أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - القرآن ومقهومه للتاريخ















المزيد.....

القرآن ومقهومه للتاريخ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 06:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


القرأن إذا عبر عن التأريخ وإن بصيغته وبجانبه الديني بمعنى الأساطير فهو سرد التاريخيات التي أراد أن ينقلها للناس كجزء من وجوده بهذه الصيغة، لا سيما أن الأشتقاقات من الفعل سطر تؤيد ذلك وتعزز هذا التأويل بشكل مؤكد، ولو رجعنا للنصوص نجد أن مفهوم التأرخة يشار له بالتسطير، فمثلا (كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) ﴿٥٨ الإسراء﴾، أي أن ما ذكرته من قصص وأخبار وحوادث وأشخاص مدون في الكتاب وموثق بمعنى أن ما ذكرته هو جزء من التأريخ الثابت الذي لا يمكن نكرانه أو تكذيبه، وأيضا (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) ﴿١ القلم﴾ ويسطرون هنا بمعنى يكتبون سواء ماضي مدون أو حاضر سيكون في زمن لاحق وثيقة تأريخية، وهذا ما نجده واضحا وجليا في النص الذي ربط بين التأريخ وكتابته وسماه النص أساطير (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ﴿٥ الفرقان﴾.
وبالعودة لمفردة التأريخ بمعناه الحاضر المتداول لم تكن معروفة تماما في زمن القرآن ولا حتى قبله، ويذكر اللغويون والمؤرخون على حد سواء أن هذا اللفظ والمعنى دخل متأخرا على الثقافة والفكر العربي بحدود قرن ونصف بعد نزول القرأن، حتى أن جذر الكلمة (أرخ) لم يرد بهذا المعنى مطلقا، ولم تظهر لفظة (( التاريخ )) بمعنى الكتاب الجامع للإحداث عبر السنين ، حتى النصف الأول من القرن الثاني، في كتاب عوانة بن الحكم ، المتوفى سنة 147هـ، والذي أسماه (كتاب التاريخ) ، فهو أول كتاب في التاريخ يحمل هذا العنوان، ثم اعتمد بعد ذلك على نحو واسع، فكتب تحت العنوان نفسه هشام بن محمد بن السائب الكلبي، المتوفى سنة 204هـ ، كتاب (تاريخ أخبار الخلفاء)، وكتب الهيثم بن عدي، المتوفى سنة 206هـ كتاب (التاريخ على السنين) وكتاب : تاريخ الأشراف الكبير.
وهذا لا يعني أن التأريخ كلفظ وجذره من الألفاظ الدخيلة أو المولدة على العربية، فقد كانت بعض اللهجات القديمة تستعمل هذا المعنى وإن كان بصيغ أخرى { فبنو تميم يقولون (ورخت الكتاب توريخاً)، والقيسيون يقولون (أرخته تأريخاً) فاللهجتان موجودتان عند العرب الجنوبيين وتحديدا اليمنيون ... وإن كانت بعض المصادر اللغوية تشير إلى أصل الكلمة وتنسبها للغة الأكادية والسومرية خاصة وإذا ربطنا بين معنى ما ورد في لهجة القيسيين والتميميين من أنها تشير للوقت فقط ولا تشير لمعنى تسجيل الحدث وارتباط ذلك المعنى بما ورد في اللغة الأكادية القديمة، حين تنسب المصادر ذلك إلى معنى القمر (من لفظة "أرخو" التي تعني بالأكادية القمر، وبتغير منازل القمر تتغير الأيام وبالتالي يعني التأريخ هنا التزمين، أي ربط المعنى بالتوقيت والزمن فقط)، وأيضا هناك ما يعزز هذه النتيجة أن القرآن الكريم أستخدم معنى التوقيت والتزمين من خلال الأهلة وهي اشراقات القمر كدلالة زمنية تحدد التأريخ في ثلاثة عشر موضع (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ﴿١٨٩ البقرة﴾.
الظاهر من أن مدلول كلمة التأريخ في اللغة العربية قبل أستعمال المصطلح تنحصر في معنى التسطير والمسطرة والسطور، فعند الفهم القرآني للكلمة والدلالة هي أن التاريخ هو ما سطره أي مجتمع أو شخص في حياته من أفعال أو أحداث أو مواقيت، سواء أكان ذاك المسطور مدون أو منقول ومتوارث تشبيها وتمثيلا لمعنى الإسطار وهو جعل الأشياء تبدو كأنها مصفوفات وفق نمط أو أسلوب محدد، وبالتالي الأساطير كلمة عربية تعني كل ما صف من أحداث عبر التأريخ وفق نموذج محدد ومعلوم، لذا أنا أرى أن كلمة أساطير معنى ودلالة وقصد هي من العربية الخالصة وبالرغم من أشتراكها في المدلول المعنوي مع كلمة (أستوري Istoria أو هستوري History ) الواردة في اللغات الأوربية.
هذا بأختصار ما يخص الأسطورة والتأريخ في العربية كلفظ ومعنى ودلالة ومفردة لغوية وأصطلاح، ولتكتمل الصورة علينا أن نقارن هذا الملخص من خلال لغة أخرى لنرى المشترك والمفترق الدلالي والمعنوي لكلا المصطلحين ولنأخذ المعنى الغربي عموما لنجد مثلا هناك عدة مفاهيم لمعنى التأريخ كدلالة لغوية، فكلمة "التاريخ" تعني في المعجم الغاية والوقت الذي ينتهي إليه كلُّ شيء، وبذلك يتَّصل المعنى بحركة الزَّمن المرصودة، وليس بالحكاية الأسطوريَّة التي تشير إليْها كلمة History باللغات الأوروبيَّة، (والأصل لكلمة (Istoria) اليونانيَّة عندما نشطت الحركة الفكرية والسياسيَّة في الدويلات اليونانيَّة في القرنين 6 و 5 ق.م كانت هذه الكلِمة تعني: (البحث عن الأشياء الجديرة بالمعرفة)، كمعرِفة البلْدان، العادات، المؤسسات السياسية المعاصرة أو الماضية، لكنَّ الكلِمة ما لبثتْ أنِ اقتَصَر مدلولُها على (معرفة الأحداث التي رافقتْ نُمُوَّ تلك الظواهر) .
تُعرف الأسطورة عند الإغريقين بمصطلح "الميثولوجيا" ويُقسم ذلك اللفظ إلى مقطعين "الميثو" أي الخرافة أو الحديث أو الأسطورة، "لوجيا" أي التصريح أو العلم بالشيء أو القول به، فاللوجيا قبل أن تتحول بالمعنى الاصطلاحي لتكون دلالة على محدد العلم كنوع معرفي مثل (الجيولوجيا والمورفولوجيا) كانت تعني المعلوم أو المعروف طبيعيا، وبالجملة فإنَّ ذلك اللفظ يعني القصص الخياليَّة التي تردنا من مصادر قديمة قد لا نعرف منشأها أو كيفية ورودها ولا الظروف التي أنشأتها، وقد نشأت الأسطورة نتيجة طبيعية عندهم للحاجة إلى تفسير وأحيانا لتبرير الأمور الغامضة والذي عجز أبناء المجتمع الإغريقي على تفسيرها في تلك الآونة، بمعنى آخر إنَّ الأسطورة الإغريقية هي مجموعة من القصص التي ظهرت منذ العصر الموكيني والتي تحتوي على العديد من الشخصيَّات والأبطال الخارقين الأقوياء والآلهة المتعددة التي تستعين بالبشر وغير ذلك، ولمّا كان اليونانيون يؤمنون بالآلهة المتعددة ساعد ذلك كثيرًا على ظهور الأسطورة بشكل مكثف ومشخصنة حسب قوة وتأثير تلك الشخصية على الذهنية الفكرية القديمة وهذا ما يعلل كثرتها وتنوعها وانتشارها في تلك الآونة.
ولو عدنا إلى كلمة (ميثيو mythos) في القاموس العربي الإنكليزي مثلا نجدها تعني أول الأمر الرواية قبل أن تأخذ المعنى الاصطلاحي لها (الرواية الخيالية)، لتتحول مع الأستعمال التخصيل لتخذ دلالة لما تعنية الكلمة من كون الرواية الخيالية الخارقة وخصوصا تلك المتعلقة بالآلهة والأرباب وصراعاتهما مع ومن أجل وضد الإنسان (Mythical)، هذا يعني أن اللغات الأوربية ومنها الإغريقية لم تكن تقصد من الأسطورة ذلك الجزء من التأريخ الذي يعني ذات الدلالة في اللغة العربية، وإنما جعلته نوعا من الأدب التأريخي الملحمي أو الخيالي وخاصة ما يتعلق منه بالجانب الديني، فالفهم العربي (للميثولوجيا) يخلط بين مفهوم الأسطورة كجنس أدبي متخصص لا يحسب على التأريخ بقدر ما يحسب على تصنيف المعرفة الدينية، وبين دلالته التأريخية الراهنة التي صيرته أكثر قربا وألتصاقا بالمعرفة التأريخية في جانبها الديني، ولكن شيوع الأستعمال وعدم تقدير القيمة القصدية للمصطلح كما خصصت ذلك في الأدب العربي كانت السبب وراء ذلك الأستعمال الخاطئ.
إذا كان هناك فرق كبير في الأستعمال الأوربي بين مفهوم (Mythical) الذي خص به الرواية العجائبية الغريبة، وبين مصطلح (History) الذي يعني تماما الأسطورة في اللغة العربية بدلالته وبلفظه أيضا، فقد كان الرومان قد أخذوا الكلمة بمعناها ومبناها الأصلي والذي نجد له جذور حقيقية في اللغات السامية القديمة الأكادية والسومرية وحتى العبرية لاحقا، فصارت عندهم لفظ (Historia)التي تعني المكتوب أو المعروف المسطر المدون والشفاهي من تاريخ الأمم والأحداث والشخصيات، ومنها اشتقَّت لاحقا اللغات الأوربيَّة الحديثة كلمة (History) الإنجليزيَّة، و(Histoire) الفرنسيَّة التي تعني علم التاريخ أو قصص تأريخية حتى أن كلمة (story ) تعني القصة أو السرد تماما كما تعني معنى القصة في اللغة العربية.
الفرق بين التاريخ والأسطورة في اللغة العربية هو الفرق بين التوقيت (التزمين) وبين القصة كفعل وأثر ونتائج، حيث الأول يبحث ربط الحدث بالزمن ويعلقه به (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) ﴿٣٨ الشعراء﴾ أي إلى تأريخ محدد، أما الثاني يسرد الحدث مضافا للزمن لذلك جاءت الأسطورة عربيا بمعنى قصص الأولين أو أحداث الأولين، أي سرد لما في الماضي من قصص وحكايات وأحداث ووقائع بطابعها الجدي لا الخيالي أو العجائبي كما يفهم اليوم من لفظ الأسطورة (قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ﴿٣١ الأنفال﴾، النص هنا ينفي عن الدلالة صفة العجائبية والغرائبية والخوارقية بدلالة أنهم قالوا (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا)، وهذا يعني أن الأساطير هنا بمعنى تأريخ الإنسان فقط بشكله الطبيعي المقدور عليه والممكن تحقيقه في أي زمان.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين تاريخ الانسان وتاريخ الموجودات الاخرى
- المعيارية في دراسة التاريخ
- في إشكالية التاريخ المتفق والمختلف عليه
- بائع مجنون ومشتري عاقل
- صورة الموجود الكلي في الوجود التفصيلي
- هل يحتاج مفهوم الوجود إلى التعريف
- القصدية الدلالية للنص الديني بين أهل العلم وأهل التصور
- لماذا؟ ومن قتل عليا في المحراب؟
- الخلاصة في وجود الله بالوجود
- الوجود بين الظاهر والصورة
- الحرية على طبق من ذهب
- ... أمارات تحت سقف الله
- مثقفون ولعبة الثقافة
- مقدمة في التربية الأولية وعلاقتها بالنظرية الأجتماعية العامة
- في الديمقراطية التوافقية ماهية الإشكالية وجوهر المشكلة
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح2
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح3
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح1
- مسار تصحيح العلاقة التاريخية الوجودية بين الإنسان وربه
- كان ما هي الحدود التي يمكن تصورها لهذا العالم ؟,


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - القرآن ومقهومه للتاريخ