أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الدخول في الشرنقة














المزيد.....

الدخول في الشرنقة


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7246 - 2022 / 5 / 12 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


في الجامعة .. رأيته لأول مرة .. من حينها ونظراته تلاحقني .. لم أكن سعيدة بتلك النظرات .. ولم اعترض .. ربما لأنها كانت تشبع ذلك الغرور الكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري.
لم أحبّبه قط لكني لم أرفضه حين تقدم للزواج مني بعد أربعةُ أعوام .. فتحديه لأهله من أجلي بسبب اختلاف طائفتنا كانت كافية لإسكاتي وإقناعي بأنني سأعيش في ظل رجل يعرف كيف يحميني.
كل شيء سار بهدوء .. لم يكسره إلا صراخ طفلتنا حين ولدتها في يوم كانت السماء مليئةٌ بسحب سوداء .. فرحته بالبنت لم تتغلب على شرقيته .. فبقي يحلم بالصبي الذي يحمل اسمه .. حتى تحقق له ذلك بعد عام ونصف.
انتقالنا للعيش في بيت أهله في إحدى المحافظات .. كانت الانعطافة التي غيرت مسيرة حياتنا وجعلتها تتخذُ لونًا آخر ليس هو اللون الذي بدأت به.
صحونا ذات يوم ربيعي على خبر سقوط النظام.
أصبح إنسانًا آخر .. يتحاشى التحدث معي أو الجلوس بجانبي .. بل بلغ الأمر به إلى الامتناع عن تناول الطعام معي.
شيئًا فشيئًا لم أعد أشعر بأنني متزوجة إلا حين أدخل غرفتي لأجده ممدًا على السرير ينتظر سد جوعه من جسدي .. ثم يغط في نوم عميق دون أن يتفوه بكلمة.
فقداني لخصوصيتي هو الشيء الذي ظل يثير سخطي .. خارج الغرفة لم أكن زوجة .. بل خادمة لكل من في المنزل .. لا أجرؤ على فعل أو قولِ شيء إلا بعد موافقة الجميع .. المرة الوحيدة التي تجرأت فيها واعترضت كانت نهايتها صفعة على خدي وإنذارًا بالطلاق.
كبرت المسافةَ بيني وبينه .. أخذ يتغيب طويلاً عن البيت .. وعن المدينة كلها .. حين يعود يبدو عليه القلق والخوف .. عيناه مترقبتان .. أحيانًا كثيرة يقطع حديثه عندما يلمحني قادمةٌ نحوه .. بدأت أشعر بتحاشيه لي .. هناك أمر جلل شغله عن كل شيء.
وقع الطلاق بعد ست سنوات .. أطفالي كانوا الصفقة التي ربحتها مقابل تنازلي عن كل شيء .. فتنفست بعمق لأنني ظننت أن القدر قد اكتفى مني.
لم أكن أريد لأطفالي أن يكبروا بعيدًا عن والدهم .. فسمحت له برؤيتهم بين فترة وأخرى .. فليس من العدل أن يخطئ الكبار ليدفع الصغار الثمن .. هكذا كنت أقنع نفسي وليتها اعترضت ولم تقتنع.
صراخي حين عرفت أنه قد هرب بالأطفال لم يسمعه أحد .. لأن صوت انفجار قريب غطى كل شيء.
الدخان الأسود ملأ سماء المدينة .. المستقبل غاب في ظلمة الحاضر .. تغيرت معاني الكلمات .. عيوننا كانت بخوف تترقب.
بعد أشهر .. لم يعد أحد يسألني عنهما .. فالأحداث الكبيرة مثل حيتان البحر .. تلتهم السمك الصغير .. وحدي بقيت أتتبع أخبار أطفالي من بعيد .. بعد أن هدم طليقي كل جسر قد يصل بيني وبينهم.
تزوجت ثانية .. لا بد للحياة أن تستمر .. واستمرت حين أنجبت بنتًا وصبيًا .. لكن حنيني لأطفالي أبدًا لم يهدأ.
حين وصلني خبر إنضمام طليقي لإحدى التنظيمات الإرهابية لم أتفاجأ .. لأني وجدت أخيرًا تفسيرًا لكل أفعاله الغريبة .. الذي أفزعني وجعل ساعات الليل طويلة سوداء وساعات النهار قلقًا قاتلًا حين عرفت أنه زجّ بأطفالنا في درب نهايته الموت أو الانحراف عن الحياة.
الموت البطئ .. لا أحد يصف هذا المعنى إلا من عاشه .. لم أعد أشعر بالألم لأني غرقت فيه .. صور مرعبة احتلت كوابيسي وأنا أتخيل ابنتي ذات الخمسةَ عشر ربيعًا تتلاقفها أيادي المجرمين تعبث بها باسم الدين .. وابني أصبح رأسه الفارغ وعاءً لأفكار مسمومة من أبٍ كره الحياة قبل أن يفهمها.
ثلاث سنوات مرت .. أحيانًا كنت أتمنى سماع خبر موتهما ليصبح لسياط الألم التي أتلقاها جلاد واحد .. حتى هذهِ الأمنية ضَنَّ بها القدر عليّ .. أمسيت أفزع لكل رنة هاتف أو لطرقة باب لا أعرف صاحبها .. الشك كاد يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فأظن أنهما يخفيان شيئًا عني.
لا أدري كيف أصف مشاعري حين وصلني ذات يومٍ قائض خبر مقتل طليقي .. فالمدينة التي يتحصن بها هو والجماعات التي ينتمي إليها قد تحررت .. أرى الفرحةَ في عيون الجميع إلا عيوني .. غرقت بدمعها .. بموته انقطع الخيط الذي كنت أتمسك به ليصلني بأطفالي.
شعوري باليأس جعل الوقت يمر سريعًا .. فلم يعد هناك ما انتظره .. أسماء الأيام لاتهمني .. أضحى النهار يشبه الليل .. لم يكن لدي من رفيق سوى سيجارتي وصمتي.
كأني ولدت من جديد .. فصرختي كانت صرخةُ ألم من أجل الحياة .. اتصال جاءني من مجهول يطلب مني الحضور إلى المدينة المحررة لاستلم ابنتي.
الليل الموحش والخطر الذي قد اتعرض له وأنا أقطع شوارع مظلمة .. كل ذلك لم يمنعني من السفر إليها.
حين نودي باسمها في المخيم .. نهضت من بين عشرات الفتيات .. السواد يلف جسدها .. لا يظهر منها إلا وجه خال من أيُ تعبير وبين يديها طفل رضيع.
أما ابني .. فقد هرب مع من هرب من الجماعات .. وهو يهدد بالانتقام لأبيه.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيدة انتظار
- لندن 2017
- مذكرات قرد في المنفى
- دار الغياب
- شريكة زوجي
- أمي وذلك العشيق
- ألوان فوق غيمة عابرة
- فقط ارفعي ذراعيكِ
- صفقة مع الحزن
- الظلال الحزينة
- بعد منتصف الحلم
- رسالة إلى العصافير
- ابنة الغجرية
- قارىء عداد الكهرباء
- مواسم العطر
- بين الظلال
- أنا ومعطفه الأسود
- موعد غرامي
- الوداع الأخير
- زهرة التوليب


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الدخول في الشرنقة