أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - اشكالية الخلق والخالق في الفكر الديني















المزيد.....

اشكالية الخلق والخالق في الفكر الديني


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7268 - 2022 / 6 / 3 - 19:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتمد جميع الأديان على منطق الغيب في تفسير الكون وخلق الإنسان، هذه الأديان تحمل في طياتها تناقضات ايديولوجية شديدة التأثير على العقل الشرقي خاصة تلك التناقضات التي رسمت للعقل طريق التضليل في معطياتها، انها مبنية على التسليم بافتراضات لا يمكن البحث في وجودها لا عن طريق الأدلة العقلية ولا العلمية، رغم انها صيغت في عصر الجهل إلا انها مازالت ليومنا هذا تمثل معيناً خصباً للصراع بين الشعوب وبدل من استعمال العقل، تندرج الحالة العاطفية في اعطاء تبرير وجودها. لنبدأ رحلة عقلية منطقية في التعرف على الحالة التي عاشها الخالق ومن خلالها انتج المخلوق لنرى هل فعلا يمكن عقد العلاقة بين الطرفين بين ماهو مادي وروحاني في اطار الزمان والمكان وما سبق الزمان والمكان عندما كانت الألوهية بمفردها قبل خلق الكون. المبدأ الذي نلتزمه لا خلق لا وجود خالق. اي ان احدهما مشترط بوجود الآخر. تواجهلنا معضلتان، هما الوجود والعدم، ثم الزمان والمكان، كذلك عندما نتعمق في سرد الآلية التي من خلالها تسرب الفكر الديني للعقول فانتج العقل الإلهي، مقابل العقل البشري، ثم لغة كل طرف منهما، كي نصل الى منطق علمي وفلسفي في التوصل الى تبيان حقيقة الغيب من خلال نظرتنا العاطفية والعقلية، نظرتنا للتراث، نظرتنا للنص الديني الذي اتى لنا بالمنظومة اللاهوتية مستندا عليها في عالم الوجود والعدل كي تنسجم مع عقيدة الغيب في شخص الإله نفسه.
1 – الوجود والعدم : لعل الوصف الأبلغ الذي وصف فيه مارتن هيدجر في كتابه الوجود والزمان راى فيه ان الموجود البشري هو السبيل الوحيد لفهم حقيقة الوجود، وان الفكر عنده ليست علاقة ذات حرة غير مرتبطة بالزمان مع امر مجهول نحاول ان نخترق سره. فهو يرى اننا لا نفهم الوجود إلا عن طريق وجودنا وفي صميم كياننا. لعل كتاب الوجود والزمان بداية العهد الجديد في الفكر الفلسفي وان اهم مافيه البحث عن الوجود، وارتباطه بمشكلة الزمان لأن الزمان هو الإمتداد الواسع الذي نطل منه على مسألة الوجود. اي ان العقل البشري غير مؤهل في البحث بما وراء العقل، ذلك ان العقل وعاء مادي لا يمكنه الغوض في متاهات عوالم الغيب، فلا يمس لمسه او معايشة حالاته مهما كانت، لهذا نريد ان نبحث جدلية العلاقة بين الوجود والعدم لأنها المقدمة التي تمهد البحث في علاقة الخالق بالخلق، لنرى اذا كان هناك خالق للكون، علينا قبل كل شي ان لا يتخلل برهاننا اية تناقضات لان التناقضات لا قيمة لها عند العقل وباطلة على سبيل المثال اذا طلبت مني اعرفك على بيتي، وانا قلت لك ان بيتي جميل وكبير وبنائه رائع لكنه فارغ من كل شي، ثم اقول لك اذا احتجت اي شئ منه فأني ادخل لبيتي واجلب لك منه ما تريد. هذا الكلام سيكون متناقض او مستحيل. لان تعريفنا عن البيت معناه فيه احتمال الصح والخطأ، في نفس الوقت اني اقول شي، اراه صحيحاً عندي وانت تراه مستحيلاً. من هذه القاعدة هل يمكننا ان نثبت امكانية وجود او عدم وجود للخالق؟ نعم يمكن ذلك، علينا الآن ان نبحث عن تعريف الله، علينا ان نعرف ماهو الله لكي نعرف ما الذي نسعى لإثبات وجوده. بحسب قاموس ويبستر فأن الله هو الحاكم لهذا الكون وخالقه. هذا يعني اذا كان هناك خلق معناه هناك خالق. والعكس ايظا صحيح اذا كان الخلق مستحيل فوجود الله كذلك مستحيل. بمعنى كما ذكرنا وجود احدهما يعتمد على وجود الآخر. لنعرف الآن ماهو الخلق؟ اذ بدون الخلق لا يمكن لله ان يوجد. بحسب قاموس ويبستر نعرف الخلق انه جلب الى حيز الوجود اي ايجاد شي للوجود كان اصلا غير موجود. بمعنى ان الخالق يجب ان يخلق شي من لا شي وإلا فأنه لن يكون خالق انما سيكون شخص عادي مثلي ومثلك. الانسان قادر على اخذ مواد موجودة اصلاً وتحويلها الى شي آخر لكن هذا ليس خلق Creation، انما تحويل transformation كي يكون الله عليه ان يخلق شي من لا شي، لكن هذا التفكير سيخلق لنا مشكلة كبيرة. اذا قلنا عن عملية الخلق ممكنة اي ان يأتي شي من لا شئ هذا يشبه حالة عندما اقول بيتي فارغ لكن ممكن اجلب لك اي شي تريده من داخله. اتفقنا سابقا ان بيتاً مثل هذا لا يوجد، لماذا؟ لأنه يعارض العقل.
من لا شئ سيكون لا شئ. منطقياً يجب ان يكون عندنا شئ لتبدأ به، اما اننا في الوجود كي نبدأ او اننا في العدم كي لا نكون، لكن لا يمكن ان يكون لدينا الأمرين معا، اما عدم او وجود شئ. الخلق لا يمكن ان يكون شيئين متناقضين في نفس الوقت. علينا الآن ان نفكر اذا كان الخلق قد بدأ من لا شئ هذا يعني ان الخالق لم يكن موجوداً قبل بدئه للخلق. بمعنى كيف يخلق الله اي شي اذا لم يكن موجوداً هو لخلقه؟ ان الخلق هو جلب شئ من لاشئ. اذن ماهو موقع الله في هذه المعادلة؟ لا مكان له. اذا كان الخلق من العدم مستحيل سيكون الخالق كذلك مستحيل. حقائق كهذه رغم انها واضحة لكن لا نفكر فيها جديا. كي نبني فكر واقعي منطقي وعلمي بعيد عن الخيال، كيف نصنع الشي من العدم؟ يستحيل على الله ان يصنع الوجود من العدم، ذلك ان وجود الخالق خارج اطار الزمان والمكان سيكون هو جزء منه، ولعل الكثير يعتقدون ان كل ماهو موجود لابد له من خالق، فهذه الفكرة مرتبطة في عقول البشر في الازمان القديمة في اثبات الخلق على اساس ان كل ما ظهر في الكون نتاج التصميم البديع لابد له صانع فالكرسي صنعه النجار، والساعة صنعها الساعاتي، والسيارة صنعها الميكانيكي، الامر اذا كان هكذا سيكون للكون صانع كذلك، بحسب هذا المنطق فأن اشكال الحياة في نظامها البيولوجي تظهر التأقلم والتكيف ولها من الاجهزة المعقدة ما تدعو للذهول فكل شي في بناء الكائنات الحية مكيف بطريقة تضمن له العيش وكأن هناك عقلاً مفكراً قد وضع التصميم البديع لتستمر تلك الكائنات بحراً وارضاً في العيش. فهذا الذي جعل الحياة تتكيف بهذه الطريقة لكائناته لابد ان يكون اعقد من مخلوقاته وابعد عنهم في معرفة كنه ذاته، هذا الاستنتاج نراه مقبولاً في البداية لكن مجرد التفكير فيه سنرى سذاجة اطالة التفكير فيه، فنحن سنتوجه بالسوال ” من خلق الخالق ” فلابد ان يكون من هو اعظم منه. لعلنا نجد الرد على سؤالنا ان الخالق قد خلق الزمان والمكان لذلك هو اكبر واعظم منهما، فيكون خارج اطار الزمان والمكان ولا يخضع لقوانين الوجود. لعل هذا الرد قد بقي في عقول وملفات رجال الدين ردحاً من الزمن ومازال يلقى قبولاً ليومنا هذا عند بعض العقول. لكن الرد يحمل الكثير من التناقضات. كما نبين ذلك:
1- اذا كان الله خارج الزمان والمكان، الا يعني ذلك انه خارج الوجود؟ واستنتاجاً يعني عدم وجوده؟ ذلك ان واقعنا الكوني يتطلب وجود الصانع مع الآلة التي صنعها، فكلاهما في الحيز نفسه، ذلك ان الله عندما يتخيل بناء الخلايا لكائناته لابد ان يكون موجوداً في اطار الزمان الزمان والمكان ذلك ان تلك الكائنات لن تكون قادرة على العيش خارج وحدة الزمان والمكان، فلا يمكن وهو بعيد ان يجعل وجود كائناته بعيداً عن قدرته في الخلق. اننا نقرأ الكثير من النصوص التوراتية والقرآنية ما يبين وجود الخالق داخل اطار الزمان والمكان. فعندما نقر ان الله موجود لابد له من موجد. تذكر سورة الحج ” وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ” فهذا اعتراف بدلالة النص القرآني ان الله له زمنه الخاص به، وهي بحسب الطبري في هذه السورة تعني نفي العجلة عن نفسه، اي ان الله يقيس الأمور بأيام اطول من ايامنا بكثير، وكما هو متلازم لا يوجد شي في الكون مكان ليس فيه زمان، فالزمان مدة وجود هذا الخلق والمكان هو الحيز الذي توجد فيه المخلوقات. كذلك تورد سورة طه ” الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ” في سورة الأعراف تدلل كذلك على صلة الله في الزمان والمكان ” إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ” فالاستواء بمعنى الجلوس، اي المكان، وعمله في خلق الكون ستة ايام يعني الزمان، فهذا النص وغيره من نصوص كثيرة اظهرت علاقة الله بالزمان والمكان، بيد ان التفسيرات الدينية تنزه الله كذلك من تبعيته للزمان والمكان.
2 - اذا كان الله قد ذكر تتابع الزمن وسريانه عنده خلال خلقه للكون عندما ابتدأ حتى استغرق ستة ايام او ثمانية ايام في نصوص اخرى، الا يعني توفر الزمن عند الله خلال فعله للخلق؟ فهذا الأمر يدلل بشكل لا يقبل الشك ان الله داخل اطار الزمان والمكان. اذ لم ينف الله الزمن خلال فترة خلقه للكون. فالله اصلاً استعان بالزمن في خلق الكون، هذه الاستعانة في الخلق يعني عدم الكمال للذات الإلهية. لقد صنع الله الوجود بفعل الزمن فبدون الزمن لا خلق ولا تغيير بل ولا حتى التفكير في اي شأن كوني. ذلك ان الإرادة الإلهية ذاتها خضعت للزمن، الا يمس القدرة الإلهية ويجعلها تحت سلطة الزمن؟ فالقادر على كل شي لا يستعين.
3 – اذا كان الله الخالق خارج الزمان والمكان فأين هو؟ لقد اسهب الدين في الحديث عن امور غيبية كثيرة، منها الجنة والنار، الملائكة، عالم الأرواح وغيرها، لكن اعطاء معلومات عن وجود الله فليس في مقدوره الإجابة، والذي لا يمكن فهمه هي تلك الأبدية او السرمدية في حياة الخالق، قبل وبعد الخلق، فهي من الأمور التي يجهلها الدين ولا يجيب عنها لانها تدور حول عدم قدرة العقل المتدين في صياغة النص المنطقي، ليس فقط العقل المتدين انما في قدرة العقل الفعال على التحليل المنطقي، ان العدم لا يصنع الوجود. تدلنا كلمات كالخلود، الملائكة، الموت، السرمدية، القدر، الجنة والنار، كلها مفاهيم مجردة خارج عمل العقل وبالتالي لا علاقة للعقل في الغوص داخل مفاهيمها التي لن تقدم للعقل البشري اية نتيجة.
4 - اننا امام خالق بعيد عن الملكوت الكوني الذي احاط الزمان والمكان، حتى حياتي ومماتي فلماذا يبقى عقلي تابعاً الى سر الإله المغلق، فهو لا يعيش في الحيز الكوني الذي اعيش فيه، فما هي مجهودات العقل المادي في سراب التحليلات التي لا تخرج بالعقل خارج حدوده البيولوجية؟ ذلك ان تركيبة عقولنا استندت على تصورات واحكام خاطئة هي ان لكل موجود لابد ان يكون من اوجده، من غير ان يتبادر للذهن ان الكائن المعقد اتى من اصل اقل تعقيداً، نحن عند اللجوء للعقل المجرد والاستدلال نجد اننا امام فرضية منطقية واستنتاج، لكننا امام الدين يضع المسلمات كحقائق مطلقة لا تقبل الشك، وفيها يعجز العقل عن فهمها، لهذا لا وجود لحقيقة دينية.
5 – ان البحث في موضوع الوجود والعدم، تنطوي فيه الكثير من الحقائق التي تبعد الدين، في ايجاد اية ارضية في عقولنا، لماذا؟ لان عقولنا مصنعة بطريقة بيولوجية، فعندما نقول العدم بمعنى لا يكون فيه وجود، ذلك ان الوجود يتكون فيه فعل الإيجاد، وينتج عنه لان الوجود وعاء مادي فعن طريقه تنتج بقية الموجودات، اما حضور العدم في العالم فيتطلب كونه منتج لعالم الوجود، فهذا يبعد العقل عن افتراض اصل الشئ، ان يكون العدم ذو اصل مادي، ذلك ان العدم بلا اصل مادي لا يكون له فعل وجودي. كيف؟ ان العدم مجرد فراغ لا يستند على ارادة كونية لان الإرادة الكونية استنتاج لفعل عقلاني مفكر وواع اين يمكن ان يتوفر هذا الوعي كي يعمل على برمجة الوجود بروعة التصميم؟ لا يوجد. فأذا ابعد رجال الدين الخالق عن حضوره في الزمان والمكان والوجود يكونوا قد الغوا هويته الشخصية، لانهم جعلوه في الفراغ الذي لن ولم ينتج فكرة واعية مفكرة وراقية كي تنتج الوجود، وهذه هي الاستحالة اذ يكفي ان الخالق لم يعلن عن هويته الذاتية آلاف السنين، متخذأ الصمت على برهنة قدسية وجوده، فالصانع الذي صنع ساعة يدوية اكثر تطوراً يفتخر بمقدراته العقلية لينال وجوده امام الآخرين المكانة العلمية، اما الذي خلق الكون تحصن في الغيب المجهول كتبت عنه آلاف الكتب، واستهلكت العقول في خياله لتقتفي اثر وجوده ولم تجد له اثراً، بقي الجنس البشري يبحث عنه حتى في حروب دينية طاحنة فلم تؤسس لنا تلك الكيانات الخرافية في الاعالي غير الوهم الذي حصد حياة الملايين عبر التاريخ.
نحن امام ميزان عقلي اما ان نتخذ من طريق الولاء للمعرفة واليقين في اننا موجودون في هذا الوجود ولا يوجد من اوجدنا لان المادة لا تفني ولا تستحدث من العدم فبهذا القانون ننقذ عقولنا في خرافة الاوهام، او اننا نؤمن بالدين ونقنع عقولنا ان العدم كيان الهي واع مستقل لا يريدنا ولا نعرف عنه شيئاً صنع لنا الحياة والوجود واقام علينا الحجة في ما نفعل ونفكر ونختار فكلنا ضحايا قدره، اذا كانت عقولنا بهذا الرخص الواقعي فما اسخف هذه العقول التي تمضي للخرافة ولا تجد فيها حتى الدليل انها خرافة، اننا نحاكم الغيب لما اقترفه بحقنا رجال الدين في عصور الظلام باحيثن عن ظل إلهي في عوالم العدم كي يستحكم في حياتنا عقلاً ليس في مقدوره الاقرار اننا في هذا العالم وجود له قوانين الطبيعة ولا شي يحيط هذا الكون الواسع بكل تشكيلاته البيولوجية والفلكية لكل حركة انما تتم بفعل الوجود، فواجب الوجود بذاته بأنه الموجود تكون حقيقته غير قابلة للعدم، فواجب الوجود يجب ان يكون في الوجود ذاته كي يتمكن من تأسيسه، وهذا ما اثبته الخالق انه استعان بالزمن في صنع الكون، وبهذا اذا دخل الله المنطومة الكونية للزمان والمكان، كما استعان الخالق بمعان مادية ” الرحمن على العرش استوى ” فهذه الإحاطة بوجوده في المكان، تعني خضع لفعل الكون وقوانينه، لكننا مع ذلك لم نجده لماذا؟ ذلك ان كل مخلوق مسبوق بالعدم يجوز ان يلحقه فناء، تماما كصفات الله، هي تأتي بعد وجوده لانها محدثة، فالله يوجد ثم تأتي صفاته، وكل محدث خاضع لزمن، اما كون الصفات لا تتخذ عن الله التدرج في الزمن، فهذه محنة العقل التي وضعت الله بين الوجود والعدم، فأن كان العدم، فلا وجود لصفاته اصلاً اما كونها خلال الوجود في فعل الزمن، نكون بذلك قد خلقنا الله في عقولنا وجعلنا فيه ما استعصى على عقولنا الاقرار بوجوده. في صحيح البخاري برقم 1077 ورد الحديث النبوي: ” ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر” فهذا استدلال على احتواء الكون وجود الخالق داخل منظومتنا الكونية، فإذا نزل الله من سمائه للسماء الدنيا تكون السماء قد خلت منه وقتئذٍ، وكما هو الحال ” استوى على العرش ” فهذا الاستواء معلوم والكيف مجهول. ذلك اننا استحدثنا الاحوال الوجودية للخالق والغينا في الوقت ذاته حضور كيانه. باختصار ان الوجود والعدم للخالق مصطلح ينطبق على مدى استحكام العقل وخضوعه لعالم المحسوسات والغيبيات واين يكون فيها، ان الوجود هو هذا العالم الذي صرنا فيه عبر مسيرة استغرقنا فيها ملايين السنين والعدم الذي لم نكن فيه، ففي العدم لا يمكن من خلاله انتاج الكون ولا يمكن للخالق ان يكون فيه لان العدم لا شي، ليس شي يسمى فيه او يذهب اليه من يريد، كلمة يراد منها تضليل العقل كي نضع فيها للخالق مكاناً ينطلق فيه للغيب المجهول، فهو ينزل ويترك عرشه، هذا الأمر يجعل الخالق لا يختلف عن اي كائن حي لا يحيطه الشمول الكوني لكياته.
حوار الله مع آدم، وطرده من الجنة، والخيال الاسطوري في وصف المشهد المادي للجنة من انهار وثمار واشجار، إلا يدلل على الحس المادي لرؤيا الماديات؟ فلابد ان يكون للجنة مكان وهذا المكان حيز كان فيه الله وكل منظومته اللاهوتية، فكيف اجتمع آدم في حوار مع الله اذا كان الله في العدم؟ اسس افلاطون المعتقد الغيبي، ان هناك عالمان، عالم مادي وعالم الأشكال اي عالم المُثل، فكل الماديات في العالم الحسي تتغير اما في عالم المُثل فالأشياء لا تتغير فهي مطلقة كاملة فوق الزمان والمكان، كذلك اثبت افلاطون علاقة الجوهر بالذات، فالجوهر عالم المثل الذي يمثله الله والمنظومة اللاهوتية التي تدور حوله، والذات التي تمثل الوجود، والإنسان، بهذا يكون افلاطون قد جعل الله المطلق في الزمان والمكان، هو القادر على اختراق العالم المادي في المحسوسات وان يكون فيها، هذا التنوع بين استقلال الله عن الزمان والمكان والوجود وقدرته في زج كيانه في الوجود اسس الطبيعة اللاهوتية في المسيحية بين علاقة الأب الكائن الروحاني في السماء وذاته في شخص الإله الابن في الأرض، عند اقتفاء الجذور اللاهوتية لعقيدة الخالق والمخلوق سنجد فيها خيال الفكر اللاهوتي اليهودي والفلسفة اليونانية في شخص افلاطون على وجه التحديد وتوما الأكويني الذي وضع الأطر الفلسفية لعقيدة الروح. اننا امام اثر تاريخي فلسفي عميق وضع المعتقدات للغيب، من المهم ان نضع في الإعتبار قرائن التاريخ لانها سوف تسوّغ لنا الكثير من تراث المعتقدات التي يمكن فهمها من خلال حضارات سابقة، اليوم نقف عند مفترق طرق، فالعلاقة بين كائن روحاني وآخر مادي بشري لا يمكن جمعها البتة ليس في القدرة الإلهية التي تخترق قناعات العقول، بل في المنطق الاستدلالي الذي يلغي الجهل ويضعنا على اعتاب الحقائق اينما نكون.



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذاب القبر خرافة ام حقيقة إلهية؟
- الإسلام الراديكالي في تنظيم داعش وطالبان
- ذي القرنين خرافة ام حقيقة تاريخية؟
- يونان في بطن الحوت اسطورة خرافية
- خرافة الجنة والنار في الأديان الإبراهيمية
- الوحي الإلهي حقيقة ام خرافة؟
- الجذور التاريخية لسورة الفيل
- الجذور الوثنية لقصة خلق آدم وحواء
- طوفان نوح تاريخ خرافي ام وثيقة ايمانية؟
- عقيدة الوهم في اصحاب الكهف
- قراءة نقدية في عقيدة العصمة
- معجزات المسيح - بين الخرافة والتضليل -
- التطرف الديني في مواجهة الدولة المدنية - العراق نموذجاً -
- عبور موسى البحر الأحمر، خرافة ام حقيقة؟
- الشيطان في التراث الديني
- خطاب العنف في سفر يشوع
- خطاب العنف في النص القرآني
- الاسراء والمعراج، بين المعتقد والخرافة
- الروح بين الفكر الديني والعلماني


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - اشكالية الخلق والخالق في الفكر الديني