 2022 / 6 / 29 - 12:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قبل الحديث عن ثورة العشرين الباسلة أود أن أوضح ما يلي :-
1) إن ثورة العشرين الباسلة ثورة وطنية من أجل تحرير العراق من احتلال الاستعمار البريطاني.
2) كل من حمل السلاح من أجل تحرير العراق من الاحتلال البريطاني أو شارك فيها من رجال الدين ورؤساء العشائر هم وطنيون بواسل.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى عام/ 1914 كان الاستقلال هدف جميع العراقيين نتيجة الطموح القومي الذي سببته اليقظة الفكرية وتطلعاً لتحقيق العهود الخلابة التي قطعها الحلفاء على أنفسهم .. ولما انتهت الحرب تجسدت الشكوك في وعود بريطانيا ونواياها واشتدت العزيمة على مقاومة الإدارة البريطانية والتخلص من سيطرتها .. وكان تخلي بريطانيا عن دير الزور عام/ 1919م وعن البو كمال عام/1920م والكارثة التي حلت بهم في تلعفر تصعيداً لمقاومة العراقيين على طرد الانكليز من بلادهم .... لقد كان الاحتلال وما رافقه من رد فعل كان يحمل في أحشائه أسباب الثورة وقد كانت طلقة الشعب العراقي الأولى التي أذنت ببدء الثورة في الثلاثين من حزيران عام/1920 في الرميثة لتخلص شعلان أبو الجون من قبضة الانكليز الذين اعتقلوه للتنكيل به والتي برهنت على أصالة وبسالة رجالها واستهانتهم بالتضحيات ولهذه الثورة المجيدة أسباب منها : انتشار الوعي القومي الذي خلفته ثورة اكتوبر العظمى الروسية عام/1917 حيث تأثيرها كان عن طريق إيران وتركيا كانت الأدبيات والكتب التي تصدر عنها تنتقل إلى الشعب العراقي عن طريق هاتين الدولتين ... تصريحات الحلفاء ووعودهم بتحقيق حرية واستقلال الشعوب الضعيفة وإعطاءها حقاً في تقرير مصيرها كتصريح الجنرال (مود) عند دخوله بغداد عام/1917 حيث اتضح للعرب أخيراً بأنها كانت مجرد وعود ودعوة أطلقها الانكليز وحلفاؤهم لجر العرب إلى جانبهم في تلك الحرب وأدرك الشعب العراقي صراحة بأن الاستقلال حق يؤخذ ولا يوهب خاصة بعد إعلان الانتداب البريطاني على العراق وتأليف الجمعيات واستغلال بعض المناسبات وخاصة الدينية منها في التوعية حيث كان لها أكبر الأثر في وضوح علامات التحفز والإرادة لطرد البريطانيين وكذلك سوء الإدارة البريطانية واستنادها منذ البداية على اعتبار مصالح أهل البلاد أمراً ثانوياً بالقياس إلى مصالح سلطات الاحتلال وسعيها لإخضاع العراق للسيطرة البريطانية كما أن تهورها وتعسفها في تصرفاتها أدى إلى مضاعفة التذمر والاستياء ثم الإكثار من الموظفين الأجانب في دواوين الدولة أثار حفيظة العراقيين وتذمرهم يضاف إلى ذلك ملاحقة سلطات الاحتلال للوطنيين العراقيين ومقاومة سلطات الاحتلال لكل نشاط من أجل تحقيق الحرية والاستقلال وسيادة العراق وحصول العشائر العراقية على بعض الأسلحة مما زاد من قدرتها على محاربة الاحتلال البريطاني وتحرير البلاد منه وفي هذا الجو المضطرب تم الاتفاق بين الحلفاء في (سان ريمو) على جعل العراق تحت الانتداب البريطاني فأحدث صدوره هزة عنيفة أثارت الرأي العام كما أدى إلى تعاظم السخط بين صفوفه، ومما يجدر ذكره ما كان قد حدث في مدينة النجف من قتل حاكمها البريطاني (الكابتن مارشال) على يد مواطنين مخفيين بتاريخ 21/3/1918م وقيام السلطة البريطانية بحصار المدينة دام زهاء أربعين يوماً ثم قيامها بإعدام أحد عشر رجلاً من المتهمين باغتيال الكابتن وقيامها كذلك بنفي مائة وسبعة رجال من وجوه المدينة ... ونظراً لهذه العوامل والمؤامرات التي أخذت تحاك في بغداد وكربلاء والنجف ساد القلق في بغداد وضواحيها. وقام في أواخر شهر مايس وأوائل شهر حزيران أن قطع بعض رجال العشائر سكة القطار شمال بغداد وجنوب مدينة الحلة مما أنذر البريطانيين بسوء العاقبة غير أن القيادة البريطانية في العراق لم تقدر الموقف حق قدره ولم تعر الاهتمام اللازم لتقارير الضباط البريطانيين حتى أن القائد العام نفسه السير (ايلمر هالدين) عاد في الرابع والعشرين من حزيران إلى المصيف الذي اتخذه البريطانيون لأنفسهم في (كرند) .. أما الحادث الذي يمكن اعتباره فاتحة الثورة فإنه كان يوم الثلاثين من حزيران عندما أقدم مجموعة من رجال عشيرة الظوالم على دخول السراي في مدينة الرميثة عنوة وأطلقوا سراح (شعلان أبو الجون) شيخهم الذي كان معتقلاً هناك وعلى أثر ذلك قامت هذه العشيرة بحصار تلك الحامية في الرابع عشر من شهر تموز وقطعت سكة القطار شمال مدينة الرميثة وجنوبها وقامت تلك العشائر محاصرة الحامية في مدينة السماوة وقطعت سكة القطار في شمالها وجنوبها وبدأ ينضج تدريجياً انفجار تلك الثورة وشارك مجموعة من الضباط العراقيين السابقين في حركاتها وقد ظلت حامية الرميثة مطوقة حتى وصلتها نجدة بعد قتال عنيف مع الثوار في العشرين من شهر تموز ... أما المعركة التي حدثت في منطقة (العارضيات) الغربية من مدينة الرميثة كانت من أبرز الشواهد على كفاءة الثوار ومقدرتهم في التعبئة والقتال ... ومنذ بداية شهر آب أخذت الثورة بالانتشار في الفرات الجنوبي بتأثير بعض رجال الدين الداعين إلى الجهاد الذي تم اعلانه في كربلاء في اليوم السادس من شهر آب في الثاني عشر من شهر آب تخلت القيادة البريطانية عن قلعة سكر وفي اليوم التالي تخلت عن مدينة الخضر وخسرت قطارين محملة بالأسلحة وفي العشرين من شهر آب تخلت عن مدينة الشطرة وفي شهر أيلول تخلت عن مدينة سوق الشيوخ وهكذا انتشرت الثورة في أرجاء مدينة المنتفك وكان أبرز انتصار أوقعه أبناء الفرات بالبريطانيين هو أسر قطعة حربية بريطانية في الثامن والعشرين من شهر آب مع جميع من كان فيها وإبادة حملة عسكرية بريطانية جاءت في الثالث من شهر أيلول لإنقاذ الحامية المحاصرة في مدينة السماوة ... وإذا كانت منطقة الفرات في الميدان الرئيسي للثورة فإنه كانت لها في بعض أنحاء العراق الأخرى ميادين لا يستهان بها فمدينة بغداد على اتصال برجال الثورة حيث اتسع نطاق الثورة خلال شهر آب في مناطق تقع شرق مدينة بغداد وشمالها وغربها .. لقد أفلت الأمر من يد سلطة الاحتلال البريطاني عند مقتل الكولونيل (ليجمن) في اليوم الثاني عشر م شهر آب على يد الشيخ ضاري وذويه من قبيلة (رويع) وعلى أثر ذلك اندلعت الثورة في وادي الفرات ما بين مدينة الفلوجة ومدينة عانه حتى اضطرت القوات البريطانية إلى الانسحاب من مدينة هيت إلى مدينة الرمادي وظلت مدينة الرمادي ومدينة الفلوجة منقطعة عن بغداد حتى أواخر شهر أيلول ولم تستطع القوات البريطانية من استرجاع مدينة هيت إلا في الرابع من شهر تشرين أول وفي هذه المدة شن الثوار هجوماً على دائرة الواردات في مدينة (مهروت) ومحطة القطار في مدينة (أبو هوا) وسقطت مدينة الخالص في أيدي الثوار وانسحب البريطانيون من مدينة (بعقوبة) واحتلت العشائر مدينة (المقدادية) وقتلت خمسة من البريطانيين بينهم ثلاثة برتبة رئيس في الجيش البريطاني وكذلك احتلت العشائر مدينتي السعدية وخانقين وفي مدينة مندلي أنشأت حكومة وطنية محل الإدارة البريطانية من دون مقاومة ودخلت العشائر مدينة كفري وقتلت الحاكم البريطاني الكابتن (سالمون) مما تقدم يتبين أن الثورة امتدت إلى معظم أنحاء العراق الشمالية والغربية والشرقية والجنوبية وساهمت فيها كل القوميات والعناصر التي تأثرت بالعوامل وردود الفعل واشترك فيها رجال الدين إلى جانب بعض شيوخ العشائر فضلاً عن المثقفين والتجار والملاك الوطنيين المتنورين والجماهير الشعبية الواسعة من أبناء المدن وبينهم العمال الذين دفعوا أول شهيد لهم في بغداد هو (حسن النجار الأخرس) ولكن القاعدة الكبرى الجيش الرئيسي للثورة كانت جماهير الفلاحين.
وبعد خمسة أشهر من الحرب الدموية استطاع المستعمرون الانكليز إخماد ثورة الشعب العراقي المناضل في سبيل حقه في تقرير المصير وكان عدم التكافؤ بين الأطراف المتحاربة في النواحي الاقتصادية والتكنيكية والعسكرية من الأسباب المهمة في فشل ثورة العشرين، ورغم ذلك فقد استطاع الوطنيون العراقيون بفصائلهم الثائرة المجهزة بأبسط الأسلحة وقيادة لا تمتلك الخبرة في قواعد الحرب الحديثة أن يقارعوا جيشاً نظامياً مدججاً بالسلاح حتى أخمص قدميه لا قوى دولة استعمارية في ذلك الحين ومن جهة ثانية فإن ثورة العشرين لم تكن على صلة من الناحية التنظيمية بالحركة التحررية في الدول الأخرى التي امتازت بتصاعد نضال الشعوب المستعمرة ضد الاستعمار بالإضافة إلى ضعف الحركة الوطنية في العراق حيث كانت معظم القبائل والفئات الدينية في مختلف المناطق المختلفة ملتزمة ومحافظة على عزلتها مما جعل استجابتها للثورة ليست في مستوى الأحداث وأعطى المستعمرين الانكليز سلاحاً قوياً لزرع الخلافات والنزاعات القومية والدينية والقبلية في البلاد أدت تلك السياسة التي اتبعها الانكليز إلى إضعاف مساهمة الأكراد في ثورة العشرين حيث انفجر الأكراد في ثورة ضد الانكليز عامي 1918 و 1919 واستطاع الانكليز من قمع انتفاضتهم بقسوة على أيدي قوات الاحتلال البريطاني ... كما استطاع المحتلون الانكليز استغلال الخلافات القبلية والدينية بين المواطنين العراقيين وتمكنوا من عزل القبائل التي تقطن حوض دجلة عن الثورة ووقوفها على الحياد كما لم يكن الأعداد للثورة بمستوى المهمة العظمى التي تواجهها كما أن ثورة العشرين كانت قد بدأت بمبادرات عقوبة من قبل الجماهير الشعبية ولم تنجح جميع المحاولات من أجل توحيد فعاليات مختلف الفصائل الثائرة في خضم الثورة ... إلا أن العامل الأساسي لفشل الثورة هو القيادة السياسية من حيث تركيبها الطبقي وتنظيمها لأن هذا العامل يلعب دوراً حاسماً في الثورة حيث كل شعب يعزم على الخلاص وخصوصاً في عصر الامبريالية والعراق في تلك الظروف من تاريخه كان ولا يزال تسوده الحياة القبلية الإقطاعية وإن الطبقة البورجوازية كانت لا تزال ضعيفة اقتصادياً ولم تحمل الثورة برنامجاً يخص جماهير الشعب كما كانت البورجوازية الوطنية بما فيها مثقفوها هي التي بدأت الحركة التي أدت إلى الثورة وقد جلبت إليها رجال الدين وقسماً من شيوخ العشائر ولكن الاعتماد على هذين العنصرين في قيادة الثورة يحمل معه عاملاً هاماً من عوامل ضعفها وفقدان صفاء النظر والإقدام عندها فقد اشترك في قيادة الثورة رجال دين وشيوخ قبائل لم يكن في مستطاعهم قطع علاقاتهم بالفئات الإقطاعية المؤيدة للإنكليز حتى في مرحلة الانتصارات الباهرة التي حققتها الثورة وكان للفئات الانتهازية والانهزامية نفوذ كبير في قيادة الثورة ففي بعض المناطق كالمنتفك ومندلي لعب هؤلاء دوراً رئيسياً في إضعاف الثورة والقوى الوطنية كما أن ليس هناك في ذلك الظرف مقومات قيادة وطنية مدركة ومقدامة منظمة وموحدة تستطيع قيادة الثورة وتنسيق فعاليتها على نطاق القطر ... ومع كل ما عانته الثورة وقيادتها من نواقص لا يغير من حقيقة أن ثورة العشرين عام/ 1920 كانت كفاحاً وطنياً ضد الاستعمار وعبوديته واستغلاله وكانت كفاحاً ثورياً في أسلوبها وفي جوهرها وفي أهدافها .. ولأول مرة في تاريخ العراق تصبح الحركة المعادية للاستعمار حركة جماهيرية أصيلة تشمل جميع أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات