أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - لماذا؟ ومن قتل عليا في المحراب؟















المزيد.....

لماذا؟ ومن قتل عليا في المحراب؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7227 - 2022 / 4 / 23 - 19:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من مأخذ التاريخ الإسلامي ودارسيه كعلم ومنهج ورؤية في البحث هي علة "الهوى" أي إتباع ما تهوى النفس وإسقاط ذلك على المعرفة، سواء أكانت هذه المعرفة تستند لوقائع مادية كالتاريخ الذي يسجل أحداث من المفترض أنها تدون كما هي بدون تدخل أعتباطي أو رؤية خارج الحدث، أو أيضا فيما يتعلق بالمعرفة النقلية كالدين والأدب وما هو خارج الماديات المجسدة، العلة هي إجبار المعرفة أن تستجيب لرغباتنا الشخصية حتى نثبت أو ننفي مقدمة أمنا بها عن جهل أو قصد دون سابق قيمة لمفهوم العلم واليقين المؤكد، لذلك نرى التناقض واحيانا حتى التضارب في الاصل والصورة.
هذه المقدمة أسوقها للكلام عن ذكرى أستشهاد الإمام علي في مثل هذه الأيام من شهر رمضان عام 40 للهجرة، فالمؤرخ الإسلامي بكافة توجهاته ومدارسه وأحزابه وتخريجاته، ما فلح في تحديد وقائع قطعية أو أدلة يمكن الركون إليها بدون كثيرا من الشك الذي يهز قوتها، فهو لم يحسم لليوم لماذا قتل عليا في المحراب؟.
يقال مرة أن حب قطام التي أستغلت مشاعر القاتل وولعه بها فأستدرجته كما تستدرج الفريسة لمحل الطعم ليقع في شباك الخديعة، هذا الحب الخديعة جنن القاتل فأقدم على فعلته بدوافع لوعة الحب ونيران العسق الأعمى... وما فاز باللذات إلا من كان جسورا، طبعا شخص غبي مثلي لا يقنع أن هذا العاشق المجنون فعل فعلته بكل بلاهة وهو الذي يقال عنه انه كان من ذوي الشأن العام ومقاتلا مشهورا ومن أصحاب الرأي الراجح، كيف يكون كذلك وهو ولم يحسب أن مجرد رفع سيفه في المسجد يعني نهايته ونهاية عشقه وجنونه، فهو بالتأكيد الجازم مجنون فعلا أكثر من كونه عاشق، وفي الجزاء العقابي في الإسلام تم رفع السيف عن المجنون لعلة في الإدراك تعفيه من الجزاء المماثل، فقتله ومحاسبته جريمة عمدية مخالفة للنص الديني ولقواعد النص الحاكم، وبالتالي فقتله جناية عظمى اكبر من الجريمة المجنونة، وممن ؟ من أعلم الناس بالحدود وأفقه وأعلم وأعدل الأمة...
إذا لم يكن ابن ملجم ولا قصة عشقه لقطام سبب في ما حدث... قد تكون إساءة لعلي وللإسلام لمن يتمسك بها ويراها أصل القضية.
يعود المؤرخ الإسلامي في رأي أخر ويقول أن الخوارج تأمروا على عليا ليقصوه بعد أن أقصاهم وشتت شملهم في معركته معهم فلجأوا للغدر والغيلة، وما ابن ملجم إلا فرد من الخوارج، هذه الرواية مع مقبوليتها وعدم تعارضها مع الواقع في الصراع الديني بين عليا وخصومه، قد تشجع الكثير بالتسليم فيها والاطمئنان بمخارجها المنطقية، ولكن دوما الحقيقة لوحدها تبقى تضعضع قناعاتنا عندما لا تكون مطابقة لما نرى، فالرواية التي يوردها نفس الكاتب ونفس المنهج تؤكد أن عليا لم يقتله الخوارج!!!!!
فمن يعرف نوايا إنسان ويصارحه بها قبل أن تحدث كان بإمكانه أن بصرح بمن بعثه أو حرض عليه، فعندما مر عليا على القاتل وهو نائم في المسجد وطلب منه أن يعدل من وضع نومته مؤكدا له علمه بما أضمر من نيه، لم يقل أيضا أن الخوارج وراءه ولا طلب من أولاده وشيعته والمحيطين به أن يطابوا الثأر منهم بعد الذي صار وجرى، إنما قال ضربة بضربة، أي أن الموضوع لا يتعدى الشخص ولا يمكن أن يحمل أخرون جريرة فعل لا دليل عليه ولا حجة سوى أجتهاد المجتهدين ورؤيتهم الشخصية.
إذا لماذا قتل عليا في محرابه؟ إن كان نزاع سلطة فعبد الرحمن بن ملجم لا وزن له ولا قيمة حتى ينازع عليا وينافسه على سلطان أمة، يقال جزما والراوي والمؤرخ هنا يصر على أعجمية ابن ملجم وفارسيته التي يأنف منها العرب في الخضوع والطاعة له، وبالتالي فطموحه لا يمكن أن يصل لينافس عليا لا في المنزلة ولا في القرابة ولا في السبق ولا في إجماع الناس ورغبتهم في تولي السلطة، فهل من العقل أن يصارع أحد من السوقة أو بسطاء الناس مثلا وحتى في المنافسة الديمقراطية رجلا بضخامة علي وتاريخه، فلو فعلها من هذا الباب أيضا فهو مجنون ساقط القلم عنه وهو أولى بالحجر من القتل.
إذا ابن ملجم بالتأكيد ليس بريئا من دم علي، ولا من دليل على سبب وجيه يدفع للفعل حتى نقرر شكل الجريمة وربما المنتفع منها على وجه التحديد، فأين تكمن المشكلة إذا ولماذا لم يتوصل أحد بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لمعرفة القضة بقضها وقضيضها حتى نفهم لماذا يقتل رجل مثل علي عرفه أعداءه محقا عادلا زاهدا قبل أن يعرفه محبوه وناصروه؟.
في علم التحقيق الجنائي يذهب المحقق أولا إلى محل الحادث لجمع الأدلة المادية ورفع البصمات وتصوير مكان الحادث، ومن ثم السؤال من أقرب الأشخاص على وقوع الحدث زمانا ومكانا بما يعرف بالمشاهدة العيانية أو حتى التشخيص الكامل للفاعل والمفعول به، كل هذه الأدلة حاسمة أحيانا أو قد تكون ظرفية لأنها تخضع أيضا للإثبات والربط والأتصال في موضوع التحقيق، لكنها بالمجمل لا توضح الأسباب الكلية والحقيقية إلا في الحالات التي تكون فيها الجريمة آنية من غير مقدمات أو سبق إصرار وترصد، من مجمل ما أطلعنا عليه من هذا الجانب أن عبد الرحمن بن ملجم كان نائما في المسجد مع نية مبيتة للقتل بسبق إصرار وترصد، وأيضا أن المجنب عليه حسب الروايات كان يعرف تماما ما في نية القاتل من شر سيلحقه، وأن المسجد كان ممتلئا بالناس المصلين وهم عادة من كبار أركان الدولة أو من كبار أصحاب الإمام، وليس من عادة المصلين في هذا الشهر أن يحملوا سيوفهم معهم أثناء الصلاة، وقد قيل أن ابن ملجم كان يخبئ السيف تحت ملابسه وهذا عذر واهي ولا يصدق، فعندما يريد النائم ان ينهض للصلاة بعد أستفاقته من النوم أن يذهب للوضوء قبل أداء الصلاة وهنا لا بد أن يبان السلاح وسيظهر للناس.
نت الرواية أعلاه لا بد أن نؤشر مجموعة قضايا عقلية وبعضها يتصل بالعقيدة أيضا، وأهمها أن مقولة علم المجني علية بنية القاتل وسكوته عن أتخاذ أي تصرف ليحمي نفسه تسقط عنه منطق العقلانية والمسئولية، فمن باب ان لا ترمي نفسك بتهلكة تمنع ذلك عنه، فالسكوت في معرض الحاجة بيان وبالتالي فيكون سكوت عليا تواطئ مع القاتل على القتل، هذا يعني أن عليا لم يستشهد وفقا للمقاييس الدينية وإنما شارك في عملية أنتحار متعمدة، النقطة الأخرى سكوت عليا عن نية ابن ملجم، أما أن تكون حقيقية ويراد منها أن يضع المجتمع الإسلامي والمسلمين أمام فتنة ما زالت تأثيراتها باقية لليوم تعصف بنا وبالدين، فيكون عليا هو صاحب الفتنة ومنشئها وليس غيره، أو تكون الرواية مفتعلة كاذبة ارادوا بها تعظيم ليس في محله ولا لعلي حاجة بها، التعظيم المقصود بخصوص علمه بنية القاتل وإنما أصيب الرجل غدرا وغيلة مما كان يظن أن لا شرا معه.
النقطة الأخرى التي يبحث عنها المحقق هي السؤال الشائع في علم التحقيق " هل للمجني عليه أعداء؟"، يتبعه سؤال أخر هل هناك صاحب مصلحة فعلية في وفوع الجناية؟ للسؤالين اجابة جاهزة... نعم للرجل كثير من الأعداء وكثيرا من هم من أصحاب المصلحة، لكن الأهم في كل ذلك الدوافع الخفية من العداء والمصلحة، إنه صراع السلطة بين جناحي قريش بالتأكيد وليس شيئا أخر، لا حب قطام قادر على قتل علي ولا منهج الخوارج له المصلحة والدافع بقتل عليا وهو الذين رفعوا السيف بوجهه بشجاعة ودون لبس ولا تحت مبررات غادرة.
من قتل عليا هم من قيل أنهم مسلمون نازعوه على حق كل يراه صاحبه، قتلوه أصحاب الوله السلطوي والمالي وعشق السيادة وصناع العبودية، قتلوه من أسسوا دين السلطة وقتلوا دين الرسالة، قتله المؤرخون والرواة من الباحثين عن الجوائز والمستعدون دوما أن يجعلوا الله يقول ما يريده السلطان ولو غصبا عنه، وأصحاب الأحاديث المخرجة والمستخرجة من أدبار القوم قبل أنتخرج من أفواههم، والروايات الصحيحة والمصححة والضاجة بالصح طالما أنها تمر على الأغبياء دون تدقيق أو تمحيص، قتل علياء غباء محبيه أكثر من دهاء أعداءه عندما حولوا القضية من جناية يجب على الجميع الوقوف عندها والبحث عن القتلة الذين من بعد علي لم ينقطعوا يوما بقتل الاحرار والثوار، لتتحول قضيتهم العظيمة إلى منافع وطقوس وكلام شعوري عاطفي يدر الدمع بدل أن يستخرج الحقيقة من مداره ويصححوا التأريخ.
إذا من قتل عليا في محراب الله؟ نحن أمة علي كلنا قتلة وكلنا مجرمون مع سبق الإصرار والترصد، والله ولي العلم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخلاصة في وجود الله بالوجود
- الوجود بين الظاهر والصورة
- الحرية على طبق من ذهب
- ... أمارات تحت سقف الله
- مثقفون ولعبة الثقافة
- مقدمة في التربية الأولية وعلاقتها بالنظرية الأجتماعية العامة
- في الديمقراطية التوافقية ماهية الإشكالية وجوهر المشكلة
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح2
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح3
- وحدة الخالق ووحدة المخلوق ح1
- مسار تصحيح العلاقة التاريخية الوجودية بين الإنسان وربه
- كان ما هي الحدود التي يمكن تصورها لهذا العالم ؟,
- الأنسان بين المقدر له والمقدر عليه
- حلم العودة الى الجنة
- التغيير الفكري الديني ... عوامل موضوعية وأستحقاقات ذاتية
- التحولات الاولى في قضية الايمان بالدين وتطور مفهوم العقيدة
- الأسئلة الأولى قبل الفلسفة
- القداسة بين النص والناص
- الدين في لعبة الإنسان الأنانية
- وهم غودو الديني


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - لماذا؟ ومن قتل عليا في المحراب؟